miércoles, 28 de agosto de 2013

سورة الفيل

0 comentarios
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)

فضل سورة الفيل :

  - عن عاصم عن زر عن أُبيّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  :  من قرأ سورة الفيل عافاه اللّه عزّوجلّ أيام حياته في الدنيا من القذف والمسخ.

هذه الآيا تشير إلى واقعة مشهورة :
-  وفي الصحيحين أن رسول الله صلى االه عليه وسلم ، قال يوم فتح مكة : } إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين , وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس , ألا فليبلغ الشاهد الغائب { , فهي حادثة ثابتة أنه قد حبس الفيل عن مكة في يوم الفيل . .
هذه الأيات للتذكير بجليل النعم :
خاطب الله تعالى رسوله مذكراً إياه بفعله في حقبة من قوة أبرهة أبادها الله تعالى في ساعة فاصبر يا محمد ولا تحمل لهؤلاء الأعداء هماً فإِن لهم ساعة فكانت السورة عبارة عن ذكرى للعظة والاعتبار.
وهو سؤال للتعجيب من الحادث , والتنبيه إلى دلالته العظيمة . فالحادث كان معروفاً للعرب ومشهوراً عندهم , حتى لقد جعلوه مبدأ تاريخ . يقولون حدث كذا عام الفيل , وحدث كذا قبل عام الفيل بعامين , وحدث كذا بعدعام الفيل بعشر سنوات
مناسبة السورة لما قبلها :
 - البقاعي وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة الهمزة ذكر اغترار من فتن بماله حتى ظن أنه يخلده وما أعقبه ذلك، أتبع هذا أصحاب الفيل الذين غرهم تكاثرهم، وخدعهم امتدادهم في البلاد واستيلاؤهم حتى هموا بهدم البيت المكرم، فتعجلوا النقمة، وجعل الله كيدهم في تضليل...

لذلك قال الله ألم تر ولم يقل ألم تسمع مع أن، رسول الله لما يولد بعد :

 ألم تر: أي تعلم علمًا هو في تحققه كالحاضر المحسوس بالبصر، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وإن لم يشهد تلك الوقعة فإنه شاهد آثارها، وسمع بالتواتر مع إعلام الله له أخبارها، وخصه صلى الله عليه وسلم إعلامًا بأن ذلك لا يعلمه ويعمل به إلا هو صلى الله عليه وسلم ومن وفقه الله الحسن اتباعه، لما للإنسان من علائق النقصان، وعلائق الحظوظ والنسيان...
و قال ربك ، ولم يقل: الرب مع أن الخطاب موجه للجميع ؟

*  والمشهور أن مولد رسول الله r كان في عام الفيل ذاته . ولعل ذلك من بدائع الموافقات الإلهية المقدرة !



      * الرازي :  
أحدها: كأنه تعالى قال: إنهم لما شاهدوا هذا الانتقام ثم لم يتركوا عبادة الأوثان، وأنت يا محمد ما شاهدته ثم اعترفت بالشكر والطاعة، فكأنك أنت الذي رأيت ذلك الانتقام، فلا جرم تبرأت عنهم واخترتك من الكل، فأقول: ربك، أي أنا لك ولست لهم بل عليهم.
  وثانيها: كأنه تعالى قال: إنما فعلت بأصحاب الفيل ذلك تعظيمًا لك وتشريفًا لمقدمك، فأنا كنت مربيًا لك قبل قومك،  فكيف أترك تربيتك بعد ظهورك، ففيه بشارة له عليه السلام بأنه سيظفر.
  * البقاعي : ربك أي المحسن إليك ومن إحسانه إحسانه إلى قومك بك وبهذه الواقعة الخارقة للعادة إرهاصًا لنبوتك كما- هو معلوم من أخبار الأنبياء المتقدمين فيما يقع بين أيدي نبواتهم من مثل ذلك ليكون مؤيدًا لادعائهم النبوة بعد ذلك...
                           الرازي:  لم قال : أصحاب الفيل  ولم يقل: أرباب الفيل أو ملاك الفيل؟
الجواب: لأن الصاحب يكون من الجنس، فقوله: {أصحاب الفيل} يدل على أن أولئك الأقوام كانوا من جنس الفيل في البهيمية وعدم الفهم والعقل .

