miércoles, 21 de agosto de 2013

سورة النصر

0 comentarios
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) 
في سبب نزول السورة
وقد وردت روايات عدة عن نزول هذه السورة

  الظلال:   نختار منها رواية الإمام أحمد: عن مسروق، قال: قالت عائشة: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكثر في آخر أمره من قوله: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا» فقد رأيتها.. «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» .. (ورواه مسلم من طريق داود بن أبي هند بهذا النص) ..

وقال ابن كثير في التفسير: والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة. قولا واحدا.

 فإن أحياء العرب كانت تتلوم (أي تنتظر) بإسلامها فتح مكة يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ولله الحمد والمنة .
قصة فتح مكة :

كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف محمد - صلى الله عليه وسلم - وعهده دخل فيه ، ومن أراد الدخول في حلف قريش وعهدهم دخل فيه  فدخلت "خزاعة " في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وكانت بين القبيلتين حروب وثارات ، فأراد " بنو بكر " أن يصيبوا من خزاعة ثأراً قديماً ، فأغاروا عليهم ليلاً وقتلوا جماعة منهم ، وأعانت قريش " بني بكر " بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة ، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغدر قريش وحلفائه .

وعندما شعرت قريش بخطورة الأمر ، سارعت إلى إرسال أبي سفيان إلى المدينة لتفادي المشكلة وتجديد الصلح مع المسلمين ، ولكن دون جدوى ، فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بالتهيؤ والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة ، كما أمر بِكَتْم الأمر عن قريش حتى يباغتها في عقر دارها .

وفي يوم الأربعاء العاشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثامنة للهجرة غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة في عشرة آلاف من أصحابة بعد أن استخلف عليها أبا ذر الغفاري رضي الله عنه .

       ولما كان بـ " الجحفة " لقيه عمّه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وكان قد خرج بأهله وعياله مهاجراً           .

ثم واصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السير وهو صائم والناس صيام ، حتى بلغ "الكُدَيْد"ـ وهو ماء بين عُسْفَان وقُدَيْد ـ فأفطر وأفطر الناس معه ، ثم سار حتى نزل بـ " مَرِّ الظهران " ، وهناك ركب العباس بغلته البيضاء يبحث عن أحدٍ يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يدخل مكة .

 - وكان أبو سفيان قد خرج يتجسس الأخبار فلقيه العباس فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله ، ولما دخلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : ( ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ ....ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟) ، و العباس يقول له : " ويحك أسلم " ، فأسْلَم وشهد شهادة الحق ، فقال العباس ‏ :‏ " يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً " ، قال ‏:‏ ( ‏نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن )

-  ثم غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مرّ الظهران " متوجها إلى مكة ، وقبل أن يتحرّك أمر العباسَ بأن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي ، حتى تمرّ به جنود الله فيراها ، فمرّت القبائل على أبي سفيان و العباس يخبره بها ، حتى مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبته الخضراء ومعه المهاجرون والأنصار ، فقال أبو سفيان : سبحان الله ؟ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ، ثم أسرع إلى قومه صارخاً بأعلى صوته : " يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به " ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقالوا‏:‏ قاتلك الله وما تغني عنا دارك ‏؟‏ قال ‏:‏ ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ، وتجمع سفهاء قريش وأوباشها مع عكرمة بن أبي جهل ، و صفوان بن أمية ، و سهيل بن عمرو لمقاتلة المسلمين .

 وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار حتى انتهى إلى " ذي طوى " ، وهناك وزّع الجيش ، فأمَر خالد بن الوليد ومن معه أن يدخل مكة من أسفلها ، وأمر الزبير بن العوام - وكان معه راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل مكة من أعلاها - من كداء - وأن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه ‏، وأمر أبا عبيدة أن يأخذ بطن الوادي حتى ينصب لمكة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم‏- ‏.

-  فلقي خالد وأصحابه سفهاءَ قريش الذين عزموا على القتال ، فناوشوهم قليلاً ثم لم يلبثوا أن انهزموا ، وقُتِل منهم اثنا عشر رجلاً ، وأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا ، وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجون عند مسجد الفتح ، وضرب قبة هناك فظلّ هناك حتى جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة من أعلاها من " كداء " ، وهو مطأطئ رأسه تواضعاً وخضوعا لله ، حين رأي ما أكرمه الله به من الفتح ، حتى إن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل .

ثم نهض رسول الله والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى دخل المسجد ، فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه ، ثم طاف بالبيت وفي يده قوس ، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بالقوس ويقول : { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } ( الاسراء 81 ) ، { قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد } ( سـبأ 49) ، والأصنام تتساقط على وجوهها ، ثم طاف بالبيت ، وكان طوافه على راحلته ولم يكن محرما يومئذ ، فاقتصر على الطواف ، فلما أكمل طوافه ،
دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة فأمر بها ففتحت ، فلما دخلها رأى فيها الصور ورأى صورة إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام يستقسمان بالأزلام ، فقال ‏:‏ " ‏قاتلهم الله ، والله ما استقسما بها قط " ثم أمر بالصور فمحيت ، وصلى داخل الكعبة ، ودار في نواحي البيت وكبر الله ووحده .

ثم خرج - صلى الله عليه وسلم وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع بهم ، فقال : ( يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ ) ، قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : ( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : { لا تثريب عليكم اليوم } ( يوسف 92) ، اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ، ثم أعاد مفتاح البيت إلى عثمان بن طلحة ، وأمر بلالاً أن يصعد فيؤذن .

وفي اليوم الثاني خطب - صلى الله عليه وسلم - خطبته المشهورة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ‏: ( يا أيها الناس : إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخَّص لقتال رسول الله ، فقولوا إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما حلَّت لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ) رواه البخاري ، وخشي الأنصار بعد الفتح أن يفضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإقامة بمكة فجمعهم وقال لهم : ( معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم ) رواه مسلم .

-  ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة ، وأقام بها تسعة عشر يوماً يجدد معالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى ، ويكسر الأصنام ، ثم قفل راجعاً إلى المدينة.

فكان يوم الفتح يوماً عظيماً أعزّ الله الإسلام وأهله ، ودحر الكفر وحزبه ، واستنقذ البيت العتيق والحرم الآمن من أيدي الكفار والمشركين ، وبعده دخل الناس في دين الله أفواجاً وأشرقت الأرض بنور التوحيد والهداية .

وفي السورة أيضاً إشارة على نعي النبي صلى الله عليه وسلم :

  - مَرَّةً دعا عمر رضي الله عنه كُبَراء القوْم وسألهم عن هذه السورة، ويَبْدو أنَّهم لم يرْتاحوا لِتَعْظيم أمير المؤمنين لابن عباس، وهو فتىً صغير؛ يسْتشيرُهُ ويسْألُهُ في حَضْرَتِهم، فَعاتَبوهُ مَرَّةً فقال لهم: ما تقولون في هذه السورة؟ قال تعالى:

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾

 فقالوا جميعاً: إنَّ الله سبحانه وتعالى يُبَشِّرُ نَبِيَّهُ بِالفَتْح والنَّصْر، فقال عمر حينها: قُل يا ابن عَباس؟ فقال: في هذه السورة نَعْيُ النبي عليه الصلاة والسلام.
﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ﴾

هذه السورة تحدد المبادئ السامية في دعوة الأنبياء والمصلحين :
-   الظلال : هذه السورة الصغيرة..كما تحمل إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- البشرى والتوجيه.. تكشف في الوقت ذاته عن طبيعة هذه العقيدة وحقيقة هذا المنهج، ومدى ما يريد أن يبلغ بالبشرية من الرفعة والكرامة والتجرد والخلوص، والانطلاق والتحرر.. هذه القمة السامقة الوضيئة، التي لم تبلغها البشرية قط إلا في ظل الإسلام. ولا يمكن أن تبلغها إلا وهي تلبي هذا الهدف العلوي الكريم.

النبي أدى رسالته كما ينبغي :

النابلسي :  العظماء ليس لهم مطامح شخصية، ولا مصالح فردية، فإذا أدوا رسالتهم انتهت مهمتهم، دخل الناس في دين الله أفواجاً، أشهد أنك أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق جهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد، شعور الإنسان حينما يأتي إلى الدنيا ويتعرف إلى الله ويجعل طاعته كل همه، وخدمة خلقه كل همه، ونشر الحق كل همه، هذا الإنسان حينما يأتيه ملك الموت يعيش في سعادة لا توصف، لأنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة، استفاد من عمره الثمين..

