- إنه عبـد الله بن قيـس المكني بـ"أبي موسى الأشعري"، أمّهُ ظبية المكيّة بنت وهـب أسلمت وتوفيـت بالمدينة، كان قصيرًا نحيفًا خفيف اللحيّـة
·
إسلامه :
- غادر
وطنه اليمـن إلى الكعبة فور سماعه برسـول يدعو إلى التوحيد، وفي مكة جلس بين يدي الرسول
الكريم وتلقى عنه الهدى واليقين، وعاد الى
بلاده يحمل كلمة الله.
·
هجرته وقومه الى المدينة وانتهائهم
الى الحبشة:
- قال أبو موسى الأشعري : "بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ونحن باليمن،
فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوانِ لي أنا أصغرهما أحدهُما أبو بُرْدة والآخر
أبو رُهْم، وبضع وخمسين رجلاً من قومي فركبنا سفينة، فألْقَتْنا سفينتنا
إلى النجاشي بالحبشة، فوافَقْنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر :إنّ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا
جميعًا".
·
عودتهم إلى المدينة :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه: «يقدم عليكم غدًا قومٌ هم أرقُّ قلوبًا للإسلام منكم»..
فقدِمَ الأشعريون وفيهم أبو موسى
الأشعري، فلمّا دَنَوْا من المدينـة جعلوا يرتجـزون يقولـون: "غدًا نلقى
الأحبّـة، محمّـدًا وحِزبه"، فلمّا قدمـوا تصافحـوا، فكانوا هم أوّل مَنْ أحدث
المصافحة.
واتفق قدوم الأشعريين وقدوم جعفر وفتح خيبر، فأطعمهم النبي صلى الله عليه
وسلم من خيبر طُعْمة، وهي معروفة بـ"طُعْمَة الأشعريين".
- قال أبو موسى:
"فوافَقْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا،ا وما قسم
لأحد غاب عن فتح خيبر شيئًا إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه،
قسم لهم معنا".
- ولما نزل قول الله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة:
54]، قال النبي (: (هم قومك يا أبا موسى وأومأ (أشار) إليه)
ابن سعد والحاكم].
** وكان النبي ( يضرب بالأشعريين المثل
في تكافلهم وتعاونهم فيقول: (إن الأشعريين إذا أرملوا (افتقروا) في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم
بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسَّوية، فهم منِّي
وأنا منهم) [البخاري].
·
فضل أبو موسى الأشعري:
- دعا له النبي ( فقال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريمًا) [متفق عليه]
- عن أبى موسى، قال: كنت عند رسول الله × بالجعرانة([1])
فأتى أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما
وعدتني؟ قال: أبشر. قال: قد أكثرت من البشري. فأقبل رسول الله علىّ وعلى بلال.
فقال: إنّ هذا قد ردَّ البشري فاقبلا أنتما.فقالا: قبلنا يا رسول الله، فدعا بقدح،
فغسل يديه ووجهه فيه، ومجّ فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على رءوسكما ونحوركما،
ففعلا، فنادت أم سلمه من رواء الستر: أن فضلا لأمكما،
فأفضلا لها منه([2]).
فأفضلا لها منه([2]).
ومن ذلك اليوم أخذ أبو موسى مكانه العالي بين المؤمنين، فكان فقيهًا حصيفًا
ذكيًّا، ويتألق بالإفتاء والقضاء
·
علمه وحكمته :
وكان أبو موسى بحرًا في العلم والفقه وأمور
الدين
- فقد قال عنه علي بن أبي
طالب -رضي الله عنه- حين سُئِلَ عن علمه: صُبغ في العلم صبغة.
روى الزبير
بن الخريت ، عن أبي لبيد ، قال : ما كنا نشبه كلام أبي موسى إلا
بالجزار الذي ما يخطئ المفصل -
* فقد ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ في
الطبقة الأولى من الصحابة، رضي الله عنهم، كان عالمًا عاملاً صالحًا تاليًا
لكتاب الله، إليه المنتهى في حسن الصوت بالقرآن، روى علمًا طيبًا مباركًا، أقرأ
أهل البصرة وأفقههم، وقد كان رضي الله عنه كثير الملازمة للنبي ×، كما أنه تلقى من
كبار الصحابة كعمر وعلى وأبىّ بن كعب وعبد الله بن مسعود، وتأثر أبو موسى على وجه
الخصوص بعمر بن الخطاب كثيرًا، وكان عمر يتعهده بالوصايا والكتب في أثناء ولايته
الطويلة على البصرة، كما أن أبا موسى كان يرجع إلى عمر في كل ما يعرض له من
القضايا، حتى عده الشعبي واحدًا من أربعة قضاة، هم أشهر قضاة الأمة
- حتى قال الشعبي: "قضاة هذه الأمة أربعة: عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت".
