lunes, 18 de septiembre de 2017

أُبيّ بن كعب

0 comentarios
أُبيّ بن كعب

  هو أُبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي، له كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي ، وأبو الطفيل؛ كناه بها عمر بن الخطاب  بابنه الطفيل. وأمه صهيلة بنت النجار، وهي عمة أبي طلحة الأنصاري .

·        وكان أُبيّ  أبيض الرأس واللحية لا يخضب.
·        كان  ممن أسلم مبكرًا، وقد شهد بيعة العقبة الثانية، وبعد الهجرة آخى الرسول  بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل .
أثر الرسول في تربية أبي بن كعب

·        صاحب الرسول وكان يكتب له الوحي.
 كان أبي بن كعب رضي الله عنه من النفر القلائل الذين يكتبون في الجاهلية، وبعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، اختار أبي بن كعب ليكون كاتبًا له، فكان يكتب له القرآن الكريم وغيره من كتبه، فهو أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وميزة أخرى له أنه إن كان حاضرًا لم يكتب غيره، فإن غاب دعي زيد بن ثابت ليكتب في غيابه[2].
-   عن أبي هريرة  أن رسول الله  خرج على أبي بن كعب ، فقال رسول الله : "يا أُبيّ" وهو يصلي، فالتفت أبي  ولم يجبه، وصلى أبيّ  فخفف ثم انصرف إلى رسول الله ، فقال: السلام عليك يا رسول الله . فقال رسول الله : "ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك؟". فقال: يا رسول الله، إني كنت في الصلاة. قال : "أفلم تجد فيما أوحي إليَّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]؟" قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله.
فالأصل أن المصلي إذا دخل في صلاته يحرم عليه قطعها اختياراً، أما إذا قطعها لضرورة كحفظ نفس محترمة من تلف أو ضرر، أو قطعها لإحراز مال يخاف ضياعه، فيجوز له ذلك، وقد يجب في بعض الحالات كإغاثة ملهوف وإنقاذ غريق أو إطفاء حريق، أو قطعها لطفل أو أعمى يقعان في بئر أو نار.
-   وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب  قال: قال رسول الله : "ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها؟" قلت: بلى. قال: "فإني أرجو أن لا أخرج من ذلك الباب حتى تعلمها". ثم قام رسول الله  فقمت معه، فأخذ بيدي فجعل يحدثني حتى بلغ قرب الباب. قال: فذكّرته فقلت: يا رسول الله، السورة التي قلت لي. قال: "فكيف تقرأ إذا قمت تصلي؟" فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: "هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه".

رجل القرآن :

   شهد العقبة وبدرا ، وجمع القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرض على النبي - عليه السلام - وحفظ عنه علما مباركا ، وكان رأسا في العلم والعمل - رضي الله عنه .
-  ولما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبيا عن أي آية في القرآن أعظم ، فقال أبي الله لا إله إلا هو الحي القيوم . ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدره وقال : ليهنك العلم أبا المنذر .

·          توصية الله عليه :
    -   وقال أنس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن . وفي لفظ : أمرني أن أقرئك القرآن . قال : الله سماني لك ؟ قال : نعم . قال : وذكرت عند رب العالمين ؟ قال : نعم . فذرفت عيناه [ ص: 391 ]
    -  عن أبي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا المنذر ، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن . فقلت : بالله آمنت ، وعلى يدك أسلمت ، ومنك تعلمت . فرد القول ، فقلت : يا رسول الله ، وذكرت هناك ؟ قال : نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى . قلت : اقرأ إذن يا رسول الله . 
   -  عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه قال : قال أبي بن كعب : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن أقرأ عليك القرآن . قلت : يا رسول الله ، وسميت لك ؟ قال : نعم . قلت لأبي : فرحت بذلك ؟ قال : وما يمنعني وهو تعالى يقول قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا . [ ص: 395 ] 
                                                     
      أقرا  الامة :    

-  روى أبو قلابة ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقرأ أمتي أبي .
   -  وقال ابن عباس : قال عمر : أقضانا علي ، وأقرؤنا أبي ، وإنا لندع من قراءة أبي ، وهو يقول : لا أدع شيئا سمعته من  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالىما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [ البقرة : 106 ] . [ ص: 392 ]  
   -  وأخرج أبو داود من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة ، فلبس عليه ، فلما انصرف ، قال لأبي : أصليت معنا ؟ قال : نعم . قال : فما منعك . [ ص: 396 ]

