lunes, 18 de septiembre de 2017

حذيفة بن اليمان

0 comentarios
حذيفة بن اليمان :

يُعَدُّ هذا الصحابي الجليل من نُجباء أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب سرِّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورجل يختاره الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليجعل من قلبه مُسْتودعاً لِسِرِّه !! لرجل عظيم القدر، كبير الشَّأْن...

·        والده :

أبوه : الصحابي الجليل اليمان حسل أو حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة

كان قد قتل رجلا فهرب إلى يثرب وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان، لحلفه اليمانية وهم الأنصار، ثم تزوج امرأة منهم وهي الرباب بنت كعب الأشهلية، فأنجبت: حذيفة وسعد وصفوان ومدلج وليلى. وقد أسلمت الرباب وبايعت الرسول.

ليس من الواضح أين كان سكن حذيفة عند ظهور الإسلام، ففرار جد جده إلى المدينة ومحالفته لبني عبد الأشهل يقتضيان ترجيح سكنه في المدينة، وربما يعزز هذا أنه اختار النصرة حين خيّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينها وبين الهجرةا. غير أن اعتراض كفار قريش له ولأبويه حين هاجروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني أنه كان في مكة أو في حدودها التي كان لقريش سلطان عليها.

-       ومهما يكن، فقد أوصل نفسه إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - الذي آخى بينه وبين عمار بن ياسر

·        شهادة والده بأحد غلطا :

   شهد هو وابنه حذيفة أحدا ، فاستشهد يومئذ . قتله بعض الصحابة غلطا ، ولم يعرفه ; لأن الجيش يختفون في لأمة الحرب ، ويسترون وجوههم ; فإن لم يكن لهم علامة بينة ، وإلا ربما قتل الأخ أخاه ، ولا يشعر .

ولما شدوا على اليمان يومئذ بقي حذيفة يصيح : أبي ! أبي ! يا قوم ! فراح خطأ . فتصدق حذيفة عليهم بديته .

·       قال الواقدي و ابن إسحاق .: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بين حذيفة وعمار .


مواقف من حياته :

·       سبب تخلفه عن بدر :

  - قال حذيفة : ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي ، فأخذنا كفار قريش ، فقالوا : إنكم تريدون محمدا ؟ فقلنا : ما نريد إلا المدينة ; فأخذوا العهد علينا : لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه . فأخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : نفي بعهدهم ، ونستعين الله عليهم .

 - عن حذيفة : أنه أقبل هو [ ص: 363 ] وأبوه ، فلقيهم أبو جهل ، قال : إلى أين ؟ قالا : حاجة لنا . قال : ما جئتم إلا لتمدوا محمدا . فأخذوا عليهما موثقا ألا يكثرا عليهم . فأتيا رسول الله ، فأخبراه .

·       قصته ليلة الخندق :

وفي يوم الخندق بعث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صفوف قريش في سرية وحدَهُ ليستطلع أخبار القوم فجاءه بخبر عزمهم على الرحيل[8]. وقد وردت الحادثة مرويّة عن حذيفة نفسه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في ليلة شديدة الريح والبرد لأصحابه الذين كانوا معه: (( ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة))، فسكتوا جميعاً وأعاد - عليه الصلاة والسلام - السؤال مرتين أخريين فسكت القوم أيضاً فانتدب عندئذ حذيفة بالتعيين قائلاً: (( قم يا حذيفة فأْتِنا بخبر القوم))، يقول حذيفة: " فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم، قال: اذهب فأْتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ، فلما ولّيتُ من عنده جعلتُ كأنما أمشي في حمّامٍ حتى أتيتهم فرأيتُ أبا سفيان يُصْلي ظهره بالنار، فوضعتُ سهماً في كبد القوس فأردتُ أن أرميه فذكرتُ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تذعرهم عليَّ))، ولو رميتُه لأصبته، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمّام، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغتُ قررْتُ، فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضْل عباءة كانت عليه يصلّي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحتُ فلما أصبحتُ قال: (( قم يا نَومان))[9].

صاحب سر رسول الله :

لأنه كان يسأل رسول الله عن الشر :

-  أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي .

·       وخبرة حذيفة بالشر, وإصراره على مقاومته وتحدّيه, أكسبا لسانه وكلماته شيئا من الحدّة.

 وينبأ هو بهذا في شجاعة نبيلة: فيقول:" جئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله, إن لي لسانا ذربا على أهلي, وأخشى أن يدخلني النار.. فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام: فأين أنت من الاستغفار..؟؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"...


