martes, 6 de septiembre de 2016

ابو عبيدة عامر بن الجراح

1 comentarios

مقدمة :


ما هؤلاء الرجال؟ واللهِ إنْ كانوا بشَرًا فَنَحْنُ لسْنا من بني البشر، وإنْ كُنا بشَرٌ فهم فوق البشر، هم مُلوك الدار الآخرة، وما هذا الحُبّ الذي في جوانِحِهم؟ وما هذا الشوْقُ الذي ينْبضُ بِه قُلوبهم؟ كلما قرأتَ تاريخ هذا الصحابي مهما تعدَّدَت مرَّات القراءة تشْعُر أنَّك تَقِفُ أمام إنْسانٍ عظيم، من أيِّ جامِعَةٍ تَخَرَّج؟ هل يحْمِلُ دُكْتوراه؟ كم كِتابًا قرأ؟ فإذا اتَّصل الإنسانُ بالله أصْبح شيئاً آخر، يُمْكن أنْ يُلْغى عنده مع الاتِّصال بالله كلُّ شيء، أرجو الله جلّ جلاله أنْ يُمَكِّنَني من نقْل صورة صادِقَةٍ مُشْرِقَةٍ عن هذا الصحابيّ الجليل الذي هو أبو عُبَيْدة بن الجراح .

   الصحابة قاسَوا شدائد الحياة, فطعامُهُم ولِباسُهم خَشِنٌ، حياتهم كلُّها متاعب وغزوات وقِتال ودِفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وفي تَصَوُّري وأنا موقِنٌ بِهذا التصَوُّر أنهم كانوا أسعد الناس، تشعر أنّ أحدهم يكادُ يمْتلئُ سعادةً وشُعوراً بأنه إنْسانٌ كريمٌ على الله، وفجأةً قفَزَتْ إلى نفْسي صُورة إنسانٍ مُعاصِر عاش حياة الدَّعة والرخاء، يأكل أفضل الطعام، ويسكُنُ في أفْخَرِ منزل, تَكْييف وتدفئة مركزيَّة، كُلُّ شيءٍ جميل حوله، وشَعَرت أنَّ مثل حياة الإنسان المُعاصِر الذي خلَتْ حياتُه من البُطولة، ومن التضْحِيَة، ومن الإيثارٍ، ومن حُبٍّ لله ورسوله، ومن رِسالةٍ يحْمِلُها، ودَعْوةٍ يدْعو إليها، ومن عملٍ صالحٍ يُقَدِّمُه، ومن قلْبٍ ينْبِضُ بِالرحمة، إنْسانٌ خَلَتْ حياته من هذه المشاعر، وتِلك المُهِمات المُقدَّسة، مثل هذا الإنسان يشْعر بِتَفاهَتِهِ وهوانِهِ على الناس، ولو عاش في أعلى درجات النعيم، صحابِيٌّ جليل حياته كلُّها متاعب يقود جُيوشاً قِيادةً لا أرْوَع ولا أعظم منها


نسبه وكنيته:

أبو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، أبو عبيدة، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده،
-       وأمه أميمة بنت غنم.
-       ولد سنة 40 قبل الهجرة/ 584م.
-       وكان رجلاً نحيفًا معروق الوجه، خفيف اللحية طوالاً، أجنأ (في كاهله انْحِناء على صدره)، أثرم (أي أنه قد كسرت بعض ثنيته..
كان رضي الله عنه وضيء الوجه، بهي الطلعة، ترتاح العين لمرآه، وتأنس النفس للقياه، ويطمئن الفؤاد إليه، متواضعاً، شديد الحياء، وكان رضي الله عنه موصوفاً بحسن الخلق، والحلم الزائد، والتواضع.

·        ووصف بحسن الخلق ، وبالحلم الزائد والتواضع .

  -وعن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أحدٍ من أصحابي إلا لو شئت لأخذت عليه في خلقه، ليس أبا عبيدة». وهذا مرسل ورجاله ثقات.