** ماذا قدمنا نحن بالمقابل **
   لو أحدنا سأل نفسه أنا ماذا قدمت، حينما يأتيني أجلي ما العمل الذي أعرضه على الله...
لقد انْتَهت مُهِمَّةُ النبي عليه الصلاة والسلام، والعظماء لا يأكلون لِيَشْبعوا مثْلنا، بل يعيشون لِرِسالَةٍ عظيمة، فإذا أدَّوْها انْتَهَتْ مُهِمَّتُهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما أُنْزِلَتْ عليه هذه السورة شَعَر بِدُنُوِّ أجله، فأسَرَّ إلى فاطِمة الزهْراء وقال لها: لقد دَنَتْ مَنِيَّتي، فَبَكَتْ، فقال لها: أنتِ أوَّلُ من يلْحَقُ بي فَضَحِكَتْ!
وعد الله عباده بالنصر والتمكين :
 -  (إذَا) أداةُ شَرْط تُفيدُ تَحَقُّقَ الوُقوع، أيْ إنَّ نصْر الله تعالى والفتْح لا مَحَالَةَ.
       - وفي اية أخرى : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [سورة النور: 55 ].

الاسْتِخْلاف والتمْكينُ في الأرض، وعدمُ الخوف والشُّعور بالأمن، ثلاثة وُعودٍ قطعها الله على نفسه إنْ عَبَدْناه،

فإنْ لم نَعْبُدْهُ فهُو تعالى في حِلِّ من هذه الوُعود الثلاثة، فالله تعالى وَعَدنا بالاسْتِخلاف والتمْكين في الأرض، والأمن شَرْطَ عِبادَتِه.

هذا النَّصْر هو نصْرُ الله.

   - الظلال: هذا الإيحاء يتمثل في قوله تعالى: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ... » فهو نصر الله يجيء به الله: في الوقت الذي يقدره. في الصورة التي يريدها. للغاية التي يرسمها.

    وليس للنبي ولا لأصحابه من أمره شيء، وليس لهم في هذا النصر يد. وليس لأشخاصهم فيه كسب. وليس لذواتهم منه نصيب. وليس لنفوسهم منه حظ! إنما هو أمر الله يحققه بهم أو بدونهم. وحسبهم منه أن يجريه الله على أيديهم، وأن يقيمهم عليه حراسا، ويجعلهم عليه أمناء.. هذا هو كل حظهم من النصر ومن الفتح ومن دخول الناس في دين الله أفواجا..

أما قولهُ: والفتْح

  -الإنسان قد ينْتَصِر لِأيام ثمَّ ينْهَزِم، أما نصْرُ الله عز وجل فهُوَ مُسْتَقِرّ، فالفتْح هو اسْتِقْرار النَّصْر، فأنت قد تتقَدَّم وتفْتَحُ هذه البِلاد.

 - وكلمة (فَتْح) تعْني فَتْح مكَّة بِكُلِّ تأكيد، لكنَّها مُطْلَقَة .

- الرازي: في الآية لطائف :

·        إحداها : أنه تعالى لما وعد محمداً بالتربية العظيمة بقوله : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى } [ الضحى : 5 ] وقوله : { إِنَّا أعطيناك الكوثر } [ الكوثر : 1 ] لا جرم كان يزداد كل يوم أمره

        -  كأنه تعالى قال : يا محمد لم يضيق قلبك ، ألست حين لم تكن مبعوثاً لم أضيعك بل نصرتك بالطير الأبابيل ، وفي أول الرسالة زدت فجعلت الطير ملائكة ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بخمسة آلاف ثم الآن أزيد فأقول إني أكون ناصراً لك بذاتي : { إِذَا جَاء نَصْرُ الله } فقال : إلهي إنما تتم النعمة إذا فتحت لي دار مولدي ومسكني فقال : { والفتح } فقال : إلهي لكن القوم إذا خرجوا ، فأي لذة في ذلك فقال : { وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِى دِينِ الله أفواجا } ثم كأنه قال : هل تعلم يا محمد بأي سبب وجدت هذه التشريفات الثلاثة إنما وجدتها لأنك قلت في السورة المتقدمة : { يأَيُّهَا الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [ الكافرون : 1 ]

