قال
تعالى (يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
تلطيف روح الانسان وتقوية ارادته
وتعديل غرائزه
هل يتعامل الناس مع أجسامهم على أسلوب معقول يحترم
الحقائق وحدها؟
يقول علماء التغذية: إنَّ للطعام وظيفتين، الأولى: إمداد الجسم بالحرارة التي
تعينه على الحركة، والتقلُّب على ظهر الأرض، والأخرى: تجديد ما يستهلك من خلاياه،
وإقداره على النموِّ في مراحل الطفولة والشباب.
حسناً، هل نأكل لسدِّ هاتين الحاجتين وحسب، إنَّ أولئك العلماء يقولون: يحتاج الجسم إلى مقدار كذا وكذا من (السُّعر الحراري) كي يعيش، والواقع أنَّه إذا كان المطلوب مائة سُعر، فإنَّ الآكل لا يتناول أقل من 300 سعر، وقد يبلغ الألف!!
الطعام وقود، لابدَّ منه للآلة البشرية، والفرق بين الآلات المصنوعة والإنسان الحي واضح. فخزان السيارة مصنوع من الصلب؛ ليسع مقداراً معيناً من النفط يستحيل أن يزيد عليه، أما المعدة فمصنوعة من نسيج قابل للامتداد والانتفاخ يسع أضعاف ما يحتاج المرء إليه.
* الرغبة القاتلة:
وخزان السيارة يمدُّها بالوقود إلى آخر قطرة فيه إلى أن يجيء مدد آخر.
أمَّا المعدة فهي تسدُّ الحاجة ثم يتحوَّل الزائد إلى شحوم تبطن الجوف، وتُضاعف الوزن، وذاك ما تعجِز السيارة عنه، إنَّها لا تقدر على أخذ (فائض)، ولو افترضنا فإنها لا تقدر على تحويله إلى لدائن تضاف إلى الهيكل النحيف، فيكبر، أو إلى الإطارات الأربعة فتسمن!!
الإنسان كائن عجيب، يتطلَّع أبداً إلى أكثر مما يكفي، وقد يقاتل من أجل هذه الزيادة الضارة، ولا يرى حرجاً أن تكون بدانة في جسمه، فذاك عنده أفضل من أن تكون نماء في جسد طفل فقير، أو وقوداً في جسد عامل يجب أن يتحرك ويعرق!!
حسناً، هل نأكل لسدِّ هاتين الحاجتين وحسب، إنَّ أولئك العلماء يقولون: يحتاج الجسم إلى مقدار كذا وكذا من (السُّعر الحراري) كي يعيش، والواقع أنَّه إذا كان المطلوب مائة سُعر، فإنَّ الآكل لا يتناول أقل من 300 سعر، وقد يبلغ الألف!!
الطعام وقود، لابدَّ منه للآلة البشرية، والفرق بين الآلات المصنوعة والإنسان الحي واضح. فخزان السيارة مصنوع من الصلب؛ ليسع مقداراً معيناً من النفط يستحيل أن يزيد عليه، أما المعدة فمصنوعة من نسيج قابل للامتداد والانتفاخ يسع أضعاف ما يحتاج المرء إليه.
* الرغبة القاتلة:
وخزان السيارة يمدُّها بالوقود إلى آخر قطرة فيه إلى أن يجيء مدد آخر.
أمَّا المعدة فهي تسدُّ الحاجة ثم يتحوَّل الزائد إلى شحوم تبطن الجوف، وتُضاعف الوزن، وذاك ما تعجِز السيارة عنه، إنَّها لا تقدر على أخذ (فائض)، ولو افترضنا فإنها لا تقدر على تحويله إلى لدائن تضاف إلى الهيكل النحيف، فيكبر، أو إلى الإطارات الأربعة فتسمن!!
الإنسان كائن عجيب، يتطلَّع أبداً إلى أكثر مما يكفي، وقد يقاتل من أجل هذه الزيادة الضارة، ولا يرى حرجاً أن تكون بدانة في جسمه، فذاك عنده أفضل من أن تكون نماء في جسد طفل فقير، أو وقوداً في جسد عامل يجب أن يتحرك ويعرق!!
