الجمع بين الصلاتين في السفر
أولاً : روايات الحديث :
-عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر
إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، وإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب . متفق
عليه .
-وفي رواية لمسلم : إذا أراد أن يجمع بين
الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما
-وفي رواية لمسلم : إذا عَجِلَ عليه السفر
يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء
حين يغيب الشفق .
-وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في
غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل أن
تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل أن
يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّر المغرب حتى ينزل للعِشاء
ثم جمع بينهما [3
* قال الترمذي : والمعروف عند أهل العلم
حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع
في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء . رواه قرّة بن خالد وسفيان الثوري
ومالك وغير واحد عن أبي الزبير المكي.
*
وبهذا الحديث يقول الشافعي ، وأحمد
وإسحاق يقولان : لا بأس أن يجمع بين الصلاتين
في السفر في وقت إحداهما [4].
- وفي رواية لمسلم [5] قال معاذ : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك ، فكان يجمع الصلاة
، فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا ، حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم
خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ، ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعا.
- وفي رواية لأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يجمع بين الصلاتين في السفر المغرب والعشاء ، والظهر والعصر
[6] .
ثانيا :
من مباحث الحديث الفقهية
ما حـدّ السفـر ؟ أو ما هي
المسافة التي تُبيح الترخّص ؟
لم يرِد في
كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحديد مسافة السفر [7
].فالفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله
بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا [8] .
- قال
شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تنازع العلماء في قصر أهل مكة خلفه [9] فقيل : كان ذلك لأجل النُّسك ، فلا يَقصر المسافر سفرا قصيرا هناك ، وقيل :
بل كان ذلك لأجل السفر ، وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد ، والقول الثاني هو الصواب
، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم ، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين ، والقصر
مُعلّق بالسفر وجودا وعدما ، فلا يُصلى ركعتين إلا مسافر ، وكل مسافر يصلى ركعتين كما
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : صلاة المسافر ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة
النحر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير نقص - أي غير قصر - على لسان نبيكم ،
وفى الصحيح [10] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، ثم
زِيد في صلاة الحضر وأُقِرّت صلاة السفر ..
* وقد تنازع العلماء : هل يختص بسفر دون سفر ؟
أم يجوز في كل سفر ؟ وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويلا ، كما قصر
أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومنى ، وبين مكة وعرفة نحو بريد أربع فراسخ
، وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر لا بقصر ولا بفطر ولا تيمم ، ولم يَحد
النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني . ولا يمكن أن يُحدّ
ذلك بِحَـدٍّ صحيح ، فإن الأرض لا تذرع بذرع
مضبوط في عامة الأسفار ، وحركة المسافر تختلف ، والواجب أن يُطلق ما أطلقه صاحب الشرع
، ويُقيَّد ما قيّده ، فيَقْصُر المسافر الصلاة في كل سفر ، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة
بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسح على الخفين ، ومن قسم الأسفار إلى قصير
وطويل ، وخَصّ بعض الأحكام بهذا ، وبعضها بهذا ، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل ، فليس
معه حجة يجب الرجوع إليها [11]
حُكم الجمع في السفر ، وفيها
خمسة أقوال :
- القول الأول : جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الأُولَى مِنْهُمَا
، وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْجُمْهُور .
- القول الثاني – وهو يُقابِل الأول – : لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة ، وهو قول الحسن والنخعي
وأبي حنيفة وصاحبيه ، وأجابوا عما رُوي من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري ،
وهو أنه أخّر المغرب مثلا إلى آخر وقتها ، وعجّل العشاء في أول وقتها.
·
أجيب عن القول الثاني – وهو منع الجمع إلا بعرفة ومزدلفة - بأجوبة
، منها :
1.
بما ثبت من الأحاديث التي جاء فيها التصريح بالجمع ، وأنه رخصة ، وقد ثبت
في صحيح مسلم [13] عن يعلي بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا ) فقد أمِنَ الناس ، فقال : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن ذلك فقال : صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته .
وبين الجمع والقصر تلازم ، فإن من جاز له القصر
جاز له الجمع ، ولا عكس .
2.
بأن هذا الجمع الصوري فيه مشقّة ، والجمع المقصود منه التيسير على المسافر .