- حتى قال الشعبي: "قضاة هذه الأمة أربعة: عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت".
* وكان كثيرا ما بتردد الى
عمر بن الخطاب : فعن أبى بكر بن أبى
موسى أن أبا موسى رضي الله عنه أتى عمر بن الخطاب بعد العشاء فقال له عمر: ما جاء
بك؟ قال: جئت أتحدث إليك، قال: هذه الساعة؟ قال: إنه فقه. فجلس عمر فتحدثا طويلاً،
ثم إن أبا موسى قال: الصلاة يا أمير المؤمنين، قال: إنا في صلاة([3]).
** وكان يحض الناس على التعلم
والتعليم في خطبه، فعن أبى المهلب قال: سمعت أبا موسى على منبره وهو يقول: من علمه
الله علمًا فليعلمه، ولا يقولن ما ليس له به علم، فيكون من المتكلفين، ويمرق من
الدين([4])
وأثمرت جهوده العلمية، رضي الله عنه، وقرت عينه برؤية عدد كبير
حوله من حفاظ القرآن الكريم وعلمائه، زاد عددهم في البصرة وحدها على ثلاثمائة،
ولما طلب عمر بن الخطاب من عماله أن يرفعوا إليه أسماء حفاظ القرآن لكي يكرمهم
ويزيد عطاءهم، فكتب إليه أبو موسى أنه بلغ من قبلي ممن حمل القرآن ثلاثمائة وبضعة
رجل([5]),
·
ورعه وتقواه :
- ذات ليلة كان النبي ( واقفًا عند باب المسجد مع خادمه
بريدة، فوجدا أبا موسى يصلي بخشوع وخضوع فقال النبي ( له: (يا بريدة أتراه يرائي؟)
قال بريدة: الله ورسوله أعلم. قال: (بل هو مؤمن منيب، لقد أعطى مزمارًا من مزامير
آل داود)، فأتاه بريدة فوجد الرجل الذي مدحه الرسول ( وأثنى عليه هو أبو موسى
فأخبره. [مسلم].
وكان أبو موسى -رضي الله عنه- من أهل العبادة
المثابرين وفي الأيام القائظة كان يلقاها مشتاقًا ليصومها
- قائلاً: "لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"
- وعن أبي موسى قال: "غزونا غزوةً في البحر نحو الروم، فسرنا حتى إذا كنّا في لُجّة البحر،
وطابت لنا الريح، فرفعنا الشراع إذْ سمعنا مناديًا يُنادي: "يا أهل السفينة قِفُوا
أخبرْكم"، قال: فقمتُ فنظرتُ يمينًا وشمالاً فلم أرَ شيئًا، حتى نادى سبع مرات
فقلتُ: "من هذا؟ ألا ترى على أيّ حالٍ نحن؟ إنّا لا نستطيع أن نُحْبَسَ"،
قال: "ألا أخبرك بقضاءٍ قضاه الله على نفسه؟"، قلتُ: "بلى"، قال:
"فإنّه من عطّش نفسه لله في الدنيا في يومٍ حارّ كان على الله أن يرويه يوم القيامة"،
فكان أبو موسى لا تلقاه إلا صائمًا في يوم حارٍ.
- عن ثابت
البناني عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال كنا مع أبي موسى في مسير له فسمع الناس يتحدثون فسمع فصاحة فقال مالي يا
أنس هلم فلنذكر ربنا فإن هؤلاء يكاد أحدهم أن يفرى الأديم بلسانه ثم قال يا أنس ما
أبطأ بالناس عن الآخرة وما ثبرهم 1 أتدري ما ثبر الناس أي ما الذي صدهم ومنعهم من
طاعة الله ثم قال والثبر الحبس عنها قال قلت الشهوات والشيطان قال لا والله ولكن
عجلت لهم الدنيا وأخرت الآخرة ولو عاينوا ما عدلوا وما ميلوا..
