martes, 27 de agosto de 2013

من الحكم العطائية 1

0 comentarios
ادْفِنْ وجُودَكَ في أَرْضِ الْخُمُولِ: فَمَا نَبَتَ مِمَّا لَمْ يُدفَنُ لاَ يَتِمُّ نَتَاجُه

ـ الفرق بين الخمول والكسل

دعونا نوضح المعنى المراد بالخمول أولاً.كثيرون هم الذين يتصورون أن الكلمة تعني الكسل والدعة.. يقولون: فلان خامل، يقصدون أنه كسول لا ينهض بعمله ومسؤولياته.غير أن هذه الكلمة تعني في اللغة الابتعاد عن الأضواء وعن أسباب الشهرة. وأن يكون الإنسان مجهولاً لدى الآخرين لا يعرفه أكثر الناس.
فالناس تفهم الخمول بمعنى الكسل، ولكن هذا ليس بصحيح فالخمول ضد الظهور، أما الكسل فهو ضد النشاط. فهل قال : ادفن نفسك أو ادفن وجودك في أرض الكسل؟ لا، وهل الكسل عسل؟ لا. ادْفِنْ وجُودَكَ في أَرْضِ الْخُمُولِ. يقال هذا رجل تقى خفى. إذا طُلِبَ لَمْ يُوجَدْ وإذا غَابَ لَمْ يُذْكَر، فلا يسأل عليه أحد، ولا يهتم به أحد. هذا هو الخمول: البعد عن مراءات الناس وعن التصدر بغير حق وعن أن تظهر هكذا فجأة وتنسب إلى نفسك ما ليس لك. والخمول هو أن تفعل الشئ وتنشط ولكن لله..مخلصا لله..لا تريد من أحد جزاء ولا شكورا. إذا دفنت وجودك في أرض الخمول وجدت ثمرة ذلك في قلبك. وسيدنا الشيخ بن عطاء يقول لنا هنا الخطوات التي نتخذها حتى نصل إلى السير في طريق الله سبحانه وتعالى. فأول شئ هو إخفاء الأعمال، أي الدخول في أرض الخمول.


ـ بيان أن كل شيء لايتكامل وجوده إلاّ بعد أن يبقى مدة في ظلمات الخفاء

نعود الآن إلى هذا الذي يقوله ابن عطاء الله: «ادفن وجودك في أرض الخمول»
 أي عندما تريد أن تنهض بمهامك التي تريد أن تنهض بها دينية أو دنيوية (ومراد ابن عطاء الله بها هنا المهام
الدينية).
 عليك قبل أن تشتهر بين الناس وقبل أن يَرَوْكَ على مسرح الأحداث ويشار إليك بالبنان، أن تدفن وجودك لمدة من الزمن
في أرض الخمول، أي بعيداً عن الشهرة، متوارياً عن أضوائها، وليكن عملك خلال ذلك هو السعي إلى أن ترعى ذاتك وأن تنضج عقلك وأن تربي نفسك، وأن تصفي سريرتك من الشوائب. ليكن همك محصوراً في ذلك.

 -  وأنت لا تستطيع أن ترعى نفسك وكيانك هذه الرعاية، إلا إن كنت مختلياً بنفسك بعيداً عن الضوضاء وعن الأضواء الاجتماعية وتيارات الأنشطة العامة.

ـ بيان وحدة هذا القانون في الوجود الإنساني والجامدات والوجود العضوي والاجتماعي للإنسان

ويشبه ابن عطاء الله السكندري هذا القانون التربوي في حياة الإنسان بالقانون ذاته في عالم النبات!.. فالنواة التي تريد أن
تستنبتها، ستنمحق وتموت إن أنت ألقيتها رأساً على وجه الأرض وتركتها ظاهرة بين الأتربة والحجارة، تشرق عليها الشمس المحرقة، ويتخطاها الغادي والرائح.وإنما السبيل إلى استنباتها أن تدفنها في ظلمات التراب وباطن الأرض، وتترك على هذه الحال مدة، بحيث تتفاعل مع ذاتها، وينضج ثم ينبعث كل ما قد أودعه الله في داخلها من الخصائص المتمثلة في أوراق وعروق تتجه صاعدة إلى وجه الأرض، تمزق الأتربة التي فوقها، بل تشق الحجارة التي في طريقها، لتصافح الهواء الساري ولتتغذى بضياء الشمس المشرقة.