* قال الخطابي : ظاهر اسم الجمع عُرفا
لا يقع على مَنْ أخّر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها ، وعجّل العصر فصّلاها في أول وقتها
؛ لأن هذا قد صلّى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها ، وإنما الجمع المعروف بينهما
أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما . ومعقول أن الجمع بين الصلاتين من الرُّخص العامة
لجميع الناس عامهم وخاصّهم ، ومعرفة أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يُدركه الخاصة فضلا
عن العامة ، وإذا كان كذلك كان في اعتبار الساعات على الوجه الذي ذهبوا إليه ما يُبطل
أن تكون هذه الرخصة عامة ، مع ما فيه من المشقة المُرْبِية [14] على تفريق الصلاة في
أوقاتها الموقّتة [15] .
* وقال ابن قدامة : الجمع رخصة ، فلو كان
على ما ذكروه لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها ؛ لأن الإتيان
بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر
فعلها ، ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا ، ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر
والمغرب والعشاء والصبح ، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك [17] .
* وقال ابن حجر : الأخبار جاءت صريحة بالجمع
في وقت إحدى الصلاتين ، وهو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع ، ومما يَرُدّ الحمل على
الجمع الصوري جمع التقديم [18.
- القول الثالث : أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير .وبه قال الليث ، وهو المشهور عن مالك :
·
وأُجيب عن القول الثالث - أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير
- بما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل
أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل
أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّـر المغرب حتى
ينـزل للعِشاء ثم جمع بينهما [19] .
* قال ابن قدامة : وفي هذا الحديث أوضح
الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال : لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير
، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف
إلى خبائه [20] .
*
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر ، وأنه أخّر الظهر ثم
خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ،
فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل ، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب
[21]
* وذكر ابن عبد البر حديث ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عَجِل به السير يجمع بين المغرب
والعشاء .
ثم قال : ليس في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين
الصلاتين إلا أن يَجِـدّ به السير بدليل حديث معاذ بن جبل ؛ لأن فيه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر .
وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر ، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجدّ به السير
فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ [22] .
* قال العراقي : وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ
الْقُرْطُبِيُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْجَـدِّ فِي السَّفَرِ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ
وَعُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ [23] .
* وقال الشوكاني : في الحديث دليل على جواز جمع التأخير في السفر سواء كان السير مُجِـدّاً
أم لا [24] .
- القول الرابع : أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن والأوزاعي
·
وبمثل القول الثالث أُجيب عن القول الرابع ، في أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .
- القول الخامس : أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم [12] .وبه قال أحمد في رواية ، واختاره ابن حزم ، وهو مروي عن مالك...
·
كما أُجيب عن القول الخامس في أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم
، بأحاديث الباب التي فيها جمع
التقديم والتأخير دون تفريق ، وبأن هذا القول تحكّم بلا دليل .
هل يُشترط للجمع نِـيّـة عند
افتتاح الأولى ؟
لا يُشترط للجمع نِيّـة عند افتتاح الأولى .
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية : اختلفوا في الجمع والقصر هل يشترط له نية ؟ فالجمهور لا يشترطون النية
كمالك وأبى حنيفة ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، وهو مقتضى نصوصه ، والثاني تشترط
كقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقى وغيره ، والأول أظهر ، ومن عمل بأحد القولين
لم يُنكر عليه [3 .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي جمعا
ولم يُنقل عنه أنه أمر أصحابه أو أرشدهم إلى ذلك .
*
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد دل
الكتاب والسنة على أن المواقيت خمسة في حال الاختيار ، وهي ثلاثة في حال العذر ؛ ففي
حال العذر إذا جمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء فإنما صلى
الصلاة في وقتها ، لم يُصلِّ واحدة بعد وقتها ، ولهذا لم يَجِب عليه عند أكثر العلماء
أن ينوي الجمع ، ولا ينوي القصر وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في نصوصه المعروفة
وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز [50] .
لكن لا يجوز تأخير الصلاة عن
وقتها إلا بِنيّة
فإذا أراد المسافر تأخير صلاة
الظهر ليجمعها إلى العصر فلا بُـدّ من أن ينوي تأخير الظهر ، ومثله تأخير المغرب .
* قال ابن قدامة : فموضع النية في وقت الأولى من أوله إلى أن يبقى منه قدر ما يصليها ؛ لأنه
متى أخّرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعاً [52]
هل تشترط الموالاة في الجمع
بين الصلوات :
فالأصل
في الجمع بين الصلاتين هو الموالاة، لفعله صلى الله عليه وسلم حيث جمع بين المغرب والعشاء
والظهر والعصر ووالى بينهما، والحديث في الصحيحين. وإذا كان الجمع وقت الصلاة الأولى
فلا بد من الموالاة بين الصلاتين لأنه هو الأصل. وإذا فرق بينهما بوقت كثير بطل الجمع
عند المالكية، حتى قال بعضهم إنه إذا صلى بينهما السنة بطل الجمع، والصحيح أنه لا يبطل
بها.