          * بل فيه دقيقة، وهي: أنه إذا حصلت المصاحبة بين شخصين، فيقال: للأدنى منهما إنه صاحب الأعلى، ولا يقال: للأعلى إنه صاحب الأدون، ولذلك يقال: لمن صحب الرسول عليه السلام: إنهم الصحابة، فقوله:{أصحاب الفيل} يدل على أن أولئك الأقوام كانوا أقل حال وأدون منزلة من الفيل، وهو المراد من قوله تعالى: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] ومما يؤكد ذلك أنهم كلما وجهوا الفيل إلى جهة الكعبة كان يتحول عنه ويفر عنه، كأنه كان يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عزمي حميد فلا أتركه وهم ما كانوا يتركون تلك العزيمة الردية فدل ذلك على أن الفيل كان أحسن حالًا منهم.

قوله تعالى: { ألم يجعل كيدهم في تضليل } :

                 أي : ألم يجعل ما كادوه لبيتنا وحرمنا في خسارة وضلال فلم يجنوا إلا الخزي والدمار .
ولعله كان بهذا يذكر قريشاً بنعمته عليهم فبحماية هذا البيت وصيانته , في الوقت الذي عجزوا هم عن الوقوف في وجه أصحاب الفيل الأقوياء . لعلهم بهذه الذكرى يستحون من جحود الله الذي تقدمت يده عليهم في ضعفهم وعجزهم , كما يطامنون من اغترارهم بقوتهم اليوم في مواجهة محمد والقلة المؤمنة معه . فقد حطم الله الأقوياء حينما شاءوا الاعتداء على بيته وحرمته ; فلعله يحطم الأقوياء الذين يقفون لرسوله ودعوته .
                                                   الرازي : تحليل كلمة الكيد :
المسألة الأولى: اعلم أن الكيد هو إرادة مضرة بالغير على الخفية، إن قيل: فلم سماه كيدًا وأمره كان ظاهرًا، فإنه كان يصرح أنه يهدم البيت؟.
قلنا: نعم، لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر، لأنه كان يضمر الحسد للعرب، وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة منهم ومن بلدهم إلى نفسه وإلى بلدته.

وقوله كيدهم يدل على نوايا أخفى من مجرد هدم الكعبة :
الرازي  - أليس أن كفار قريش كانوا ملأوا الكعبة من الأوثان من قديم الدهر، ولا شك أن ذلك كان أقبح من تخريب جدران الكعبة، فلم سلط الله العذاب على من قصد التخريب، ولم يسلط العذاب على من ملأها من الأوثان؟
 والجواب: لأن وضع الأوثان فيها تعد على حق الله تعالى، وتخريبها تعد على حق الخلق، ونظيره قاطع الطريق، والباغي والقاتل يقتلون مع أنهم مسلمون، ولا يقتل الشيخ الكبير والأعمى وصاحب الصومعة والمرأة، وإن كانوا كفارًا، لأنه لا يتعدى ضررهم إلى الخلق.
قصة الفيل :

من هو أبرهة ؟
كان حاكما على الأراضي العربية من مملكة أكسوم الحبشية، بعد أن غزاها في القرن السادس الميلادي انتقاما لما تعرض له أصحاب الأخدود، حيث أرسله ملك الحبشة تلبية لرغبة جوستينيان قيصر الروم للانتقام من اليهود هناك, فذهب على رأس جيش كبير، واستمرت الحرب لمدة عامين حتي انتحر ذو نواس ملك اليمن اليهودي عند يأسه من النصر، بعد ذلك اهتم أبرهة بنشر الحضارة في الأرض الجديدة فبنى بضع كنائس في اليمن أهمها القليس بصنعاء ورمم سد مأرب عند تصدعه في آخر ترميم له.
تمرده على كالب