مرجع الصحابة في القرآن

-  وقال ابن عباس : قال أبي لعمر بن الخطاب : إني تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل - عليه السلام - وهو رطب
   -  حدثنا موسى بن علي ، عن أبيه أن عمر خطب بالجابية ، فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيدا ، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذا ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني ; فإن الله جعلني خازنا وقاسما . 
   وقد أخذ عن أُبيّ  قراءة القرآن: ابنُ عباس، وأبو هريرة، وعبدُ الله بن السائب، وعبدُ الله بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنهم جميعًا

جمع عمر عليه الناس في التراويح
وفي سنن أبي داود : يونس بن عبيد ، عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب في قيام رمضان ، فكان يصلي بهم عشرين ركعة 
v   وزيادة على ذلك له ورده اليومي من القرآن الكريم، وقد بيَّن بنفسه مقدار الزمن الذي يختم فيه كتاب الله تعالى: فعن أبي، قال: "إنا لنقرؤه في ثماني ليال - يعني: القرآن[15].

وقد كان لأبي بن كعب مصحفه الخاص كتبه بيده .
   -    حدثنا عبد الله بن العلاء ، عن عطية بن قيس ، عن أبي إدريس الخولاني : أن أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق ، فقرءوا يوما على عمر : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا ، لفسد المسجد الحرام .
فقال عمر : من أقرأكم هذا ؟ قالوا : أبي بن كعب . فدعا به ، فلما أتى قال : اقرءوا . فقرءوا كذلك . فقال أبي : والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون ، وأدنى ويحجبون ، ويصنع بي ويصنع بي ، ووالله لئن أحببت ، لألزمن بيتي ، فلا أحدث شيئا ، ولا أقرئ أحدا حتى أموت . فقال عمر : اللهم غفرا ! إنا لنعلم أن الله قد جعل عندك علما فعلم الناس ما علمت .

  -  ابن عيينة : عن عمرو ، عن بجالة أو غيره قال : مر عمر بن الخطاب بغلام يقرأ في المصحف النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم . فقال : يا غلام حكها . قال : هذا مصحف أبي . فذهب إليه فسأله فقال : إنه كان يلهيني القرآن ، ويلهيك الصفق بالأسواق .


كلمة في المصاحف المنسوبة إلى بعض الصحابة :

   والمصحف المراد به ما كتب بين دفتيه القرآن وأول من سماه بذلك أبو بكر  , وسبب ذلك أن الصحابة كانوا يعتمدون على الحفظ , وهناك منهم من كتب لنفسه ما سمعه من النبي  ليكون عوناً له على تذكره, ولذا نسب إليهم فقيل مصحف ابن مسعود ومصحف أبي بن كعب باعتبار أنهم كتبوها, كمن يشتري مصحفاً من مكتبة و يقول : هذا مصحفي باعتبار أنه مالكه , وإلا فهو لا يخرج عما سمعوه من النبي  , فهيئ الله أبا بكر  فجمع القرآن في مصحف واحد مما استقر في العرضة الأخيرة التي عارض فيها جبريلُ أمين الوحي النبيَ  في آخر سنة من حياته , وجعله عنده وترك ما بأيدي الناس معهم , ثم لما تولى عثمان  الخلافة جمع الصحابة واستشارهم في كتابة مصحف موحد ليكون للناس إماماً وترك ما عداه مما كتبه الناس لأنفسهم فوافقوه على ذلك فكتب مصاحف ووزعها على الأمصار وأرسل معها القراء يعلمون الناس , وأمر الناس أن يدعوا ما معهم من المصاحف التي كتبوها لأنفسهم ويعتمدوا على مصحف كتب على أدق أنواع التحري وكان منهجهم في كتابته :

 1 -    لا يكتب شيء إلا بعد التحقق من أنه قرآن .
2-     لا يكتب شيء إلا بعد العلم بأنه استقر في العرضة الأخيرة .
3-     لا يكتب شيء إلا بعد التأكد أنه لم ينسخ .
4-     لا يكتب شيء إلا بعد عرضه على جمع من الصحابة .
 5-    إذا اختلفوا في شيء من القرآن كتبوه بلغة قريش .
 6-    يحافظ على القراءات المتواترة ولا تكتب قراءة غير متواترة .
وبهذا المنهج الدقيق والأسس السلمية كتب المصحف العثماني فكان في غاية الدقة والضبط والتحري ,وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم.