   -سيّدنا عبد الله بن عمر وَصَفهُ, فقال:((ثلاثة من قريش أصبح الناس وُجوهاً، وأحْسنها أخلاقاً، وأثْبَتُها حياءً، إنْ حَدَّثوك لم يكْذِبوك، وإنْ حَدَّثْتهم لم يُكَذِّبوك, إنهم أبو بكرٍ الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عُبَيْدة ابن الجَراح))

 *     وهكذا وصف النبي المؤمن, فقال:((من عامل الناس فلم يظْلمهم، وحَدَّثَهُم فلم يكْذِبْهم، ووعَدَهُم فلم يخْلِفْهُم، فَهُوَ ممن كَمُلَتْ مُروءته، وظهرَتْ عدالته ، ووجَبَتْ أُخُوَّتُه، وحرُمَت غيْبته)) [ورد في الأثر]

إسلام أبو عبيدة بن الجراح:

كان أبو عبيدة  من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر ، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي ، فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم.

·        أسلم  في بداية الدعوة، أي قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها.

من مناقب أبي عبيدة بن الجراح:

1-  هو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ " [ رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني واللفظ لأحمد ] .
2-  حب النبي  له وثناؤه عليه؛

    -  روى الترمذي عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : "نِعْمَ الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح".


   - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها  أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَتْ : أَبُو بَكْرٍ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ : عُمَرُ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ : ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : فَسَكَتَتْ " [ رواه الترمذي وغيره وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني ] .

بلاؤه في الإسلام ومكانته :
من هذه المواقف التي تدل على مدى تأثره بتربية النبي له :
·        قتله لأبيه في بدر :

  -  ومن أثر الرسول  في تربيته هذا الموقف البارع؛ فعن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة  يحيد عنه، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله؛ فأنزل الله فيه هذه الآية: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

وما كان لأبي عبيدة  أن يعزم هذه العزمة إلا بروح من الله، تنفض عن قلبه الطاهر السليم كل عَرَضٍ من أعراض الدنيا الفانية، وتجرده من كل رابطة وآصرة إلا رابطة العقيدة.

·        حبه للرسول ودفاعه عنه يوم أحد :

  - عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: سمعت أبا بكر يقول: لما كان يوم أُحد ورُمي رسول الله  في وجهه حتى دخلت في وجنتيه حلقتان من المغفر، فأقبلت أسعى إلى رسول الله  وإنسان قد أقبل من قِبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة حتى توافينا إلى رسول الله . فإذا أبو عبيدة بن الجراح  قد بدرني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلاَّ تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله . قال أبو بكر : فتركته. فأخذ أبو عبيدة بثنية إحدى حلقتي المغفر فنزعها وسقط على ظهره، وسقطت ثنيَّة أبي عبيدة ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيَّةٍ أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.

·        قصة الحوت :(سرية الخبط أو غزوة سيف البحر)
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيراً لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً - قَالَ - فَقُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِىُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ )ما سقط من ورق الشجر( ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِىَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْراً وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ - أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ - فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ فِى وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ؟ " قَالَ : فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ " [ رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ] .


·        نيل لقب أمين الأمة :

 - عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " [ متفق عليه ] .
                               
 - قَالَ الْحَافِظُ رحمه الله " صِفَةُ الْأَمَانَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَكِنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّ لَهُ مَزِيدًا فِي ذَلِكَ لَكِنْ خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكِبَارِ بِفَضِيلَةٍ وَوَصَفَهُ بِهَا فَأَشْعَرَ بِقَدْرٍ زَائِدٍ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ كَالْحَيَاءِ لِعُثْمَانَ وَالْقَضَاءَ لِعَلِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ " . [ تحفة الأحوذي ] .

  الأمانة أساس الإيمان ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَالَ : " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ " [ رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7179 ] .