 -   فظهور النبات يمرّ، إذن، بمرحلتين: مرحلة التأسيس إذ يكون في باطن الأرض، ومرحلة النمو والعطاء إذ يكون على ظاهرها تحت ضوء الشمس وأمام الأبصار.
·        القانون الإلهي واحد سواء فيما يتعلق بالنواة والبذور التي تُسْتَنْبَتُ، أو بالإنسان الذي يريد أن يكوّن ذاته.إن بوسع الإنسان أن يعرف هويته عبداً مملوكاً لله عز وجل خلال دقائق أو أيام..ولكن إذا أراد أن يضع هويته هذه موضع التنفيذ، فيسير على صراط الله عالماً بشرعه مدافعاً عن دينه مجاهداً في سبيله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ناهضاً بواجباته الاجتماعية المثلى، فلا بدّ أن يسير إلى ذلك، سيرة النواة إذ يتكامل نضجها في رحم الأرض، فيتعهد نفسه بالتربية والتزكية وتخليتها من الشوائب، في مرحلة من الانطواء على الذات، والابتعاد عن ضجيج الأنشطة الاجتماعية.
  -      ولو أنه قفز فوق هذه المرحلة، واتجه رأساً إلى الأنشطة الاجتماعية يتعامل معها ويتفاعل مع تياراتها، لكانت سيرته كسيرة النواة التي ألقيتها على وجه التراب وبين الحجارة، هل تنتظر منها إلا العفونة والفساد؟!..

 إن تكلم فلن يصدر عن علم ناضج، وإن هو أراد السير على صراط الله فلسوف تعوقه نفسه الأمارة بالسوء عن الانضباط بهذا السير، لما يعانيه من غرائز وشهوات وأهواء لم يتح له أن يخلص نفسه منها. وإذا اتجه إلى الأنشطة الاجتماعية، شدته رغائبه إلى التنافس في حظوظ المراكز والزعامات، والتسابق إلى حيث المغانم والأموال.
ذلك لأن نفسه لم يتح لها أن تتهذب في محراب العزلة، ولم تنبثق فطرتها السليمة ناضجة في رحم الخلوة.

وما أكثر الفساد الذي ينتشر اليوم في جنبات المجتمعات بسبب الإعراض عن هذا الذي يوصي به ابن عطاء الله.
- بسبب الكثير ممن يتزبب وهو حصرم. ولكن ما من إنسان يبدأ بتكوين نفسه والتعرف على ذاته، وتغذية عقله بالعلوم والمعارف وتجارب الحياة، بعيداً عن الأضواء الاجتماعية وعن أسباب الشهرة وعن أحلام الزعامة.
مستعيناً بأجواء من الخلوات الجزئية التي تشبه جرعات الدواء المتلاحقة، أقول: ما من إنسان يأخذ نفسه بهذا العلاج، إلا
وينضج عقله دراية وعلماً، وتتزكى نفسه تهذيباً وتربية، وتتجه منه المشاعر والعواطف إلى كل ما هو أعلى وأبقى وقد صفيت من شوائب الأهواء والرعونات.وتصبح أنشطته وأعماله الاجتماعية عندئذ مفيدة ومثمرة له ولمجتمعه، تماماً كالنواة التي تركت في باطن الأرض، حتى تفجرت في ظاهرها نباتاً مخضراً يانعاً ثم مثمراً.
ـ المستند الذي اعتمد عليه ابن عطاء الله، سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
- فلقد ورد في الصحيح أن الله حبّب إليه الخلاء، فكان يخلو في غار حراء الليالي المتتابعة.
كان ذلك هو العمل التأسيسي في رحلة القيام بالمهمة التي كلفه الله بها، من بعد. وعندما نتبين الحكمة من ذلك، نعلم أنه كما احتاج رسول الله بين يدي القيام بعمله الوظيفي إلى هذه الخلوة فبقية المسلمين أشد حاجة منه إليها.

وإننا لننظر، فنجد أن السلف الصالح كلهم ساروا على هذا المنوال، فلم يقفز أي من أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم ولا أحد ممن جاء بعدهم فوق هذا القانون الذي يذكرنا به ابن عطاء الله رحمه الله تعالى.