ولذا فإن المصاحف التي كتبها بعض الصحابة لأنفسهم اندثرت ولم يبق منها إلا روايات يسيرة تناقلها الناس فكانت عرضة للخطأ والزيادة والنقصان ممن نقلها , وبعضها كان يذكرها بعض الصحابة على أنها تفسير لا قرآن فظن ناقلها      أنه مما سُمع من النبي   , ولم يثبت منها إلا القليل , ولذا لا يجيز العلماء القراءة بها في الصلاة ويعدون صلاة من قرأ بها باطلة لمخالفتها المصحف الإمام, وإنما يستفيدون منها في التفسير والأحكام .    

وقد ذكر المتتبعون لشأن القراءات أن معظم الحروف التي اشتملت عليها هذه المصاحف لم تشهد العرضة الأخيرة التي عرضها الرسول عليه الصلاة والسلام على جبريل وإن كان أصحاب هذه المصاحف تمسكوا ببعض القراءات ولم يتخلوا عنها لأنهم سمعوها بأنفسهم من النبي عليه الصلاة والسلام على جبريل.
*  وإن كانت بعض هذه القراءات عبارة عن تفسير لألفاظ أو أحكام القرآن التي جعلها بعض الصحابة بجوار الآية .
  - مثل قراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت) (من أم) [النساء: 12] فإنها تبين المراد بالأخوة هنا هو الأخوة للأم [10، ج1 ص29]. 

 *  وهناك قراءات صح سندها في أخبارالآحاد ولها وجه في العربية لكنها خالفت رسم المصحف، ويمثل لها بأمثلة منها :

     -   قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء في سورة الليل ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُْنْثَى  [آية: 3] بحذف لفظ (ما خلق)[4] [10، ج1 ص14]

     -  وكذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي ابن كعب وابن عمر وابن الزبير وغيرهم (فامضوا إلى ذكر الله) بدلاً من (فاسعوا) [الجمعة: 9].

قال أبو الفتح في هذه القراءة تفسير للقراءة العامة، أي اقصدها وتوجهوا، وليس نية دليل على الإسراع [26، ج2 ص322].
   -  وكقراءة ابن عباس ((وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا، وأما الغلام فكان كافرًا)) [الكهف 79 - 80] [20، رقم 4725،4726].

وفي بيان هذا النوع من القراءات قال ابن الجزري (فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه وإن كان إسنادها صحيحًا فلا تجوز القراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها) [4، ص16-17]. 


فهمه للقرآن واسنباطه منه واحتماؤه به:

- عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي قرأ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم . قال : هن أربع ، كلهن عذاب ، وكلهن واقع لا محالة ، فمضت اثنتان بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس وعشرين سنة ، فألبسوا شيعا ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقي ثنتان واقعتان لا محالة : الخسف والرجم .
     - عن زرّ بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب  فقلت: إن أخاك ابن مسعود  يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال: "رحمه الله! أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين". فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: "بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله  أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها".
-  قال مسروق : سألت أبيا عن شيء ، فقال : أكان بعد ؟ قلت : لا . قال : [ ص: 399 ] فاحمنا حتى يكون ، فإذا كان ، اجتهدنا لك رأينا
   -  قال مغيرة بن مسلم ، عن الربيع ، عن أنس ، عن أبي العالية قال : قال رجل لأبي بن كعب : أوصني ، قال : اتخذ كتاب الله إماما ، وارض به قاضيا وحكما ، [ ص: 393 ] فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم ، شفيع ، مطاع ، وشاهد لا يتهم ، فيه ذكركم وذكر من قبلكم ، وحكم ما بينكم ، وخبركم وخبر ما بعدكم .
    وعن أسلم المنقري قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أَبْزَى يحدث عن أبيه قال: لما وقع الناس في أمر عثمان  قلت لأبيّ بن كعب : أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: "كتاب الله، وسنة نبيه ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه".  
 -  قال رجلٌ لأبي بن كعب: (أوصني يا أبا المنذر)... قال: (لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوَّك، واحترس من صديقك، ولا تغبطنَّ حيّاً إلا بما تغبطه به ميتاً، ولا تطلب حاجةً إلى مَنْ لا يُبالي ألا يقضيها لك)...

