viernes, 9 de septiembre de 2016

أشواق الحج

0 comentarios
 إذا دخلت أشهر الحجّ فلن تسمَع في الكون إلاّ ذلك النِّداء العظيم الّذي أذّنه سيّدنا إبراهيم عليه السّلام فصار صوته يبلغ إلينا على مرِّالشّهور وعلى كرّ الدهور، فإذا استمعت القلوبُ المؤمنةُ إلى ذلك الصَّوت، لبَّتْ ولبِستْ ثيابَ الإحرام وقطعت تلك المسافات، لأنّها تخشى أن يقطع هادمُ اللّذّات بينها وبين تلبيةْ النّداء.

هم المشتاقون، كلما ذكر لهم البيت والمشاعر حنوا، وكلما تذكروا بعدهم بكوا وأنوا، ويحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى دار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.

حجو قبل ان لا تحجو

    قال العجلوني في كشف الخفاء: (1/ 402 - 403): (حجوا قبل أن لا تحجوا. رواه عبد الرزاق وأبو نعيم والديلمي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا بزيادة: "تقعد أعرابها على أذناب أوديتها, فلا يدعون أحدًا يدخلها"،

ورواه الدارقطني في سننه بلفظ: "حجوا قبل أن لا تحجوا قالوا: وما شأن الحج يا رسول الله؟ قال: تقعد أعرابها على أذناب أوديتها؛ فلا يصل إلى الحج أحد"، لكن في سنده عبد الله ومحمد مجهولان..

-   كما قال العقيلي، وأورده الزمخشري في كشافه بلفظ: "حجوا قبل أن لا تحجوا, قبل أن يمنع البر جائبه والبحر راكبه"،

-  وكذا أورد فيه: "حجوا قبل أن لا تحجوا؛ فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع في الثالثة".

-   ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر مرفوعا أنه قال: "تمتعوا من هذا البيت؛ فإنه قد يهدم مرتين ويرفع في الثالثة".

-   وفي الكشاف أيضا مما لم يقف عليه مخرجوه عن ابن مسعود مرفوعا "حجوا هذا البيت قبل أن تنبت شجرة في البادية لا تأكل منها دابة إلا نفقت" انتهى.

-  قال النجم عقبه قلت: لما حججت سنة أربع عشرة وألف مررنا في أرض البلقاء فرعت دواب الناس من كلأ, فمات في ذلك اليوم خيل كثيرة وبغال كثيرة من غير عي ولا تعب, وفي البادية الآن شجرة الدفلى تقتل الدواب, انتهى.

-  وأقول وقد وقع لنا أنا حين توجهنا لزيارة إبراهيم بن أدهم -قدس سره- سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف, قد أكلت دابة رفيق لنا من شجر الدفلى فماتت على جبل قرب طرابلس, بعد أن شربت من نهر هناك يقال له: نهر البارد حين نزلنا للاستراحة،

-  وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعا "ليحجن البيت وليعمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج"

-  وفيه أيضا وقال عبد الرحمن عن شعبة يعني عن قتادة: لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت, وأخرجه أبو يعلى وغيره قال البخاري: والأول أكثر سمع قتادة عبد الله وهو سمع أبا سعيد، وقال النجم: رواه الحاكم وابن ماجه عن علي "حجوا قبل أن لا تحجوا, فكأني أنظر إلى حبشي أصمع  أقرع, بيده معول, يهدمها حجرًا حجرًا".

من أشواق الصالحين للبقاع الطاهرة

-    ذكر بعض أهل السير أن شقيق البلخي أبصر في طريق الحج مقعداً يتكأ على إليته يمشي حيناً و يضعن حيناً يرتاح حيناً و يمشي أخرى كأنه من أصحاب القبور مما أصابه من وعثاء السفر و كآبة المنظر قال له شقيق يا هذا أين تريد قال أريد بيت الله العتيق قال من أين أتيت ؟ قال من وراء النهر قال كم لك في الطريق ؟ فذكر أعواماً تربوا على عشر سنين قال فنظرت إليه متعجباً قال يا هذا مما تتعجب قال أتعجب من بعد سفرك و ضعف مهجتك قال أما بعد سفري فالشوق يقربه و أما ضعف مهجتي فالله يحملها يا شقيق أتعجب ممن يحمله اللطيف الخبير إذا شاء.
   - حج الشبلي, فلما وصل إلى مكة جعل يقول: أبطحاء مكة هذا الذي أراه عياناً وهذا أنا ؟! ثم غشي عليه , فأفاق وهو يقول : هذه دارهم وأنت محب ما بقاء الدموع في الآماق .