كان أبرهة واحدا من قادة جيش الملك كالب الذين أرسلهم لإخضاع الجزيرة العربية في حوالي عام 520م. وبعد أن نصب كالب سومويافع أشواع نائبا له على تلك المناطق ببضع سنين تمكن أبرهة من خلع سومويافع أشواع بمساعدة الحامية الأكسومية، ونصب نفسه ملكا. ولكن كالب حاول بعد ذلك إخماد هذا التمرد وإعادة سيطرته على تلك المناطق العربية مرتين. حيث تألفت أول حملة من 3000 جندي، إلا أن تلك القوات ما لبثت أن انضمت لأبرهة، فأرسل حملته الثانية إلا أن أبرهة هزمها، فاستسلم كالب للأمر الواقع واعترف بأبرهة ملكا على اليمن. ورغم ذلك كله، فبعد وفاة كالب، تصالح أبرهة مع خليفته، ووعده بإرسال الجزية وأعلن تبعيته له.


هدم الكعبة ونوايا التوسع السياسي والاقتصادي  :
هذه الآيات تضمنت الحديث عن حادث جلل وقع أمام ولادة النبي r وخلاصته أن أبرهة الأشرم والي اليمن من قبل ملك الحبشة قد رأى أن يبني بيتاً في صنعاء اليمن يدعو العرب إلى حجة بدل حجهم البيت الحرام والقصد من ذلك تحويل التجارة والمكاسب من مكة إلى اليمن وعرض هذا على الملك الحبشي فوافق وسره ذلك ولما بني البيت " الكنيسة " وسماها القُلَّيْس لم يبن مثلها في تاريخها جاء رجل قرشي فتغوط فيها ولطخ جدرانها بالعذرة غَصْباً منه، وذهب فلما رآها أبرهة الأشرم بتلك الحال استشاط غيظاً وجهز جيشاً لغزو مكة وهدم الكعبة وكان معه ثلاثة عشر فيلاً ومن بينها فيل يدعى محمود وهو أكبرها وساروا ما وقف في وجههم حي من أحياء العرب إلا قاتلوه وهزموه حتى انتهوا إلى قرب مكة وجرت سفارة بينهم وبين شيخ مكة عبد المطلب بين هاشم جد النبي r وانتهت المفاوضات بأن يرد أبرهة إبل عبد المطلب ثم هو وشأنه بالكعبة وأمر رجال مكة أن يخلو البلد ويلتحقوا برؤوس الجبال بنسائهم وأطفالهم خشية المعرة تلحقهم من الجيش الغازي والظالم، وما هي إلا أن تحرك جيش أبرهة ووصل إلى وادي محسر وهو في وسط الوادي سائر وإذا بفرق من الطير فرقة بعد أخرى ترسل على ذلك الجيش حجارة الواحدة ما بين الحمصة والعدسة في الحكم وما تسقط الحجرة على رجل إلا ذاب وتناثر لحمه فهلكوا وفر أبرهة ولحمه يتناثر فهلك في الطريق وكانت هذه نصرة من الله لسكان حرمه وحماة بيته ومن ثم ما زالت العرب تحترم الكعبة والحرم وسكانه إلى اليوم

قوله تعالى: { وأرسل عليهم طيراً أبابيل }

وتختلف الروايات هنا في تحديد نوع هذه الجماعات من الطير، وأشكالها وأحجامها ، وأحجام هذه الحجارة ونوعها وكيفية فعلها .
الرازي : ما صفة تلك الطير؟
-  روى ابن سيرين عن ابن عباس قال: كانت طيرًا لها خراطيم كخراطيم الفيل وأكف كأكف الكلاب.
-  وروى عطاء عنه قال: طير سود جاءت من قبل البحر فوجًا فوجًا، ولعل السبب أنها أرسلت إلى قوم كان في صورتهم سواد اللون وفي سرهم سواد الكفر والمعصية.
- وعن سعيد بن جبير: أنها بيض صغار ولعل السبب أن ظلمة الكفر انهزمت بها، والبياض ضد السواد..
- وقيل: كانت خضرًا ولها رءوس مثل رءوس السباع
       
      * وأقول: إنها لما كانت أفواجًا، فلعل كل فوج منها كان على شكل آخر فكل أحد وصف ما رأى. وقيل: كانت بلقاء كالخطاطيف.