أمانة الرجل وتقواه :

   -  روى البخاري بسنده عن سويد بن غفلة قال: لقيت أبي بن كعب  فقال: أخذت صرةً مائةَ دينار، فأتيت النبي فقال: "عرِّفْها حولاً". فعرفتها حولاً فلم أجد من يعرفها ثم أتيته، فقال: "عرِّفْها حولاً". فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثًا، فقال: "احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها". فاستمتعت فلقيته بعدُ بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحدًا.
شرح الحديث :
لما كان مال المسلم لا يحل إلا عن طيب نفس منه، وعن طريق حلال، ولما كانت اللقطة تحتمل أن تكون من أموال المسلمين خصوصا إذا كانت ببلاد الإسلام حافظ الشارع عليها، وبالغ في وسائل إيصالها لصاحبها فأمر بالتعريف عنها في الأماكن المطروقة مدة تصل فيها الأخبار عادة، وفي هذا يحدث أبي بن كعب أنه وجد صرة فيها مائة دينار فأخذها وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن حكم الإسلام فيها، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعرفها سنة بأن يعلن عن بعض أوصافها، ولا يذكر كل الأوصاف، يكرر هذا الإعلان في أوقات مختلفة من سنة كاملة، فمرة في الصباح، ومرة في المساء، ومرة في الظهيرة، ومرة في أول الأسبوع والشهر، ومرة في الوسط ومرة في الآخر وأعلن أبي بن كعب عنها سنة، فلم يأته صاحبها فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره بالخبر فأمره أن يعرفها سنة أخرى زيادة في الاستيثاق وتورعا عن أموال الغير، فعرفها سنة فلم يأته صاحبها، فعاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر فأمره أن يعرف وعاءها ورباطها وعددها ثم يستمتع بها، فإن جاء صاحبها ردها إليه، وإلا فشأنه بها شأن ما يصنع بأمواله.

   * وقوله أيضًا في هذا المعنى : ما ترك عبد شيئًا لا يتركه إلا لله إلا آتاه الله ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به فأخذه من حيث لا ينبغي له إلا أتاه الله بما هو أشد عليه.

  -  وعن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه  قال: كان رسول الله  إذا ذهب ربع الليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله، يا أيها الناس اذكروا الله، يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه". فقال أبي بن كعب : يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك منها؟ قال: "ما شئت". قال: الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك". قال: النصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك". قال: الثلثين؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قال: يا رسول الله، أجعلها كلها لك؟ قال: "إذن تُكفى همك، ويغفر لك ذنبك".

   وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى في شرح هذا الحديث : يعني من دعائي، فإن الصلاة في اللغة هي الدعاء، قال تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ {التوبة: 103} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على آل أبي أوفي ـ وقالت امرأة: صل علي يا رسول الله وعلى زوجي، فقال صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك ـ فيكون مقصود السائل أي يا رسول الله: إن لي دعاء أدعو به استجلب به الخير وأستدفع به الشر، فكم أجعل لك من الدعاء؟ قال: ما شئت، فلما انتهى إلى قوله: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: صلى الله عليه وسلم: إذا تكفى همك، ويغفر ذنبك ـ وفي الرواية الأخرى: إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك ـ وهذا غاية ما يدعو به الإنسان من جلب الخيرات ودفع المضرات، فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب واندفاع المرهوب. اهـ.

   -  عن عبـد اللـه بن أبي نُصير قال: عُدْنا أبي بن كعـب في مرضه، فسمع المنادي بالأذان فقال: (الإقامة هذه أو الأذان؟)... قلنا: (الإقامـة)... فقال: (ما تنتظرون؟ ألا تنهضون إلى الصلاة؟)... فقلنا: (ما بنا إلا مكانك)... قال: (فلا تفعلوا قوموا، إن رسول الله صلى بنا صلاة الفجر، فلمّا سلّم أقبل على القوم بوجهه فقال: (أشاهدٌ فلان؟ أشاهدٌ فلان؟).