-  وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- قد أسر إلى حذيفة أسماء المنافقين

 -  سئل عليٌّ عن حذيفة قال : عَلِمَ المنافقين وسألَ عن المعضلات فإن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً.


   حذيفة معروف بين الصحابة بأنه كاتم سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرّفه - عليه الصلاة والسلام - بأسماء المنافقين الذين أرادوا الغدر به في أثناء عودته من تبوك وبأسماء مَن عداهم من المنافقين، وكان عمر - رضي الله عنه - يسأله عنهم، ويراقبه في الموتى ولا يشهد الجنازة التي لا يرى حذيفة يحضرها[10].



 -  وقد ناشده عمر : أأنا من المنافقين ؟ فقال : لا ، ولا أزكي أحدا بعدك .

وإن كان حذيفة لم يفصح عن أسماء المنافقين فقد أخبر بأحوالهم وحذر من طريقتهم :
                                                                                                                                                              

-         قال رجل لحذيفة رضي الله عنه: أخشى أن أكون منافقًا. فقال: لو كنت منافقًا لم تخشَ ذلك

-  سأل رجل حذيفة ، وأنا عنده ، فقال : ما النفاق ؟ قال : أن تتكلم بالإسلام ولا تعمل به .

-  وقال :  المنافقون اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يكتمونه، وهم اليوم يظهرونه. وقال: ذهب النفاق، فلا نفاق، إنما هو الكفر بعد الإيمان. وقال: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقًا، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات



-  قَالَ : قَالَ حُذَيْفَةُ : إنَّ مِنْ أَقْرَأِ النَّاسِ مُنَافِقًا ,لاَ يَتْرُكُ وَاوًا وَلاَ أَلِفًا , يَلْفِتُهُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَلْتَفِتُ الْبَقَرَةُ الْخَلاَ بِلِسَانِهَا ، لاَ يُجَاوَزُ تَرْقُوَتَهُ .

-  وقال : إن الرجل ليدخل المدخل الذي يجب أن يتكلم فيه لله، ولا يتكلم، فلا يعود قلبه إلى ما كان أبدًا

وكشف له الفتن الحاصلة في الأمة :

- عقيل ، ويونس ، عن الزهري : أخبرني أبو إدريس : سمع حذيفة يقول : والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة .

  -  قَالَ : قَالَ حُذَيْفَةُ : تَقْتَتِلُ بِهَذَا الْغَائِطِ فِئَتَانِ لاَ أُبَالِي فِي أَيِّهِمَا عَرَفْتُك ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَفِي الْجَنَّةِ هَؤُلاَءِ أَمْ فِي النَّارِ ؟  قَالَ : ذَاكَ الَّذِي أَقُولُ لَكَ ، قَالَ : فَمَا قَتْلاَهُمْ ، قَالَ : قَتْلَى جَاهِلِيَّةٍ .

-  عن أبي وائل , عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ :  مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُرْسَلَ عَلَيْكُمَ الشَّرُّ فَرَاسِخَ إِلاَّ مَوْتَةٌ فِي عُنُقِ رَجُلٍ يَمُوتُهَا , وَهُوَ عُمَرُ.

-  عَنْ زَاذَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ : لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ خَيْرُكُمْ فِيهِ مَنْ لاَ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ .
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَيَأْتِي عَلَيْنَا زَمَانٌ نَرَى الْمُنْكَرَ فِيهِ فَلاَ نُغَيِّرُهُ ؟  فَلاَ وَاللهِ لَنَفْعَلنَّ ، قَالَ : فَجَعَلَ حُذَيْفَةُ يَقُولُ بِأُصْبُعِهِ فِي عَيْنِهِ : كَذَبْت وَاللهِ ثَلاَثًا . قَالَ الرَّجُلُ : فَكَذَبْت وَصَدَقَ .

عمل الفتنة في الناس والنجاة منها :

-  وَقَالَ : مَا الْخَمْرُ صِرْفًا بِأَذْهَبَ لِعُقُولِ الرِّجَالِ مِنَ الْفِتَنِ .

-  قَالَ حُذَيْفَةُ :  إِنَّ لِلْفِتْنَةِ وَقَفَاتٍ وَبَعَثَاتٍ ، فَإِنَ اسْتَطَعْت أَنْ تَمُوتَ فِي وَقَفَاتِهَا فَافْعَلْ .

-  عَنْ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ حُذَيْفَةُ :  إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَمَا هُوَ فِيْهَا .