   - كان السلطان أبو الفتح ملكشاه[1] ابن السلطان ألب أرسلان صاحب لهو وصيد وغفلة .. صاد يوماً من الأيام صيداً كثيراً فبنى من حوافر الوحش وقرونها منارة ووقف يتأمل الحجاج وهم يقطعون أرض العراق يريدون البيت الحرام فرّق قلبه فنزل وسجد وعفر وجهه وبكى ....
لقد رق قلبه لما رأى الحجيج يجوزون من حوله, كيف لو كان معهم ؟! كيف لو جللّته ثياب الإحرام ؟ كيف لو عاين بيت الحرام ... ؟!! 
-  عن عبد العزيز بن أبي روّاد قال : دخل مكة قومٌ حجاج ومعهم امرأة وهي تقول : أين بيت ربي ؟ فيقولون: الساعة ترينه . فلما رأوه قالوا : هذا بيت ربك, أما ترينه ؟ فخرجت تشتد وتقول: بيت ربي, بيت ربي, حتى وضعت جبهتها على البيت . فوالله ما رفعت إلا ميتة . 
وإذا كان التاريخ قد حفظ لنا ثلة من الآخرين, قد تقطعت قلوبهم شوقاً للبيت ورغبة في الحج, ففي الآخرين ثلة أيضا, لم تلههم تجارة , ولم تفتنهم حضارة , فسبحان من يلقي الشوق والرغبة في قلب من شاء ..

-  قال الشيخ إبراهيم الدويِّش : ذكر لي أحد الثقات العاملين على استقبال الحجاج في مدينة جدة أن طائرة تحمل حجاجاً من إحدى الدول الآسيوية وصلت في ثلث الليل الأخير أحدى الأيام. قال: كان أول الوفد نزولاً امرأة كبيرة السن فما أن وطئت قدماها الأرض إلا وخرَّت ساجدة . قال: فأطالت السجود كثيراً حتى وقع في نفسي خوف عليها. قال: فلما اقتربنا منها وحركناها فإذا هي جثة هامدة . فعجبت من أمرها وتأثرت بحالها فسألت عنها فقالوا : منذ ثلاثين سنة وهي تجمع المال درهماً درهماً لتحج إلى بيت الله الحرام. 
                                                                                                                                                
ما سر انجذاب القلوب إلى بيت الله الحرام ؟

لماذا كلما زاره العبد ازداد له شوقاً و به تعلقاً و عليه إقبالاً ؟ لقد صدق من وصفه بمغناطيس القلوب فما سر هذه الأشواق ؟
لانه بيت الله :
   قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه الآية : ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله { وطهر بيتي } لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا...
 وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حباً له وشوقاً إلى رؤيته، فهو المثابة للمحبين يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرا أبدا، كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا وإليه اشتياقا.
  إن المحب مشتاق إلى كل ما له إلى محبوبه إضافة … والبيت مضاف لله عز وجل، فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة، فضلا عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل

·        » وهذا الحب والشوق المتأجج في القلوب لا تسكن جَذوتُه إلا بمُشَاهَدٍ يوجِّه المحب إليه أشواقَه، ويقضي به حنينه ويذَكِّرُه بالمحبوب سبحانه

والسفر أليه فرار إلى الله وتلبية لندائه

إنَّ السفر للحجِّ والعمرة ليس كمثل سائر الأسفار، المسافر إلى بيت الله مسافرٌ إلى ربِّه على جناح الشوق والمحبَّة، يقطع في سفره بقلبه مسافات ومنازل ليست كمسافات الأرض التي يقطعها ببدنه، إنَّها مسافة الدنوِّ والاقتراب إلى الله في المكان الذي يتقرَّب فيه من عباده ويدنو منهم، والعبد في سفره هذا ينزل بقلبه منازل تغمر روحه بمشاعر الأنس بالله والفرح به وبمناجاته والسرور بقربه والفوز برضوانه ومغفرته، إنَّه سفر فوق الوصف، تقصر دونه العبارات.