- ثنا قتادة أن أبا موسى بلغه أن ناسا يمنعهم من الجمعة أن لا ثياب
لهم فلبس عباءة ثم خرج فصلى بالناس .
عن أبي وائل عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال إنما
أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم وهما مهلكاكم رواه أبو داود عن شعبة عن
الأعمش فرفعه.
- عن
أبي وائل عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال إنما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم وهما
مهلكاكم رواه أبو داود عن شعبة عن الأعمش فرفعه.
- عن قسامة بن زهير قال
خطبنا أبو موسى رضي الله تعالى عنه بالبصرة فقال: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار
يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت.
* صلى أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في
كنيسة يوحنا بحمص ثم خرج فحمد الله تعالى
وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إنكم اليوم في زمان للعامل فيه لله تعالى أجر
وسيكون بعدكم زمان يكون للعامل لله تعالى فيه أجران
أبو موسى
الأشعري والقرآن:
- عن مالك بن مغول : حدثنا ابن بريدة ، عن
أبيه قال : جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد ، وأنا على باب
المسجد ، فأخـذ بيدي ، فأدخلني المسجد ، فإذا رجل يصلي يدعو ، يقول : اللهم ، إني
أسألك ، بأني أشهد أنك الله ، لا إله إلا أنت الأحد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم
يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .
قال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب ، وإذا رجل يقرأ ، فقال : لقد أُعطي هذا مزمارا من مزامير آل داود . قلت : يا رسول الله ، أخبرُه ؟ قال : نعم ، فأخبرته . فقال لي : لا تزال لي صديقًا . وإذا هو أبو موسى .
قال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب ، وإذا رجل يقرأ ، فقال : لقد أُعطي هذا مزمارا من مزامير آل داود . قلت : يا رسول الله ، أخبرُه ؟ قال : نعم ، فأخبرته . فقال لي : لا تزال لي صديقًا . وإذا هو أبو موسى .
وكان من أهل القرآن حفظًا وفقهًا وعملاً ..
- وكان
عمر يدعوه للتلاوة قائلاً: "شوقنا إلى ربنا يا أبا موسى".
- وقد مَرَّ به النبي ( ومعه السيدة عائشة، فوجداه يقرأ القرآن في بيته، فاستمعا لقراءته،
فلما أصبح أخبره النبي ( بذلك، فقال أبو موسى: لو أعلم بمكانك لحبَّرْتُه لك
تحبيرًا (أي جودته وحسنته).
* قال أبو عثمان النهدي : ما سمعت مزمارا ولا طنبورا ولا صنجا أحسن من صوت أبي موسى
الأشعري ; إن كان ليصلي بنا فنَوَدُّ أنه قرأ البقرة ، من حسن صوته .
* قال ابن شوذب : كان أبو موسى إذا صلى الصبح ، استقبل الصفوف رجلا رجلا يقرئهم .
* في الحلية : أنه جمع الذين قرؤوا القرآن فاذا هم قريب
من ثلثمائة فعظم القرآن وقال إن هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن عليكم وزرا
فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن فانه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ومن
تبعه القرآن زخ في قفاه 1 فقذفه في النار رواه شعبة عن زياد مثله
أبو موسى الأشعري في مواطن الجهاد والسياسة :
كان أبوموسى -رضي
الله عنه- موضع ثقة الرسول وأصحابه وحبهم، فكان مقاتلاً جسورًا، ومناضلاً صعبًا، فكان
يحمل مسئولياته في استبسال جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول عنه: «سيد الفوارس
أبو موسى»
- ويقول أبو موسى عن قتاله: "خرجنا مع رسول الله في غزاة، نقبت فيها
أقدامنا، ونقبت قدماي، وتساقطت أظفاري، حتى لففنا أقدامنا بالخرق"..
·
وفي حياة رسول الله ولاه
مع معاذ بن جبل أمر اليمن ...
-
استعمل رسول الله × أبا موسى على زبيد وعدن([6])
وأرسله مع معاذ إلى اليمن، فعن أبى موسى أن النبي × لما بعثه ومعاذا إلى
اليمن، قال لهما: يَسَّرا
ولا تُعسَّرا وتطاوعا ولا تنفرا، فقال له أبو موسى: إن
لنا بأرضنا شرابًا، يصنع مع العسل يقال له التبغ، ومن الشعير يقال له: المزر، قال:
كل مسكر حرام،
فقال لي معاذ: كيف تقرأ القرآن؟ قلت: أقرأه في صلاتي، وعلى راحلتي، وقائمًا
وقاعدًا، أتفوقه تفوقًا، يعنى شيئًا بعد شيء، قال: فقال معاذ: لكني أنام ثم أقوم،
فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، قال: وكأن معاذًا فُضِّل عليه([7]).
- وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عاد
أبو موسى من اليمن إلى المدينة، ليحمل مسئولياته مع جيوش الاسلام.
·
وفي عهد عمر ولاه البصرة
سنة سبعَ عشرة بعد عزل المغيرة...
- فجمع
أهلها وخطب فيهم قائلاً: "إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم، أعلمكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم،
وأنظف لكم طرقكم"، فدهش الناس لأنهم اعتادوا أن يفقههـم الأمير ويثقفهـم، ولكن
أن ينظـف طرقاتهم فهذا ما لم يعهـدوه أبدًا
- حتى وقال عنه الحسن -رضي
الله عنه-: "ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه"، فلم يزل عليها حتى
قُتِلَ عمر -رضي الله عنه-.
* وقد جرت العديد من
المراسلات بين أبى موسى وعمر بن الخطاب في مختلف القضايا, منها توجيهه لأبى موسى
في كيفية استقباله للناس في مجالس الإمارة، ومنها نصيحته لأبى موسى بالورع ومحاولة
إسعاد الرعية
وهي قيمة قال فيها عمر: «أما بعد، فإن أسعد
الناس من سعدت به رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته، وإياك أن ترتع فيرتع
عمالك، فيكون مثلك عند ذلك مثل البهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرتعت تبغي السمن
وإنما حتفها في سمنها»([8]).
·
وظل واليًا على البصرة
في خلافة عثمان بن عفان حتى طلب أهل الكوفة من أمير المؤمنين أن يوليه عليهم،
فوافق الخليفة
عثمان على ذلك، وأقرَّه أميرًا على الكوفة. - قال
الأسود بن يزيد: "لم أرَ بالكوفة من أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أعلم
من عليّ بن أبي طالب والأشعري".
* وبينما
كان المسلمون يفتحون بلاد فارس، هبط الأشعري وجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه
على الجزية فصالحهم، بيد أنهم لم يكونوا صادقين، وإنما أرادوا أن يأخذوا الفرصة للإعداد
لضربة غادرة، ولكن فطنة أبي موسى التي لم تغيب كانت لهم بالمرصاد، فعندما هموا بضربتهم
وجدوا جيش المسلمين متأهبًا لهم، ولم ينتصف النهار حتى تم النصر الباهر.
* وفي فتح بلاد فارس أبلى القائد العظيم
أبو موسى الأشعري البلاء الكريم، ففي موقعة التستر (20 هـ) بالذات كان أبو موسى
بطلها الكبير، فقد تحصن الهُرْمُزان بجيشه في تستر، وحاصرها المسلمون أيامًا عدة، حتى
أعمل أبو موسى الحيلة، فأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي أغراه أبو موسى بأن يحتال حتى
يفتح باب المدينة، ولم تكاد تفتح الأبواب حتى اقتحم جنود الطليعة الحصن وانقض أبو موسى
بجيشه انقضاضًا، واستولى على المعقل في ساعات، واستسلم قائد الفرس، فأرسله أبو موسى
إلى المدينة لينظر الخليفة في أمره.
- وغزا
أبو موسى بالبصريين ابتغاء الأجر والثواب من الله -عز وجل-، فافتتح الأهواز، كما
فتح الرها وسميساط وغير ذلك..
* ومكث
أبو موسى في إمارة الكوفة حتى استشهد عثمان -رضي الله عنه-، وجاء من بعده أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فعاد أبو موسى إلى مكة المكرمة، وعكف
على العبادة والصلاة حتى توفي -رضي الله عنه- سنة (42) من الهجرة.