·        الوجه الثاني : أنه عليه السلام لما تبرأ عن الكفر وواجههم بالسوء في قوله : { يا أيها الكافرون } كأنه خاف بعض القوم فقلل من تلك الخشونة فقال : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ } فقيل : يا محمد لا تخف فإني لا أذهب بك إلى النصر بل أجيء بالنصر إليك : { إِذَا جَاء نَصْرُ الله }
       ** نظيره : «زويت لي الأرض» يعني لا تذهب إلى الأرض بل تجيء الأرض إليك ، فإن سئمت المقام وأردت الرحلة ، فمثلك لا يرتحل إلا إلى قاب قوسين :  { سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ } .

·        الوجه الثالث : كأنه سبحانه قال : يا محمد إن الدنيا لا يصفو كدرها ولا تدوم محنها ولا نعيمها :

       - فرحت بالكوثر فتحمل مشقة سفاهة السفهاء حيث قالوا : أعبد آلهتنا حتى نعبد إلهك فلما تبرأ عنهم وضاق قلبه من جهتهم قال : أبشر فقد جاء نصر الله فلما استبشر قال : الرحيل الرحيل أما علمت أنه لا بد بعد الكمال من الزوال ..

 فاستغفره أيها الإنسان لا تحزن من جوع الربيع فعقيبه غنى الخريف ولا تفرح بغنى الخريف فعقيبه وحشة الشتاء ، فكذا من تم إقباله لا يبقى له إلا الغير ومنه :
إذا تم أمر دنا نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم
 -إلهي لم فعلت كذلك قال: حتى لا نضع قلبك على الدنيا بل تكون أبداً على جناح الارتحال والسفر.

·        الوجه الرابع : أن في السورة المتقدمة لم يذكر شيئاً من أسماء الله ، بل قال : ما أعبد بلفظ ما ، كأنه قال : لا أذكر اسم الله حتى لا يستخفوا فتزداد عقوبتهم ، وفي هذه السورة ذكر أعظم أساميه لأنها منزلة على الأحباب ليكون ثوابهم بقراءته أعظم
                     فكأنه سبحانه قال لا تذكر اسمي مع الكافرين حتى لا يهينوه واذكره مع الأولياء حتى يكرموه.

وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً

المسلمون قبل الفتح وبعده

**  فَمَتى أقْبل الناسُ على الاسلام ؟ (إذا جاء نصْرُ الله والفتْح)
في الحقيقة من السَّهْل أنْ تُؤْمِن إذا عَمَّ الإسْلام الأرض، وإذا أصْبح الإسْلام قَوِياً، لكنَّ البُطولة أن تؤمن في ساعة العُسْرة، فأجْرُ الذي يُؤْمن وكُلُّ العالم ضَدَّ الإسْلام؛ هذا له أجْرٌ كبيرٌ، ، عندها ترى الناس يدْخُلون في دين الله أفْواجاً.

    ** لذلك بعض المذاهب الفِكْرِيَّة حينما كانت ضعيفة، فالذين اعْتَنقوها حالَ ضعفها وفي بدايتها كانت لهم مكانة كُبْرى، فإذا أصْبَحَتْ قَوِيَّة فإنَّ الذين يدْخُلون فيها لا قيمة لهم، فاعْتِناقُ المذْهب وهو في ضَعْفِهِ؛ هذا إيمانٌ كبير..
لذلك هؤلاء الذين اتَّبعوا النبي عليه الصلاة والسلام في ساعة العُسْرة؛ كسيّدنا الصِدِّيق لهم مكانتهم في الإسلام،