- وإذا
كان الجمع في وقت الأخيرة فقيل يضر الفصل بينهما، وقيل لا يضر ولو كثر، لأنه متى صلى
الأولى فالثانية تصلى في وقتها ، وهو الصواب .
* فتاوي
الفركوس : فلا تُشترطُ
الموالاةُ في الجمع بين صلاتين مُطلقًا، سواء في وقت الأولى أو في الثانية، وهو
الأظهر من قَوْلَي العلماء، أي: يجوز الجمعُ وإن طال الفصلُ بينهما، ما لم يخرج
وقت الأولى، وهو مذهبُ بعضِ الشافعيةِ كأبي سعيد الإصطخري وبعضِ الحنابلة وهو من
اختيارات ابن تيمية(١)، وقد نصَّ الإمامُ
أحمدُ في جمع المطر، أنّه إذا صَلَّى إحداهما في بيته، وصلى الصلاة الأخرى في
المسجد فلا بأس(٢). وهذا بخلاف مذهب
الجمهور الذين يرون اشتراط الموالاة بين المجموعتين في وقت الأولى، ويصليهما من
غير فصل(٣).
والصحيح أنّ الوقت
مشتركٌ عند الحاجة، والتقديمُ والتوسّط ليس له حدٌّ في الشرع، وإنّما يقع بحَسَب
المصلحة والحاجة، واشتراطُ الموالاةِ لا يتحقَّقُ معه معنى المصلحة والحاجة،
ومراعاتُهُ يُسقِط مقصودَ الرخصة، ويؤيده حديث عبد الرحمن بن يزيد قال: «حَجَّ
عَبْدُ الله رضي الله عنه فَأَتَيْنَا المزدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بالعَتَمَةِ
أو قَرِيبًا مِن ذلِك فَأَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثمّ صَلَّى المغرِبَ
وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثمّ دَعَا بِعشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثمّ أَمَرَ
رَجُلاً فَأذَّن وَأَقَامَ»(٤)
* لجنة الافتاء
الأردنية : الجمع بين الصلاتين
- سواء كان بعذر السفر أم بعذر المطر - يشترط له شروط عدة، من أهمها الموالاة بين الصلاتين،
بحيث لا يفصل بينهما فاصل طويل، والدليل على هذا الشرط أنه الثابت من فعل النبي صلى
الله عليه وسلم.
يقول ابن حجر الهيتمي
رحمه الله: "]يشترط[ الموالاة بأن لا يطول بينهما فصل؛ لأنه المأثور، ولهذا تركت
الرواتب بينهما.
فإن طال الفصل بينهما
ولو بعذر كجنون: وجب تأخير الثانية إلى وقتها؛ لزوال رابطة الجمع.
ولا يضر فصل يسير, ويعرف
طوله وقصره بالعرف; لأنه لم يرد له ضابط" انتهى من "تحفة المحتاج"
(2/397)
وقد بين الفقهاء المتأخرون
أن الفاصل اليسير هو الوقت الذي يكفي لأداء ركعتين خفيفتين بوضوء وأذان وإقامة، ونحن
نقدره اليوم بسبع دقائق، فإن زاد الفاصل عن مثل هذا الوقت فهو فاصل طويل، وإن شك المصلي
هل طال الفصل أم قصر، فلا يجمع بين الصلاتين، كما في "حاشية نهاية المحتاج"
(2/276)
نوى جمع التأخير ثم عاد إلى
بلده قبل خروج وقت الأولى :
مثاله: رجل مسافر نوى جمع التأخير، ولكنه قدم إلى بلده
قبل خروج وقت الأولى :
* لا يجوز له أن يجمع الأولى إلى الثانية، لأن العذر انقطع وزال فيجب أن يصلّيها
في وقتها، وهذه مسألة تشكل على كثير من الناس، فكثير منهم ينوي جمع التأخير، ويقدم
بلده قبل أن يخرج وقت الأولى فلا يصلّيها؛ لأنه نوى الجمع وهذا خطأ، بل الواجب أن يصليها
في وقتها فإذا دخل وقت الثانية صلّاها، إلا أن يكون مجهداً يشق عليه انتظار دخول الثانية
لاحتياجه إلى النوم مثلاً، فيجوز له الجمع حينئذ للمشقة لا للسفر- ابن عثيمين -
رجل كان ناوياً جمع تأخير ،
ثم دخل المسجد ووجد ناساً يصلّون العشاء فدخل معهم بنية العشاء ولما
انتهى من العشاء صلّى المغرب ؟
نقول
: صلاة العشاء لا تصح ؛ لأنه قدمها على المغرب ، والترتيب شرط فيصلّي العشاء مرة
ثانية والمغرب صحيحة . ومعنى قولنا : لا تصح ، أي : لا تصح فرضاً تبرأ به الذمة ،
ولكنها تكون نفلاً يثاب عليه " انتهى ملخصا من "الشرح الممتع" (4
/401-402) .