موقفه
من صفين وقضية التحكيم :
- أبو موسى الأشعري –رضي الله عنه- فكان
يجمع الناس و يحذرهم من المشاركة في الفتنة و يثبطهم عن القتال ،و يذكّرهم بما
سمعه من الرسول –عليه الصلاة و السلام –
في اعتزال الفتنة الطبري
و جاء في صحيح البخاري أن النبي-عليه الصلاة و السلام- قال : (( ستكون
فتن القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي ،و الماشي فيها خير
من الساعي ، من تشرّف لهل تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به)) ( صحيح
البخاري ج8 ص: 92 ) .فالحديث صريح في الحث على اعتزال الفتنة و التحذير من الخوض
فيها ، و أن القاعدين عنها أحسن من الخائضين فيها . و قد كان الصحابي أبو موسى
الأشعري(ت44ه) –رضي الله عنه- يجمع الناس بمسجد الكوفة و شوارعها ،و يذكّرهم بهذا
الحديث ،و يحثهم على القعود عن الفتنة[9]
.
رواية حادثة التحكيم ونقدها سندا :
تزعم الرواية -الشائعة - التي رواها المؤرخون [10]
عن الإخباري أبي مخنف لوط بن يحي (ت157ه) ، أنه
لما رفع أهل الشام المصاحف ، قال علي
–رضي الله عنه –
لأصحابه : إن في الأمر مكيدة و يجب
الاستمرار في القتال ، و أن رؤوس أهل الشام ، كمعاوية ،و عمرو بن العاص ،و ابن أبي معيط ،و حبيب بن
مسلمة ،و ابن أبي سرح ،و الضحاك بن قيس ، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ،و أنه قد
صحبهم أطفالا و رجالا ، فكانوا شر أطفال و شر رجال . لكن أصحابه لم يوافقوه ، و
قالوا له : ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله ، فنأبى أن نقبله . ثم تقدمت إليه –أي إلى علي- جماعة من القراء [11]
-الخوارج - و طالبوه بالموافقة على وقف القتال ،و هددوه بالقتل أو يدفعونه إلى
خصمه إن لم يوافق ، فرضخ لهم و وافقهم بعدما حذّرهم من مغبة فعلهم هذا ، و أمر
قادته بوقف القتال [12].
ثم عندما اختار أهل الشام ابن العاص ممثلا
عنهم في التحكيم ، اقترح عليّ على أصحابه أحد الرجلين : ابن عباس أو الأشتر النخعي
كممثل عنه ، لم يوافقه الأشعث بن قيس و القراء-دعاة وقف القتال- و اختاروا أبا
موسى الأشعري ممثلا عن العراقيين ، فلم يقبل علي ، لكن إصرارهم على موقفهم اضطره
إلى الموافقة على تعيين أبا موسى ممثلا للعراقيين في التحكيم المرتقب عند اجتماع
الحكمين . ثم كتب الطرفان وثيقة الصلح (صفر 37ه) ،و فيها تم الاتفاق على أن يلتقي
الحكمان ببلدة دومة الجندل-على الطريق بين دمشق و المدينة- في رمضان من سنة 37ه ،و
لهما أن يؤخرا اللقاء إن أرادا ذلك إلى العام المقبل و يكون اللقاء ببلدة
أذرح-جنوب بادية الشام بين الأردن و السعودية- ، و عليهما أن يحتكما إلى الكتاب و
السنة [13] .
1 . فيما يخص إسنادها فإن من رواتها :
أبو مخنف لوط بن يحي(ت157ه)
، قال عنه علماء الجرح و التعديل هو: إخباري تالف لا يوثق به ، ضعيف ليس
بثقة و ليس بشيء ، و انه شيعي محترق صاحب أخبارهم [14].فهذا
الرجل إذن مطعون فيه ، و غير موضوعي ، و هذا يعني أن روايته مرفوضة من حيث
الإسناد.
صحيح أن عليّا بويع بالخلافة
بيعة صحيحة. وصحيح أن كل تمرد غير مشروع لا ينبغي أن يمكّن من غرضه في اسقاط الحق
المشروع. بيد أن الأمور في النزاع بين الامام ومعاوية وبين أهل العراق وأهل الشام،
في رأي أبي موسى، قد بلغت المدى الذي يفرض نوعا جديدا من التفكير والحلول.. فعصيان
معاوية، لم يعد مجرّد عصيان.. وتمرّد أهل الشام لم يعد مجرد تمرد.. والخلاف كله
يعود مجرد خلاف في الرأي ولا في الاختيار..
بل ان ذلك كله تطوّر الى حرب
أهلية ضارية ذهب ضحيتها آلاف القتلى من الفريقين.. ولا تزال تهدد الاسلام
والمسلمين بأسوأ العواقب.