-  فأبو سُفْيان أسْلم ودخل الإسْلام ووقف على باب عُمَر ساعات طويلة فلم يُؤْذَن له، وبِلال وصُهَيْب يدْخُلان بلا اسْتِئذان فَعَظُمَ ذلك عنده، وعاتَبَ عمر بن الخطاب، وقال: زعيمُ قُرَيْش أبو سُفيان يقِفُ في بابك ساعاتٍ طِوالاً، وبِلال وصُهَيْب يدْخُلان بلا اسْتِئذان! فقال له كلمة واحدة: وهل أنت مثلُهما؟!
هؤلاء اتَّبَعوه في ساعة العُسْرة، واضْطَهَدَهُم المُشْركون وعذَّبوهم، وكانوا يَضَعون الصَّخْرة على صدْر بِلال ويقول: أحَدٌ أحد، جاء الصِدِّيق واشْتراهُ من أُمَيَّة بن خَلَف، وقال له: والله لو دفَعْتَ به درْهما لَبِعْتُكَهُ، فقال له الصدِّيق: أما إنك لو طلبْتَ مئة ألف لَاَعْطَيْتُكَها! نَقَدَهُ الثَّمَن، ووضَعَ يدهُ تحت إبْطِهِ؛ رَمْزَ الأخوة في الدِّين، مع أن بلالاً عبدٌ حَبَشي، وسيّدنا الصِدِّيق من كُبراء قُرَيْش، ورغم هذا قال: هذا أخي في الله، فَكان الصحابة إذا ذكروا الصِدِّيق قالوا: هو سيِّدُنا وأعْتَقَ سَيّدنا.

    ** وكان سيدنا عمر يخْرج إلى ظاهر المدينة لاسْتِقْبال بلالٍ الحَبَشي إذا قدِم من سفر، لذلك فإنّ الإيمان بعد النَّصْر سَهْلٌ، وأَجْرُهُ قليل، لكنَّهُ في زَمَن العُسْرة بُطولة.

      -  دخل عدي بن حات على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من الرجل فقال عَدِيُّ بن حاتم - ملِكٌ من ملوك الغساسِنَة الشامِيِّين فانْطَلق به ورَحَّب به إكْراماً له.

      وفي الطريق اسْتَوْقَفَتْهُ امْرأةٌ ضعيفة، فَوَقَفَ معها كثيراً يُكَلِّمُها في حاجَتِها، فقُلْت في نفْسي - عديّ -: ما هذا بِأَمْر ملِك! فلما دَخَلْتُ بيْتَهُ، دَفَعَ إلَيَّ وِسادَةً من أدَمٍ مَحْشُوَّةً ليفاً، ويبْدو أنَّه ليس في بيْتِه غيرها! وقال: اجْلس عليها، فقلتُ: بل أنت، فقال: بل أنت، فَجَلَسْتُ عليها وجلس هو على الأرض فقال: إيهِ يا عَدِيَّ بن حاتم، ألمْ تكُ رُكوسِياً؟ فقال: بلى، فقال: أَوَلَمْ تسِرْ في قَوْمِك بالمِرْباع، فقال: بلى، فقال: فإنَّ ذلك لم يكُن يَحِلُّ لك في دينك! فقال عَدِيّ: حينها علِمْتُ أنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسل يعْلمُ ما نجْهَل، ثمَّ قال لي: إيهِ يا عَدِيَّ بن حاتِم لَعَلَّهُ ما يمْنَعُك من دُخولٍ في هذا الدِّين أنَّك ترى أنَّ المُلْك والسُّلْطان في غَيْرِهم! وأيم الله، لَيوشِكَنَّ أنْ تسْمع بالمرأة البابِلِيَّة تَحُجُّ البيتَ على بعيرِها لا تخاف - من بابل إلى مَكَّة كُلُّها تُصْبح للمُسْلمين - ثمَّ قال له: ولَعَلَّهُ يمْنَعُك من دُخولٍ في هذا الدِّين ما ترى من حاجَتِهِم - أيْ فُقَراء - وَأيْمُ الله لَيُوشِكَنَّ المال أن يفيضَ فيهم حتى لا يوجد من يأخُذَهُ .

  ثمَّ قال لِعِديّ: ولعلّ ما يمْنعك من دُخولٍ في هذا الدِّين: ما ترى من كَثْرة عَدُوِّهم- من كُلِّ حدْب وصوب- وَأيْمُ الله، لَيُوشِكَنَّ أنْ تسْمع بالقُصور البابِلِيَّة مُفَتَّحَةً للعَرَب، فقالوا: لقد عاشَ عدِيّ بن حاتِم حتى رأى بابل مُفَتَّحَةً للمُسْلمين، وحتى رأى المرأة تَحُجُّ على بعيرها لا تخاف، وحتى رأى أنَّ المال قد فاض فيهم.

