هو أبو ذَرّ، ويقال أبو الذَرّ
جندب بن جنادة الغفاري.
*وقد كان آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، أسمر اللون نحيفًا، قال أبو قلابة
عن رجل من بني عامر: "دخلت مسجد مِنى فإذا شيخ معروق آدم
(أي أسمر
اللون)، عليه حُلَّة قِطْريٌّ، فعرفت أنه أبو ذَرّ بالنعت".
v
حال أبي ذر الغفاري في الجاهلية :
·
قبيلة غفار وحالتها :
ولد أبو ذر
في قبيلة غفار بين مكة والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة
بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة، وكان أبو ذَرّ
رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعًا يقطع الطريق وحده،
ويُغير على الناس في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق
الحي ويأخذ ما يأخذ.
·
تأله أبي ذر في الجاهلية :
ومع هذا كان أبو ذَرّ ممن تألّه [تنسك]: "أخذ أبو بكر
بيدي فقال: يا أبا ذر. فقلت: لبيك يا أبا بكر. فقال: هل كنت
تأله في جاهليتك؟ قلت: نعم، لقد رأيتني أقوم عند الشمس (أي عند شروقها)،
فلا أزال مصليًا حتى يؤذيني حرّها، فأخرّ كأني خفاء. فقال لي: فأين كنت توجَّه؟
قلت: لا أدري إلا حيث وجهني الله، حتى أدخل الله عليَّ الإسلام". في
الجاهلية، وكان يقول: لا إله إلا الله، ولا يعبد الأصنام.
v
بداية علاقته بالإسلام :
·
إرساله من يتفقد له حال النبي في مكة :
- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال أبو ذر
: كنت
رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى
هذا الرجل كلِّمه وَأْتني بخبره. فانطلق فلقيه، ثم رجع فقلت: ما عندك؟ فقال: والله
لقد رأيت رجلاً يأمر بالخير، وينهى عن الشر. فقلت له: لم تشفني من الخبر.
·
انطلاقه إلى مكة :
- يقول عن نفسه : فأخذت جرابًا وعصًا، ثم أقبلت
إلى مكة فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد.
قال: فمر بي عليٌّ
، فقال: كأن الرجل
غريب؟ قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء
ولا أخبره، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء. وكرم العربي يأبى عليه أن يسأل ضيفه عنه وما
يريد وفيما جاء
قال: فمر بي عليٌّ فقال: أما آن
للرجل أن يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أمرك؟ وما
أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليَّ أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت
له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني
من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، ادخل
حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامضِ
أنت. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي، فقلت له: اعرض عليَّ الإسلام.
فعرضه فأسلمت مكاني، فقال لي:
"يا أبا ذَرّ، اكتم
هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل".
·
صدعه بكلمة الحق بين قريش :
- فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخَنَّ بها بين
أظهرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله
إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا
فضُربت لأموت، فأدركني العباس فأكب عليَّ، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون
رجلاً من غفار، ومتجركم وممركم على غفار. فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت
فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنع بي مثل ما صنع
بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليَّ، وقال مثل مقالته بالأمس.
** وكان أبو ذرّ
من كبار الصحابة، قديم الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة
فكان خامسًا، وبعد أن أسلم آخى النبي بينه وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وهو
المُعْنِق ليموت.
v
نشاطه ف الدعوة :
منذ أسلم
أصبح من الدعاة إلى الله I، فدعا
أباه وأمه وأهله وقبيلته، ولما أسلم أبو ذر
قال: انطلق النبي وأبو بكر وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابًا،
فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، قال: فكان ذلك أول طعام أكلته بها، فلبثت ما لبثت،
فقال رسول الله: "إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل -ولا أحسبها إلا
يثرب- فهل أنت مبلغ عني قومك؛ لعل الله ينفعهم بك ويأجرك فيهم".
قال: فانطلقت حتى أتيت أخي
أنيسًا، قال: فقال لي: ما صنعت؟ قال: قلت: إني أسلمت وصدقت. قال: فما بي رغبة عن
دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. ثم أتينا أُمَّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني
قد أسلمت وصدقت. فتحملنا حتى أتينا قومنا غفارًا. قال: فأسلم بعضهم قبل أن يقدم
رسول الله المدينة، وكان يؤمِّهم خُفاف بن إيماء بن رَحَضَة الغفاري، وكان
سيِّدهم يومئذ، وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله أسلمنا. قال: فقدم رسول الله فأسلم
بقيتهم. قال: وجاءت "أسلم" فقالوا: يا رسول الله، إخواننا،
نُسلم على الذي أسلموا عليه. فقال رسول الله:
"غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".
v
ملازمة أبي ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
·
لما دخل المدين بعد هجرة النبي
صلى الله عليه وسلم أراد أن يلازمه ويكون له خادما وكان داخل أهل الصفة لفقره
وحاجته فلم يأت إلى المدينة إلا باللباس الذي عليه .