       - أي جماعات جماعات كانت تشاهد وهي تخرج من البحر يشاهدها رجال مكة المعتصمون بقمم الجبال إذ تمر فوقهم وهي تحمل حجارة من سجيل كل طائر يحمل ثلاثة أحجار كالحمصة والعدسة واحدة بمناقره واثنتين بمخلبيه كل واحدة في مخلب ترميهم بها فتفتت لحومهم وتتناثر...

بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف ماكول :

الظلال : وسجيل :كلمة فارسية مركبة من كلمتين تفيدان: حجر وطين . أو حجارة ملوثة بالطين .والعصف:الجاف من ورق الشجر ...
الرازي: قوله كعصف ماكول:

 ذكروا في تفسير العصف وجوهًا ذكرناها في قوله: {والحب ذُو العصف} [الرحمن: 12] وذكروا هاهنا وجوهًا:
 - أحدها: أنه ورق الزرع الذي يبقى في الأرض بعد الحصاد وتعصفه الرياح فتأكله المواشي.
 - وثانيها: قال أبو مسلم: العصف التبن لقوله: {ذُو العصف والريحان} [الرحمن: 12] لأنه تعصف به الريح عند الذر -فتفرقه عن الحب، وهو إذا كان مأكولًا فقد بطل ولا رجعة له ولا منعة فيه.
 - وثالثها: قال الفراء: هو أطراف الزرع قبل أن يدرك السنبل ورابعها: هو الحب الذي أكل لبه وبقي قشره.
الظلال : ووصفه بأنه مأكول: أي فتيت طحين ! حين تأكله الحشرات وتمزقه , أو حين يأكله الحيوان فيمضغه ويطحنه ! وهي صورة حسية للتمزيق البدني بفعل هذه الأحجار التي رمتهم بها جماعات الطير . ولا ضرورة لتأويلها بأنها تصوير لحاله لاكهم بمرض الجدري أو الحصبة .
*  فجعلهم كعصف مأكول أي كزرع دخلته ماشية فأكلت عصفه أي ورقه وكسرت ثائمة وهشمته فكانت آية من آيات الله تعالى    .  

محاولة لتفسير علمي مع المدرسة العقلية  :

  - الظلال : ويرى الذين يميلون إلى تضييق نطاق الخوارق والغيبيات , وإلى رؤية السنن الكونية المألوفة تعمل عملها , أن تفسير  الحادث بوقوع وباء الجدري والحصبة أقرب وأولى . وأن الطيرقد تكون هي الذباب والبعوض التي تحمل الميكروبات , فالطير هو كل ما يطير .
  - قال الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في تفسيره للسورة في جزء عم: وفي اليوم الثاني فشا في جند الجيش داء الجدري والحصبة...
   - قال عكرمة: وهو أول جدري ظهر ببلاد العرب .
   -  وقال يعقوب بن عتبة فيما حدث: إن أول ما رؤيت الحصبة والجدري ببلاد العرب ذلك العام ...
       وقد فعل الوباء بأجسامهم ما يندر وقوع مثله . فكان لحمهم يتناثر ويتساقط فذعر الجيش وصاحبه وولوا هاربين , وأصيب الجيش , ولم يزل يسقط لحمه قطعة قطعة , وأنملة أنملة حتى انصدع صدره ومات في صنعاء".    

   "هذا أول ما اتفقت عليه الروايات , ويصح الاعتقاد به . وقد بينت لنا هذه السورة الكريمة أن ذلك الجدري أو تلك  الحصبة نشأت من حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش بواسطة فرق عظيمة من الطير مما يرسله الله مع الريح" .
 

  " فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض ,  وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات , فإذا اتصل بجسد دخل في مسامه , فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه . وأن كثيرا من هذه الطيور الضعيفة يعد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر , وأن هذا الحيوان الصغير - الذي يسمونه الآن بالمكروب - لا يخرج عنها .  

  *  وهو فرق وجماعات لا يحصي عددها إلا بارئها . . ولا يتوقف ظهور أثر قدرة الله تعالى في قهر الطاغين , على أن يكون الطير في ضخامة رؤوس الجبال , ولا على أن يكون من نوع عنقاء مغرب , ولا على أن يكون له ألوان خاصة به , ولا على معرفة مقادير الحجارة وكيفية تأثيرها . . فلله جند من كل شيء ".

"وليست في الكون قوة إلا وهي خاضعة لقوته . فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت , أرسل الله عليه من الطير ما يوصل إليه مادة الجدري أو الحصبة , فأهلكته وأهلكت قومه , قبل أن يدخل مكة . وهي نعمة غمر الله بها أهل حرمه - على وثنيتهمحفظ لبيته , حتى يرسل من يحميه بقوة دينه r وإن كانت نعمة من الله حلت بأعدائه أصحاب الفيل الذين أرادوا الاعتداء على البيت دون جرم اجترمه , ولا ذنب اقترفه" .
"هذا ما يصح الاعتماد عليه في تفسير السورة . وما عدا ذلك فهو مما لا يصح قبوله إلابتأويل , إن صحت روايته . ومما تعظم به القدرة أن يؤخذ من استعز بالفيل – وهوأضخم حيوان من ذوات الأربع جسما - ويهلك , بحيوان صغير لا يظهر للنظر , ولا يدرك بالبصر , حيث ساقه القدر . لا ريب عند العاقل أن هذا أكبر وأعجب وأبهر !! " .

تعليق السيد قطب في الظلال على هذا المسلك :
   إن سنة الله ليست فقط هي ما عهده البشر وما عرفوه . وما يعرف البشر من سنة الله إلاطرفاً يسيراً يكشفه الله لهم بمقدار ما يطيقون , وبمقدار ما يتهيأون له بتجاربهم ومداركهم في الزمن الطويل , فهذه الخوارق - كما يسمونها - هي من سنة الله . ولكنها خوارق بالقياس إلى ما عهدوه وما عرفوه !
ومن ثم فنحن لا نقف أمام الخارقة مترددين ولا مؤولين لها - متى صحت الرواية - أوكان في النصوص وفي ملابسات الحادث ما يوحي بأنها جرت خارقة , ولم تجر على مألوف الناس ومعهودهم . وفي الوقت ذاته لا نرى أن جريان الأمر على السنة المألوفة أقل وقعاً ولا دلالة من جريانه على السنة الخارقة للمألوف . فالسنة المألوفة هي في حقيقتها خارقة بالقياس إلى قدرة البشر . . إن طلوع الشمس وغروبها خارقة - وهي معهودة كل يوم - وإن ولادة كل طفل خارقة - وهي تقع كل لحظة , وإلا فليجرب من شاء أن يجرب ! وإن تسليط طير - كائناً ما كان - يحمل حجارة مسحوقة ملوثة بميكروبات الجدري والحصبة وإلقائها في هذه الأرض , في هذا الأوان , وإحداث هذا الوباء في الجيش , في اللحظة التي يهم فيها باقتحام البيت . . إن جريان قدر الله على هذا النحو خارقة بل عدة خوارق كاملة الدلالة على القدرة وعلى التقدير . وليست بأقل دلالة ولا عظمة من أن يرسل الله طيراً خاصاً يحمل حجارة خاصة تفعل بالأجسام فعلاً خاصاً في اللحظة المقررة . . هذه من تلك . . هذه خارقة وتلك خارقة على السواء ...