إن
الدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية وقبول
التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة على والبيعة له، تطور فرضته أحداث
حرب صفين، إذ إن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاها جماعيًا
رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام
عدوها، وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات([15]).
لنقرأ
نص الحوار التاريخي الذي دار بين أبي موسى وعمرو بن العاص في بدء اجتماعهما:
أبو موسى: يا عمرو، هل لك في
صلاح الأمة ورضا الله..؟
عمرو: وما هو..؟
أبو موسى: نولي عبدالله بن عمر،
فانه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحرب.
عمرو: وأين أنت من معاوية..؟
أبو موسى: ما معاوية بموضع لها
ولا يستحقها.
عمرو: ألست تعلم أن عثمان قتل
مظلموا..؟
أبو موسى: بلى..
عمرو: فان معاوية وليّ دم عثمان،
وبيته في قريش ما قد علمت. فان قال الناس لم أولي الأمر ولست سابقة؟ فان لك في ذلك
عذرا. تقول: اني وجدته ولي عثمان، والله تعالى يقول: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا
لوليه سلطانا).. وهو مع هذا، اخو أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد
أصحابه..
أبو موسى: اتق الله يا عمرو..
أمّا ما ذكرت من شرف معاوية، فلو
كانت الخلافة تستحق بالشرف لكان أحق الناس بها أبرهة بن الصبّاح فانه من أبناء
ملوك اليمن التباعية الذين ملكوا شرق الأرض ومغربها.. ثم أي شرف لمعاوية مع علي بن
أبي طالب..؟؟
وأما قولك: ان معاوية ولي عثمان،
فأولى منه عمرو بن عثمان..
ولكن ان طاوعتني أحيينا سنة عمر
بن الخطاب وذكره، بتوليتنا ابنه عبدالله الحبر..
عمرو: فما يمنعك من ابني عبدالله
مع فضله وصلاحه وقديم هجرته وصحبته..؟
أبو موسى: ان ابنك رجل صدق،
ولكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا، فهلم نجعلها للطيّب بن الطيّب.. عبدالله بن
عمر..
عمرو: يا أبا موسى، انه لا يصلح
لهذا الأمر الا رجل له ضرسان يأكل بأحدهما، ويطعم بالآخر..!!
أبو موسى: ويحك يا عمرو.. ان
المسلمين قد أسندوا الينا الأمر بعد أن تقارعوا السيوف، وتشاكوا بالرماح، فلا
نردهم في فتنة.
عمرو: فماذا ترى..؟أبو موسى: أرى
أن نخلع الرجلين، عليّا ومعاوية، ثم نجعلها شورى بين المسلمين، يختارون لأنفسهم من
يحبوا..
عمرو: رضيت بهذا الرأي فان صلاح
النفوس فيه..
ولقد حذره ابن عباس حين رجع
اليهم يخبرهم بما تم الاتفاق عليه..
حذره من مناورات عمرو وقال له:
" أخشى والله أن يكون عمرو
قد خدعك، فان كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم، ثم تكلم أنت
بعده"..!
لكن أبا موسى كان يرى الموقف
أكبر وأجل من أن يناور فيه عمرو، ومن ثم لم يخالجه أي ريب أوشك في التزام عمرو بما
اتفقنا عليه..
واجتمعا في اليوم التالي.. أبو
موسى ممثلا لجبهة الامام علي، وعمرو بن العاص ممثلا لجبهة معاوية..
ودعا أبو موسى عمرا ليتحدث..
فأبى عمرو وقال له:
" ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر
مني فضلا.. وأقدم هجرة.. وأكبر سنا"..!!
وتقد أبو موسى واستقبل الحشود
الرابضة من كلا الفريقين.
وقال:
" أيها الناس.. انا قد نظنا
فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة، ويصلح أمرها، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين
علي ومعاوية، وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها..
واني قد خلعت عليا ومعاوية..
فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من
أحببتم"...
وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن
خلع معاوية، كما خلع أبو موسى عليا، تنفيذا للاتفاق المبرم بالأمس...
وصعد عمرو المنبر، وقال:
" أيها الناس، ان أبا موسى
قد قال كما سمعتم وخلع صاحبه،
ألا واني قد خلعت صاحبه كما
خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه، وأحق
الناس بمقامه.."!!