    - روى البخاري بسنده عن حذيفة  قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله  يريدان أن يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعنَّا، لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلاً أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا. فقال: "لأبعثن معكم رجلاً أمينًا حق أمين". فاستشرف له أصحاب رسول الله ، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام، قال رسول الله : "هذا أمين هذه الأمة".



وذكر كذلك أنه لما قدِمَ وفْد نصارى نجْران على النبي عليه الصلاة والسلام ((يا أبا القاسم، اِبْعَث معنا رجلاً من أصْحابك تَرْضاهُ لنا لِيَحْكُم بيْننا في أشْياء من أموالنا اخْتَلَفْنا فيها، فإنكم عندنا معْشَر المُسْلمين مرْضِيون))

المؤمن موثوق في أمانته وعفته وصدقه وحكمته

هنا يطالعنا العجبُ حقًّا, فأنت كَمُؤمن مَوْثوق حتى من قِبَل خُصومك، موثوق في أمانتك، وعِفَّتِك، وصِدْقِك، وحِكْمَتِك، هذه علامة الإيمان، علامة الإيمان أنَّ المؤمن شَخْصِيَةٌ فذَّة، شَخْصِيَةٌ يرْتاح لها الإنسان ولو كان عَدُواً

 - كلكم يذكر حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)) [أخرجه الترمذي في سننه]

فَرْقٌ كبير بين أن يسْلم الناس منك، وبين أن يأْمنوك، فلو سَكَنْتَ في بيْتٍ ولك جيران، ومضى على سكناك في هذا البيت عشرُ سنواتٍ، ولم يتضجَّر، ولم يشْكُ منك أحدٌ من الجيران, إذاً: سَلِم الجيران منك، لكنهم لم يطْمئِنوا إليك، فالسلامة عدم حُدوث المكْروه، لكنَّ الطمأنينة والأمن عدم تَوَقُّع ما يُكْره، فالمُسلم يسْلم الناس من لِسانه ويَدِه، لكنَّ المؤمن أرْقى من ذلك، يأمنه الناس على أمْوالهم وأعْراضِهم

- وقال رسول الله لهم : " لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين.. حق أمين"..!!
وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه...
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ما أحببت الامارة قط، حبّي اياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت الى الظهر مهجّرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سلم، ثم نظر عن يمينه، وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني..
فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح، فدعاه، فقال: أخرج معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟..!!
كان يتمتع بأخلاق رفيعة هي تربية النبي عليه الصلاة والسلام :

   -  في السنة الثامنة للهجرة أرسل الرسول  عمرو بن العاص  إلى أرض بَلِيّ وعُذْرة في غزوة ذات السلاسل[1]، ووجد عمرو بن العاص  أن قوة أعدائه كبيرة، فأرسل إلى الرسول  يستمده، فندب النبي  الناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص . فلما قدموا عليه، قال عمرو : أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. فقال: إنما أنتم مددي. فلما رأى ذلك أبو عبيدة ، وكان حسن الخُلق، متبعًا لأمر رسول الله  وعهده، فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله  قال لي: "إن قدمت على صاحبك فتطاوعا"، والله إنك إن عصيتني يا عمرو فإني أطيعك حباً في رسول الله  صلى الله عليه وسلم)) فقال عمرو:((أنا الأمير أنت مدد لي)) فقال أبو عبيدة:((لك ما شئت)) .

بعض الأحاديث التي نقلها أبو عبيدة بن الجراح عن النبي :

   -  في سنن الدارمي بسنده عن أبي عبيدة بن الجراح  قال: قال رسول الله : "أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير".

    -  وفي سنن الدارمي أيضًا عن سمرة، عن أبي عبيدة بن الجراح  قال: كان في آخر ما تكلم به رسول الله  قال: "أخرجوا  يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب".

·        روى عنه أحاديث النبي  من الصحابة : أبو ثعلبة جرثوم الخشني، وسمرة بن جندب، وصدي بن عجلان، ومن التابعين عبد الرحمن بن غنم، وعبد الله بن سراقة، وعبد الملك بن عمير، وعياض بن غطيف.

