اجْتِهَادُكَ فِيمَا ضَمِنَ لَكَ ، وَتَقْصِيرُكَ فِيمَا طَلَبَ مِنْكَ : دَلِيلٌ عَلَى انْطِمَاسِ البَصِيرَةِ مِنْكَ
-الناس يجتهدون فيما ضمن لهم، مقصرون فيما طُلِب منهم، فالهمُّ كله من
الدنيا، والجهد كله من أجل الدنيا، وطاقة الإنسان كلها من أجل الدنيا، وعقله،
وذكاؤه، وحيلته كلها كذلك، فمن أصبح وأكبر همِّه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه،
وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قُدِّر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة
جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة.
وهناك إنسان تهمه الدعوة، وإنسان يهمه
إخوانه، وكل إنسان له عند الله مكانة بحسب اهتماماته، ولعل النبي عليه الصلاة
والسلام همُّه أمر الخلق جميعاً، ولذلك فهو أعلى إنسان، لأنه شَغَلَ اهتمامه
بالخلق جميعاً، وهو أرحم الخلق بالخلق، وكلما اتسعت دائرة اهتمامك ارتقيت عند الله.
وهناك شخص والعياذ بالله تهمُّه نفسه، يأكل بمطعم، ولا يوجد في بيته طعام، فأكَل ولم يهمَّه أحد، فهذا وحش وليس أباً، إذْ يهمه أن يأكل وحده، ولا يعبأ بمن أكل ومن لم يأكل، وإنسان آخر تهمه زوجته وأولاده ، وإنسان اهتمامه يشمل أقرباءه، أخاه وأخته وزوج أخته وأولاده المتزوجون وأخواته، فاهتمامه أكبر، وكلما اتسعت دائرة الاهتمام ارتقيت عند الواحد الديّان.
وهناك شخص والعياذ بالله تهمُّه نفسه، يأكل بمطعم، ولا يوجد في بيته طعام، فأكَل ولم يهمَّه أحد، فهذا وحش وليس أباً، إذْ يهمه أن يأكل وحده، ولا يعبأ بمن أكل ومن لم يأكل، وإنسان آخر تهمه زوجته وأولاده ، وإنسان اهتمامه يشمل أقرباءه، أخاه وأخته وزوج أخته وأولاده المتزوجون وأخواته، فاهتمامه أكبر، وكلما اتسعت دائرة الاهتمام ارتقيت عند الواحد الديّان.
نقطة ثانية، العمل الذي يمتص كل وقتك خسارة محققة، ولو كان دخله
بالشهر مليونًا، فإذا امتص العمل كل وقتك فقد ألغى وجودك، وألغى إنسانيت
هل الأسباب فيها قوة مودعة فيها
هي التي تعمل ؟
الأشياء التي نسميها أسباباً، ليست فيها قوة أودعها الله فيها، فبها تؤثر
في الأشياء، وبها تتحقق سببيتها، بل إن التأثير آتٍ من عند الله لحظة فلحظة، أي
عندما تقترن بمسبباتها.. فإذا كانت النار مثلاً باردة في أصلها لا تحرق، فلماذا أخبرنا
الله بأنه قال لها، يوم قذف بسيدنا إبراهيم فيها: { وَآيَةٌ لَهُمْ أَنّا
حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } { يس: 36/41 } أقول لهذا
السائل: إن النار بطبعها، أي قبل أن يوجهها الله إلى أي وظيفة، ليست فيها حرارة ذاتية
ولا برودة ذاتية. ولكنها تتلقى من الله تعالى الأمر بالإحراق عندما يشاء فتحرق،
وتتلقى منه الأمر عندما يشاء بغير ذلك فتستجيب لأمر الله وحكمه.فإذا توجه أمر الله
إلى النار بأن تكون برداً وسلاماً، فليس في ذلك دلالة على أنها كانت قبل ذلك تختزن
طبيعة الإحراق في داخلها.أرأيت إلى قوله لها: {وَحَمَلْناهُ عَلَى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا
جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ } { القمر: 54/13ـ14 }
ولو تخلّى الله عز وجل بحكمه عن النار، ولم يوجه إليها أمره بمهمة ما،
في أي لحظة من اللحظات، إذن لما
رأيت فيها أياً من معاني الحرارة ولا البرودة، ولتخلّت عما توهمته وظائف وأوصافاً لها.وهذا معنى قول رسول الله : أصدق ما قاله لبيد: « ألا كل شيء ما خلا الله باطل» أي يكفي – كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى - لبطلانها وتلاشيها مجرد تخلّي الله عنه
رأيت فيها أياً من معاني الحرارة ولا البرودة، ولتخلّت عما توهمته وظائف وأوصافاً لها.وهذا معنى قول رسول الله : أصدق ما قاله لبيد: « ألا كل شيء ما خلا الله باطل» أي يكفي – كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى - لبطلانها وتلاشيها مجرد تخلّي الله عنه
لحكمة:
بيان الوظيفة التي ألزم الله بها الإنسان، والوظيفة التي ألزم الله بها ذاته
العلية تجاهه
مقتضى هذه القسمة أن ينصرف الإنسان (المؤمن
بالله طبعاً) إلى الوظيفة التي عهدت إليه وكلف بها، مقابل التزام الله عز وجل بما
قد تعهد له به، من توفير مقومات عيشه وتسخير المكونات التي حوله لمصالحه ورغائبه.