كان لي صديق يكثر من التدخين، نظرت له يوماً في أسف، ثم سمعني وأنا
أدعو الله له أن يعافيه من هذا البلاء، فقال- رحمه الله، فقد أدركته الوفاة –
(اللهم لا تستجب ولا تحرمني من لذة "السيجارة").
ولم أكن أعرف أن للتدخين عند أصحابه هذه اللذة، فسكتُّ، وقد عقدت لساني دهشة.
إن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يعرف ما يضرُّه، ويقبل عليه برغبة... إنها الرغبة القاتلة!!
على أن النفس التي تشتهي ما يؤذى يمكن أن تتأدَّب، وتقف عند حدود معقولة، كما قال الشاعر قديماً:
والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقنعُ
ولم أكن أعرف أن للتدخين عند أصحابه هذه اللذة، فسكتُّ، وقد عقدت لساني دهشة.
إن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يعرف ما يضرُّه، ويقبل عليه برغبة... إنها الرغبة القاتلة!!
على أن النفس التي تشتهي ما يؤذى يمكن أن تتأدَّب، وتقف عند حدود معقولة، كما قال الشاعر قديماً:
والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقنعُ
الصيام عبادة مستغربة أو منكورة في جوِّ الحضارة
المادية التي تسود العالم :
إنَّها حضارة تؤمن
بالجسد، ولا تؤمن بالروح، وتؤمن بالحياة العاجلة، ولا تكترث باليوم الآخر! ومن
ثمَّ فهي تكره عبادةً تُقيِّد الشهوات ولو إلى حين، وتؤدِّب هذا البدن المدلَّل،
وتلزمه مثلاً أعلى.
إنَّ الأفراد والجماعات في العالم المعاصر تسعى راغبة لتكثير الدخل، ورفع مستوى المعيشة، ولا يعنيها أن تجعل من ذلك وسيلة لحياة أزكى!
إنَّ الأفراد والجماعات في العالم المعاصر تسعى راغبة لتكثير الدخل، ورفع مستوى المعيشة، ولا يعنيها أن تجعل من ذلك وسيلة لحياة أزكى!
يعلم الصوم الانسان ان يثبت عمليا انه ليس بالحيوان اسير
المعلف والمضجع
فالقيود المؤقتة تمنحه
القدرة وقوة الارادة وعزيمة الكفاح كمثل الاشجار التي تنبت بين الصخور وفي الصحاري
وتتعرض منذ اوائل انباتها الى الرياح العاتية والشمس المحرقة وحينا اخر برودة الجو
القارصة وتواجه انواع التحديات وهي اشجار صلبة وقوية بينما الاشجار التي تعيش الى جوار
نهر وفير ما ان ينقطع عنها الماء حتى تصفر وتذبل
لعلَّ أهم ثمرات
الصوم إيتاء القدرة على الحياة مع الحرمان في صورة ما.
كنت أرمق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل أهل بيته في الصباح، أثمَّ ما يفطر به؟ فيقال: لا! فينوي الصيام، ويستقبل يومه كأنَّ شيئًا لم يحدث...
ويذهب فيلقى الوفود ببشاشة، ويبتُّ في القضايا، وليس في صفاء نفسه غيمة واحدة، وينتظر بثقة تامة رزق ربه دونما ريبة، ولسان حاله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح : 5 ، 6].
كنت أرمق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل أهل بيته في الصباح، أثمَّ ما يفطر به؟ فيقال: لا! فينوي الصيام، ويستقبل يومه كأنَّ شيئًا لم يحدث...
ويذهب فيلقى الوفود ببشاشة، ويبتُّ في القضايا، وليس في صفاء نفسه غيمة واحدة، وينتظر بثقة تامة رزق ربه دونما ريبة، ولسان حاله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح : 5 ، 6].
إنها لعظمة نفسية
جديرة بالإكبار أن يواجه المرء البأساء والضراء مكتمل الرشد، باسم الثغر. والأفراد
والجماعات تقدر على ذلك لو شاءت!
وأعتقد أن من أسباب
غلب العرب في الفتوح الأولى قلة الشهوات التي يخضعون لها، أو قلة العادات التي
تعجز عن العمل إن لم تتوافر.