- قيل لامرأة خرجت مسافرة: إلى أين؟ قالت: إلى الحج إن شاء الله، فقيل لها: إنَّ الطريق بعيد، فقالت: بعيد على كسلان أو ذي ملالة، فأمَّا على المشتاق فهو قريب.

كيف لا يشتاق المؤمن الى الحج والحجاج هم وفود الله تعالى وزوّاره الّذين نزلوا بساحته.
 - أخرج المنذري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''الحجّاج وفدُ الله، إنْ دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم''.
ولمّا كانوا وفدَ الله وكانوا أضيافاً في ساحة الله، فهم في ضمان الله وفي حِرْز من الله.
  - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''ثلاثةٌ في ضمان الله، رجلٌ خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازياً في سبيل الله، ورجل  خرج حاجًّا''.

كيف لا يشتاق الحاج فمكة والمدينة خير البقاع وأطهرها وأزكاها وهي مساجد لا يشد الرحال إلا إليها

·        وهما أرض الذكريات الخالدة المطبوعة في قلب كل محب وآثار المحبوب تحيي في قلب المحب الأشواق والأذوق.

بشرى الحجاج وشريط الذِّكريات يمرّ عليهم هنا هاجر، وهنا إسماعيل، وهنا مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم... الحجُّ رحلة لها بداية وليس لها نهاية

كيف لا يشتاق الحاج والحج يمحو الخطايا والذنوب فيرجع العبد نظيفاً كيوم ولادته

وقد روى البخاريّ في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم يقول : مَنْ حَجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدتْه أمّه" فيَاله من أجر عظيم أعدّه الله تعالى لضيوف الرحمن وللحجاج الميامين الذين تركوا أهلهم وأموالهم وأوطانهم ابتغاء الأجر والثواب وطمعا في الفوْز والرضوان,,
 -    قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا جاءه السّائل يسأله: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: ''إيمان بالله''، قال: ثمّ ماذا؟ قال: ''جهاد في سبيل الله''، قال: ثمّ ماذا؟ قال: ''حجّ مبرور''.
وفي حديث سيّدنا ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: ''تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذُّنوب كما ينفي الكيرُ خَبَثَ الحديد''.
يا مُريد الجنّة، يا عاشق الحور، يا قاصد القصور، هاهو الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يقول لك: ''العمرة إلى العمرة كفّارة لمَا بينهما والحجّ المبرور ليس له جزاءٌ إلاّ الجنّة''.
v    و الصلاة هناك بألف صلاة ويزيد..!!
   في الحديث "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه.

هنيئاً للحجّاج كلّما لبّوا وكبّروا، قال صلّى الله عليه وسلّم: ''ما مِن مُلَبٍّ يُلبّي إلاّ ولبَّى مَا عَن يمينه مِن حجر وشجر ومَدَر''.
كيف لا يشتاق المؤمن الى الحج  والحج يهدم ما قبله...!!؟

فها هو عمرو بن العاص يحكي لنا قصة إسلامه فيقول: لمَّا جَعَلَ الله الإسلام في قلبي، أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: ابسط يدك، فلأبايعك. قال: فبسط، فقبضتُ يدي. فقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط. قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر الله لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟
فالحج هو الفرصة الحقيقة لبداية جديدة لحياة بلا معاصٍ ولا ذنوب

والحجّ   جهادٌ وبذلٌ ومرابطة في ميدان الأجر.

 أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ألاَ نغزوا ونجاهدْ معكم؟ فقال: ''لا، ولكن أحسنُ الجهاد وأكملُه حجٌّ مبرورٌ''، فقالت عائشة: فلا أدع الحجّ بعد إذ سمعتُ هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم''
كيف لا يشتاق المؤمن الى الحج  والحجّ  الى الحج وهو مثال المجتمع الفاضل القائم على المحبة والسلام والتعايش
الحج رحلة سلام الى أرض السلام، يسالم الإنسان فيها الناس ويربّي  نفسه على الأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة ، حتى الجدال ممنوع.
يقول الله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }البقرة125 و َمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } 

وفي الحج أخلاق حسنة وقيم عالية وآداب رفيعة، حيث يتأدب الإنسان مع الكون من حوله، كيف؟ أدب مع الحجر فيقبل، أدب مع الشجر فلا يقطع، وأدب مع الطير فلا يروع، وأدب مع الصيد فلا يقتل، وأدب مع المكان فلا يلحد فيه أو يظلم، وأدب مع الإنسان فلا يسب أو يشتم، ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25]..

﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].

والحج يثمر التقوى والتقوى القاسم المشترك مع كل العبادات وهي أعظم الأخلاق، وجماع مكارم الخير....

-  التقوى خير زاد: ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة 197]..

كيف لا يشتاق المؤمن الى الحج  وفيه تفرق الأرزاق والبركات وتستجاب الدعوات

مع المشاعر الغامرة، والخواطر الساهرة، والأحاسيس العابرة يتصاعد الدعاء ويزداد التضرع ويتألق الشوق إلى الله سبحانه وإلى بيته المحرم، حياة جديدة بلا معاصٍ ولا ذنوب، نعم..

الحج ينفي الفقر كما يمحو الذنب، وكذلك العمرة. ولذلك وصى الحبيب صلى الله عليه وسلم بالمتابعة فقال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني
-   عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وكادت الشمس أن تؤوب، فقال: يا بلال أنصت لي الناس، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس، فقال: معاشر الناس، أتاني جبريل آنفًا، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاص، فقال: هذا لكم، ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب، كثر خير الله وطاب، كثر خير الله وطاب...

إنها مشاعر لا توصف، وأحاسيس لا تكتب، إنما يستطعمها الذي يؤديها، ويحسها الذي يلبي نداءها، ويستشعرها الذي يحضرها، فينظر الكعبة، ويعانق الحجر، ويصلي عند المقام، يسعى كما سعت هاجر عليها السلام، ويضحي كما ضحى إبراهيم عليه السلام، ويطيع كما أطاع إسماعيل عليه السلام، ويطوف كما طاف محمد عليه الصلاة والسلام، ويقبل الحجر كما قبل عمر رضي الله عنه، فقط عن حب وشوق وإخلاص، لعل قدم تأتي مكان قدم، وطواف يأتي مكان طواف، وسعي يأتي مكان سعي، فيزداد الإيمان ويكون الغفران، وينتشر الأمن ويأتي الأمان.

هل كل من حج يفوز بهذا الخير  ؟

وفي كل عام يذهب إلى الحج المئات والألوف من جميع البلدان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ترى ما عدد من فاز بشرف الحج منهم؟! أراكم تتعجبون.. لا تتعجبوا. فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما لمجاهد حين قال: ما أكثر الحجاج!! قال: (ما أقلَّهم ولكن قل: ما أكثر الركب).
فالحج يحتاج إلى إخلاص، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".
لذلك جرت للصالحين حين ركوبهم لسفر الحج أحوال من الخوف تارة والشوق والمحبة تارة أخرى، وقلب المؤمن يتقلَّب بين هاتين المنزلتين.

- فذكر عن علي بن الحسين أنَّه حجَّ، فلمَّا أحرم واستوت به راحلته اصفرَّ لونه وارتعد ولم يستطع أن يلبِّي، فقيل: ما لك؟ قال: أخشى أن يقول لي: لا لبيك ولا سعديك، فلمَّا لبَّى غشي عليه. ويذكر نحو هذا عن جعفر الصادق وغيره.

- ويذكر عن بعض الصالحين حين ركب دابَّته في سفر الحجِّ أخذه البكاء فقيل: لعلَّه ذكر عياله ومفارقته إياهم، فسمعهم فقال: يا أخي، والله ما هو ذاك، وما هو إلاَّ لأنِّي ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة، وعلا صوته بالنحيب والبكاء، وهيَّج من حوله بالبكاء.