حينما يأتي نصْر الله والفتْح فالإيمان بالله سهْلٌ جداً، ولكنَّ البُطولة أنْ تؤمن بالله والأعْداءُ كُثُر، وأن تؤمن بالله والأموال في أيديهم قليلة، وأنَّك ترى الملك والسلطان في غيرهم، إنْ آمنتَ بالله واقْتَنَعْتَ بالإسلام، وطَبَّقْتَهُ في زَمَنٍ الإسْلام فيه ضعيف، فأنت البطل:
ليس من يقْطع الطرُق بطلاً     إنما من يؤمن بالله البطل


كما يدخل الناس في دين الله أفواجا قد يخرجون منه أفواجا :

  (( روى أحمد في المسند عَنْ جَارٍ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ فَجَاءَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنِ افْتِرَاقِ النَّاسِ وَمَا أَحْدَثُوا فَجَعَلَ جَابِرٌ يَبْكِي ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً وَسَيَخْرُجُونَ مِنْهُ أَفْوَاجاً )) [أحمد عن جابر رضي الله عنه ]

يدخل الناس في دين الله افواجاً، إذا كان المؤمن خير، المؤمن معطاء، المؤمن فهم دينه فهماً حقيقياً...

كل من يعمل في الحقل الديني إذا لم يكن هناك أعلى درجة من الكمال والطهر والنزاهة والاستقامة والصدق إذا لم يكن كذلك، يخرج الناس من دين الله أفواجاً، أغلب الظن إذا وجدت إنسان شارد اسأله، يقول لك:أنا كرهت الدين من أجل فلان، سبب نفوره من الدين هو فلان.

 إن هذا الدين كما ورد في الأثر القدسي قد ارتضيته لنفسي، ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأقيموه بهما ما صحبتموه،

 أنت مخير إذا أحببت أن تدخل الناس في دين الله أفواجاً كن كاملاً، وهل تحب أن تخرجهم أفواجاً استغل الدين للمصالح الشخصية، ضع الدين بالوحل، ارتزق بالدين، حينما تفعل ذلك عندها يخرج الناس من دين الله أفواجاً.

    - قال الإمام أبو حنيفة : رأى طفل أمامه حفرة، قال له:إياك يا غلام أن تسقط، كان هذا الطفل نبيهاً جداً، قال له:بل إياك يا إمام أن تسقط، إني إن سقطت سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم، وزلة العالِم سقوط العالَم معه، لأنه قدوة ومثل أعلى...

فسبح بحمد ربك واستغفره
    الرازي : وإنما وضع في مقابلة :
·        نصر الله تسبيحه ، لأن التسبيح هو تنزيه الله عن مشابهة المحدثات ، يعني تشاهد أنه نصرك ، فإياك أن تظن أنه إنما نصرك لأنك تستحق منه ذلك النصر ، بل اعتقد كونه منزهاً عن أن يستحق عليه أحد من الخلق شيئاً .

·        ثم جعل في مقابل فتح مكة الحمد لأن النعمة لا يمكن أن تقابل إلا بالحمد .
·        ثم جعل في مقابلة دخول الناس في الدين الاستغفار وهو المراد من قوله : { واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } [ محمد : 19 ] أي كثرة الأتباع مما يشغل القلب بلذة الجاه والقبول ، فاستغفر لهذا القدر من ذنبك ، واستغفر لذنبهم فإنهم كلما كانوا أكثر كانت ذنوبهم أكثر فكان احتياجهم إلى استغفارك أكثر...


 الظلال:  بناء على هذا الإيحاء وما ينشئه من تصور خاص لحقيقة الأمر يتحدد شأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن معه بإزاء تكريم الله لهم، وإكرامهم بتحقيق نصره على أيديهم. إن شأنه- ومن معه- هو الاتجاه إلى الله بالتسبيح وبالحمد والاستغفار في لحظة الانتصار.

 -   التسبيح والحمد على ما أولاهم من منة بأن جعلهم أمناء على دعوته حراسا لدينه. وعلى ما أولى البشرية كلها من رحمة بنصره لدينه، وفتحه على رسوله ودخول الناس أفواجا في هذا الخير الفائض العميم، بعد العمى والضلال والخسران.