يضع الواحد منهم
تمرات في جيبه، وينطلق إلى الميدان، أما جنود فارس والروم فإنَّ العربات المشحونة
بالأطعمة كانت وراءهم، وإلَّا توقَّفوا.
وتجتاح الناس بين الحين والحين أزمات حادة، تقشعرُّ منها البلاد، ويجفُّ الزرع والضرع، ما عساهم يفعلون؟ إنهم يصبرون مرغمين، أو يصومون كارهين، وملء أفئدتهم السخط والضيق. وشريعة الصوم شيء فوق هذا، إنها حرمان الواجد، ابتغاء ما عند الله! إنها تحملٌ للمرء منه مندوحة- لو شاء- ولكنه يُخرس صياح بطنه، ويُرجئ إجابة رغبته، مدَّخِراً أجر صبره عند ربه، كيما يلقاه راحة ورضا في يوم عصيب.. {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } [هود : 103] .
الارادة والعزيمة لا عن اضطرار وإنما هو اختيار :
إن كلمتي (إيماناً
واحتساباً) تعنيان جهداً لا يُستعجل أجره، ولا يُطلب اليوم ثمنه؛ لأنَّ باذله
قرَّر حين بذله أن يُجعل ضمن مدخراته عند ربه.. نازلاً عند قوله: {ذَلِكَ
الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} [النبأ : 39]!!
وسوف يجد الصائم مفطرين لا يعرفون للشهر حرمة، ولا لصيامه حكمة، إذا اشتهوا طعاماً أكلوا، وإذا شاقهم شراب أكرعوا.. ماذا يجدون يوم اللقاء؟
إنهم سوف يجدون أصحاب المدَّخرات في أفق آخر، مفعم بالنعمة والمتاع، ويحدثنا القرآن الكريم عمن أضاعوا مستقبلهم فيقول: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأعراف : 50 ، 51].
وسوف يجد الصائم مفطرين لا يعرفون للشهر حرمة، ولا لصيامه حكمة، إذا اشتهوا طعاماً أكلوا، وإذا شاقهم شراب أكرعوا.. ماذا يجدون يوم اللقاء؟
إنهم سوف يجدون أصحاب المدَّخرات في أفق آخر، مفعم بالنعمة والمتاع، ويحدثنا القرآن الكريم عمن أضاعوا مستقبلهم فيقول: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأعراف : 50 ، 51].
والله لو عم هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعا لآل
معناه أن يكون إجماعا من الإنسانية كلها لتطهير العالم من رذائله وفساده , ومحق
الأثرة والبخل فيه , فيهبط كل رجل وامرأة إلى اعماق نفسه يبحث في معنى الفقر ومعنى
الحاجة , وليفهم في طبيعة جسمه معنى الصبر والثبات والإرادة, ليبلغ من ذلك وبه
أرقى معاني الإخاء والحرية والمساواة .
الحرية الحق , التي يخلص فيها من رق الآفات النفسية والشهوات الحسية , تلك الحرية التي تكفل له بعد رمضان ارتقاء في النفس وعافية في البدن وروعة في الأخلاق , وذلك كله من أسباب فرح العبد بالعيد , وهو من أسرار عظمة رمضان.
ذلك لأن الذي صام لله طائعا , وتهيأ لرمضان بعزيمته , وأصر على الامتناع, وصبر على ذلك بأخلاق الصبر والثبات , كان يسيرا عليه أن يتعود الطاعة بقية أيام العام .
من هنا تأتي فداحة الاستمرار على المعاصي بعد ثلاثين يوم من هذا النظام النفسي الاجتماعي الروحاني التطهيري العالي , فذلك الذي لم يأخذ من رمضان إلا كما يأخذ العبيد من الامتناع عن الطعام والشهوات لفترة من الزمن, وهو يترقب متى ينتهي رمضان ليعود إلى المعاصي , كأن الذي صفد في رمضان هو لا الشيطان .
الحرية الحق , التي يخلص فيها من رق الآفات النفسية والشهوات الحسية , تلك الحرية التي تكفل له بعد رمضان ارتقاء في النفس وعافية في البدن وروعة في الأخلاق , وذلك كله من أسباب فرح العبد بالعيد , وهو من أسرار عظمة رمضان.