ومن أوضح البدهيات أن علينا في هذه الحالة
أن نصرف الجهد ونرهق الفكر في أداء الوظيفة التي كلفنا بها، وأن نطمئن
بالاً إلى الضمانات التي ألزم الله ذاته العلية لنا بها. فلا نشغل بذلك فكراً ولا نحمل أنفسنا منه عنتاً أو اضطراباً.ولكن
في الناس من يجتهدون ويجدون ويرهقون أنفسهم فيما قد ضمنه الله لهم، ويعرضون عن الوظيفة التي طلبها الله في مقابل ذلك منهم. وهذا دليل - كما قال ابن عطاء الله - على انطماس البصيرة من هؤلاء الناس.وهو إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على عدم الثقة بوعد الله وما قد ضمنه للإنسان كما يدلّ على الرعونة النفسية التي تهيمن على كيانه وتفكيره.
بالاً إلى الضمانات التي ألزم الله ذاته العلية لنا بها. فلا نشغل بذلك فكراً ولا نحمل أنفسنا منه عنتاً أو اضطراباً.ولكن
في الناس من يجتهدون ويجدون ويرهقون أنفسهم فيما قد ضمنه الله لهم، ويعرضون عن الوظيفة التي طلبها الله في مقابل ذلك منهم. وهذا دليل - كما قال ابن عطاء الله - على انطماس البصيرة من هؤلاء الناس.وهو إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على عدم الثقة بوعد الله وما قد ضمنه للإنسان كما يدلّ على الرعونة النفسية التي تهيمن على كيانه وتفكيره.
ـ من أهم
مايجب علمه أنه مامن مخلوق إلا وأقامه الله تعالى على وظيفة
ومن أهم ما يجب علمه أنه ما من مخلوق،
حيواناً كان أو نباتاً أو جماداً إلا وأقامه الله تعالى على وظيفة، فهو منصرف
إليها عاكف عليها. تأمل في أصغر الذرات أو الجزيئات التي لا تتبينها إلا بالمجهر،
ثم تدرج منها إلى ما هو أكبر فأكبر، إلى أن تصل إلى أكبر الأجرام من الكواكب
والمجرات، وسرح نظرك في عالم البهائم على اختلافها، وفي عالم الطيور وحيوان
البحار، تجد كلاً من هذه المخلوقات قائماً على وظيفة أقامه الله عليها، لا يشرد
عنها ولا يتمرد عليها. وهذا معنى قول الله عز وجل: { وهزي إليك بجذع النخلة } {
مريم : 19/25 }
ـ غير أن الله قضى أن تمارس
المخلوقات كلها وظيفتها بالاضطرار الخِلقي، أو بالشعور الغريزي، إلا الإنسان فقد قضى
أن يمارس وظيفته عن طريق الحرية والاختيار
وذلك تكريماً وتنزيهاً له عن أن يساق كالحيوانات العجماوات، إلى
وظيفته، بعصا الغريزة القاهرة.ولذا فإن الإنسان
هو المخلوق الوحيد الذي يكثر فيه الشاردون بل المتمردون على الوظيفة التي كلف بالنهوض بها، في حين أن سائر المخلوقات الأخرى على اختلافها ماضية في العكوف على وظائفها والمهامّ التي خلقت من أجلها. إذ الإنسان يمارس وظيفته من خلال حريته ومدى رغبته، فظروف الإعراض عنها، كظروف الإقبال إليها، سانحة. انظر إلى مصداق هذا في قول الله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ.. } { الحج: 22/18 }
