lunes, 18 de septiembre de 2017

عبد الرحمن بن عوف

0 comentarios
عبد الرحمن بن عوف

هو ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري، يكنى أبا محمد، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو،
وقيل: عبد الكعبة؛ فسماه رسول الله  عبد الرحمن.
وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة . وكان مولده بعد عام الفيل بعشر سنوات.
·        عبد الرحمن بن عوف هو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة.
·        وأحد الستة الذين جعل عمر الشورى فيهم وأخبر أن رسول الله  توفي وهو عنهم راض.
إسلام عبد الرحمن بن عوف:
أسلم عبد الرحمن بن عوف قبل أن يدخل رسول الله  دار الأرقم، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق ، حيث إن أبا بكر عمل بالدعوة مباشرة بعد إسلامه وكان  رجلاً مألفًا لقومه محبًا سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر..
   وكان أبو بكر رجلاً تاجرًا ذا خلق، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ، فانطلقوا إلى رسول الله  ومعهم أبو بكر  فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله  وآمنوا بما جاء من عند الله. وكان عمره عند إسلامه ثلاثين عامًا.
-       وكان عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين الأولين، جمع الهجرتين جميعًا: هاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم قبل الهجرة وهاجر إلى المدينة.
بعد أن أسلم عبد الرحمن بن عوف، ووجد تعذيب المشركين للمسلمين، وكانوا قبل الإسلام أعزة فجاء عبد الرحمن بن عوف في نفر من الصحابة إلى النبي  يقولون له: يا رسول الله، إنا كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، فقال : "إني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا" فلما حولنا الله إلى المدينة أمرنا بالقتال فكفوا فأنزل الله عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}.

أثر الرسول  في تربية عبد الرحمن بن عوف:
    فقد ظهرت أثر تربية النبي  عندما آخى بينه وبين سيدنا سعد بن الربيع وأراد الآخر أن يؤثره بنصف ماله إلا أنه قابل هذا الكرم بعفة شديدة مع أنه كان فقيرًا معدمًا ترك أمواله ودياره بمكة، والمتتبع لحياة سيدنا عبد الرحمن بن عوف يجد أثر تربية الرسول  واضحًا في حياته.
-  ومن المواقف التي تظهر أثر الرسول  في تربيته، لما بعثه إلى دومة الجندل ووصاه قائلاً: "غز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدًا" وقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيًا، وكان رأسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على إعطاء الجزية، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها إلى المدينة وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن.
-   واشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي  فقال له النبي : "يا خالد لم تؤذي رجلا من أهل بدر، لو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله"، فقال: يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال: "لا تؤذوا خالدًا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار".
-  عن عبد الرحمن بن عوف  قال: كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي[1] بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية؛ فكاتبته عبد عمرو، فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال: أمية بن خلف لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا وكان رجلاً ثقيلاً، فلما أدركونا قلت له: ابرك فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه.

-       ومن مواقف بطولته ما كان في يوم أحد، فقد كان من النفر القليل الذي ثبت مع النبي ، ولم يفر كما فر غيره،
 -  ويحكي الحارث بن الصمة فيقول: سألني رسول الله  يوم أحد وهو في الشعب فقال: "هل رأيت عبد الرحمن بن عوف؟" فقلت: نعم رأيته إلى جنب الجبيل وعليه عسكر من المشركين فهويت إليه لأمنعه فرأيتك فعدلت إليك، فقال رسول الله : "إن الملائكة تمنعه" قال الحارث: فرجعت إلى عبد الرحمن فأجد بين يديه سبعة صرعى فقلت: ظفرت يمينك؛ أكل هؤلاء قتلت؟ فقال: أما هذا لأرطاة بن شرحبيل، وهذان فأنا قتلتهم وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره قلت: صدق الله ورسوله.       
·        أصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه.

  - ولقد صلى وراءه النبي  في غزوة تبوك، يقول المغيرة بن شعبة: عدل رسول الله  وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر فعدلت معه، فأناخ النبي  فتبرز ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة، فغسل كفيه ثم غسل وجهه ثم حسر عن ذراعيه، فضاق كما جبته فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما إلى المرفق ومسح برأسه ثم توضأ على خفيه ثم ركب، فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله  فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن فقام رسول الله  في صلاته ففزع المسلمون، فأكثروا التسبيح لأنهم سبقوا النبي  بالصلاة، فلما سلم رسول الله  قال لهم: "قد أصبتم" أو "قد أحسنتم".
-  عن عمرو بن وهب الثقفي قال : كنا مع المغيرة بن شعبة ٬ فسئل : هل أم النبي صلى الله عليه وسلم  أحد من هذه الأمة غير أبي بكر ؟ فقال : نعم . فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ٬ ومسح على خفيه و عمامته ٬ و أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ٬ وأنا معه٬ ر ُكعة من الصبح ٬ وقضينا الركعة التي سبقنا.