جمع الامام الصلاة لعذر ما
ثم جاء من لم يدرك معه الجمع :
إذا كان الإمام الراتب قد جمع بين
المغرب والعشاء لوجود المطر ، ثم اجتمع بعض الناس في المسجد ممن تخلف عن صلاة
العشاء مع الإمام ، فلا بأس أن يصلوا العشاء جماعة ، لكن لا يشرع لهم رفع الأذان
في هذه الحال ؛ لأن فيه تشويشاً على الآخرين من أهل الحي ممن قد جمع مع الإمام ،
بل تكفيهم الإقامة بقدر ما يسمع من معه من المصلين.المنجد
الجمع بين صلاتي العَشِيّ وبين
صلاتي العِشائين في وقت إحداهما للمسافر النازل .
)
فائدة : في حديث أبي هريرة
المتفق عليه [40] : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العَشي
* قال القاضي عياض : قوله
: " إحدى صلاتيّ العشيّ " يريد الظهر والعصر ، وكانوا يُصلون الظهر بعَشيّ
، والعَشيّ ما بعد زوال الشمس إلى غروبها . قال الباجي : إذا فاء الفـئ ذراعا فهو أول
العشيّ [41] .
- ومنه قوله سبحانه وتعالى
: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ )
·
مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه لا يجمع المسافر إذا كان نازلا ، وإنما يجمع إذا كان سائرا ، بل عند
مالك إذا جـدّ به السير ...
·
ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أنه
يجمع المسافر وإن كان نازلا [42] .
* قال الإمام العراقي : زَادَ حَدِيثُ مُعَاذٍ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ الْجَمْعِ فِي زَمَنِ الإِقَامَةِ
الَّتِي لا تَقْطَعُ اسْمَ السَّفَرِ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ [43] .
* المنجد : فيجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين ، أو يصلي كل
صلاة في وقتها ، كما يشاء ، غير أن الأفضل للمسافر أن لا يجمع بين الصلاتين إلا
إذا كان عليه مشقة من أداء الصلاة في وقتها .
لهذا لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في كل أسفاره ، بل جمع أحياناً ، وأحياناً أخرى لم يجمع .
- وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً على الطريق ، أما إذا كان نازلاً في مكان ومستقر فيه ، فلا يجوز له الجمع .
والصحيح جواز الجمع للمسافر سواء كان سائراً أم نازلاً ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة تبوك وهو نازل . رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (164) .
لهذا لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في كل أسفاره ، بل جمع أحياناً ، وأحياناً أخرى لم يجمع .
- وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً على الطريق ، أما إذا كان نازلاً في مكان ومستقر فيه ، فلا يجوز له الجمع .
والصحيح جواز الجمع للمسافر سواء كان سائراً أم نازلاً ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة تبوك وهو نازل . رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (164) .
الجمع في وقت الأولى يجعل الوقت
بعدهما للثانية
فمن جمع الظهر والعصر في وقت الظهر
، فإن ما بعد صلاة العصر يكون وقت نهي ، ومن جمع المغرب والعشاء في وقت المغرب فله
أن يُصلي الوتر
* قال ابن قدامة : وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة ثانية منهما ، ويوتر قبل دخول
وقت الثانية ؛ لأن سنتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها ، والوتر وقته ما بين صلاة
العشاء إلى صلاة الصبح ، وقد صلى العشاء فدخل وقته [53] .
* وقال أيضا : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره ،
ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن لم يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من
يمنع الصلاة بعد العصر [54] .
* المنجد : إذا جمع المقيم بين الصلاتين لعذر كالمطر أو المرض أو غير ذلك من
الأعذار فله أن يصلي السنة الراتبة ، ولا يجب عليه ذلك لأنها سنة وليست واجبة ،
فإن جمع بين الظهر والعصر صلى راتبة الظهر القبلية ، ثم يجمع بين الصلاتين ، ثم
يصلي راتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر .
وإن جمع بين المغرب والعشاء ، صلى بعدهما راتبة المغرب ثم راتبة
العشاء .
* قال النووي رحمه الله في "روضة
الطالبين" (1 / 402) . "في جمع
العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر .
وأما في الظهر : فالصواب الذي قاله
المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي
بعدها ثم سنة العصر" انتهى .