ولم يحتمل أبو موسى وقع
المفاجأة، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة..
وعاد من جديد الى عزلته، وأغذّ
خطاه الى مكة.. الى جوار البيت الحرام، يقضي هناك ما بقي له من عمر وأيام..
وفاة أبو موسى الأشعري
- الحلية: عن أبي بردة قال لما حضر أبا موسى
الوفاة قال : يا بني اذكروا صاحب الرغيف قال كان رجل يتعبد في
صومعة أراه قال سبعين سنة لا ينزل إلا في يوم واحد قال فشبه أو شب الشيطان في عينه
امرأة فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال قال ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبا فكان
كلما خطا خطوة صلى وسجد فآواه الليل إلى دكان كان عليه اثني عشر مسكينا فأدركه
العياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم وكان ثم راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة فيعطي
كل إنسان رغيفا فجاء صاحب الرغيف فأعطى كل إنسان رغيفا ومر على ذلك الرجل الذي خرج
تائبا فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفا فقال المتروك لصاحب الرغيف مالك لم تعطني رغيفي
ما كان بك عنه غنى فقال أتراني أمسكته عنك سل هل أعطيت أحدا منكم رغيفين قالوا لا
قال تراني أمسكته عنك والله لا أعطيك الليلة شيئا فعمد التائب إلى الرغيف الذي
دفعه إليه فدفعه إلى الرجل الذي ترك فأصبح التائب ميتا قال فوزنت السبعون سنة
بالسبع الليالي فرجحت السبع الليالي ثم وزنت السبع الليالي بالرغيف فرجح الرغيف
فقال أبو موسى يا بني اذكروا صاحب الرغيف
- ولمّا قاربت وفاته زادَ اجتهاده، فقيل له في ذلك،
فقال:
"إنّ الخيل إذا قاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل
من ذلك"،
* وجاء أجل أبو موسى الأشعـري، وكست محياه إشراقة
من يرجـو لقاء ربه وراح لسانه في لحظات الرحيـل يـردد كلمات اعتاد قولها دومًا:
"اللهم أنت السلام، ومنك السلام"، وتوفي بالكوفة في خلافة معاوية
سنة اثنين وخمسين.
- قال دعا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
فتيانه حين حضرته الوفاة فقال : اذهبوا واحفروا وأوسعوا وأعمقوا فجاؤا
فقالوا قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا فقال والله إنها لإحدى المنزلتين إما ليوسعن علي
قبري حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعا ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى
أزواجي ومنازلي وما أعد الله تعالى لي من الكرامة ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني
اليوم إلى بيتي ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى أبعث ولئن كانت
الأخرى ونعوذ بالله منها ليضيقن علي قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزج ثم
ليفتحن لي باب من أبواب جهنم فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي ثم لأكونن إلى
مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث
رواه الجريري عن أبي العلاء عن بعض حفدة أبي موسى مثله
[9]
الطبري: المصدر السابق ج 3 ص: 26، 28 ، 37، 38 .
[10]
منهم : الطبري ،و اليعقوبي ،و المسعودي ،و ابن
الأثير ،و ابن الجوزي ،و الذهبي ، و ابن كثير .
[11]
منهم : مسعر بن فذكي التميمي ،و زيد بن حصين الطائي . الطبري: المصدر السابق ج 3ص:
101 .
[12]
انظر : الطبري: نفس المصدر ج3 ص: 101، 102،
103،105،106،107.و المسعودي : المصدر السابق ج2ص: 469 .و اليعقوبي : المصدر
السابق ج 2 ص: 134 .و ابن كثير : البداية ج 7 ص: 191 ، 192، 195 ، 291، 295 . و
ابن الأثير : الكامل في التاريخ ج3 ص: 193 .و ابن الجوزي ك المنتظم ج5 ص: 121، 122 123. ابن طاهر المقدسي : البدء
و التاريخ ج 5 ص:221 220 .و الذهبي : سير أعلام النبلاء ج2 ص: 283، 284 .
[13]
انظر : المصادر السابقة ،و ابن قتيبة: الإمامة و السياسة ، الجزائر ، موفم ، ج1 ص:
196ن 197 .
[14]
الذهبي : ميزان الاعتدال حققه محمد
البجاوي ، بيروت دار احياء الكتب العربية
، ج 3 ص: 419-420
0 comentarios:
Publicar un comentario