بعض مواقف أبي عبيدة بن الجراح مع الصحابة :

   في عهد أبي بكر الصديق :

    -  بعث أبو بكر  إلى أبي عبيدة  هلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإني سمعت رسول الله  يقول: "إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة". فقال أبو عبيدة : ما كنت لأتقدم رَجُلاً أمره رسول الله  أن يؤُمَّنا.

    -  وقال أبو بكر الصديق  يوم السقيفة: "قد رضيت لكم أحد هذيْن الرجلين"، يعني عُمر وأبا عبيدة.

    -  ثم قال عمر بن الخطاب لأبي عُبَيْدة: اُبْسُط يدَكَ أُبايِعْك، فإني سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم, يقول:
((إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)) [أخرجه مسلم في الصحيح]

أنا ما وَجَدْتُ أشْخاصاً مُتَأدِّبين مع بَعْضِهم بعْضاً كأصْحاب رسول الله، سيِّدنا عمر, عِمْلاق الإسلام، وهو خليفة المسلمين، وهو أمير المؤمنين يقول له أحدهم:
((والله ما رأيْنا أحداً خيراً منك بعد رسول الله، فتفرَّس فيهم، وكاد يأكلُهم، إلى أن قال أحدهم: لا واللهِ، لقد رأيْنا مَنْ هو خيرٌ منك، فقال: من هو؟ فقال: أبو بكر، فقال: صَدَقْتَ وكَذَبْتم جميعا، قال: والله لقد كان أبو بكر أطْيب من ريح المِسْك، وكُنتُ أضَلّ من بعيري))

فلما طلب عمر بن الخطاب من أبي عُبَيْدة ما طلب -كما أسْلَفْنا- قال أبو عُبَيْدة: ((ما كنتُ لأَتَقَدَّم بين يدي رجلٍ أمَّرهُ رسول الله علينا أنْ يؤُمَّنا في الصلاة، فأَمَّنا حتى مات))
وهو أبو بكر الصديق, فكان مع الصِّديق يده اليُمْنى، وما عصاهُ أبداً, هذا ما تربى عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام .

    -  ثم قال يوم السقيفة: "يا معشر الأنصار، إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغيَّر".

  -وقد روي عن خليفة بن خياط قال: «كان أبو بكر قد ولى أبا عبيدة بيت المال، ولم يكن بعد قد عد بيت المال على عهد أبي بكر، ولكن المراد أموال المسلمين».

في عهد عمر بن الخطاب :

    -  كان عمر  يقول: "لم أكن مغيرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة".

 -  وورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوماً لأصحابه: «كل منكم يتمنى أمنيته، فتمنى كل منهم ما يريد وما يرغب. فقال عمر رضي الله عنه: أما أنا؛ فإني أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه». فما أعلى همة أمير المؤمنين! وما أصدق رغبته في الآخرة! رضي الله عن عمر

·        عزل خالد بن الوليد وتولية أبي عبيدة :

وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد

    -  وأول كتاب كتبه عمر  حين وَلِي كان إلى أبي عبيدة يوليه على جند خالد ، إذ قال له: "أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق عليك...".

    -  وصل الخطاب الى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد :( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟) ، فأجاب أبو عبيدة :( إني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة ) ، وأصبح أبو عبيدة أمير الأمراء بالشام

    - ثم قام خالد  وقال للناس: "بُعث عليكم أمين هذه الأمة". وقال أبو عبيدة  للناس عن خالد : سمعت رسول الله  يقول: "خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة".

     -  وعن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح : خذ من خيلنا صدقة. فأبى، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب  فأبى، فكلموه أيضًا فكتب إلى عمر بن الخطاب ، فكتب إليه عمر بن الخطاب : "إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم، وارزق رقيقهم". قال مالك: أي ارددها على فقرائهم.