* خلاف ذلك عند المالك: أن صلاة الوترلا تصلى الا بعد غياب الشفق
الاحمر .. وهو دخول وقت العشاء الاصلي
عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ وَقْتِهِ عَنْ خَلِيلٍ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ
الْعِشَاءَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ لِضَرُورَةٍ كَالْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ أَوْ لِمَرَضٍ
أَوْ سَفَرٍ لا يُصَلِّي الْوَتْرَ إلا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ وَهُوَ
وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ لَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الفواكة الدواني شرح رسالة القيرواني
وَيَدْخُلُ وَقْتُ الْوِتْرِ بِفِعْلِ الْعِشَاءِ
وَلَوْ جَمْعَ تَقْدِيمٍ لَكِنْ إنْ كَانَ مُسَافِرًا حِينَئِذٍ وَأَقَامَ قَبْلَ دُخُولِ
وَقْتِ الْعِشَاءِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْوِتْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ عَقِبَ
فِعْلِ الْعِشَاءِ وَمَتَى دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ
يَمْضِ زَمَنٌ يَسَعُ فِعْلَ الْعِشَاءِ ا هـ
حاشية الجمل
ثانيا : جمع المقيم
- فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء [55] .
- وفي رواية لمسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير
خوف ولا سفر . قال أبو الزبير : فسألت سعيدا : لِـمَ فَعَلَ ذلك ؟ فقال : سألتُ ابن
عباس كما سألتني ، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
- وفي رواية له قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة
في غير خوف ولا مطر .
من مباحث الحديث الفقهية
- أولاً : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أصل في جمع المقيم .
)
وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوّزوا الجمع في
الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يُتخذ ذلك عادة ..
وممن قال به : ابن سيرين وربيعة وأشهب وبن
المنذر والقفال الكبير ، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث [56] .
- ومنطوق حديث ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من
غير عُـذر . ومفهومه أن الخوف والمطر والسفر أعذار تُبيح
الجمع .
- ثانياً : لا يصح في سبب الجمع سوى ما قاله فيه راويه
: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
والقاعدة أن الراوي أدرى بمرويِّـه . وليس لأحد أن يتأوّل في الحديث ما ليس فيه " [57] .
* وقال النووي: ويؤيده ظاهر قول ابن
عباس: أراد أن لا يحرج أمته ، فلم يُعلله بمرض ولا غيره [58]
-وفي رواية البخاري [59] : فقال أيوب : لعله في ليلة مطيرة ؟ قال : عسى .
* قال ابن حجر : واحتمال المطر قال به
أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث .
* ثم قال الحافظ : لكن رواه مسلم وأصحاب
السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ من غير خوف ولا مطر ، فانتفى
أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر ، وجوّز بعض العلماء أن يكون الجمع
المذكور للمرض ، وقوّاه النووي ، وفيه نظر ؛ لأنه لو كان جَمْعُه صلى الله عليه وسلم
بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر ، والظاهر أنه صلى الله
عليه وسلم جَمَعَ بأصحابه ، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته .
قال النووي : ومنهم من
تأوّله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فَبَانَ أن وقت العصر دخل
فصلاها . قال : وهو باطل ؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، فلا احتمال
فيه في المغرب والعشاء [60 ]
- ثالثاً : حَمَل بعض
العلماء الحديث على الجمع الصوري ، وهو مردود بقول راويه : أراد أن لا يحرج أحدا من
أمته .
* قال ابن حجر : وإرادة نفى الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري ؛ لأن القصد إليه لا
يخلو عن حرج [61] .
- رابعاً : جواز الجمع
إذا وُجد العُذر المبيح له .
فالمرض عُذر ، ومتى وُجِدت المشقة
جاز للمريض الجمع .
* قال ابن المنذر : اختلف أهل العلم في جمع
المريض بين الصلاتين في الحضر والسفر ، فأباحت طائفة للمريض أن يجمع بين الصلاتين ،
وممن رخص في ذلك عطاء بن أبي رباح .
* وقال مالك
في المريض : إذا كان أرفق به أن يجمع بين الظهر والعصر
في وسط وقت الظهر إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك بعد الزوال ، ويجمع بين
المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك ، وإنما
ذلك لصاحب البطن وما أشبهه من المرضى ، أو صاحب العلة الشديدة يكون هذا أرفق به
[62] .
* وقال الليث : يجمع المريض والمبطون ، وقال
أبو حنيفة : يجمع المريض بين الصلاتين كجمع المسافر
* وقال أحمد وإسحاق : يجمع المريض بين الصلاتين [63] .