  - فأما في هذا الحادث بالذات , فأميل إلى اعتبار أن الأمر قد جرى على أساس الخارقة غير المعهودة , وأن الله أرسل طيراً أبابيل غير معهودة - وإن لم تكن هنا كحاجة إلى قبول الروايات التي تصف أحجام الطير وأشكالها وصفا مثيراً , نجد له نظائر في مواضع أخرى تشي بأن عنصر المبالغة والتهويل مضاف إليها ! - تحمل حجارة غيرمعهودة , تفعل بالأجسام فعلاً غير معهود ...

وأميل إلى هذا الاعتبار . لا لأنه أعظم دلالة ولا أكبر حقيقة . ولكن لأن جو السورة وملابسات الحادث تجعل هذا الاعتبار هو الأقرب .
  
 فقد كان الله - سبحانه -يريد بهذا البيت أمراً . كان يريد أن يحفظه ليكون مثابة للناس وأمناً ; وليكون نقطة تجمع للعقيدة الجديدة تزحف منه حرة طليقة , في أرض حرة طليقة , لا يهيمن عليها أحد من خارجها , ولا تسيطر عليها حكومة قاهرة تحاصر الدعوة في محضنها . ويجعل هذا الحادث عبرة ظاهرة مكشوفة لجميع الأنظار في جميع الأجيال , حتى ليمتن بها على قريش بعد البعثة في هذه السورة , ويضربها مثلاً لرعاية الله لحرماته وغيرته عليه 

   --  فمما يتناسق مع جو هذه الملابسات كلها أن يجيء الحادث غير مألوف ولا معهود , بكل مقوماته وبكل أجزائه . ولا داعي للمحاولة في تغليب صورة المألوف من الأمر في حادثه وفي ذاته وبملابساته مفرد فذ . .
وبخاصة أن المألوف في الجدري أو الحصبة لا يتفق مع ما روي من آثار الحادث بأجسام الجيش وقائده ,فإن الجدري أو الحصبة لا يسقط الجسم عضوا عضو اوأنملة أنملة , ولا يشق الصدر عن القلب . .

    *   ورواية عكرمة وما حدث به يعقوب بن عتبة ليست نصاً في أن الجيش أصيب بالجدري . فهي لا تزيد على أن تقول: إن الجدري ظهر في الجزيرة في هذا العام لأول مرة . ولم ترد في أقوال هما أية إشارة لأبرهة وجيشه خاصة بالإصابة بهذا المرض . .
*  ثم إن إصابة الجيش على هذا النحو وعدم إصابة العرب القريبين بمثله في حينه تبدو خارقة إذا كان الطير تقصد الجيش وحده بما تحمل . وما دامت المسألة خارقة فعلام العناء في حصرها في صورة معينة لمجرد أن هذه الصورة مألوفة لمدارك البشر ! وجريان الأمر على غير المألوفأنسب لجو الحادث كله ?!

تبرير التفسير العقلاني لأئمته :
·        مواجهة النزعة الخرافية والتأثر بالموجة العلمية الغربية :
فلقد كانت هذه المدرسة تواجه النزعة الخرافية الشائعة التي تسيطر على العقلية العامة في تلك الفترة؛ كما تواجه سيل الأساطير والإسرائيليات التي حشيت بها ، كتب التفسير والرواية في الوقت الذي وصلت فيه الفتنة بالعلم الحديث إلى ذروتها ، وموجة الشكّ في مقومات الدين إلى قمتها . فقامت هذه المدرسة تحاول أن ترد إلى الدين اعتباره على أساس أن كل ما جاء به موافق للعقل . ومن ثم تجتهد في تنقيته من الخرافات والأساطير . كما تحاول أن تنشئ عقلية دينية تفقه السنن الكونية ، وتدرك ثباتها واطرادها ، وترد إليها الحركات الإنسانية كما ترد إليها الحركات الكونية في الأجرام والأجسام وهي في صميمها العقلية القرآنية فالقرآن يرد الناس الناس إلى سنن الله الكونية باعتبارها القاعدة الثابتة المطردة المنظمة لمفردات الحركات والظواهر المتناثرة .