شهد له الرسول بالسيادة والايمان :

   -  وساق الذهبي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مُجَمِّع أن عمر رضي الله عنه قال لأم كلثوم بنت عقبة، امرأة عبد الرحمن بن عوف: أقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انكحي سيد المسلمين عبد الرحمن بن عوف؟). قالت: نعم.

  -  معمر عن الزهري حدثني عبيد الله بن عبد الله أن رسول الله   أعطى رهطا فيهم عبد الرحمن بن عوف فلم يعطه فخرج يبكي فلقيه عمر فقال ما يبكيك فذكر له وقال أخشى أن يكون منعه موجدة وجدها علي فأبلغ عمر رسول الله   فقال ( لكني وكلته إلى إيمانه )
·        عدالته عند الصحابة :
    - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : جَلَسْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ لِي : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، هَلْ سَمِعْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَمَرَ بِهِ الْمُسْلِمَ إِذَا سَهَا فِي صَلاتِهِ ، كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ : لا وَاللَّهِ ، أَوَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا ؟ قَالَ : فَقَالَ : لا وَاللَّهِ ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي ذَلِكَ أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَقَالَ : فِيمَا أَنْتُمَا ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : سَأَلْتُهُ ، فَأَخْبَرَهُ عَمَّا سَأَلَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : لَكِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَأَنْتَ عِنْدَنَا عَدْلٌ ، فَمَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ حَتَّى لا يَدْرِي أَزَادَ أَمْ نَقَصَ ، فَإِنْ كَانَ شَكَّ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ أَوِ الثَّلاثَةِ فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلاثَةِ وَالأَرْبَعِ فَلْيَجْعَلْهَا ثَلاثًا حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ، وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ " .
·        فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و إن كانوا عدولاً فبعضهم أعدل من بعض و أثبت٬ فهنا ُ عمر قنع بخبر عبد الرحمن.
ملامح من شخصية عبد الرحمن بن عوف

بارك الله له في تجارته وماله

     لما ذهب إلى السوق بعد أن عرض عليه سعد بن الربيع رضي الله عنه أن يشاطره ماله وأهله، جاء من السوق بسمن وأقط واستمر على ذلك فجمع مالاً كثيرًا فتزوج، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليه أثر صفرة فقال: (مَهْيَمْ يا عبد الرحمن؟) قال: يا رسول الله، تزوجت امرأة من الأنصار. قال: (ما سقت إليها؟) قال: نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب. قال: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة). فبسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بارك الله عز وجل له في تجارته حتى أصبح كما قال عن نفسه: إني لأكثر قريش مالاً.

ثروته التي طالها من تجارته :
استطاع سيدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون ثروة واسعة، بعد أن ترك دياره وأرضه وأمواله..
-       وكان يقول: لو رفعتن حجرًا لوجدت تحته ذهبًا.  
 -  وقال عنه بعض المؤرخين: : كان تاجرا مجدودا في التجارة وكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا فكان يدخل منه قوت أهله سنة.
·        وخلّف بعده ذهبُ كثير، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال.

كان رجلا سخيا كريما معطاء :

- وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل: { أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثُلث يقرضهم، وثُلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم }.

·        قافلة الإيمان:

    في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: { ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟}.
وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين: { قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟}.
فقالوا لها: { أجل يا أم المؤمنين، إنها سبعمائة راحلة }.
وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت: { أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: { رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا }.
ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها: { لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه }.
ثم قال: { أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله }.
ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها.
-  وروى عن الزهري قال: أوصى عبد الرحمن لمن بقي ممن شهد بدرًا، لكل رجل أربعمائة دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأخذ عثمان فيمن أخذ، وروي أيضًا أن عليًا أخذها فيمن أخذ، وأوصى - أي عبد الرحمن - بألف فرس في سبيل الله.
    -  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهلي من بعدي). قال: فباع عبد الرحمن بن عوف حديقة بأربعمائة ألف فقسمها في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. (الحاكم ووافقه الذهبي).

ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا، فيضاعفـه الله له أضعافـا، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين..
وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة، وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال: { إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة }.

·        لم يسلم من غمز المنافقين  :

   -  وعن قتادة : (الذين يلمزون التوبة 79)  قال  : تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله أربعة آلاف  دينار . فقال أناس من المنافقين : إن عبد الرحمن لعظيم الرياء.

إحساسه بالذنب على ما وصل إليه من غنى وثورة :

  - ومن مواقفه مع التابعين ما كان بينه وبين نوفل بن إياس الهذلي فقد قال: كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسًا، وكان نعم الجليس وإنه انقلب بنا ذات ويوم حتى دخلنا منزله ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا، فأتينا بقصعة فيها خبز ولحم، ولما وضعت بكى عبد الرحمن ابن عوف فقلنا له: ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: مات رسول الله  ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لهذا لما هو خير لنا.
-  فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال: { استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه، واستشهد حمزة وهو خير مني، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا }.