ذلك لأن الذي صام لله طائعا , وتهيأ لرمضان بعزيمته , وأصر على الامتناع, وصبر على ذلك بأخلاق الصبر والثبات , كان يسيرا عليه أن يتعود الطاعة بقية أيام العام .
من هنا تأتي فداحة الاستمرار على المعاصي بعد ثلاثين يوم من هذا النظام النفسي الاجتماعي الروحاني التطهيري العالي , فذلك الذي لم يأخذ من رمضان إلا كما يأخذ العبيد من الامتناع عن الطعام والشهوات لفترة من الزمن, وهو يترقب متى ينتهي رمضان ليعود إلى المعاصي , كأن الذي صفد في رمضان هو لا الشيطان .
إن نكبة الفكر ونكبة النفس ونكبة
الإنسانية كلها تأتي من البطن ,
مع إثبات
رؤية الهلال وإعلانها , كان ذلك هو التنبيه الإنساني العام لفروض الرحمة
والإنسانية والبر , وكأني بصوت السماء ينادي في الكون أن أبواب الجنة فتحت ,
وأبواب النار أغلقت , والشياطين صفدت وغلت .
وهذا المشهد جدير بالتأمل , فإذا كان الفتح فتح الله , كان أجمل ما يكون الفتح , وإذا كان الإغلاق إغلاق الله , كان أقوي ما يكون الإغلاق , وإذا صفد الله الشياطين , كان التصفيد أشد ما يكون وأحكم , إن هذا لرمضان وحده .
عرس في الأرض وعرس في السماء وعرس في قلوب التواقين إلى رحمة الله ورضوانه ومغفرته ,عام مضى من الحرب والسجال بين الإنسان وشيطانه ونفسه ونزواته وشهواته, عام من التعب والضيق والمشقة , حتى إذا جاء رمضان , قال الله للعبد استرح فقد فتحنا لك أبواب الجنة, وأغلقنا لك أبواب النار, وصفدنا لك الشياطين , أما نفسك التي منها الشهوات , فقد أفرغنا بطنك بالصوم لتهدأ وتطمئن وترتقي, فخذ من ذلك كله فرصتك ونصيب روحك .
إن نكبة الفكر ونكبة النفس ونكبة الإنسانية كلها تأتي من البطن , ذلك لأن الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم ولا بأنسابهم ولا بمراتبهم ولا بما ملكوا , وإنما يختلفون ببطونهم وأحكام هذه البطن على العقل والعاطفة .
وجاء الصوم ليجعل الناس في هذا سواء , ليس لهم إلا شعور واحد وحس واحد وطبيعة واحدة , ويضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة في مشارق الأرض ومغاربها, ويطلق فيها صوت الرحمة لا البطن , فيعلم الرحمة ويدعو إليها , ويضع في الإنسانية فكرة معينة , هي كل مافي الاشتراكية من حق , وفيها مساواة الغني بالفقير, لتكون الحياة هادئة بهدوء النفسين اللتين هما السلب والإيجاب في هذا الاجتماع الإنساني .
من قواعد النفس البشرية أن الرحمة تنشأ عن الألم , وهذا بعض السر في عظمة الصوم , وذلك بمنع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة من الزمن , وهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس, فمتى تحققت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ.
وهذا ما لا تستطيع أي فكرة أو قوة أرضية أن تجمع الناس له, لولا طاعة جمعت الناس على حال واحد في زمن واحد لنسك واحد, فرضت ثلاثين يوما كل سنة لتربية إرادة الشعب تربية تعود جزء من عمل الإنسان لا خيالا يمر برأسه .
وهذا المشهد جدير بالتأمل , فإذا كان الفتح فتح الله , كان أجمل ما يكون الفتح , وإذا كان الإغلاق إغلاق الله , كان أقوي ما يكون الإغلاق , وإذا صفد الله الشياطين , كان التصفيد أشد ما يكون وأحكم , إن هذا لرمضان وحده .