وقال الترمذي : ورخّص بعض أهل العلم
من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض ، وبه يقول أحمد وإسحاق ..
-
وقال بعض أهل العلم يجمع بين
الصلاتين في المطر ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ، ولم يَرَ الشافعي للمريض أن يجمع
بين الصلاتين [64] .
" والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف
.
* قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله :
المريض يجمع بين الصلاتين ؟ فقال : إني لأرجو له ذلك إذا ضعف ، وكان لا يقدر إلا على
ذلك . وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما " [65] .
*
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته ،
فيُباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة ، وذلك يدل على الجمع للمرض
الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى ، ويجمع من لا يُمكنه إكمال الطهارة
في الوقتين إلا بِحَرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور [66]
- وقال : الذي يجمع للسفر هل
يباح له الجمع مطلقا أو لا يباح إلا إذا كان مسافرا ؟
فيه روايتان عن أحمد مقيما أو مسافرا ، ولهذا نص أحمد على أنه يجمع إذا
كان له شغل . قال القاضى أبو يعلى : كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة يبيح الجمع ،
ولهذا يجمع للمطر والوحل وللريح الشديدة الباردة في ظاهر مذهب الإمام أحمد ، ويجمع
المريض والمستحاضة والمرضع [67] .
والمطر والبرد الشديد والريح
الشديدة والوَحَل كلها أعذار مُبيحة للجمع .
* فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين ، هل يجوز من البرد الشديد ؟ أو الريح
الشديدة ؟ أم لا يجوز إلا من المطر خاصة ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . يجوز الجمع بين العشائين للمطر والريح
الشديدة الباردة والوحل الشديد ، وهذا أصح قولي العلماء ، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك
وغيرهما ، والله أعلم [68] .
* وقال ابن
الملقِّن : اختلف العلماء في جواز الجمع بعذر المطر ، فجوّزه الشافعي والجمهور في
الصلوات التي يجوز الجمع فيها ، وخصّه مالك بالمغرب والعشاء فقط [69] .
ومن العلماء من قيّد المطر بالشديد الذي يبلّ الثياب وتقع المشقة بسببه .
* قال ابن قدامة : والمطر المبيح للجمع
هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه ، وأما الطلّ والمطر الخفيف الذي لا يَبُلّ
الثياب فلا يبيح ، والثلج كالمطر في ذلك ؛ لأنه في معناه وكذلك البَرَد .
فأما الوَحْل بمجرّده ، فقال القاضي : قال أصحابنا : هو عذر ؛ لأن المشقة
تلحق بذلك في النعال والثياب كما تلحق بالمطر ، وهو قول مالك .
* وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا أنه لا
يبيح ، وهو مذهب الشافعي وأبو ثور ؛ لأن مشقته دون مشقة المطر ، فإن المطر يبل النعال
والثياب ، والوحل لا يبلها ، فلم يصح قياسه عليه ، والأول أصحّ لأن الوحل يلوث الثياب
والنعال ويتعرض الإنسان للزّلق ، فيتأذى نفسه وثيابه ، وذلك أعظم من البلل ، وقد ساوى
المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فَدَلّ على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم .
فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان : أحدهما يبيح
الجمع . قال الآمدي : وهو أصح ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ؛ لأن ذلك عذر في الجمعة
والجماعة [70] .
خامساً : هل يجمع بين الظهر والعصر لأجل هذه الأعذار ؟
ذهب بعض أهل العلم إلى منع الجمع بين الظهر
والعصر في المطر
*قال ابن قدامة
: فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز [71] .
وهذا خلاف المقصد من الجمع ، فإنه متى ما وُجِدت المشقة جاز الجمع ، كما
تقدّم .
قال الإمام الشافعي : أرأيتم إن قال لكم قائل : بل نجمع بين الظهر والعصر
في المطر ، ولا نجمع بين المغرب والعشاء في المطر . هل الحجة عليه ؟ إلا أن الحديث
إذا كانت فيه الحجة لم يَجز أن يؤخذ ببعضه دون بعض ، فكذلك هي على من قال : يجمع بين
المغرب والعشاء ، ولا يجمع بين الظهر والعصر ، وقلما نجد لكم قولا يصح ، والله المستعان
. أرأيتم إذا رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب
والعشاء فاحتججتم على من خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء ، هل تَعدون
أن يكون لكم بهذا حجة ؟ فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر
والعصر ، وإن لم تكن لكم بهذا حجة على من خالفكم فلا تجمعوا بين ظهر ولا عصر ، ولا
مغرب ولا عشاء ، لا يجوز غير هذا وأنتم خارجون من الحديث [72]
*قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء ، وبين الظهر والعصر عند كثير من
العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار [73] .
