تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا
أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
الجو العام لهذه السورة
يُبيِّن أن الإنسان إذا ضل عن سبيل الله، ونصّب نفسه عدواً لدين الله،
وأراد أن يُطفئ نور الله، وتصدى لأهل الحق، وأراد بهم كيداً، فما مصيره في الدنيا؟
وما مصيره في الآخرة؟
مصيره في الآخرة أنه سيصلى ناراً ذات لهب، ومصيره في الدنيا الإخفاق والخسران، فكأن الله سبحانه وتعالى من خلال هذه القصة القصيرة، وهي حدث واحد، حيثما ذكر الله سبحانه وتعالى قصةً أو حدثاً أو ذكر اسماً، فيجب أن نعلم علم اليقين أن هذه القصة ليست مقصودةً بذاتها، وأن هذا الاسم ليس مقصوداً بذاته، إنما المقصود أمثال أبي لهب، الذي انتهى منذ أمد بعيد، لكن كل إنسان تصدى للحق، أو وقف في وجه الإسلام، أو أراد أن يطفئ نور الله، أو تصدى للدعاة إلى الله عز وجل، عاداهم، وأراد بهم كيداً، إنه سيخسر مرتين، سيخسر الدنيا، وسيخسر الآخرة، هذا هو الجو العام، هذا هو مصير أعداء الله.
مصيره في الآخرة أنه سيصلى ناراً ذات لهب، ومصيره في الدنيا الإخفاق والخسران، فكأن الله سبحانه وتعالى من خلال هذه القصة القصيرة، وهي حدث واحد، حيثما ذكر الله سبحانه وتعالى قصةً أو حدثاً أو ذكر اسماً، فيجب أن نعلم علم اليقين أن هذه القصة ليست مقصودةً بذاتها، وأن هذا الاسم ليس مقصوداً بذاته، إنما المقصود أمثال أبي لهب، الذي انتهى منذ أمد بعيد، لكن كل إنسان تصدى للحق، أو وقف في وجه الإسلام، أو أراد أن يطفئ نور الله، أو تصدى للدعاة إلى الله عز وجل، عاداهم، وأراد بهم كيداً، إنه سيخسر مرتين، سيخسر الدنيا، وسيخسر الآخرة، هذا هو الجو العام، هذا هو مصير أعداء الله.
- وفي
الأثر: من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً.
لماذا فعل هذا أبو لهب
أحدنا قد لا يفهم لماذا يفعل هذا أبو لهب، ولكن أبا لهب يفعل هذا
لأنه توهم أن دنياه في خطر، ما دام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله، هكذا
توهم، فحفاظاً على دنياه، حفاظاً على ماله، حفاظاً على مكانته الاجتماعية ناصب
النبي صلى الله عليه وسلم العداء، وجعل من نفسه ترساً للباطل، وعقبة في طريق الحق،
لذلك
- ربنا
عز وجل في سورة قصيرة لا تزيد عن سطرين بيَّن لنا أن كل إنسان يقف موقف أبي لهب
يكون مصيره في الدنيا الإخفاق والخسران، ومصيره في الآخرة إلى جهنم وبئس المصير،
فالذي يقرأ القرآن ويظنه كتاب تاريخ فقد ضل ضلالاً مبيناً.
هذه السورة ذات خصوص وعموم، فعلى العموم نحن المقصودون منها، وعلينا أن نتعظ منها، لأن أبا لهب أين أبو لهب؟ طواه الردى، وصار حديثاً، قال تعالى:
هذه السورة ذات خصوص وعموم، فعلى العموم نحن المقصودون منها، وعلينا أن نتعظ منها، لأن أبا لهب أين أبو لهب؟ طواه الردى، وصار حديثاً، قال تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ
أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
أمّا مناسبة هذه السورة
- فقد روى البخاري ومسلم
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال:
(( لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ
قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ
فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ
أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا
عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقاً، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ
شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا
جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ
مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ))
[البخاري عن ابن
عباس]
- وتروي الكتب قصةً أخرى، وهي أن أبا لهب
التقى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا محمد ماذا أُعطى إن آمنت بك، قال:
كما يُعطى المسلمون، قال: وما لي عليهم من فضل؟ قال: وأي شيء تبغي؟ قال: تباً لهذا
الدين حينما أكون أنا وهؤلاء سواء، فنزل قوله تعالى:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا
كَسَبَ ﴾
- وقيل: حينما كان يجتمع الوفود في مكة للحج، كان النبي عليه الصلاة
والسلام يقف فيهم خطيباً، ويقول: " اشهدوا أنه لا إله إلا الله، وأن محمد
رسول الله تفلحوا " وكان أبو لهب يقف وراءه، فحينما ينتهي من قوله يقول له:
لا تصدقوه إنه كذاب ساحر، تباً له وتعساً.