   *  فشاع في تفسير الأستاذ الشيخ محمد عبده كما شاع في تفسير تلميذيه الأستاذ الشيخ رشيد رضا والأستاذ عبد القادر المغربي رحمهم الله جميعاً شاع في هذا التفسير الرغبة الواضحة في رد الكثير من الخوارق إلى مألوف سنة الله دون الخارق منها ، وإلى تأويل بعضها بحيث يلائم ما يسمونه « المعقول »! وإلى الحذر والاحتراس الشديد في تقبل الغيبيات
·        هل العقل البشري هو الحاكم الأخير ؟
ومع إدراكنا وتقديرنا للعوامل البيئية الدافعة لمثل هذا الاتجاه ، فإننا نلاحظ عنصر المبالغة فيه ، وإغفال الجانب الآخر للتصور القرآني الكامل . وهو طلاقة مشيئة الله وقدرته من وراء السنن التي اختارها سواء المألوف منها للبشر أو غير المألوف هذه الطلاقة التي لا تجعل العقل البشري هو الحاكم الأخير . ولا تجعل معقول هذا العقل هو مرد كل أمر بحيث يتحتم تأويل ما لا يوافقه كما يتكرر هذا القول في تفسير أعلام هذه المدرسة .
هذا إلى جانب أن المألوف من سنة الله ليس هو كل سنة الله . إنما هو طرف يسير لا يفسر كل ما يقع من هذه السنن في الكون . وأن هذه كتلك دليل على عظمة القدرة ودقة التقدير . .
وكل ذلك مع الاحتياط من الخرافة ونفي الأسطورة في اعتدال كامل ، غير متأثر بإيحاء بيئة خاصة ، ولا مواجهة عرف تفكيري شائع في عصر من العصور!!
·        القرآن حاكم على العقل لا العكس ؟
إن هنالك قاعدة مأمونة في مواجهة النصوص القرآنية ، لعل هنا مكان تقريرها . . إنه لا يجوز لنا أن نواجه النصوص القرآنية بمقررات عقلية سابقة . لا مقررات عامة . ولا مقررات في الموضوع الذي تعالجه النصوص . بل ينبغي أن نواجه هذه النصوص لنتلقى منها مقرراتنا . فمنها نتلقى مقرراتنا الإيمانية ، ومنها نكوّن قواعد منطقنا وتصوراتنا جميعاً؛ فإذا قررت لنا أمراً فهو المقرر كما قررته! ذلك أن ما نسميه « العقل » ونريد أن نحاكم إليه مقررات عن الأحداث الكونية والتاريخية والإنسانية والغيبية هو إفراز واقعنا البشري المحدود ، وتجاربنا البشرية المحدودة .
لماذا لم يرسل الله عقابا على مكن تطاولوا على الكعبة في زمن الاسلام :

كم مرة هدمت الكعبة؟ :
  ابن كثير : ذكر هدم الكعبة وبنائها في أيام ابن الزبير قال ابن جرير: وفي هذه السنة هدم ابن الزبير الكعبة، وذلك لانه مال جدارها من رمي المنجنيق فهدم الجدار ح تى وصل إلى أساس إبراهيم، وكان الناس يطوفون ويصلون من وراء ذلك، وجعل الحجر الاسود في تابوت في سرق من حرير، وادخر ما كان في الكعبة من حلي وثياب وطيب، عند الخزان حتى أعاد ابن الزبير بناءها على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبنيها عليه من الشكل.
 
  - وذلك كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن، من طرق عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولادخلت فيها الحجر، فإن قومك قصرت بهم النفقة، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا، يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر، ولالصقت بابها بالارض فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا "

  - فبناها ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزاه الله خيرا.
ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف في سنة ثلاث وسبعين كما سيأتي، هدم الحائط الشمالي وأخرج الحجر كما كان أولا، وأدخل الحجارة التي هدمها في جوف الكعبة فرصها فيه، فارتفع الباب وسد الغربي، وتلك آثاره إلى الآن، وذلك بأمر عبد الملك بن مروان في ذلك، ولم يكن بلغه الحديث، فلما بلغه الحديث قال: وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك.
وقد هم ابن المنصور المهدي أن يعيدها على ما بناها ابن الزبير...