لكي ينهض الإنسان بواجباته الاجتماعية بنجاح لابدّ من أن يتحلى بثلاث خصال:

أولها: العلم. فلا يجوز لي أن أتكلم بين الناس وأن أقودهم إلى ما أرى أنه الحق بدون علم.
 ثانيها: تزكية النفس، فالنفس كما هو معلوم أمّارة بالسوء. نفسي التي بين جنبي، تطمح بي (في بادئ الأمر) إلى
البحث عن الزعامة.. إلى الوجاهة.. إلى منافسة الأقران.. إلى أن أكون أنا الأفضل في سائر الأمور والأعمال.. تطمح بي دائماً إلى المتع واللذائذ.. إلى جمع المال من أي نافذة لاحت، فإن صليت دعتني نفسي إلى أن أجعل من صلاتي سبيلاً لثناء الناس عليّ..
وإن قمت أعلّم الناس وأدعوهم وأعظهم، دعتني نفسي إلى أن أجعل من ذلك سُلّماً لشهرة وزعامة، وإن سلكت مسلك الاستزادة من الأذكار والعبادات والقربات، توجهت بي هذه النفس ذاتها إلى أن أكون بذلك وجيهاً ومعظماً في قلوب الناس.
 ولا علاج للتخلص من هذه الآفات كلها إلاّ أن آخذ نفسي هذه بمنهج التزكية التي أمرني الله بها.
 ثالثها: تطهير القلب من محبة الأغيار!.. إنني أحب المال، أحب الزعامة، أحب زوجتي، أحب أولادي، أحب من سماهم
الله الأنداد.. أي المنافسين لله عز وجل على قلوبعباده. مطلوب مني أن أطهر قلبي من ذلك كله، وأن أسقط محبة هؤلاء الأغيار منه.
في أي مدرسة أحقق هذه النتائج الثلاث؟

إن الوصول إلى هذه الأهداف الثلاثة لا يتم إلا بإخضاع الذات لخلوات جزئية منظمة.. في هذه الخلوات، بقيودها التي سأتحدث عنها، أتهيأ لمعرفة ذاتي وللوقوف على هويتي عبداً مملوكاً لله عز وجل. وستسلمني هذه المعرفة إلى منهاج من الأذكار أجعل منها وردي الدائم، وسيكون الإكثار من تلاوة القرآن بتدبر وتأمل في مقدمتها. وشيئاً فشيئاً ستنجلي أمامي المكونات على حقيقتها.
إنها أتفه وأقلّ من أن يتعلق بها القلب، تعلقاً يحجبه عن رؤية المكوِّن جلّ جلاله، ولسوف تتخلّى النفس عن رعوناتها وأهوائها، وتصطلح مع الروح الهابطة إلى الجسد من الملأ الأعلى، لتبدءا السير معاً على الطريق الموصل إلى رضوان الله عز وجل.غير أن هذا لا يكون إلا عندما آخذ نفسي بمرحلة من الخمول وبساعات من العزلة أخلو بها إلى ذاتي، بعيداً عن المجتمع وضوضائه.
وإني لأشبه الإنسان التائه عن هذا العلاج، السابح في أمواج التيارات الاجتماعية المتنوعة، برجل اتخذ مكانه في ناد ليلي يفيض بالضجيج والأحاديث المتداخلة والأصوات المرتفعة، وفجأة أقبل إليه صديق أو شريك له في التجارة، يحدثه عن أمور حسابية تتعلق بالشركة والأمور المالية التي بينهما. يصغي إليه صاحبه قليلاً، ثم يجد أن لا فائدة من الإصغاء، لا المتكلم ينفذ بالحديث دقيقاً إلى سمعه، ولا هو يستطيع أن يستوعب ما يقوله له، وسط ذلك الضجيج.. فيقول لصاحبه: قم بنا نبحث عن مكان هادئ يتاح لنا فيه التعامل مع الروية والفكر.