معنى كلمة تبت
تبَّت بمعنى خسرت
- بعضهم
قال: هذا دعاء عليه من الله سبحانه وتعالى، وبعضهم قال: هذا
تقرير، وسواء كان دعاءً أو تقريراً فالخسارة تحققت له.
- قد تقول مثلاً: أطعمك الله، وأنت تريد بهذا أن الله قد أطعمك وسقاك وكفاك، هذا تقرير،
- قد تقول مثلاً: أطعمك الله، وأنت تريد بهذا أن الله قد أطعمك وسقاك وكفاك، هذا تقرير،
- وقد
تقول للسائل: أعطاك الله، وأنت بهذا تريد الدعاء .
وكونها تقريراً أرجح لأن
الضعيف وحده هو الذي يدعو على خصمه.
المعنى الأوجه أنه عجز عن تحقيق مراده، هذا الذي يتصدى للسحاب في السماء، ويدعوه
أن يقف فهل يقف له؟ شيء مستحيل، هذا دين الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى
هو الذي ينصره، فهل يستطيع إنسان ما مهما علا شأنه وكبرت قوته أن يحول بين الدين
وبين البشر،
أما كلمة يدا:
اليدان هنا كناية قرآنية عن الذات:
هذه كنايات القرآن الكريم، فقد يكني القرآن الكريم عن الإنسان
بيديه: لأنه يعمل بيديه، ويعطي بيديه، ويبطش بيديه، ويحسن بيديه، فيَدَا الإنسان
كناية عن الإنسان نفسه، هذا من المجاز العقلي، نريد الكل ونذكر البعض.
تسميته بكنيته
ولكن علماء التفسير لهم في سبب تسمية أبي لهب بكنيته مذاهب شتى.
- أولاً كان اسمه عبد العزى، والله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينسب العبودية لغيره في كتابه، مستحيل أن يذكر الله سبحانه وتعالى اسماً فيه تُنسب العبودية لغيره، إذاً صُرف النظر عن ذكر اسمه عبد العزى لهذا معنى.
- أولاً كان اسمه عبد العزى، والله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينسب العبودية لغيره في كتابه، مستحيل أن يذكر الله سبحانه وتعالى اسماً فيه تُنسب العبودية لغيره، إذاً صُرف النظر عن ذكر اسمه عبد العزى لهذا معنى.
- المعنى الآخر أن كنيته كانت أشهر من اسمه، فالمتنبي أشهر من اسمه، والجاحظ كذلك، فكنيةُ أبي لهب أشهر من اسمه .
- وشيء ثالث أن الاسم عند العرب أشرف من الكنية، لكننا الآن نحن تواضعنا على أن
كلمة أبا فلان أليق من أن تقول له يا فلان.
الأنبياء جميعاً ناداهم الله بأسمائهم إلا النبي عليه الصلاة
والسلام.
لقد كرَّم الله عز وجل سيدنا محمداً فلم يخاطبه باسمه، بل خاطبه بمهمته،
وبمقام النبوة، وبمقام الرسالة، يا أيها النبي، ويا أيها الرسول، وبقية الأنبياء
جميعاً خوطبوا بأسمائهم، وهذا لا يمنع أن يتحدث الله سبحانه وتعالى عن رسوله
باسمه:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾
أما لماذا سمي أبا لهب؟
فتروي الكتب أن له وجنتين متألقتين كأنهما لهب
في خديه، وهذا دليل الجمال، كان جميلاً، وكان يميل إلى البياض والحمرة،
فكان يُكنى أبا لهب، فربنا ذكره بكنيته، وكنيته تتناسب مع مصيره، أبو لهب مصيره
إلى اللهب، وأبو لهب سيصلى ناراً ذات لهب، هذا توجيه آخر.
﴿
وَتَبَّ ﴾
إذا فهمنا تبت يدا أبي لهب بمعنى الدعاء فتب تفيد
التحقُّق، أيْ إنّ الله سبحانه أعطاه مالاً مثلاً، وقد أعطاه مالاً حقّاً، ثم حرمه
الله المال وأنْ يسعد به:
وإذا حملنا الأولى على أنها تقرير، فالثانية على أنه خسر المعركة التي
خاضها، وخسر المعركة كلها دنيا وأخرى. أول معنى خسر المعركة التي خاضها مع النبي
عليه الصلاة والسلام.