-  عَنْ جَبَلَةَ ، عَنْ عَامِرٍ بْنِ مَطَرٍ ، قَالَ :.... كَيْفَ أَنْتَ يَا عَامِرُ بْنُ مَطَرٍ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ طَرِيقًا وَالْقُرْآنُ طَرِيقًا ، مَعَ أَيُّهُمَا تَكُونُ قُلْتُ : مَعَ الْقُرْآنِ , أَحْيَا مَعَهُ وَأَمُوتُ مَعَهُ ، قَالَ : فَأَنْتَ أَنْتَ إذًا .

قَالَ رَجُلٌ لِحُذَيْفَةَ : كَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا اقْتَتَلَ الْمُصَلُّونَ ؟ قَالَ : تَدْخُلْ بَيْتَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ دُخِلَ بَيْتِي ؟ قَالَ : قُلْ : إِنِّي لَنْ أَقْتُلَك {إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.

كشف له الرسول أحداث الساعة وحواذث الزمان :

- عن حذيفة ، قال : قام فينا رسول الله مقاما ، فحدثنا بما هو كائن إلى قيام الساعة ، فحفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه . [ ص: 366 ]


وفي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره بما هو كائن إلى قيام الساعة " فما منه شيء إلا قد سألته، إلا أني لم أسأله: ما يُخرج أهل المدينة من المدينة؟ 

·        ما ذكر من أحوال الزمان واهله :

-  وقال : من علامات اقتراب الساعة: أن يكون أمراء فجرة، وعلماء فسقة، وأمناء خونة

-  وقال :  سيأتي على الناس زمان تكون مجالسة الناس كجيفة حمار، وتكون جيفة الحمار أحب إليهم من مجالسة المؤمن الذي يأمرهم وينهاهم

- من أقواله : إن معروفكم اليوم، منكر زمان قد مضى وإن منكركم اليوم، معروف زمان قد أتى وإنكم لا تزالون بخير ما عرفتم الحق، وكان العالم فيكم غير مُسْتَخَفِّ به

- وقال : تعودوا الصبر، فأوشك أن ينزل بكم البلاء، أما إنه لا يصيبنكم أشد مما أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم   - 

-  وقال : ليكونن عليكم أمراء، لا يزن أحدهم عند الله يوم القيامة قشرة شعيرة

·        خوف الناس من أحاديثه :

-  ابن سعد ....الى أبي عاصم الغطفاني ، قال : كان حذيفة لا يزال يحدث الحديث يستفظعونه . فقيل له : يوشك أن تحدثنا : أنه يكون فينا مسخ ! قال : نعم ! ليكونن فيكم مسخ : قردة وخنازير .

-  حماد بن سلمة الى ، عن جندب : أن   حذيفة قال : ما كلام أتكلم به ، يرد عني عشرين سوطا ، إلا كنت متكلما به .



في عهد عمر بن الخطاب :
لم يكن فقط حذيفة بن اليمان من الرجال المفضلين والمقربين لرسول الله، بل كان أيضاً من الرجال الذين يحبهم عمر بن الخطاب، الذي  تمنى برجل مثل حذيفة يستعمله في طاعة الله..


  - قال عمر بن الخطاب لأصحابه: "تمنّوا". فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه، مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله، فقال عمر: "لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله ".


عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ :  مَرَرْت وَالنَّاسُ يَأْكُلُونَ ثَرِيدًا وَلَحْمًا , فَدَعَانِي عُمَرُ إلَى طَعَامِهِ , فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا غَلِيظًا وَزَيْتًا .
فَقُلْتُ : مَنَعْتنِي أَنْ آكُلَ مَعَ النَّاسِ الثَّرِيدَ , وَدَعَوْتنِي إلَى هَذَا قَالَ : إنَّمَا دَعَوْتُك لِطَعَامِي , وَذَاكَ لِلْمُسْلِمِينَ .


    تولية عمر له على المدائن :


  - أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن : اسمعوا له وأطيعوا ، وأعطوه ما سألكم . فخرج من عند عمر على حمار موكف ، تحته زاده . فلما قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف ، وعرق من لحم . [ ص: 364 ]


  -  قال ابن سيرين : بعث عمر حذيفة على المدائن ، فقرأ عهده عليهم ، فقالوا : سل ما شئت . قال : طعاما آكله ، وعلف حماري هذا - ما دمت فيكم- من تبن .
فأقام فيهم ، ما شاء الله ; ثم كتب إليه عمر : اقدم .
فلما بلغ عمر قدومه ، كمن له على الطريق ; فلما رآه على الحال التي خرج عليها ، أتاه فالتزمه ، وقال : أنت أخي ، وأنا أخوك .

·       ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر ، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان   

     -  مالك بن مغول ، عن طلحة : قدم حذيفة المدائن على حمار سادلا رجليه ، وبيده عرق ورغيف .