ـ أمثلة على ذلك

مثال ذلك أيضاً تاجر يمضي يومه في متجره مع الزبائن الغادين والرائحين، يندمج معهم ويساهم في ضجيجهم. ولكن ما من ريب أن سرّ نجاحه وأرباحه التجارية لا يكمن في اندماجه مع ضجيج السوق ومساوماته مع الزبائن، وإنما يكمن في الساعتين اللتين يقضيهما مختلياً في مكتبه يراجع فيهما دفاتره، ويتأمل حساب الصادر والوارد لديه.وكما أن مثال التجارة الدنيوية هذا، لا يعجز عن فهمه أحد ...
·        فكذلك شأن التجارة بأمور الدين.إنني عندما أبدأ عملي الإسلامي بالاندماج في المجتمع داعياً واعظاً حركياً آمراً
ناهياً، وأجدني فجأة قد أصبحت زعيماً أو مسؤولاً كبيراً، أو اكتسبت شهرة بين الناس على حين غرة، فما من ريب في أني سأجند كل أنشطتي الدينية وإمكاناتي الحركية لحماية ما قد نلته من شهرة أو زعامة أو مال.إذن ماذا عسى أن أستفيد وأفيد في هذه الحال؟ 
     لن أستفيد سوى أوزار من الرياء والعجب أحملها إلى الله فوق كاهلي، ولن أفيد الناس إلا أقوالاً مرصوفة وحركات خداعة. أما الدين في جوهره فتائه وضائع بين هذين الطرفين!..

   - لذلك جاء في جواب رسول الله عليه الصلاة والسلام لبعض الصحابة عن النجاة «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابكعلى خطيئتك»

عندئذ لا خوف عليّ من المجتمع وأضوائه.. لا خوف عليّ من الرياء لا داعي إلى الحذر من العجب.. لا حاجة إلى الخوف ممن قد يحاول أن يشتريني لمصالحه بالمال، أو بالمتع والملذات.. إذ لن أجد أمامي أحداً إلا الله الذي هو وحده الفعال، وهو وحده النافع والضار.

ـ الخمول المطلوب هنا لايعني بالضرورة الخلوة أو العزلة التامة

على أن الخمول الذي يعنيه ابن عطاء الله هنا، أعمُّ من الخلوة التي نتحدث عنها، فالخمول يعني الابتعاد عن الشهرة وعن خِضَمِّ الأنشطة الاجتماعية، والركون إلى الذات لاستكمال معارفها وتنمية خصائصها ومزاياها، وتسليك النفس في مسالك التربية والتهذيب.وكما يكون ذلك عن طريق الاستعانة بسلسلة الخلوات المنسَّقة، يكون عن طريق الاعتماد على دائرة ضيقة من المعلمين والمرشدين، والأقران الذين يستعان بهم في السير على هذا الطريق.. المهم أن لا يشغل السالك نفسه في هذه المرحلة بالشؤون العامة، وأن لا يزج نفسه في غمار الأنشطة الاجتماعية وضوضائها، إذ إن ذلك من شأنه أن يخنق براعم مزاياه العقلية والفكرية النفسية التي لم تتفتح بعد، في مناخ التربية والمعرفة، وأن تستثير في مكانها من نفسه النقائص والعيوب، كما قد أوضحت قبل قليل.

ـ هذه الحكمة تعبر عن قانون لابدّ منه في كل من القضايا الدينية والدنيوية

ومن المهم أن تعلم أن اتباع هذه الحكمة أساس لا بدّ منه في كل من القضايا الدينية والدنيوية معاً.فكم من مصالح ومؤسسات اقتصادية واجتماعية وعلمية، تسرب إليها الفساد، إذ عهد برعايتها إلى أشخاص، رأس مالهم من الخبرة والمعرفة والمراس، زعامة أو شهرة أو مكانة، نالوها طفرة، دون أي مرور بقناة النضج التربوي أو الخبرة أو الدراية المعرفية!.. ففسدت المؤسسات، وتعطلت المصالح، وأفلست الشركات، إذ لم تغن الزعامة أو الشهرة أو المكانة الخلّبية، عن العلم والأخلاق والتربية شيئاً. وقد علمت أن التكوين التربوي للنفس، والتكوين المعرفي للعقل، لا يتم أي منهما إلا في رحم الخمول بعيداً عن أضواء الزعامة والشهرة المنبثقة من الهياجات الاجتماعية أو الحزبية ونحوها.