عرس في الأرض وعرس في السماء وعرس في قلوب التواقين إلى رحمة الله ورضوانه ومغفرته ,عام مضى من الحرب والسجال بين الإنسان وشيطانه ونفسه ونزواته وشهواته, عام من التعب والضيق والمشقة , حتى إذا جاء رمضان , قال الله للعبد استرح فقد فتحنا لك أبواب الجنة, وأغلقنا لك أبواب النار, وصفدنا لك الشياطين , أما نفسك التي منها الشهوات , فقد أفرغنا بطنك بالصوم لتهدأ وتطمئن وترتقي, فخذ من ذلك كله فرصتك ونصيب روحك .
إن نكبة الفكر ونكبة النفس ونكبة الإنسانية كلها تأتي من البطن , ذلك لأن الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم ولا بأنسابهم ولا بمراتبهم ولا بما ملكوا , وإنما يختلفون ببطونهم وأحكام هذه البطن على العقل والعاطفة .
وجاء الصوم ليجعل الناس في هذا سواء , ليس لهم إلا شعور واحد وحس واحد وطبيعة واحدة , ويضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة في مشارق الأرض ومغاربها, ويطلق فيها صوت الرحمة لا البطن , فيعلم الرحمة ويدعو إليها , ويضع في الإنسانية فكرة معينة , هي كل مافي الاشتراكية من حق , وفيها مساواة الغني بالفقير, لتكون الحياة هادئة بهدوء النفسين اللتين هما السلب والإيجاب في هذا الاجتماع الإنساني .
من قواعد النفس البشرية أن الرحمة تنشأ عن الألم , وهذا بعض السر في عظمة الصوم , وذلك بمنع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة من الزمن , وهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس, فمتى تحققت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ.
وهذا ما لا تستطيع أي فكرة أو قوة أرضية أن تجمع الناس له, لولا طاعة جمعت الناس على حال واحد في زمن واحد لنسك واحد, فرضت ثلاثين يوما كل سنة لتربية إرادة الشعب تربية تعود جزء من عمل الإنسان لا خيالا يمر برأسه .
اذا فالصوم غذاء الروح لتجد مسارها وتتحرر:
فالجسم المادي، مركب من البسائط الأرضية، وخاضع لأحكامها، فهو لا شيء غير
مادة عضُوية، مركبة من خلايا تشبه خلايا الحيوان والنبات... وبحكم فطرته المركبة، سائر
إلى الاستحالة، والانحلال، إلى أجزائه البسيطة السابقة... وأما الروح المشرقة، فليست
مركبة من بسائط أولية، حتى يحكم عليها بالاستحالة إلى تلك البسائط، بل هي باقية أبدية...
ولكلٍ من الجثمان والروح،
مطالب تناسب طبيعته، ودرجته في مراتب الوجود، فالجثمان لا يفترق عن بقية أنواع المادة،
في قبوله للزيادة والنقص والقوة الضعف، والتحلل والتركيب... ومن أجل ذلك، فهو محتاج
إلى مقوّمات تقومه من نوعه، كالغذاء والكساء والسكن... ولكن الروح ـ بطبيعته العلوية
النيرة ـ لا تطلب المقومات العنصرية، وإنّما هي تواقة إلى الشرف والكمال، للإلمام بأسرار
الملكوت، والتطلّع على ما وراء الطبيعة...
ولذلك
نجد في النّاس من غلبت عليه مادته، فوهب نفسه لها، لا يفكر إلاّ في إشباع شهواته، كيفما
أمكن ذلك الإشباع، فهزلت روحه، وتضاءلت منكودة حاسرة... ومنهم من محض للروح، فسمت وتعالت،
بينما انهدت قواه وتكسر كيانه...
وإذا كان الجسم يحتاج إلى نظام الصحة، في استيفاء سعادته، فكذلك الروح،
تحتاج إلى نظام الدين، في استيفاء نموها الطبيعي، ورشدها المأمول، والظفر بالأماني
التي تشرئب إليها...