أيْ عجز وفشل وأخفق في تحقيق مراده، هذا المعنى الأول، (وتب) خسر
حياته كلها، خسر الدنيا، وهي أثمن ما عند الإنسان .
من خسر في الدنيا دل على خسران
الآخرة
الإنسان في الدنيا يرقى، وفي الدنيا
يتعرف إلى الله، الدنيا هي الفرصة الوحيدة للتعرف إلى الله عز وجل، والفرصة
الوحيدة للاستقامة على أمره، وللعمل الصالح، لأنّ الدنيا مزرعة الآخرة، فلا تلعنوا
الدنيا، لماذا؟ لأن الإنسان يرقى في الجنة عن طريق الدنيا؛ كما قال عليه الصلاة
والسلام:
((لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن))
[رواه الديلمي عن ابن مسعود]
لولا الدنيا لما كانت الآخرة، ولولا الدنيا لما كانت الجنة، ولولا أن
الله سبحانه وتعالى خلقك في الدنيا وأعطاك فكراً وكوناً لما عرفته، ولولا أنه
أعطاك مالاً فأنفقته في طاعته لما ارتقيت إليه، ولولا أنه زرع في نفسك شهوات فكففت
عن محارمه لما شعرت أنك منه قريب.
على الإنسان ألا يلعن الدنيا لأن كل سعادته الأبدية تبدأ من الدنيا :
بهذه الشهوات التي أودعها الله فيك ترقى، وبهذا الفكر الذي وهبه الله لك
ترقى، وبهذا المال الذي أعطاك الله إياه ترقى، وبهذا الأسلوب أسلوب الزواج وإنجاب
الذرية ترقى بأولادك، وترقى بزوجتك، وإن كان لك عمل فأتقنته ترقى
هذا كله في الدنيا، هذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض متوقفة على الدنيا،
لذلك هذا الذي يلعن الدنيا لا يعرف شيئاً:
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى
أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ
أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ؟ قَالَتْ: الْحُمَّى لَا بَارَكَ
اللَّهُ فِيهَا فَقَالَ لَا تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا
بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ))
[ مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ]
كلمة تبت بالماضي
ما كلمة (تبت) بالماضي، فلما نزلت هذه السورة كان أبو لهب حياً يُرزق
وربما استهزأ بها، أنا خسرت!! مال عريض، وجاه كبير، وزعامة في قريش، فكيف خسر؟
- قال العلماء: إن
التعبير بالماضي من قِبَلِ الله عز وجل على شيء لم يحدث بعدُ إنما هو من باب
تحقُّق الوقوع.
إذا نظر شخص إلى ابنه وهو
يهمل دراسته، ولا يبالي لا بوظيفة يكتبها، ولا بدرس يحفظه، ولا بدوام يباشره،
فبحسب خبرة الأب يقول: خسر ابني، والابن لا يشعر بهذه الخسارة إلا بعد حين.
- فالله سبحانه وتعالى رآه معرضاً،
معادياً، مبغضاً، فقال: (تبَّت).
- وظن أبو لهب حينما تُليت عليه هذه السورة أو
بلغت مسامعه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يهجوه بالشعر، فقال:
أَقُلتَ فيَّ شعراً، فقال سيدنا الصديق رضي الله عنه: لا والله، ما قال فيك شعراً، النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول شعراً،
لقد ظنه شعراً.
مَا
أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
إنسان
أحياناً يتوهم أن المال كل شيء فيسعى له ليلاً ونهاراً:
ورد في الأثر]وعِزَّتي وجلالي إن لم ترض بِما قسَمْتُهُ لك ، فلأُسلِطَنَّ عليك الدنيا
تركضُ ركْض الوحش في البريّة ، ثمَّ لا ينالك منها إلا ما قسمْتُهُ لك منها ولا
أُبالي .