وحديث الباب حجة لمن قال بالجمع في الحضر عند وجود العُذر ، فإن النبي
صلى الله عليه وسلم فعل ذلك توسعة لأمته ، ورَفْعُ الحرج من قواعد الشريعة .
*وقال الأُبّـي : وبالجمع للمطر قال مالك
والشافعي وجمهور السلف ، وأباه الحنفية وأهل الظاهر والليث إلا أن مالكاً قَصَر الجمع
للمطر في المعروف عنه على المغرب والعشاء ، وعمّمه الشافعي فيهما وفي الظهر والعصر
، وهو ظاهر ما لِمالِك في الموطأ ، وألحق مالك بالمطر اجتماع الطين والظّلمة ، وجاء
عنه ذِكر الطين مُفرَدا [74] .
)
فائدة :
-في قول ابن عباس رضي الله عنهما : أراد أن لا يحرج أمته .
*
قال ابن سيد الناس : قد اختُلف
في تقييده ، فرُوي بالياء المضمومة آخر الحروف ، وأمتَه منصوب على أنه مفعوله ، ورُوى
تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة ، وضم أمتُه على أنها فاعلة ، ومعناه إنما فعل تلك
لئلا يشق عليهم ويثقل ، فقصد إلى التخفيف عنهم [75] .
)
وفائدة أخرى :
- قوله : " صلى بالمدينة
سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء " فيه تقديم وتأخير .
- فإن السبع
هي صلاتي المغرب والعشاء .
- والثَّمان
هي صلاتي الظهر والعصر .
وهذا يجوز لغة ، قال الله تبارك وتعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ
وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [76] . فقدّم وأخّــر
والله تعالى أعلى وأعلم .
الهوامش :
[1]
( 0 1 / 374 ) ح ( 1059
، 1060 )
[2] ( 1 / 489 ) ح ( 704
) ، والروايات الثانية في الموضع نفسه .
[3] رواه الإمام أحمد ( 36 / 413 ) وأبو داود ( 2 / 5 ) والترمذي ( 2 /
438 ) .
[4] جامع الترمذي ( 2 / 440 ) .
[5] ( 4 / 1784 ) .
[6] المسند ( 3 / 367 ) وقال محققوه : حديث صحيح ..
[7] وقد أطال ابن عبد البر في الاستذكار ( 6 / 81 – 91 ) في ذكر مذاهب العلماء
في المسافة التي تُعتبر سفرا ، ومنشأ هذا الخلاف عدم ورود التحديد في النصوص .
[8] مجموع الفتاوى ( 24 / 34 ) باختصار .
[9]
يعني خَلْف النبي صلى الله عليه وسلم .
[10] رواه البخاري ( ح 1040 ) ومسلم ( ح 685 ) .
[11] مجموع الفتاوى ( 24 / 12 ، 13 ) .
[12] يُنظر لذلك : معالم السنن للخطابي ( 1 / 227 ) طرح التثريب للعراقي (
3 / 750 ، 751 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 3 / 242 ) .
[13] ( 1 / 478 ح 686 ) .
[14] يعني الزائدة .
[15] معالم السنن للخطابي ( 1 / 228 ، 229 ) .
[16] الاستذكار ( 6 / 20 ) .
[17] المغني ( 3 / 129 ) .
[18] فتح الباري ( 2 / 676 ) باختصار .
[19] سبق تخريجه
.
[20] المغني ( 3 / 131 ) .
[21] مجموع الفتاوى ( 24 / 64 ) .
[22] الاستذكار ( 6 / 15 ) .
[23] طرح التثريب ، مرجع سابق ( 3 / 752 ) .
[24] نيل الأوطار ، مرجع سابق ( 3 / 242 ).
[25] رواه البخاري ( 1 / 369 ح
1039 ) ومسلم ( 1 / 480 ح 690 ) .
[26] المصنف ( 2 / 530 ) ، وجعله الإمام البخاري عنوان باب ( 1 / 369 ) .
[27] المرجع السابق ، الموضع نفسه .
[28] الاستذكار ( 6 / 78 ) .
[29] المرجع السابق ، وهذه الآثار وإن كانت في القصر دون الجمع إلا أنها عامة
في رُخَص السّـفر .
[30] المغني ( 3 / 111 ) .
[31] مجموع الفتاوى ( 24 / 16 ) .
[32] المغني ( 3 / 115 ) .
[33] مجموع الفتاوى ( 27 / 139 ) .