والصيام من سنن الدين، التي تعمل لتكييف الروح... وهو للروح كالرياضة السنوية
للجسم، فكما أنَّ قانون الصحة، يُحتّم على كل عامل ـ يريد حفظ صحته ـ أن يريض نفسه
شهراً كاملاً في السنة، يقلل فيه من غذاء النفس (أي العمل على الحقول الفكرية)... كذلك
نظام الصحة الروحية، يفرض على كل إنسان، أن يقلل شهراً في السنة من غذاء جثمانه...
فكما أنَّ الجسد يحتاج إلى الغذاء العنصري، كذلك الشهوة تحتاج إلى الغذاء
الجنسي... ولكنهما ينطلقان من نقطة واحدة، فمتى شبع البطن تحركت الغريزة لترتوي، وكلما
سكنت الغريزة هدأ الجسد...
فلذلك كان لا بد أن تسكن
الغريزة ويهدأ الجسد، ليتحرك العقل وتنشط الروح... ومن أجل هذه الحقيقة، كان الصوم
أجدى وسائل تربية العقل والروح معاً...
وهنا تكمن عبقرية الإسلام،
فليس هو دين دنيا فقط، ولا دين آخرة فحسب... بل هو دين الحياة بجملتها الشكلية والزمنية...
دين العالمين، من يوم خلق الله الكون إلى أن تنتهي الحياة
- كمّا
عبر عن هذا الواقع سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه، بل خيركم من
أخذ من هذه وهذه).
الصوم يرفع الانسان من عالم البهيمة الى عالم الملائكة
وعبارة لعلكم تتقون تشير
الى هذه الحقائق (((الصوم جُنّةٌ من النار)))
- وعن الامام علي عن الرسول ص انه سئل عن طريق مجابهة
الشيطان قال: ((الصوم يسود وجهه,والصدقة
تكسر ظهره,والحب في الله والمواظبة على العمل الصالح يقطع دابره والاستغفار يقطع وتينه)))
...
الصوم درس المساواة بين افراد المجتمع
الموسرون
يحسون بما يعانيه الفقراء المعسرون
- يقول الامام الصادق : ((انما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك ان الغني لم يكن
ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير ,وانما الغني كلما اراد شيئا قدر عليه فاراد الله ان يسِّوي
بين خلقه وان يذيق الغني مس الجوع والالم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع)
- ترى
لو ان الدول الغنية في العالم صامت عدة ايام في السنة وذاقت مرارة الجوع فهل يبقى في العالم شعوب جائعة؟؟؟؟!!
فوائد صحية :
ولا شك الاثار الصحية
العظيمة للصوم التي باستمرار يتم اكتشاف فائدة جديدة قال الرسول (صوموا تصحوا)
- العالم الروسي الكسي سوفورين يقول : ((الصوم سبيل ناجح في علاج امراض فقر الدم وضعف الامعاء والالتهابات
البسيطة المزمنة والدمامل الداخلية والخارجية والسل والاسكليروز والروماتيزم والنقرس
والاستسقاء وعرق النسا وتناثر الجلد وامراض العين ومرض السكر وامراض الكبد والكلية))
الصيام حقيقة في كل الديانات والمذاهب:
منذ أكثر من سبعة آلاف عاما , كانت
البشرية تبحث عن سر العلاقة بين الجسد والروح , وبين الإنسان والآلهة , واستقر
الفكر الإنساني مبكرا على أن طقوس الصيام , هي بوابة الدخول إلى عالم الأسرار ,
سواء لحماية الجسد من عدوى إنتشار الأمراض عن طريق الغذاء , أو تدريب الجسد والروح
على تحمل المشقة والصعاب , أو تقربا للآلهة !! ويقول المؤرخ اليوناني هيروديت في
كتابه مصر هبة النيل أنه مع ظهور الأديان والآلهة المتعددة في عهد الحضارة المصرية
القديمة , اتخذ مؤسسوها من الكهنة , الصوم قاعدة للعبادة ,وشرطا للتقرب إلى الآلهة
, وكان يفرض على القائمين بخدمة معابد إيزيس وأوزوريس أن يصوموا سبعة أيام كاملة
عن الطعام باستثناء قليل من الماء, ثم إنتقلت هذه العادة الدينية إلى بلاد اليونان
القديمة, ففي مدينة ديلف كانت خادمات المعبد يمتنعن عن الطعام يومين أو ثلاثة في
خلوة تامة حتى ينزل وحي الآلهة عليهم !!