· يقولون: إنّه لما جاء سيِّدُنا خالد رضي الله عنه إلى المدينة, قال لِعُمر بن الخطاب رضي الله عنه:
((يا أمير المؤمنين, لِمَ عزَلْتني؟ وكانَ عُمر رضي الله عنه يُقَدِّر خالداً رضي الله عنه أعلى تقْدير، فقال له: والله إني أُحِبُّك، فقال له: يا أمير المؤمنين, لِمَ عزلْتني؟ فقال له: والله إني أُحِبُّك، فقال له: يا أمير المؤمنين, لِمَ عزلْتني؟ فقال له: واللهِ ما عَزَلْتُك يا أبا سُلَيْمان إلا مخافَةَ أنْ يُفْتَتَنَ الناسُ بك، لِكَثْرة ما أبْليْتَ في سبيل الله))
 عُزِلَ سيدنا خالد ليتبين للناس أنَّ النصر من عند الله  فهو رضي الله عنه أراد إنقاذَ الوحيد، وذلك من شِدَّة الانتِصارات وكثرتها على يد خالد، فخاف أن يظن الناسُ أنَّ النصر من عِنْد خالِدٍ، فأراد هذا الخليفة العظيم أنْ يُبَيِّن للناس أنَّ النصر من عند الله، وكان هذا هو سبب العزْلِ .

جهاده المستمر في إمارته :
كان أبو عُبَيْدة في الشام يقودُ جُيوشَ المُسلمين من نصْرٍ إلى نصْرٍ، حتى فَتَحَ الله على يَدَيْه الدِّيار الشامِيَّة كُلَّها, فَبَلَغَ الفُرات شَرْقاً وآسْيا الصغرى شمالاً
·        فتحه اللاذقية
كانت اللاذقية بسوريا ببلاد الشام محصنة ولها باب عظيم لا يستطيع أحد اقتحامه فأمر أبو عبيدة بحفر حفائر عظيمة يستطيع الفارس المسلم المحارب أن يختفي داخلها وهو على فرسه وأظهر المسلمون أنهم عائدون إلى ديارهم وفي ظلام الليل تسلل المسلمون واستروا في تلك الحفائر وفي الصباح خرج أهالي اللاذقية وهم يظنون أن المسلمين قد انصرفوا عنهم, حين خرج أهالي اللاذقية فوجئوا بالمسلمين يصيحون بهم ويخرجون عليهم وبهذا فتحت اللاذقية .

·        اليرموك
قبل معركة اليرموك توجه أبو عبيدة ومعه يزيد بن أبي سفيان وبعض المسلمين إلى القائد الرومي ودعوه إلى الإسلام ودعا أيضاً الرسول الرومي الذي أرسله إليه وزير ملك الروم إلى الإسلام فأسلم .

·        فلسطين
وجاء دور فلسطين ـ بيت المقدس ـ وكان الحصار العظيم حتى طلب الأساقفة منه أن يصالحهم على أن يكتب ال


      -  ومن أهم كلماته في إثارة حماسة جنده للحرب وتحريضهم على الجهاد مقولته تلك: "عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. عباد الله اصبروا؛ فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، لا تتركوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق (أي الدروع)، والزموا الصمت إلا من ذكر الله  في أنفسكم حتى يتم أمركم إن شاء الله".

·        عزم عمر على توليته الخلافة :

-  عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا : لَمَّا بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَرْغَ حُدِّثَ أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيداً ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ شِدَّةَ الْوَبَاءِ فِي الشَّامِ ، فَقُلْتُ : إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَيٌّ اسْتَخْلَفْتُهُ ، فَإِنْ سَأَلَنِي اللَّهُ : لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ قُلْتُ : " إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَمِيناً ، وَأَمِينِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ ، وَقَالُوا : مَا بَالُ عُلْيَا قُرَيْشٍ يَعْنُونَ بَنِي فِهْرٍ ؟ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ ، اسْتَخْلَفْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ ؟ قُلْت : " سَمِعْتُ رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَي الْعُلَمَاءِ نَبْذَةً وفي رواية رتوة _ يعني يسبقهم بمد البصر _ " [ رواه أحمد ] .