هناك كثير من الشباب الذين يتربعون اليوم على أريكة الإرشاد والتوجيه، قفزاً فوق مرحلة التكوين التي يتحدث عنها ابن عطاء الله، رشحتهم لها المراكز الحزبية أو الأنشطة الاجتماعية، أو المصالح المتبــادلة. في غياب تام لمشاعر الغيرة على الحق والإخلاص لدين الله عز وجل.

ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة

العزلة ليست مرادة لذاتها وإنما هي مطلوبة لتكون مناخاً وظرفاً مناسباً، للتأمل والتفكير. أي فلو أن أحدنا أخذ
الشطر الأول من هذه الحكمة فألزم نفسه بمنهاج من العزلة، يخلو فيها مع نفسه ساعة أو ساعتين كل يوم، يعانق هذه العزلة لذاتها بعيداً عن أي عمل.. بعيداً عن القراءة.. بعيداً عن أي وظيفة فكرية.. فهو سلوك جانح مختل، لا يأتي لصاحبه بأي خير، بل هو بالأحرى سلوك ضارّ للنفس ومزهق للوقت.

فالمريض ينصحه الطبيب بأمرين اثنين، لا يستفيد من الواحد منهمان لم يتبعه بالثاني.. ينصحه بالحمية أولاً، وهي عمل سلبي يتمثل في الابتعاد عن الأطعمة الضارة ثم يكلفه بأن يستعمل خلال ذلك أدوية معينة يصفها له.فلو أنه احتمى ولم يستعمل الأدوية لن يستفيد شيئاً. ولو أنه استعمل الأدوية ولكنه لم يحتم فإن هذه الأدوية لن تحقق المأمول من فائدتها.إن هذا المثال صورة للحكمة التي ينصحنا بها ابن عطاء الله.

 إذن فإذا ألزم الإنسان نفسه بساعة من الخلوة في كل يوم وليلة مثلاً يعزل نفسه فيها عن الناس، ينبغي أن يملأ فراغ خلوته هذه بموضوع يسلط عليه فكره للمناقشة وللنظر وللتأمل. على أن يكون الموضوع الذي يشغل فكره به، مما يوقظه إلى معرفة الحقيقة الكونية، لا موضوعاً يستهوي النفس ويخبل العقل. فلو أنه دخل خلوته هذه وأمسك بكتاب مليء
بأصناف الدجل والخرافات أو الموضوعات التي تثير في النفس غرائزها وتجمح بها إلى أهوائها فإنه يكون قد اتخذ من خلوته وسيلة للابتعاد عن معرفة الحق ولإسدال مزيد من الحجب بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

   -قول الله تعالى: { قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ } { سبأ: 34/46 }

والآن، تعالَ نتبين أثر هذه العزلة الجزئية عندما يأخذ المسلم بها نفسه، على صعيد التنفيذ والواقع العملي.افرض أنك تسير مع ثلة من إخوانك التجار في شارع كشارع الحمراء أو سوق كسوق الحميدية، والحديث دائر عن المال والدخل والاقتصاد، وجاء من يذكرك أثناء ذلك الضجيج بحديث رسول الله : «لو كان لابن آدم وادٍ من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» متفق عليه من حديث عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك. ماذا عسى أن يحدث هذا الكلام من التأثير علىنفسك؟.. لن يحدث أي تأثير، بل ستتبرم بهذا الكلام الذي جاء في غير ميقاته، ولسوف تتغلب على فكرك ونفسك الحالة التي أنت فيها، والتيار الذي يحيط بك. وفي أحسن الأحوال الإيمانية لديك، ستحترم هذا الحديث وصاحبه، ثم تنساه بعد ثلاث دقائق.ولكن فافرض أنك قمت من الليل،
وقد بقي منه الهزيع الأخير، وتأملت السكون الذي يلتف بك، وقد بعث في نفسك صفاء لا عهد لك به، وأنعش فكرك بطمأنينة طالما بحثت عنها ولم تعثر عليها، فاندفعت بوحي من تلك الحال، إلى أن تتوضأ فتقف بين يدي الله تناجيه من خلال ما تيسر من الركعات، ولما جلست تتأمل الحال التي لبستك من خلال مناجاتك لله، في هدأة الليل وسكونه، بعيداً عن الناس والأقران وشواغل التجارة والمال، سمعت من يذكرك بحديث رسول الله : «لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانياً..» الحديث أو يتلو عليك قوله يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت» رواه مسلم من حديث عبد الله بن الشخير وأبي هريرة. فما الذي يحدثه سماع هذا
الكلام في فكرك ونفسك، وأنت في خلوتك تلك، مندمجاً في تلك الحال؟سيسري تأثير كبير من هذا الكلام إلى نفسك، وسيخبو شعاع الأمتعة والزينة المتناثرة من حولك، وستشعر أن كل ما قد استزدته فوق الحاجة من أموال الدنيا ومتعها قد تحول إلى عبء على كاهلك. ولن يعيدك إلى التعامل معها والاستزادة منها، إلاّ اندماجك ثانية في أعمال السوق وتعاملك مع رواده وأهل