وفي بلاد الفرس القديمة كان الصوم يفرض على الأطفال من أجل تحمل المشاق ويصلب عودهم .. ومع نشأة البوذية بالصين وكوريا والهند , فرض بوذا على أتباعه الصوم لمدة طويلة لتخليص الروح من تحكم الغريزة والجسد , أما في أمريكا الجنوبية فقد كان سكانها القدامى يصومون قبل كل عيد يحتفلون به .. وفي شمال أوروبا كان سكانها يصومون عدة أيام قبل خروجهم إلى المعارك , لتطهير الروح ,كطقس من طقوس العبادة, حتى أن بعض قبائل منطقة ويلز قبل الميلاد, كانت تمنع الأطفال من تناول الطعام لمدة يومين باستثناء بعض الماء !! وهناك طائفة من اليهود كانت تصوم عن الطعام والشراب والزينة إلى وقت محدد , وكان الصائم يرتدي ثوبا من الخيش, وقبعة من القش, كمظهر للتقشف وطلب الرحمة , وهناك صوم الشكر وكان اليهود يصومونه لأن الله نجى موسى عليه السلام من فرعون وجنده , وهناك صوم الاستسقاء عند اليهود ويمتد ثلاثة عشر يوما من أجل نزول المطر ووقته من طلوع الشمس إلى غروبها .. وفي القرن الثاني الميلادي كان المسيحيون يصومون يومي الإثنين والخميس, وقد حولته الكنيسة إلى الأربعاء والجمعة, حتى تختلف المسيحية عن عادات اليهود , ويقوم الصيام على الاكتفاء بالخبز والماء فقط , وهناك في المسيحية الصيام عن كل ذي روح ,وبعض الكنائس تستثنى الأسماك , وهناك صيام القيامة .
والصيام بوجه عام فرض على غير المسلبمين من الأمم السابقة كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون سورة البقرة : 183 , وليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية, بيان كيفية صيام السابقين , وإن كانت الأية تقول عن مريم عليها السلام كما أمرها الله فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا .. وهو ظاهر في الإمساك عن الكلام ,وقد يكون عن أشياء أخرى , وفي الحديث المتفق عليه أن داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما .
واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام في السنة , وأتقياؤهم يصومون شهرا , وهم يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم , ويصومون اليوم التاسع من شهر آب كل سنة في ذكرى خراب هيكلي أوشليم .. والمسيحيون يصومون كل سنة أربعين يوما , وكان الأصل في صيامهم الامتناع عن الأكل والإفطار كل أربع وعشرين ساعة , ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذي روح وما ينتج عنه , إلى جانب صوم الفصول الأربع والجمعة تطوعا لا فرضا .. وجاء في تفسير إبن كثير أقوال عن بعض الصحابة والتابعين , أن صيام السابقين كان ثلاثة أيام من كل شهر ولم يزل مشروعا من زمن نبي الله نوح , إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان ...
وفي بلاد الفرس القديمة كان الصوم يفرض على الأطفال من أجل تحمل المشاق ويصلب عودهم .. ومع نشأة البوذية بالصين وكوريا والهند , فرض بوذا على أتباعه الصوم لمدة طويلة لتخليص الروح من تحكم الغريزة والجسد , أما في أمريكا الجنوبية فقد كان سكانها القدامى يصومون قبل كل عيد يحتفلون به .. وفي شمال أوروبا كان سكانها يصومون عدة أيام قبل خروجهم إلى المعارك , لتطهير الروح ,كطقس من طقوس العبادة, حتى أن بعض قبائل منطقة ويلز قبل الميلاد, كانت تمنع الأطفال من تناول الطعام لمدة يومين باستثناء بعض الماء !! وهناك طائفة من اليهود كانت تصوم عن الطعام والشراب والزينة إلى وقت محدد , وكان الصائم يرتدي ثوبا من الخيش, وقبعة من القش, كمظهر للتقشف وطلب الرحمة , وهناك صوم الشكر وكان اليهود يصومونه لأن الله نجى موسى عليه السلام من فرعون وجنده , وهناك صوم الاستسقاء عند اليهود ويمتد ثلاثة عشر يوما من أجل نزول المطر ووقته من طلوع الشمس إلى غروبها .. وفي القرن الثاني الميلادي كان المسيحيون يصومون يومي الإثنين والخميس, وقد حولته الكنيسة إلى الأربعاء والجمعة, حتى تختلف المسيحية عن عادات اليهود , ويقوم الصيام على الاكتفاء بالخبز والماء فقط , وهناك في المسيحية الصيام عن كل ذي روح ,وبعض الكنائس تستثنى الأسماك , وهناك صيام القيامة .