·        ومع ما كان عليه من القيادة والمكانة والتأييد والأتباع إلا أنه زهد في الدنيا وأعرض عنها :

  - أرسل عمر بن الخطاب  إلى أبي عبيدة  بأربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار، وقال لرسوله: انظر ما يصنع؟ فقسّمها أبو عبيدة ، فلما أخبر عمرَ رسولُه بما صنع أبو عبيدة بالمال،

 -  قد روى لنا عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد: «أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام؛ تلقاه أبو عبيدة وهو أميره على الشام، فسايره حتى دخل عمر منزل أبي عبيدة، فقلب عمر بصره في بيت أميره؛ فلم ير فيه شيئاً سوى سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر، أين متاعك؟ قال أبو عبيدة: هذا يبلغنا المقيل. ثم إن عمر بكى وقال: كلنا غرتنا الدنيا غير أبي عبيدة؛ فإنه أخذ بزمام نفسه عنها».

-  فقد ذهب عمر بن الخطاب يوماً إلى منزل أبي عبيدة فلم ير عنده إلا لبدا وصفحة وقربة ماء وهو أمير. فتعجب عمر وسأله:((أعندك طعام؟)) فأحضر أبو عبيدة له بعض كسرات من الخبز فلما عاد عمر إلى داره أخذ من بيت مال المسلمين أربعمائة دينار ووضعها في صرة وأرسلها مع غلامه إلى أبي عبيدة وطلب منه أن ينظر ماذا يفعل بها ويأتيه بالخبز . فجاءه الغلام بعد وقت قصير يخبره أنه قسَّم المبلغ وأرسله إلى عدد كبير من الناس المستحقين للمال .
   -  فقال عمر : "الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا".

- ونفس هذا الموقف النبيل فعله أيضاً الصحابي الجليل معاذ بن جبل حين أرسل إليه عمر بن الخطاب  رضي الله عنه أربعمائة دينار مع غلام. فقام بإنفاقها جميعاً على من يستحقها من الناس . وقالت زوجت معاذ  رضي الله عنه له:((إنك تنفق المال الذي أرسله لك أمير المؤمنين على المساكين ونحن أهل بيتك أيضاً مساكين فلم لم تعطينا بعضه؟)) فكان ما تبقى دينارين فأعطاهما لها.


  -  وروي أن جبلة بن الأيهم[2] بعدما دخل في الإسلام، بينما هو يسير في طريقه في أسواق دمشق وطأ رجلاً من مزينة، فوثب المزني، فلطم وجه جبلة، فأخذ المزني، فانطلقوا به إلى أبي عبيدة الوالي، فقالوا: إن هذا لطم جبلة في وجهه. قال أبو عبيدة رضي الله عنه: فليلطمه في وجهه كما لطمه. قالوا: أوما يقتل؟ قال: لا. قالوا: ما تقطع يده؟ قال: لا، إنما أمر الله تعالى بالقصاص. قال جبلة عن ذلك: أو ترون أني جاعل وجهي نداً لوجه جدي، جاء من عمق، ثم ارتد نصرانياً. عياذاً بالله من الكبر، وترحل بقومه حتى دخل بلاد الروم. (فهذه القصة من المؤرخين يراها مع عمر، ومنهم من يراها مع أبي عبيدة)

·        وكان متواضعا رغم ما وصل إليه :

حينما اصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت امرته أكثر جيوش الاسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا..فما كنت تحسبه حين تراه الا واحدا من المقاتلين.. وفردا عاديا من المسلمين...