     - عكرمة : هو ركوب الأنبياء ، يسدل رجليه من جانب .

 *  في معركة نهاوند, حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا.. اختار عمر لقيادة الجيوش المسلمة النعمان بن مقرّن ثم كتب إلى حذيفة أن يسير إليه على رأس جيش من الكوفة..
وأرسل عمر إلى المقاتلين كتابه يقول:" إذا اجتمع المسلمون فليكن على كل أمير جيشه.. وليكن أمير الجيوش جميعها النعمان بن مقرّن.. فإذا استشهد النعمان, فليأخذ الراية حذيفة, فإذا استشهد فجرير بن عبدالله..
وهكذا مضى أمير المؤمنين يختار قوّاد المعركة حتى سمّى منهم سبع...
والتقى الجيشان.. الفرس في مائة ألف وخمسين ألفا.. والمسلمون في ثلاثين ألفا لاغير...
وينشب قتال يفوق كل تصور ونظير ودارت معركة من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا..
وسقط قائد المسلمين قتيلا, سقط النعمان بن مقرّن, وقبل أن تهوي الراية المسلمة إلى الأرض كان القائد الجديد قد تسلمها بيمينه, وساق بها رياح النصر في عنفوان لجب واستبسال عظيم... ولم يكن هذا القائد سوى حذيفة بن اليمان...
حمل الراية من فوره, وأوصى بألا نذع نبأ موت النعمان حتى تنجلي المعركة.. ودعا نعيم بن مقرن فجعله مكان أخيه النعمان تكريما له..
أنجزت المهمة في لحظات والقتال يدور, بديهيته المشرقة.. ثم انثنى كالإعصار المدمدم على صفوف الفرس صائحا:
" الله أبكر صدق وعده!!
الله أكبر نصر جنده!!"
ثم لوى زمام فرسه صوب المقاتلين في جيوشه ونادى: يا أتباع محمد.. هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم فلا تطيلوا عليها الانتظار..
هيا يا رجال بدر..
تقدموا يا أبطال الخندق وأحد وتبوك..
لقد احتفظ حذيفة بكل حماسة المعركة وأشواقها, إن لم يكن قد زاد منها وفيها..
وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس.. هزيمة لا نكاد نجد لها نظيرا..!!


وواصل حذيفة فتح ولايات أخرى كهمذان والري والدينور سنة 22هـ[19]، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين. وصالح بعضها بعد قتال شديد كأذربيجان، وفي هذا قال ياقوت الحموي إنها فُتحتْ "في أيام عمر بن الخطاب، - رضي الله عنه -، وكان عمر قد أنفذ المغيرة بن شعبة الثّقفي والياً على الكوفة، ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان، بولاية أذربيجان، فورد الكتاب على حذيفة وهو بنهاوند، فسار منها إلى أذربيجان في جيش كثيف، حتى أتى أردبيل، وهي يومئذ مدينة أذربيجان. وكان مرزبانها قد جمع المقاتلة من أهل باجروان، وميمذ، والبذّ، وسراو، وشيز، والميانج، وغيرها، فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا أياماً، ثم إن المرزبان صالح حذيفة على جميع أذربيجان، على ثمانمائة ألف درهم وزن، على أن لا يقتل منهم أحدا، ولا يسبيه، ولا يهدم بيت نار، ولا يعرض لأكراد البلاشجان، وسبلان، وميان روذان، ولا يمنع أهل الشيز خاصّة من الزّفن في أعيادهم، وإظهار ما كانوا يظهرونه، ثم إنه غزا موقان، وجيلان، فأوقع بهم، وصالحهم على إتاوة، ثم إنّ عمر، - رضي الله عنه -، عزل حذيفة"[معجم البلدان].

نزول الأذى في المدائن واختيار الكوفة !

 - فحين انتقل سعد بن أبي وقاص والمسلمون معه من المدائن إلى الكوفة واستوطنوها..
وذلك بعد أن أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا.
مما جعل عمر يكتب إلى سعد كي يغادرها فورا بعد أن يبحث عن أكثر البقاع ملاءمة, فينتقل بالمسلمين إليها..
يومئذ من الذي وكل إليه أمر اختيار البقعة والمكان..؟
إنه حذيفة بن اليمان.. ذهب ومعه سلمان بن زياد, يرتادان لمسلمين المكان الملائم..
فلما بلغا أرض الكوفة, وكانت حصباء جرداء مرملة. شمّ حذيفة عليها أنسام العافية, فقال لصاحبه: هنا المنزل ان شاء الله..
وهكذا خططت الكوفة وأحالتها يد التعمير إلى مدينة عامرة...
وما كاد المسلمون ينتقلون إليها, حتى شفي سقيمهم. وقوي ضعيفهم. ونبضت بالعافية عروقهم..!!