والصيام بوجه عام فرض على غير المسلبمين من الأمم السابقة كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون سورة البقرة : 183 , وليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية, بيان كيفية صيام السابقين , وإن كانت الأية تقول عن مريم عليها السلام كما أمرها الله فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا .. وهو ظاهر في الإمساك عن الكلام ,وقد يكون عن أشياء أخرى , وفي الحديث المتفق عليه أن داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما .
واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام في السنة , وأتقياؤهم يصومون شهرا , وهم يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم , ويصومون اليوم التاسع من شهر آب كل سنة في ذكرى خراب هيكلي أوشليم .. والمسيحيون يصومون كل سنة أربعين يوما , وكان الأصل في صيامهم الامتناع عن الأكل والإفطار كل أربع وعشرين ساعة , ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذي روح وما ينتج عنه , إلى جانب صوم الفصول الأربع والجمعة تطوعا لا فرضا .. وجاء في تفسير إبن كثير أقوال عن بعض الصحابة والتابعين , أن صيام السابقين كان ثلاثة أيام من كل شهر ولم يزل مشروعا من زمن نبي الله نوح , إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان ...
ومن مراجعة كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد رأينا أن قدماء اليهود
كانوا لا يكتفون في صيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء , بل
كانوا يمضون الصيام مضجعين على الحصا والتراب في حزن عميق !! وفي سفر الخروج أن
موسى عليه السلام كان هناك عند الرب أربعين نهارا وأربعين ليلة لم يأكل خبزا ولم
يشرب ماء, وفي إنجيل متى أن المسيح عليه السلام صام أربعين يوما في البرية .. وجاء
في كلام النبي حزقيال أن صيامه كان عن اللحوم وما ينتج عن الحيوان , وكان النبي
دانيال يمتنع عن اللحوم وعن الأطعمة الشهية مدة ثلاثة أسابيع, وجاء في الترجمة
السبعينية أن داود قال : ركبتاى ضعفتا من الصوم , ولحمي تغير من أكل الزيت ..
والذين لا يدينون بدين سماوي كالبراهمة, والبوذيين ,في الهند والتبت, من طقوسهم الإمتناع عن تناول أي شيء حتى إبتلاع الريق لمدة أربع وعشرين ساعة , وقد يمتد ثلاثة أيام , لا يتناولون كل يوم إلا قدحا من الشاي , وكان قساوسة جزيرة كريت في اليونان القديمة لا يأكلون طول حياتهم لحما ولا سمكا ولا طعاما مطبوخا !!
وإختلفت ممارسات الصيام وطقوسة , ولكن بقيت فلسفة الصيام لدى الأمم السابقة , أقرب إلى أحكام الشرائع السماوية بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وتهذيب النفس البشرية.
والذين لا يدينون بدين سماوي كالبراهمة, والبوذيين ,في الهند والتبت, من طقوسهم الإمتناع عن تناول أي شيء حتى إبتلاع الريق لمدة أربع وعشرين ساعة , وقد يمتد ثلاثة أيام , لا يتناولون كل يوم إلا قدحا من الشاي , وكان قساوسة جزيرة كريت في اليونان القديمة لا يأكلون طول حياتهم لحما ولا سمكا ولا طعاما مطبوخا !!
وإختلفت ممارسات الصيام وطقوسة , ولكن بقيت فلسفة الصيام لدى الأمم السابقة , أقرب إلى أحكام الشرائع السماوية بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وتهذيب النفس البشرية.
0 comentarios:
Publicar un comentario