-          وحين ترامى الى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا.. جمعهم وقام فيهم خطيبا.. وقال
" يا أيها الناس..اني مسلم من قريش.. وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه"..ّّ

-  وروي: «أن أبا عبيدة بن الجراح مع شدة خوفه من الله، وورعه، وزهده، وكثرة عبادته، وما له من الفضائل في الصحبة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، والفتوحات الكثيرة على يده؛ مع ذلك كله يروى أنه قال: وددت أني كبشاً فذبحني أهلي وأكلوا لحمي ولم أك شيئاًَ».

وفاة أبي عبيدة بن الجراح :

حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك ، فخشي عليه عمر من الطاعون .

   - فكتب إليه يريد أن يخلصه منه قائلا : (إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي ، وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي ، فإن لي حاجة إليك ، وفَهِمَ أبو عبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون ، فكتب إلى عمر رضي الله عنه متأدباً معتذراً عن عدم الحضور إليه وقال : ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك ، وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم ، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين ) ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى ، فسأله من حوله : (هل مات أبو عبيدة ؟) فقال : (كأن قد) ، والمعنى : أنه إذا لم يكن قد مات بعد ، وإلا فهو صائر إلى الموت لا محالة ، إذ لا خلاص من الطاعون .
    وكان أبو عبيـدة - رضي الله عنه - في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا . ومات أبو عبيـدة - رضي الله عنه - سنة 18 ثماني عشرة للهجرة ، في طاعون عمواس ، وقيل أن قبره في غور الأردن.
·        يروى: «أنه لما حضرته الوفاة؛ أوصى، فقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا، وحجوا واعتمروا، وتواصوا بالخير فيما بينكم، وانصحوا لأمرائكم ولا تغشوهم، ولا تلهكم الدنيا؛ فإن المرء لو عمر ألف عام ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون، والسلام عليكم ورحمة الله».

·        اِلْتَفَتَ سيِّدُنا أبو عُبَيْدة إلى مُعاذ بن جبل ساعة احتضاره، وقال:
((يا مُعاذ، صلِّ بِالناس، ثمَّ ما أنْ لبِث حتى فاضَتْ روحُهُ الطاهِرة, فقال معاذ: يا أيها الناس, إنكم قد فُجِعْتُم بِرَجُلٍ، واللهِ ما أعلم أني رأيتُ رجُلاً أبرَّ صدْراً ولا أبعد غائِلَةً، ولا أشدَّ حُباً للعاقِبَة، ولا أنصح للعامَّة منهم فَتَرَحَّموا عليه يرْحَمْكم الله))
 -   ولما سمع معاذ بن جبل من ينتقص أبا عبيدة، خطب وقال: «إنه والله؛ لمن خيرة من يمشي على وجه الأرض».

خاتمة :

وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي جمعة حبيب بن سباع قال: تغدينا مع رسول الله  ومعنا أبو عبيدة بن الجراح ، قال: فقال: يا رسول الله، هل أحد خير منا؟! أسلمنا معك، وجاهدنا معك. قال: "نعم، قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني".








  1.وذلك أنه كان فيها عين أو بئر بهذا الاسم؛ فسميت المنطقة بكاملها (ذات السلاسل)، ومنه عُرف هذا الجيش أو تلك السرية التي خرجت إلى هذه المنطقة في التاريخ باسم سرية ذات السلاسل[1].
[2]  واسمه المنذر بن الحارث، وهو آخر ملوك الغساسنة في الشام. حكم ما بين عامي 632 و 638 ميلادية. وكان بذلك الملك السادس والثلاثين في سلالة الغساسنة الذين كانوا متحالفين مع الروم قبل الإسلام، وهم من النصارى العرب.

1 comentarios:

hakeemcagley dijo...

Harrah's New Orleans Casino & Hotel - MapyRO
Find the best value on Harrah's 부산광역 출장샵 New 천안 출장샵 Orleans Casino & Hotel in New 동해 출장안마 Orleans. 전라남도 출장안마 MapyRO® allows you to quickly and easily make your way 공주 출장마사지 to restaurants,

Publicar un comentario