sábado, 22 de diciembre de 2012

وداعا يا إمام :

0 comentarios

كيف يمكن للقلم أن يُعبر عن خلجات نفس مكلومة بفراق أعز ما تملك في الحياة ...
مات حبيبنا ومصحوبنا عبد السلام ياسين رحمه الله :
لم يعد للكلمات بعد فراقه طعم سوى ريح الكبد المحروقة من هول ما أُصبنا به من وداعه ...
     ما كان أحسننا والشمل مجتمع بك يا سيدي من قريب، نسمع كلماتك، نطالع همساتك ، تصلنا ذكرياتك ، نسأل عنك كل مرسول أتانا من عندك شوقا أن نسمع أخبارك العظيمة ونمتع أرواحنا بذكر سيرك العطرة .

 تركتنا لتذهب بعيدا خلف التراب ، فمن ذا عساه يبلغنا اليوم عنك شيئا لنفرح، وقليلا لنسعد، لقد بَلَغْتَ يا سيدي من العمر ما أنسانا أنك يمكن أن تكون قاضيا يوما لمكتوب ربك مفارقا دنياك إلى ساحة قدسه ، حتى جاءنا الخبر الأكيد يوما فكأن الأرض من تحتنا قد زلزلت وانشقت، وأذنت لحمل جثمانك الطاهر وحُقّت ،  فحَلّ بك الموت و حل بنا أساه ومرارته ولوعته وحسرته.
   من يواسينا بعد فراقك يا سيدي إلا ما تركت من كلمات سطرتها بمداد قلبك، ونقَّحتها بصفاء نفسك، وكتبتها خالدة منذ سنين، وصنعت منها أهلها ورجالها وجمعتهم عليها وربطتهم بها فكانوا بها طاهرين وساروا عليها راشدين .

    كنا هناك يا سيدي من بين آلاف من شيعوك إلى مثواك الأخير ، حين نادى المنادي "بصلاة الجنازة جنازة رجل" حينها سال الدمع على الخدّ وانشق الفؤاد من الكمد ، وكادت القدم أن تخر فلا تقدر على ثبات ، ومن يقدر على فراق لحمه ودمه ؟

نعم أنت مجرد رجل يا سيدي ، لكنك وحيد لا مثال لك، فريد لا صنو معك، وياليت الرجال اليوم كانوا شبيهك أو يقربون، ما علمنا عليك يوما أنك غيرت مبدلا، ولا تراجعت مستسلما ولا ركعت خاضعا أو انحنيت مذلولا ، ما عهدنا عليك إلا صبرا مكينا وإرادة نافذة وعزما جبارا وثباتا كالجبل الأشم . ظللت يا سيدي شامخا تنظر للطغيان من عل وترقب الفساد من برج روحك السامق ، لقد نالوا منك كثيرا وآذوك طويلا ورموا طريقك بالحجارة وسلّوا في عرضك كل لسان ساقط، وأخرجوا ضدك كل شيطان مارد وانقلبوا عليك بأعوانهم وجبتهم وجنودهم يتلوّنون ويخططون فكانوا وكيدهم كالصبيان يضعون الحجارة في سكة القطار ليسقطوه أو يوهنوا سيره، فما زادوك بمكرهم إلا عزا وبكيدهم إلا نصرا وبذمهم إلا فخرا وبحقدهم عليك إلا رحمة بهم، وبعدائهم لك إلا قلبا سمحا عطوفا كأنه قلب نبي أو قديس ..
لقد وافتك منيتك يا سيدي; ولكنه أمر كنت تريده ومكان ترقبه ومصير عشت له ، كنت تحذر الآخرة وترجوا رحمة ربك فها أنت قد فزت بمقصودك ورُزقت بموعودك وأُوصلت بمحبوبك وظفرت بمصحوبك ...

 يحق لك يا سيدي أن ترتاح وتهنأ بجوار الحق الذي عشت له وكافحت من أجله ومت عليه ، يحق لك أن تفرح بما قدّمته بين يديك من خير وبر وإحسان ، واهنأ بمثوى ربك الكريم حين تجد الأجر الوافر في ميزانك من حسنات الذين عرفوا الله على يديك وتربوا على خطاك واهتدوا على دعوتك .

    واعلم يا سيدي أنه ما بَترت يداك ، وما عق نسلك، فقد خلّفت من بعدك رجالا عظماء ومحبين أوفياء ومجاهدين في سبيل الحق قناتهم لن تلين، كلهم من صنع يدك، عجنتهم بصدقك وأمددتهم بإخلاصك ، واستعمرت قلوبهم بحبك، سوف يُكْملون السّير ويتابعون الطريق بحثا عن العدل والإحسان .
وداعا يا سيدي، إلى أمل لقياك في جنات الخلود مع سيدنا محمد أسوتك وقدوتك وملهمك الخير والرشاد .

محبك محمد بن عبد الرحيم

0 comentarios:

Publicar un comentario