حتى دعا بثلاثة كلهم في منازلهم لم يحضروا الصلاة فقال: (إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْواً، واعلم أنّ صلاتك مع رجلٍ أفضل من صلاتك وحدك، وإن صلاتك مع رجلين أفضل من صلاتك مع رجل، وما أكثرتم فهو أحب إلى الله، وإن الصفّ المقدم على مثل صف الملائكة، ولو يعلمون فضيلته لابتدروه، ألا وإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحدَه أربعاً وعشرين أو خمساً وعشرين).

- وكان على كثرة ورعه وتقاه، يبكي كلما ذكر الله واليوم الآخر. وكانت آيات القرآن الكريم وهو يرتلها، أو يسمعها، تهزه وتهز كل كيانه.. وعلى أن آية من تلك الآيات الكريمة، كان اذا سمعها أو تلاها تغشاه من الأسى ما لا يوصف.. تلك هي:( قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم، أو من تحت أرجلكم، أو يلبسكم شيعا.. ويذيق بعضكم بأس بعض).. كان أكثر ما يخشاه أبيّ على الأمة المسلمة أن يأتي عليها اليوم الذي يصير بأس أبنائها بينهم شديدا...
رجل زاهد في الدنيا وعارف لحقيقتها :

   -  عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : كنت واقفا مع أبي بن كعب في ظل أطم حسان ، والسوق سوق الفاكهة اليوم ، فقال أبي : ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ؟ قلت بلى ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، فإذا سمع به الناس ، وساروا إليه ، فيقول من عنده : لئن تركنا الناس يأخذون منه لا يدعون منه شيئا ، فيقتل الناس من كل مائة تسعة وتسعون . [ ص: 394 ]
  -  وقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب يوما  مالك لا تستعملني ؟ قال : أكره أن يدنس دينك

فهمه لحقيقة الدنيا :

   عن أبي نضرة ، قال : قال رجل منا يقال لهجابر أو جويبر ، قال : أتيت عمر وقد أعطيت منطقا فأخذت في الدنيا ، فصغرتها ، فتركتها لا تسوى شيئا ، وإلى جنبه رجل أبيض الرأس واللحية والثياب ، فقال : كل قولك مقارب إلا وقوعك في الدنيا ، هل تدري ما الدنيا ؟ فيها بلاغنا - أو قال : زادنا - إلى الآخرة ، وفيها أعمالنا التي نجزى بها . قلت : من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال : هذا سيد المسلمين أبي بن كعب . 

·        في بيته يُؤتى الحَكَم
  -عن ابن سيرين قال: اختصم عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما، فحكَّما أبي بن كعب  فأتياه، فقال عمر بن الخطاب : في بيته يُؤتَى الحَكَمُ. فقضى على عمر باليمين فحلف، ثم وهبها له معاذ.

- مثال في بيته يؤتى الحكم : يضرب هذا المثل لمن يريد حاجة فينتظر أن يأتي إليه من يقضيها له .
ويروي العرب هذا المثل على ألسن البهائم وهي قصة احتكام الأرنب والثعلب إلي الضب ,
قالوا :        
   إن الأرنب التقط ثمره فاختلسها الثعلب فأكلها , فانطلقا يختصمان إلي الضب .
قالت الأرنب: يا أبا الحسن ( كنية الضب)
قال الضب: سميعاً دعوتِ.
قالت: أتيناك لنختصم إليك.
قال : عادلاً حكّمتما.
قالت:فاخرج إلينا.
قال:في بيته يؤتى الحكم.
قالت : إني وجدت ثمرة.
قال:حلوة فكليها.
قالت:فاختلسها الثعلب.
قال : لنفسه بغى الخير.
قالت : فلطمته.
قال : بحقك أخذت.
قالت : فلطمني.
قال : حر انتصر. ( أي اقتص لنفسه )
قالت : فاقض بيننا.
قال : قد قضيت.