·        والخلوة ليست البعد عن الناس حباً في العزلة.. أو هروباً من مواجهة أعباء الحياة ومسئولياتها .. بل هي فترة قصيرة من البيات والكمون .. واستراحة محدودة لتصفية الذهن وتنقية النفس وإجلاء البصيرة وتطهير الروح 

·        والخلوة أيضاً تحقق للإنسان الأسترخاء وفرصة التأمل والتركيز الذهنى الذى يساعد الفرد على الوصول إلى أفضل الحلول لمشاكله .. والأفكار المبتكرة الخلاقة.. والإبداع الراقي المستنير .. وهي تعوضه عن بعض خسائره 

فلسفة العزلة
·        لن يسع الجمع بين مخالطة الناس ظاهرا .. و الإقبال على الله سرا إلا بقوة النبوة أو التأسي بأصحابها .

 * العزلة تساعد الانسان على الوقوف على مواطن الضعف لديه..
*   من فوائد العزلة : صعود النفس في سلم العبودية .
 * أنفع شيء عزلة مصحوبة بفكرة .
 * العزلة عن الناس عزلة الضعفاء .. و العزلة بين الناس عزلة الأقوياء.

العزلة عند الصوفية:

ويشرح العقاد في موقع آخر أن الصوفية من حيث علاقتها بالدنيا نوعان: نوع يرفضها لأنها وهم وغشاوة مزيفة كالطلاء الذي يوضع على المعدن الخسيس ليخيل إلى الأنظار أنه معدن نفيس ، ونوع آخر يخوض غمار الدنيا ليبتليها ويمتحن نفسه بتجاربها وغواياتها .. وعنده أنها جميلة لأنها من خلق الله ، وكل ما يخلق الله جميل .. وهذا النوع الأخير من الصوفية ـ كما يقول العقاد ـ أقرب أنواعها إلى الإسلام، وليس على المسلم حرج أن يرى للدنيا ظاهراً خادعاً وباطناً صادقاً أجمل من ظاهرها ، فإن قصة الخضر ـ مع موسى عليهما السلام تدور كلها على التفرقة بين الظواهر والبواطن في الأحكام والنيات.


الاعتكاف = عزلة شرعية !
-        وحقيقته : قطع العلائق .. عن الخلائق ..للاتصال بخدمة الخالق) ابن رجب ..
 الاعتكاف هو برنامج هام لصنع الذات يعزل الانسان نفسه لبضعة ايام عن المظاهر المادية الدنيوية عزلا تاما ويجعله يعيش في عالم من الروحانية والمعنوية ويدفعه الى اعادة النظر بنظامه الاخلاقي وبنائه الذاتي والتوبة من الذنوب ومحاسبة النفس ومراقبتها ، انه وبشكل عام ولادة جديدة ينبغي على المسلمين ان يحافظوا على هذه الشعيرة الالهية والتقليد الاسلامي ويستفيدوا منه .

·        والاعتكاف فرصة الهية للوصول الى الكمال وتحصيل الدرجات المعنوية ، خصوصا وهو يتم في بيوت الله بل في اعظمها واشرفها ، فالمسجد عموما في الاسلام له مقام ومنزلة خاصة وهو مكان للارتباط والاتصال والانس بالله تعالى


0 comentarios:

Publicar un comentario