[34] قال سعيد بن جبير : العادي الذي يقطع الطريق لا رخصة له . وقال مجاهد
: فمن اضطر غير باغ ولا عاد قاطعا للسبيل أو مفارقا للأئمة أو خارجا في معصية الله
فله الرخصة ، ومن خرج باغيا أو عاديا أو في معصية الله فلا رخصة له وإن اضطر إليه
. يُنظر لذلك : جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري ( 3 / 59 ، 60 ) ،
وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 1 / 211 ) والدر المنثور للسيوطي ( 2 / 133 ) .
[35] المجموع شرح المهذّب ( 3 / 154 )
[36] المرجع السابق ( 4 / 158 ) .
[37] المرجع السابق ( 4 / 175 ) .
[38] الاستذكار ( 6 / 55 ، 56 ) .
[39] الشرح الممتع ( 4 / 515 ) .
[40] البخاري ( ح 468 ) ومسلم ( ح 573 ) .
[41] مشارق الأنوار ( 2 / 103 ) .
[42] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 24 / 22 ) .
[43] طرح التثريب ( 3/750 ) .
[44] المسند ( 3 / 357 ) وقال محققوه : إسناده حسن .
[45] ( 1 / 479 ) .
[46] رواه البخاري ( 3 / 1092 ح 2834 ) من حديث أبي موسى رضي الله عنه .
[47] فتح الباري (2/ 160) .
[48] المغني ( 3 / 216 ) وهو ما رجحه ابن قدامة .
[49] المغني ( 3 / 130 ) .
[50] مجموع الفتاوى ( 21 / 434 ) .
[51] البخاري ( ح 1041 ) ومسلم ( ح 703 ) .
[52] المغني ( 3 / 138 ) .
[53] المرجع السابق ( 3 / 140 ) وقوله : " فله أن يصلي سنة ثانية منهما
" لا يُفهم منه الصلاة بعد العصر إذ هو وقت نهي ، كما أن السنة للمسافر أن لا
يُصلي السنن الرواتب عدا راتبة الفجر ، لما رواه البخاري ( ح 1050 ) ومسلم ( ح 689
) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في
السفر . يعني به السنة الراتبة ؛ لأن ابن عمر نفسه روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
النافلة في السفر على الراحلة ( البخاري ح 955 ) و ( مسلم ح 700 ) ويُستثنى من ذلك
راتبة الفجر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها في سفر ولا في حضر . روى البخاري
( ح 1106 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم
صلى ثماني ركعات ، وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن يدعهما أبدا .
[54] المغني ( 2 / 525 ) .
[55] رواه البخاري ( 3 / 201 ح 522
) ومسلم ( 1 / 491 ح 705 ) والرواية الآتية
عنده ( 1 / 490 ) .
[56] فتح الباري ( 2/24 )
.
[57] من كلام الإمام الشافعي في الأم ( 7 / 205 ) وكان قال قبله : وإنما ذهب
الناس في هذا مذاهب، فمنهم من قال : جمع بالمدينة توسعة على أمته لئلا يُحرج منهم أحد
إن جَمَع بحال .
[58] شرح مسلم ( 5/219 ) .
[59] تقدّم تخريجها .
[60] فتح الباري ( 2 / 30 ) .
[61] المرجع السابق ( 2 / 31 ) يعني قَصْد الجمع الصوري لا يخلو من حرج .
[62] الأوسط ( 2 / 434 ) ، والاستذكار لابن عبد البر ( 6 / 36 ، 37
) .
[63] الاستذكار ( 6 / 37 ) .
[64] الجامع ( 1 / 357 ) .
[65] المغني ، مرجع سابق ( 3 / 136 ) .
[66] مجموع الفتاوى ( 24 / 84 ) .
[67] ( 24 / 14 ) .
[68] مجموع الفتاوى ( 24 / 29 ) .
[69] الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ( 4 / 80 ) .
[70] المغني ( 3 / 134 ) .
[71] المرجع السابق ( 3 / 132 ) .
[72] الأم ( 7 / 205 ) .
[73] مجموع الفتاوى ( 22 / 31 ) .
[74] إكمال إكمال المعلم ( 3 / 30 ) .
[75] تحفة الأحوذي للمباركفوري ( 1/492 ، 493 ) .
[76] آل عمران ( 106 ، 107 ) .
[77] نقلا عن : موضِّح أوهام الجمع والتفريق ( 1/13 ) وتاريخ دمشق لابن عساكر
( 67 / 113 ) .
[78] سير أعلام النبلاء ( 10/35 ) وقواعد التحديث للقاسمي ( ص 52 ) وقد جمع
الألباني أقوال الأئمة في ذلك في مقدمة كتابه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (
ص 45 – 55 .
0 comentarios:
Publicar un comentario