  -  والاستغفار لملابسات نفسية كثيرة دقيقة لطيفة المدخل: الاستغفار من الزهو الذي قد يساور القلب أو يتدسس إليه من سكرة النصر بعد طول الكفاح، وفرحة الظفر بعد طول العناء. وهو مدخل يصعب توقيه في القلب البشري. فمن هذا يكون الاستغفار.
      
    ** والاستغفار مما قد يكون ساور القلب أو تدسس إليه في فترة الكفاح الطويل والعناء القاسي، والشدة الطاغية والكرب الغامر.. من ضيق بالشدة، واستبطاء لوعد الله بالنصر، وزلزلة كالتي قال عنها في موضع آخر: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» «1» فمن هذا يكون الاستغفار.

 -   والاستغفار من التقصير في حمد الله وشكره. فجهد الإنسان، مهما كان، ضعيف محدود، وآلاء الله دائمة الفيض والهملان.. «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» .. فمن هذا التقصير يكون الاستغفار..

    - ثم إن ذلك الشعور بالنقص والعجز والتقصير والاتجاه إلى الله طلبا للعفو والسماحة والمغفرة يضمن كذلك عدم الطغيان على  المقهورين المغلوبين. ليرقب المنتصر الله فيهم، فهو الذي سلطه عليهم، وهو العاجز القاصر المقصر. وإنها سلطة الله عليهم تحقيقا لأمر يريده هو. والنصر نصره، والفتح فتحه، والدين دينه، وإلى الله تصير الأمور.

انه الانطلاق من قيود الذات ليصبح البشر أرواحا من روح الله. ليس لها حظ في شيء إلا رضاه.

وعبثا يحاول الإنسان الانطلاق والتحرر وهو مشدود إلى ذاته، مقيد برغباته، مثقل بشهواته. عبثا يحاول ما لم يتحرر من نفسه، ويتجرد في لحظة النصر والغنم من حظ نفسه ليذكر الله وحده.

وهذا هو الأدب الذي اتسمت به النبوة دائما،
يريد الله أن ترتفع البشرية إلى آفاقه، أو تتطلع إلى هذه الآفاق دائما..

·        كان هذا هو أدب يوسف- عليه السلام- في اللحظة التي تم له فيها كل شيء، وتحققت رؤياه: «وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً، وَقالَ: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا. وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي. إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» ..
    ** وفي هذه اللحظة نزع يوسف- عليه السلام-. نفسه من الصفاء والعناق والفرحة والابتهاج ليتجه إلى ربه في تسبيح الشاكر الذاكر. كل دعوته وهو في أبهة السلطان وفي فرحة تحقيق الأحلام:
  -   «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين» .. وهنا يتوارى الجاه والسلطان، وتتوارى فرحة اللقاء وتجمع الأهل ولمة الإخوان، ويبدو المشهد الأخير مشهد إنسان فرد يبتهل إلى ربه أن يحفظ له إسلامه حتى يتوفاه إليه، وأن يلحقه بالصالحين عنده. من فضله ومنه وكرمه..

·        وكان هذا هو أدب سليمان عليه السلام وقد رأى عرش ملكة سبأ حاضرا بين يديه قبل أن يرتد إليه طرفه:
«فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» ..

·        وهذا كان أدب محمد- صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها، وفي موقف النصر والفتح الذي جعله ربه علامة له.. انحنى لله شاكرا على ظهر دابته ودخل مكة في هذه الصورة. مكة التي آذته وأخرجته وحاربته ووقفت في طريق الدعوة تلك الوقفة العنيدة.. فلما أن جاءه نصر الله والفتح، نسي فرحة النصر وانحنى انحناءة الشكر، وسبح وحمد واستغفر كما لقنه ربه، وجعل يكثر من التسبيح والحمد والاستغفار كما وردت بذلك الآثار.
وكانت هذه سنته في أصحابه من بعده، رضي الله عنهم أجمعين.


وهكذا ارتفعت البشرية بالإيمان بالله، وهكذا أشرقت وشفت ورفرفت، وهكذا بلغت من العظمة والقوة والانطلاق..


0 comentarios:

Publicar un comentario