      - واستشار الامام مالك بن أنس في ذلك، فقال: إني أكره أن يتخذها الملوك لعبة، - يعني يتلاعبون في بنائها بحسب آرائهم - فهذا يرى رأي ابن الزبير، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رأيا آخر والله سبحانه وتعالى أعلم. أهـ

  *  قال الحافظ في الفتح : ويستفاد من هذا الحديث ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة , ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه , وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولا ما لم يكن محرما انتهى .(انتهي بلفظه من صفحة 308 طبعة دار الحديث). 

الرازي :: قال بعضهم:  إن الحجاج خرب الكعبة، ولم يحدث شيء من ذلك، فدل على أن قصة الفيل ما كانت على هذا الوجه وإن كانت هكذا إلا أن السبب لتلك الواقعة أمر آخر سوى تعظيم الكعبة
أنا بينا أن ذلك وقع إرهاصًا لأمر محمد صلى الله عليه وسلم، والإرهاص إنما يحتاج إليه قبل قدومه، أما بعد قدومه وتأكد نبوته بالدلائل القاطعة فلا حاجة إلى شيء من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.


دلالات أخيرة :

أراد الله أن يحمي بيته حتى لا يكون هناك يد للمشرركين ولا من بعدها
     الظلال : وأول ما توحي به أن الله سبحانه لم يرد أن يكل حماية بيته إلى المشركين ، ولو أنهم كانوا يعتزون بهذا البيت ، ويحمونه ويحتمون به . فلما أراد أن يصونه ويحرسه ويعلن حمايته له وغيرته عليه ترك المشركين يهزمون أمام القوة المعتدية . وتدخلت القدرة سافرة لتدفع عن بيت الله الحرام ، حتى لا تتكون للمشركين يد على بيته ولا سابقة في حمايته ، بحميتهم الجاهلية . ولعل هذه الملابسة ترجح ترجيحاً قوياً أن الأمر جرى في إهلاك المعتدين مجرى السنة الخارقة لا السنة المألوفة المعهودة فهذا أنسب وأقرب . .

ضعف العرب ومكانتهم بدون الاسلام :
والإيحاء الثالث هو أن العرب لم يكن لهم دور في الأرض . بل لم يكن لهم كيان . قبل الإسلام . كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة . وكانت دولتهم حين تقوم هناك أحياناً تقوم تحت حماية الفرس . وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم إما مباشرة وإما بقيام حكومة عربية تحت حماية الرومان .
عزة العرب بعدها بالاسلام :
الظلال : وتحت راية الإسلام ولأول مرة في تاريخ العرب أصبح لهم دور عالمي يؤدونه ، وأصبحت لهم قوة دولية يحسب لها حساب . قوة جارفة تكتسح الممالك وتحطم العروش ، وتتولى قيادة البشرية ، بعد أن تزيح القيادات الجاهلية المزيفة الضالة . . ولكن الذي هيأ للعرب هذا لأول مرة في تاريخهم هو أنهم نسوا أنهم عرب! نسوا نعرة الجنس ، وعصبية العنصر ، وذكروا أنهم مسلمون . ومسلمون فقط . ورفعوا راية الإسلام ، وراية الإسلام وحدها . وحملوا عقيدة ضخمة قوية يهدونها إلى البشرية رحمة وبراً بالبشرية؛ ولم يحملوا قومية ولا عنصرية ولا عصبية . حملوا فكرة سماوية يعلمون الناس بها لا مذهباً أرضياً يخضعون الناس لسلطانه . وخرجوا من أرضهم جهاداً في سبيل الله وحده ، ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها ، ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها ، ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكمهم أنفسهم! إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً إلى عبادة الله وحده ، كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد : « الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام » .



0 comentarios:

Publicar un comentario