من فهمه وأقواله وعلمه :

-  قال البخاري في صحيحه [ 791 ] : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ :
رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

-  لحذيفة بن اليمان أقوال بليغة كثيرة، فقد كان واسع الذكاء والخبرة، ومن ذلك قوله للمسلمين: "ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه".


-  أبو نعيم : حدثنا سعد بن أوس ، عن بلال بن يحيى ، قال : بلغني أن حذيفة كان يقول : ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض . قالوا : وأنت ؟ قال : وأنا والله ، إني لأدخل على أحدهم - وليس أحد إلا فيه محاسن ومساوئ - فأذكر من محاسنه ، وأعرض عما سوى ذلك ، وربما دعاني أحدهم إلى الغداء ، فأقول : إني صائم ، ولست بصائم


- عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَلَوَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِيَ مِائَةَ رَجُلٍ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذَهَبٍ فَأَصْعَدُ عَلَى صَخْرَةٍ فَأُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا لَا تَضُرُّهُمُ بَعْدَهُ فِتْنَةٌ أَبَدًا.

- عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : خَرَجَ فِي سَفَرٍ فَتَقَدَّمَ فَأَمَّهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : لَتَلْتَمِسُنَّ إمَامًا غَيْرِي ، أَوْ لَتُصَلُّنَّ وُحْدَانًا .


-  ويقول رضي الله عنه: " إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم, فدعا الإنس من الضلالة إلى الهدى, ومن الكفر إلى الإيمان, فاستجاب له من استجاب, فحيي بالحق من كان ميتا...
ومات بالباطل من كان حيا..
ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على مناهجها..
ثم يكون ملكا عضوضا..!!
فمن الإنس من ينكر بقلبه, ويده ولسانه.. أولئك استجابوا لحق..
ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه, كافا يده, فهذا ترك شعبة من الحق..
ومنهم من ينكر بقلبه, كافا يده ولسانه, فهذا ترك شعبتين من الحق..
ومنهم من لا ينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه, فذلك ميّت الأحياء"...!

-  قَالَ : قَالَ حذَيْفَةُ :  لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ بَنِي إسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ غَيْرَ أَنِّي لاَ أَدْرِي تَعْبُدُونَ الْعِجْلَ أَمْ لاَ.

- عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ :  مَنْ صَلَّى فَبَزَقَ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَتْ بَزْقَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وَجْهِهِ.

- عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ : الصَّلَاةُ سَهْمٌ ، وَالْإِسْلَامُ سَهْمٌ ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ سَهْمٌ ، وَحَجُّ الْبَيْتِ سَهْمٌ . وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَهْمٌ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ . 
وفاته :

-  جماعة ، عن الحسن ، قال : لما حضر حذيفة الموت ، قال : حبيب جاء على فاقة ; لا أفلح من ندم! أليس بعدي ما أعلم! الحمد لله الذي سبق بي الفتنة! قادتها وعلوجها .

-  شعبة : أخبرنا عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة ، قال : قلت لأبي مسعود الأنصاري : ماذا قال حذيفة عند موته ؟ قال : لما كان عند السحر ، قال : أعوذ بالله من صباح إلى النار . ثلاثا . ثم قال : اشتروا لي ثوبين أبيضين ; فإنهما لن يتركا علي إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما ، أو أسلبهما سلبا قبيحا .   

 - عن ربعي بن حراش أنه حدثهم : أن أخته وهي امرأة حذيفة قالت : لما كان ليلة توفي حذيفة جعل يسألنا : أي الليل هذا ؟ فنخبره . حتى كان السحر ، قالت : فقال : أجلسوني . فأجلسناه .قال : وجهوني . فوجهناه . قال : اللهم إني أعوذ بك من صباح النار ومن مسائها .

 - حذيفة ، قال : ابتاعوا لي كفنا . فجاءوا بحلة ثمنها ثلاثمائة ، فقال : لا ، اشتروا لي ثوبين أبيضين .

·        \ قال ابن سعد : مات حذيفة بالمدائن بعد عثمان وله عقب. و سنة ست وثلاثين ، وقد شاخ .


وقيل أنه : وفي الثلث الأول من القرن العشرين كاد تيار النهر يجرف قبره فجرى نقل جثمانه إلى المدائن في حوالي عام 1932 بتشييع عسكري مهيب شارك فيه ملك العراق يومئذ ورجالات دولته ودُفن قريباً من سلمان الفارسي[34].



0 comentarios:

Publicar un comentario