هو المخلوق الوحيد الذي يكثر فيه الشاردون بل المتمردون على الوظيفة التي كلف بالنهوض بها، في حين أن سائر المخلوقات الأخرى على اختلافها ماضية في العكوف على وظائفها والمهامّ التي خلقت من أجلها. إذ الإنسان يمارس وظيفته من خلال حريته ومدى رغبته، فظروف الإعراض عنها، كظروف الإقبال إليها، سانحة. انظر إلى مصداق هذا في قول الله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ.. } { الحج: 22/18 }
ـ الغريب أن تجربة إعراض الإنسان عن الوفاء
بعهد الله، يتجلى للعيان سوء نتائجها، ومع ذلك فمن شأن كثير من الناس
الإمعان في هذا الإعراض!
الإمعان في هذا الإعراض!
ويواصلون المضيّ في تجاربهم الفاشلة، التي
تنقلهم من ذل إلى ذل، وتزيدهم بعداً عن الهدف الذي يطمحون إليه. فهل في التصرفات
التائهة ما هو أعجب من هذا التصرف؟ولو أن أحداث التاريخ لم تكن شاهداً عملياً لصِدْق
وعد الله لعباده، إن هم صدقوا معه في إنجاز ما قد كلفهم به، لربما كان في الوعد
النظري ما يبعث على الريبة والشك، نظراً لضعف ثقة المسلمين اليوم بوعود خالقهم
ومولاهم.ولكن تاريخ هذه الأمة، ينطق واقعه بشهادة تجلجل على أسماع الدنيا كلها،
بصدق وعد الله عز وجل فيما أخبر والتزم!
إن على
المسلم أن يمارس الأسباب وأن لا يعطلها؟..
ألم تؤكد أن الإعراض عن الأسباب مع انتظار أن
يخلق الله النتائج من دونها، سوء أدب مع الله عز وجل؟..إذن فلا بدّ من الاجتهاد
فيما ضُمِنَ لنا، وذلك بأن نسعى وراء أرزاقِنا ومصالحنا الدنيوية عن طريق الأسباب
التي أقامها
الله أمامنا.والجواب يتلخص في أن الاجتهاد المذموم في نيل ما قد ضمنه الله للعبد، يتمثل في أن يجعل من انشغاله بأسباب دنياه صارفاً له عن القيام بوظائفه وواجباته الدينية المختلفة.. يدعو الداعي إلى المسجد لشهود صلاة الجماعة فيعرض عن الداعي وعن صلاة الجماعة لانشغاله بأسباب تجارته أو زراعته أو وظيفته، حتى إذا أوشك وقتها أن يزول، أقبل إليها إقبال من يريد التخلص منها بأقل ما يمكن من دقائق، هذا إن تذكرها ووجد لديه حافزاً لتداركها قبل الفوات!..
الله أمامنا.والجواب يتلخص في أن الاجتهاد المذموم في نيل ما قد ضمنه الله للعبد، يتمثل في أن يجعل من انشغاله بأسباب دنياه صارفاً له عن القيام بوظائفه وواجباته الدينية المختلفة.. يدعو الداعي إلى المسجد لشهود صلاة الجماعة فيعرض عن الداعي وعن صلاة الجماعة لانشغاله بأسباب تجارته أو زراعته أو وظيفته، حتى إذا أوشك وقتها أن يزول، أقبل إليها إقبال من يريد التخلص منها بأقل ما يمكن من دقائق، هذا إن تذكرها ووجد لديه حافزاً لتداركها قبل الفوات!..