ولكن من منعه شد الرحال بجسمه توجه إليه بقلبه :
ن
وإذ قد منعهم العذر عن شد رحال الأجساد، توجهت قلوبهم وأرواحهم للقاء محبوبهم، وتعلقت بالبيت والمشاعر، فعظموها كما أمر الله ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)،

ولأهل الله تعالى من حج القلوب والأرواح النصيب الأوفر والقدر الأكبر، وربما خرقت العوائد فرآهم الناس، وربما وكل الله تعالى من ملائكته من يحج عنهم، وقد ذكر ذلك في كتب القوم عن كثير من الصالحين:

  -  ومن ذلك ما أورده الإمام السيوطي في كتابه (تنوير الحلك في جواز رؤية النبي والملك)، أن بعض تلاميذ الشيخ تاج الدين ابن عطاء رأى الشيخ في الطواف وفي عرفة وسائر المشاهد، فلما رجع إلى القاهرة سأل عن الشيخ فقيل لي: طيب.
فقلت: هل سافر ؟
قالوا: لا ، فجاء إلى الشيخ .
فقال له الشيخ: من رأيت؟
فقال: يا سيدي رأيتك، فقال: يا فلان الرجل الكبير يملأ الكون

  -  وإن قصيدة شيخنا الإمام الرائد رحمه الله تعالى التي سماها (لون من حج القلوب) لتحمل بين طياتها الكثير من الأسرار والأنوار، وذلك أنه حدا به الشوق فسار قلبه مع الركبان، فكان مما قال:  
لـلناس موسم حج واعتمار تُقى
                      
وموسمي كل أدهاري وأعوامي
هم يحرمون لايام مقدرة
                       
ومحرم أنا أوقاتي وأيامي
أصاحب الركب إن حلوا وإن ظعنوا
                       
سيرا بقلبي لا سيراً بأقدامي

-  وفي هذا يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله:   من فاته هذا العام المقام بعرفة، فليقم بحقه الذي عرفه من عجز عن المبيت بمزدلفة، فليبيت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه من لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف، فليقم بحق الرجاء والخوف من لم يقدر على نحر هديه بمنى، فليذبح هواه هنا، وقد بلغ المنى ... ومن كان قد بعد عن حرم الله فلا يبعد نفسه بالذنوب عن رحمة الله، فإن رحمة الله قريب ممن تاب إليه واستغفر، ومن عجز عن حج البيت أو البيت منه بعيد، فليقصد رب البيت، فإنه ممن دعاه ورجاه، أقرب إليه من حبل الوريد

- خرجت أم أيمن بنت علي - امرأة أبي علي الروذباري[2] - من مصر وقت خروج الحاج إلى الصحراء والجِمال تمر بها وهي تبكي وتقول : وا ضعفاه , وتنشد على إثر قولها :
وتقول : هذه حسرة من انقطع عن البيت , فكيف تكون حسرة من انقطع عن رب البيت .
·       واعلم أن من أراد الحج ورغب فيه وتمناه ولكنه عجز عنه فإن الله لواسع فضله ورحمته لا يحرمه الأجر.
    - فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة فقال: إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر. رواهالبخاري، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 2276.





[1]  السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان محمد بن جغري بك السلجوقي التركي، ولد (في التاسع من جمادى الأولى سنة 447 هـ / 1055م)، و تملَّك بعد أبيه، ودبّر دولته نظام الملك الوزير بوصية من ألب أرسلان إليه في سنة 465 هـ [1].
[2]  أبوعلي محمد بن أحمد بن القاسم بن منصور بن شهريار بن مهرذدار بن فرغد بن كسرى يمتد أصوله إلى الأمراء الفارسيين ولكنه ترك الدنيا واختار طريق التصوف والزهد.ينسب إلى بلدة روذبار في طوس على ارجح الأقوال وفي اقوال أخرى ينسب إلى بلدة روذبار بالقرب من بغداد.  توفي 322ه







0 comentarios:

Publicar un comentario