  -  وعن شقيق قال:  دخل عبد الرحمن على أم سلمة فقال: يا أم المؤمنين ! إني أخشى أن أكون قد هلكت ٬ إني من أكثر قريش مالاً ٬  بعت أرضاً لي بأربعين ألف دينار . قالت :  يابني ! أنفق٬ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه)) ُ فأتيت عمر فأخبرته ٬فأتاها٬ فقال : بالله أنا منهم ؟ قالت : اللهم لا ٬ ولن أبرئ أحداً بعدك.
 وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا، فقد قيل: { أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه، ما استطاع أن يميزه من بينهم }.
كان من أصحاب مجلس الشورى في خلافة عمر :

-       ومن مواقفه أيضًا ما كان بينه وبين بقية أصحاب الشورى، والذين استخلفهم سيدنا عمر بن الخطاب لاختيار من بينهم خليفة المسلمين :
-  فقد روي أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنتقي منها، قال علي بن أبي طالب : أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله  يقول: "أنت أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض".
الهروب من السلطة كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا: { لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض }.
وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال: { والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر، أحب إليّ من ذلك }.

-   وساق عن سعيد بن المسيب أن سعد بن أبي وقاص أرسل إلى عبد الرحمن رجلاً وهو قائم يخطب: أن ارفع رأسك إلى أمر الناس. أي: ادع إلى نفسك. فقال عبد الرحمن: ثكلتك أمك، إنه لن يلي هذا الأمرَ أحدٌ بعدَ عُمَرَ إلاَّ لاَمَهُ الناسُ.
-       عمر أتعب ما بعده .
-  وقال الإمام الذهبي رحمه الله: ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه عن الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان رضي الله عنه، ولو كان محابيًا فيها لأخذها لنفسه، أَوْ لَوَلاَّهَا ابْنَ عَمِّهِ وأقربَ الجماعة إلى سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه.


وفاة عبد الرحمن بن عوف:

    - عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ , وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَىوَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ سورة البقرة آية 45 , قَالَت : " غُشِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ غَشِيَّةً , ظَنُّوا أَنَّ نَفْسَهُ فِيهَا , فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ كُلْثُومٍ إِلَى الْمَسْجِدِ , لِتَسْتَعِينَ بِمَا أُمِرَتْ أَنْ تَسْتَعِينَ مِنَ الصَّبْرِ وَالصَّلاةِ , قَالَ : فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ : أُغْشِيَ عَلَيَّ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : صَدَقْتُمْ , إِنَّهُ أَتَانِي مَلَكَانِ فِي غَشْيَتِي هَذِهِ , فَقَالا : انْطَلِقْ نُحَاكِمْكَ إِلَى الْعَزِيزِ الأَمِينِ , قَالَ : فَانْطَلَقَا بِي , قَالَ : فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ , فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدَانِ ؟ قَالا : نُحَاكِمُهُ إِلَى الْعَزِيزِ الأَمِينِ ، قَالَ : فَأَرْجِعَاهُ فَإِنَّ هَذَا مِمَّنْ كُتِبَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ , وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ , وَسَيُمَتِّعُ اللَّهُ بَنِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ , فَعَاشَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَ " .
-  لما حضرت الوفاة عبد الرحمن بن عوف بكى بكاء شديدًا فسئل عن بكائه فقال: إنَّ مصعب بن عمير  كان خيرًا مني توفي على عهد رسول الله ، ولم يكن له ما يكفن فيه وإن حمزة بن عبد المطلب  كان خيرًا مني لم نجد له كفنًا، وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياته الدنيا وأخشى أن أحتبس عن أصحابي بكثرة مالي.
*  أرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه.

   -  قال: ولما مات قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (اذهب يا ابن عوف قد أدركت صفوها، وسبقت رَنَقَها) أي: كَدَرَهَا. وكان سعد بن أبي وقاص فيمن حمل جنازته وهو يقول: وَاجَبَلَاه. وقد خلف مالاً عظيمًا من ذلك: ذهب قطع بالفئوس حتى عجلت أيدي الرجال منه، وترك ألف بعير ومائة فرس وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع، وكان له أربع نسوة، صولحت امرأة منهن بثمانين ألفًا.

-  وكانت وفاة عبد الرحمن بن عوف  سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة بالمدينة. ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان وكان قد أوصى بذلك.

4- عبد الرحمن رضي الله عنه ممن أنفقوا من قبل الفتح (أي فتح مكة)، وقاتلوا، ففضلهم الله تعالى على من أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، مع أن الجميع موعودون الحسنى، قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (الحديد: 10).




0 comentarios:

Publicar un comentario