رجل مبارك مجاب الدعوة محبا للأجر

  -  عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال عمر بن الخطاب : اخرجوا بنا إلى أرض قومنا. قال: فخرجنا فكنت أنا وأبي بن كعب في مؤخرة الناس، فهاجت سحابة فقال أُبيّ : اللهم اصرف عنا أذاها. فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله أن يصرف عنا أذاها. فقال عمر : ألا دعوتم لنا معكم؟

وقد روي أن رجلا من المسلمين، قال يا رسول الله: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا وما نلاقيها؟ قال: (كفارات)، فقال أبي ابن كعب: يا رسول الله، وإن قَلَّتْ؟ قال: (وإن شوكة فما فوقها)، فدعا أبي أن لا يفارقه الوَعْك حتى يموت، وأن لا يشغله عن حج، ولا عمرة ولا جهاد، ولا صلاة مكتوبة في جماعة، فقال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: فما مس إنسان جسده إلا وجد حرَّه حتى مات. [أحمد وابن حبان].
قلت :[1] ملازمة الحمى له حرفت خلقه يسيرا ، ومن ثم يقول زر بن حبيش : كان أبي فيه شراسة . 

-   وفي ذلك ما جاء عن شعبة : عن أبي جمرة حدثنا إياس بن قتادة ، عن قيس بن عباد ، قال : أتيت المدينة للقاء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أبي ، فأقيمت الصلاة ، وخرج فقمت في الصف الأول ، فجاء رجل فنظر في وجوه القوم ، فعرفهم غيري ، فنحاني ، وقام في مقامي ، فما عقلت صلاتي ، فلما صلى قال : يا بني ، لا يسوءك الله ; فإني لم آت الذي أتيت بجهالة ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا : كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم ، فعرفتهم غيرك ، وإذا هو أبي - رضي الله عنه . 
أنه من الذين لم يخافوا في الله أحدا

-  وبعد انتقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، ظل أبي على عهده في عبادته وقوة دينه ، وكان دوما يذكر المسلمين بأيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويقول :( لقد كنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووجوهنا واحدة ، فلما فارقنا اختلفت وجوهنا يمينا وشمالا).

   - وعن جُندب بن عبد الله البجلي قال : أتيت المدينة ابتغاء العلم ، فدخلت مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا الناس فيه حَلَقٌ يتحدّثون ، فجعلت أمضـي الحَلَقَ حتى أتيتُ حلقـةً فيها رجل شاحبٌ عليه ثوبان كأنّما قـدم من سفر فسمعته يقول :( هلك أصحاب العُقـدة ورب الكعبـة ، ولا آسى عليهم ) أحسبه قال مراراً فجلست إليه فتحدّث بما قُضيَ له ثم قام ، فسألت عنه بعدما قام قلت :( من هذا ؟) قالوا :( هذا سيد المسلمين أبي بن كعب ) فتبعته حتى أتى منزله ، فإذا هو رثُّ المنزل رثُّ الهيئة ، فإذا هو رجل زاهد منقطعٌ يشبه أمره بعضه بعضاً
وكان أبيّ اذا تحدّث للناس استشرفته الأعناق والأسماع في شوق واصغاء.. ذلك أنه من الذين لم يخافوا في الله أحدا.. ولم يطلبوا من الدنيا غرضا..
وحين اتسعت بلاد الاسلام، ورأى المسلمين يجاملون ولاتهم في غير حق، وقف يرسل كلماته المنذرة: " هلكوا ورب الكعبة..هلكوا وأهلكوا.. أما اني لا آسى عليهم، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين".

وفاته

قال الواقدي : رأيت أهله وغير واحد يقولون : مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة . وقد سمعت من يقول : مات : في خلافة عثمان سنة ثلاثين وهو أثبت الأقاويل عندنا . قال : لأن عثمان أمره أن يجمع القرآن
   عتي بن ضمرة قال : رأيت أهل المدينة  يموجون في سككهم . فقلت : ما شأن هؤلاء ؟ فقال بعضهم : ما أنت من أهل البلد ؟ قلت : لا . قال : فإنه قد مات اليوم سيد المسلمين ، أبي بن كعب . 





[1]  أبي بن كعب 

0 comentarios:

Publicar un comentario