هذا ما يفعله معظم الناس، يتوهمون أن
سعادتهم كلها بالمال، وأن المال هو كل شيء، وأنه عصب الحياة، ومادة الشهوات، وأنه
من ملك المال ملك كل شيء، وأنه من خسر المال خسر كل شيء، والدراهم مراهم،
هكذا يتوهم الناس، فإذا لهثوا وراء المال وبلغوا خريف العمر ووجدوا أن المال لم
يحقق لهم ما كانوا يتوقعون من سعادة، عندئذ يكون الشعور بالخسارة الكبرى، المال
شيء ولكنه ليس كل شيء
- سيدنا أبو ذر قال: حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به
إلى ربي
-
قول الله عز وجل لعبده: أن عبدي
أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على
أولادي من بعدي ، فيقول الله له : ألم تعلم
بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم -
يسأل عبد آخر - أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين
، لثقتي بأنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك
من بعدك )) [ ورد في الأثر ]
ترى المؤمن يتوفاه
الله عز وجل، ولكن أولاده في رعاية الله، وفي حفظه الله، وفي توفيقه، وقد لا يدع
لهم مالاً كثيراً، ولكنه ترك لهم سمعةً طيبة يعيشون بها بين الناس، أما أبو لهب
فما أغنى عنه ماله وما كسب، ماذا يفعل المال؟
مرة كنت عند طبيب، جاءه هاتف، ولشدة ارتفاع الصوت بالهاتف سمعت الذي
يخاطبه، قال له: يا دكتور نبعثه إلى أيِّ مكان تريد، وقدِّر المبلغ، وندفع، قال:
واللهِ لا أمل له، سرطان مستفحل، لو استأصلناه ينمو بعد أسبوعين ليس عندي حل،
وبقيت كلمة: ندفع المبلغ مهما كان، وإلى أي مكان في العالم نأخذه.
قوله وما كسب
بعض المفسرين قال: وما كسب أيْ مِن ولد، وولد الرجل من
كسبه.
وقد كان العرب في الجاهلية
يعتزون بالمال والولد لذلك قال: إن كان ما يقول هذا الرجل حقاً فإني أفدي نفسي
بمالي وولدي
- كان
أبو لهب يقول: إن كان ما يقوله حقاً - إذا كانت الآخرة
حقّاً، وفيها جهنم - إن كان ما يقوله هذا الرجل - أي رسول الله - حقاً فإني أفدي
نفسي بمالي وولدي، وسأدبر أمري، أدفع مالاً في الآخرة وينقذني، هذا في الدنيا،
تخرج بكفالة في الدنيا فحسب .
يروي التاريخ أن لأبي لهب أولاداً ثلاثة،
الأول معتب والثاني عتبة، وقد أسلما وتبعا النبي عليه الصلاة
والسلام، وخدماه خدمة راقية وأحباه، وأما عتيبة فجاهر بإيذائه وعداوته للنبي
عليه الصلاة والسلام، وكان زوج ابنة النبي فطلقها كي يغيظه بها، الله سلط عليه
كلباً من كلابك، فأكله السبع في خرجة خرجها إلى الشام،
فلما يتصدى الإنسانُ
للأنبياء، ومن آذى لي ولياً آذنته بالحرب، هذا يدعو إلى الله اتركه، دعه وشأنه،
فإذا آذيت أولياء الله عز وجل فأنت في حرب مع الله، فكيف بالنبي صلى الله عليه
وسلم؟ عارضه عتيبة، وجاهره وناصبه العداء، وطلق له ابنته ليغيظه بها، فدعا عليه
النبي عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك، فأكله السبع في
خرجة خرجها إلى الشام.
وقيل هي المكنسبات والمنجزات :
فمنجزاته في
الدنيا لا تغني عنه شيئاً
* لو فرضنا أنّ مهندساً أشاد أعظم بناء، فهذا
البناء لا يشفع له عند الله .
* ولو فرضنا
أنّ محامياً استطاع أن ينتصر في أعقد قضية، فهذا الانتصار في هذه القضية إن لم يكن
في الحق فلا قيمة له عند الله
* وقد يبلغ
الرجل أعلى درجة، ويبلغ شهرة عريضة، وقد يكون غنياً كبيراً، هذا (أُنَسيف) الذي
كان من أغنى الناس على الأرض، كان عنده أساطيل تجارية، وعنده جزر وكلها مِلكه، ومع
ذلك ألم يأته الموت؟ وحينما توفي ماذا أخذ معه:
﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ
وَمَا كَسَبَ ﴾
الله
عز وجل جعل الموت موعظة بليغة :
الحقيقة أن
ربنا عز وجل جعل الموت موعظة بليغة، كان من الممكن أن نُخلَق جميعاً دفعة واحدة،
ونموت جميعاً دفعة واحدة، وبهذه الطريقة لا يتعظ أحدنا بأحدنا، لكن هذا النظام
الإلهي، أن أناساً يولدون، وأناساً يكبرون، وأناساً يموتون، الموت موعظة بليغة.
﴿ سَيَصْلَى نَاراً
ذَاتَ لَهَبٍ ﴾
الحر لا يطاق إذا بلغ درجته أربعين أو أكثر، وتصل درجة الحرارة
بمكة إلى تسع وأربعين، واثنين وخمسين درجة، بل أكثر من ذلك، هذا الحر الشديد ليس
بشيء أمام حر جهنم.
﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ
وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ
كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾[سورة التوبة:
·
إذا كان عند الإنسان مكيف في الدنيا
فلن يكون له ذلك في الآخرة
قال لي رجل: أنا عندي
خمسة مكيفات، واحد بغرفة الضيوف، وآخر بغرفة النوم، ومكيف بالمطبخ، ومكيف
بالصالون، وغير ذلك، ولكن ليس في الآخرة مِن مكيف، فإذا كان من أهل الدنيا العصاة
فسيصلى ناراً ذات لهب.
﴿ وَامْرَأَتُهُ ﴾
أما كلمة (وامرأته) فينخلع لها القلب،
إذا طاوعت امرأةٌ زوجها في معصية ومصيرها مصيره، والآية موجهة إليها:
- وإذا طاوع
الزوجُ امرأتَه في معصية فسيصلى ناراً ذات لهب معها، فلا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق .
والنبي عليه الصلاة والسلام قال: إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا
وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ
﴿ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾
حمالة الحطب، كانت هذه أم جميل، سموها
العوراء، وأم قبيح وليست أم جميل، هذا الاسم لا يليق بها، كانت عوراء، وسماها
المفسرون أيضاً أم قبيح .
وهي أخت أبي سفيان، وعمة سيدنا معاوية، فهي من نسل وجهاء قريش، ومن النساء
الشريفات في قريش، لكن لا تغني عنها عراقتها ولا أصالتها ولا نسبها، اسمها أروى
بنت حرب
- قالوا: كانت تضع في طريق النبي عليه الصلاة والسلام الشوك كي تؤذيه.
وقال بعض المفسرين: وكان هذا
الشوك يأتي تحت أقدامه ألين من الحرير، وهي تريد أن تؤذيه، ولكن الله يحميه
- والمعنى الاخر أنها كانت
بخيلة تلم الحطب وتجمعه مع أنها غنية، أربعة معان لكلمة حمالة الحطب -
- وقالو أيضا : حمالة الحطب أي حمالة الذنوب، الحطب هنا كناية عن الذنوب، حينما يفعل الإنسان أعمالاً سيئة، يؤذي
إنساناً، يغتصب مالاً، يسبب خراب بيت إنسان آخر، أو دمار أسرة، فيفرق بين أم
وابنها، وبين أخ وأخيه، وبين زوجة وزوجها، يجعل إنساناً يفلس، أو يورطه في ورطة
كبيرة، أو يسبب له مرضاً خبيثاً على أثر صدمة آلمته، فهذه كلها أعمال كأنها أحمال
فوق ظهره
المؤمن خفيف، ينام مساءً ولا أحد متعلق معه بحق، فلو أنّ نملة داسها
لم يكن عليه أنْ ينام الليل، فقد سبَّب موت مخلوق، فعلامة المؤمن أن كاهله ليس
عليه شيء، ما أكل مالاً حراماً، لا آذى إنساناً، ولا سبَّب شقاء أسرة، ولا دمار
مستقبل فتاة، فإذا خبَّب امرأةً، أو أفسد فتاة قضى معها شهوته وانصرف، لكنها أصبحت
مومساً، وصارت هي وذريتها وذرية ذريتها إلى جهنم، أرأيت هذا الجيل؟ جيل من الفتيات
المومسات هذه في صحيفته، ويوم القيامة يكشف له عن ذلك، انظر هذه التي قضيت شهوتك
منها، دمّرتها في ساعة، وكان يمكن أن تكون أمّاً صالحة ولها زوج ولها أولاد
وأصهار، فأفسدتها وجعلتها زانية.
﴿ فِي جِيدِهَا
حَبْلٌ مِّنْ مَّسَدِ ﴾
كانت تزين
صدرها بعقد جميل جداً، مأخوذ من الودع
أيْ وفي جهنم سوف يكون مكان هذا العقد
الجميل حبل من مسد.
حين يريد الإنسان أنْ يزين نفسه فلا يزين جسمه
بل ليزيِّن قلبه، لأنه إذا زين جسمه فهذا الجسم آخرته إلى الدود، وإلى التراب، فلو
أنّ الإنسان نظر إلى ميت حديثاً لرآه منفوخاً، أحيانا يزيلون الدود عن الميت
بسماكة خمسة سنتمترات، فمهما اعتنيت بجسمك وتعطرت واغتسلت، وهذا شيء مطلوب
للنظافة، لكن إذا كان عملُ الإنسان سيِّئاً واعتنى بجسمه فكل هذه الزينة سوف تنتهي
إلى النار، فهذا العقد الثمين الذي كان يزين صدرها أصبح في الآخرة في النار:
وبعضهم فسر هذا الحبل بأنه أعمالها
تسوقها إلى النار.
0 comentarios:
Publicar un comentario