حاى الضرب
في الأرض والبحث عن الرزق مقصود في إطار الوضيفة العامة التي يطلبها الله من
الانسان
أما الذي يقبل إلى واجباته الدينية التي
كلفه الله بها في حق نفسه وفي حق أهله وأولاده، فيتعلم أحكام دينه ويتشبع
بمعرفة عقائد الإسلام ودلائلها، ويتعلم القرآن تلاوة ثم دراية وتفسيراً، ويقبل إلى أهله وأولاده فيربيهم التربية الإسلامية
التي أمره الله بها، ثم يقبل إلى الدنيا فيمارس أسباب رزقه حسب ما قد أقامه الله فيه، وينشط في اكتساب رزقه بالطرق المشروعة التي أمكنه الله منها، فإن مما لا ريب فيه أن نشاطه هذا وإن كان في ظاهره دنيوياً إلا أنه في حقيقته جزء لا يتجزأ من الوظيفة التي كلفه الله بها.
بمعرفة عقائد الإسلام ودلائلها، ويتعلم القرآن تلاوة ثم دراية وتفسيراً، ويقبل إلى أهله وأولاده فيربيهم التربية الإسلامية
التي أمره الله بها، ثم يقبل إلى الدنيا فيمارس أسباب رزقه حسب ما قد أقامه الله فيه، وينشط في اكتساب رزقه بالطرق المشروعة التي أمكنه الله منها، فإن مما لا ريب فيه أن نشاطه هذا وإن كان في ظاهره دنيوياً إلا أنه في حقيقته جزء لا يتجزأ من الوظيفة التي كلفه الله بها.
اجعلوا وظائفكم الدنيوية دائرة في فلك
واجباتكم الدينية.. وعندئذ تتحول دنياكم التي
كانت تشغلكم عن الله إلى دين يقربكم
إلى الله عز وجل.ثم إن هذا الحكم الرباني الذي يتجلى في هذا النص القرآني، قبل أن يبرز حكمة في كلام ابن عطاء الله، ينطبق على الأفراد، وعلى المجتمعات متمثلة في القادة والحكام.في كلا الحالين يجب أن تدور الأنشطة الدنيوية المختلفة في فلك الواجبات والوظائف الدينية التي أقام الله عباده عليها.
إلى الله عز وجل.ثم إن هذا الحكم الرباني الذي يتجلى في هذا النص القرآني، قبل أن يبرز حكمة في كلام ابن عطاء الله، ينطبق على الأفراد، وعلى المجتمعات متمثلة في القادة والحكام.في كلا الحالين يجب أن تدور الأنشطة الدنيوية المختلفة في فلك الواجبات والوظائف الدينية التي أقام الله عباده عليها.
حول طمس البصير :
- ابن عجيبة : فالبصيرة لا ترى إلا
المعاني والبصر لا يرى إلا المحسوسات أو تقول البصيرة لا ترى إلا اللطيف والبصر لا
يرى إلا الكثيف أو تقول البصيرة لا ترى إلا القديم والبصر لا يرى إلا الحادث أو
تقول البصيرة لا ترى إلا المكون والبصر لا يرى إلا الكون فإذا أراد الله فتح بصيرة
العبد أشغله في الظاهر بخدمته وفي الباطن بمحبته فكلما عظمت المحبة في الباطن
والخدمة في الظاهر قوي نور البصيرة حتى يستولى على البصر فيغيب نور البصر في نور
البصيرة فلا يرى إلا ما تراه البصيرة من المعاني اللطيفة والأنوار القديمة
وإذا أراد الله خذلان عبده أشغله في الظاهر بخدمة الأكوان وفي الباطن
بمحبتها فلا يزال كذلك حتى ينطمس نور بصيرته فيستولى نور بصره على نور بصيرته فلا
يرى إلا الحس ولا يخدم إلا الحس فيجتهد في طلب ما هو مضمون من الرزق المقسوم ويقصر
فيما هو مطلوب منه من الفرض المحتوم
لأن الدنيا كنهر طالوت لا ينجو منها إلا من
لم يشرب أو اغترف غرفة بيده لا من شرب على قدر عطشه فافهم...
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه البصيرة
كالبصر أدني شيء يقع فيه يمنع النظر وإن لم ينته إلى العمى فالخطرة من الشيء تشوش
النظر وتكدر الفكر
0 comentarios:
Publicar un comentario