·
فكان للنبي أثرٌ كبير وواضحٌ في
حياة أبي ذر
؛ وذلك لقدم إسلامه،
وطول المدة التي قضاها مع النبي؛
- فعن حاطب قال: قال أبو ذر:
"ما ترك رسول الله شيئًا مما صبّه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- في صدره
إلا قد صبه في صدري".
- وعن أبي هريرة
قال: قال أبو ذَرّ
: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور، يصلون
كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يتصدقون بها. فقال رسول الله: "يا أبا ذَرّ، ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ
بمثل عملك؟" قال: بلى يا رسول الله. قال: "تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمده ثلاثًا وثلاثين، وتسبحه ثلاثًا
وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على
كل شيء قدير".
- وقال
عليه الصلاة والسلام أمرت بحب أربعة من أصحابي وأخبرني الله تعالى أنه يحبهم،
قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: علي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن
الأسود الكندي. إسناده ضعيف
·
مشاركته في غزوة تبوك :
- عن
عبد الله بن مسعود
قال: لما سار رسول الله إلى تبوك، جعل لا يزال
يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول:
"دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن
يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ". فتلوَّم أبو ذَرّ
على بعيره فأبطأ عليه، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره فخرج يتبع
رسول الله ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا
رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله:
"كن أبا ذَرّ".
فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو
-والله- أبو ذَرّ. فقال رسول الله:
"رحم الله أبا ذَرّ، يمشي وحده، ويموت وحده،
ويبعث وحده".
v
أهم ملامح شخصية أبي ذر الغفاري :
·
زهده وورعه
في الدنيا :
- فعنه قال: "كان قوتي على عهد رسول
الله صاعًا من التمر، فلست بزائدٍ عليه حتى ألقى الله تعالى".
- وهو القائل : ذو الدرهمين يوم القيامة أشد
حسابا من ذي الدرهم .
- أبو معاوية عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن خراش قال : رأيت أبا ذر بالربذة وعنده امرأة له سحماء أو شحباء ،
قال : وهو في مظلة سوداء ، قال فقيل له : يا أبا ذر ، لو اتخذت
امرأة هي أرفع من هذه ، قال : فقال : إني والله لأن أتخذ امرأة تضعني أحب إلي من
أن أتخذ امرأة ترفعني ، قالوا : يا أبا ذر ، إنك امرؤ
ما تكاد يبقى لك ولد ، قال : فقال : وإنا نحمد الله الذي يأخذهم منا في دار الفناء
ويدخر لنا في دار البقاء ، قال : وكان يجلس على قطعة المسح والجوالق ، قال :
فقالوا : يا أبا ذر لو اتخذت بساطا هو ألين [ ص: 184
] من بساطك هذا ، قال : فقال :
اللهم غفرا ، خذ ما أوتيت ، إنما خلقنا لدار لها نعمل وإليها نرجع .
- أبو معاوية عن الحسن عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه قال : بعث أبو الدرداء إلى أبي ذر رسولا ، قال : فجاء الرسول فقال لأبي ذر : إن أخاك أبا الدرداء يقرئك السلام ، يقول لك : اتق الله وحق
الناس ، قال : فقال أبو ذر : مالي وللناس ، وقد تركت لهم بيضاءهم
وصفراءهم ، ثم قال للرسول : انطلق إلى المنزل ، قال : فانطلق معه ، قال : فلما دخل بيته إذا طعيم في عباءة ليس بالكثير ،
وقد انتشر بعضه ، قال : فجعل أبو ذر يكنسه ويعيده في العباءة قال : ثم قال : إن من فقه المرء
رفقه في معيشته ، قال : ثم جيء طعيم فوضع بين يديه ، قال : فقال لي : كل ، قال :
فجعل الرجل يكره أن يضع يده في الطعام لما يرى من قلته ، قال : فقال له أبو ذر : ضع يدك ، فوالله لأنا بكثرته أخوف مني بقلته
، قال : فطعم الرجل ثم رجع إلى أبي الدرداء فأخبره بما رد عليه ، فقال أبو الدرداء : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي
لهجة أصدق منك يا أبا ذر .
- عن أبي بكر بن المنكدر قال : أرسل حبيب بن مسلمة وهو على الشام إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار ، فقال : استعن بها على حاجتك ، فقال أبو ذر : ارجع بها ، فما وجد أحدا أغر بالله منا ، ما
لنا إلا ظل نتوارى به ، وثلة من غنم تروح علينا ، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها ، ثم
إني لأتخوف الفضل .
- ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما فقال
له : أليس لك ثوب غير هذا لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين فأجابه أبو ذر
: يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج إليهما مني قال له : والله انك لمحتاج إليهما
فأجاب أبو ذر : اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى
لصلاة الجمعة ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه .
- فمن أقواله المشهورة : "حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يومًا شديد الحر لطول
يوم النشور، وصلوا ركعتين في سوداء الليل لوحشة القبور".
·
زهده
في الإمارة
- وعن
أبي ذَرّ
قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذَرّ، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من
أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها".
- قيل لأبي ذرٍّ
: ألا تتخذ أرضًا كما اتخذ طلحة والزبير؟ فقال:
"وما أصنع بأن أكون أميرًا، وإنما يكفيني كل يوم شربة من ماء أو نبيذ أو لبن،
وفي الجمعة قَفِيزٌ من قمح".
v
صدق اللهجة وصدعه بالحق:
- وفي حديث رواه بن سعد منقطعا
قال النبي عليه الصلاة والسلام من يوافيني على الحال الذي يفارقني عليه فقال أبو
ذر أنا يا رسول الله - : فقال له رسول الله:
"ما تقلّ الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة
أصدق وأوفى من أبي ذَرّ، شبيه عيسى ابن مريم".
قال: فقام عمر بن الخطاب
فقال: يا نبي الله، أفنعرف ذلك له؟ قال:
"نعم، فاعرفوا له".
** وهو الذي روى عن النبي، سائلا إياه أي العمل
أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها". قلت: فإن لم أفعل. قال: "تعين ضَايِعًا أو تصنع لأخرق". قلت: فإن لم أفعل. قال: "تدع الناس من الشر؛ فإنها صدقة تصدق بها على
نفسك". رواه البخاري
- عن
صدقة بن أبي عمران بن حطان قال: أتيت أبا ذَرّ فوجدته في المسجد مختبئًا بكساء أسود
وحده، فقلت: يا أبا ذَرّ، ما هذه الوحدة؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: "الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من
السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر".
- فعاش
أبو ذر رضي الله عنه مقتديا بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو يقول : أوصاني خليلي بسبع أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى
من هو دوني ولا أنظر إلى منهو فوقي ، وأمرني إلا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم
، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني إلا أخاف في الله لومه لائم ، وأمرني أن
أكثر من : لا حول ولا قوة إلا بالله وعاش على هذه الوصية
- لذلك كان يقول أبو ذر لمانعيه عن
الفتوى : والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها
من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها
·
موقفه
من الفساد في عهد عثمان :
- وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال له يا أبا ذر : إِذَا
رَأَيْتَ الْبِنَاءَ قَدْ بَلَغَ سَلْعًا فَاخْرُجْ مِنَ الْمَدِينَةِ ،
وَوَجَّهَ بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ ، وَلا أَرَى أُمَراءَكَ يَدَعُوكَ وَرَأْيَكَ
، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
أَفَلا أَضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي ، وَأَضْرِبُ بِهِ مَنْ حَالَ بَيْنِي
وَبَيْنَ أَمْرِكَ ، قَالَ : لا ، وَلَكِنْ إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ
حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ . قَالَ
: فَلَمَّا بَلَغَ الْبِنَاءُ سَلْعًا خَرَجَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ ، فَكَتَبَ
مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ يَشْكُوهُ ، يَذْكُرُ أَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ
النَّاسَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمْ ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ
عَلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَقِمْ تَغْدُو
عَلَيْكَ اللِّقَاحُ وَتَرُوحُ ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : لا حَاجَةَ لِي فِيهَا ،
هِيَ لَكُمْ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَدِمَ
الرَّبَذَةَ وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيُّ أَمِيرٌ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ ،
فَقَالَ لأَبِي ذَرٍّ : تَقَدَّمْ ، فَقَالَ : لا ، إِنِّي أُمِرْتُ إِنْ أُمِّرَ
عَلَيَّ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ أَنْ أَسْمَعَ لَهُ وَأُطِيعَ ، فَتَقَدَّمَ
الْحَبَشِيُّ " .
ينتقل الزاهد الورع خليفة وأمير
المؤمنين عمر بن الخطاب
إلى جوار ربه ورسوله، تاركًا خلفه فراغًا هائلاً، ويبايع
المسلمون عثمان بن عفان
وتستمر الفتوحات وتتدفق الأموال من البلاد المفتوحة،
فارس والروم ومصر، وظهرت بين العرب طبقات غنية كنزت الأموال، وبنت القصور، وعاشت
عيشة الأمراء، كما ظهرت بجانبهم طبقات فقيرة لا تجد ما تقتات به.
وبدأ أبو ذر بالشام أكبر المعاقل سيطرة ورهبة هناك حيث معاوية بن أبي سفيان
وجد أبو ذر رضي الله عنه فقر وضيق في جانب وقصور وضياع في الجانب الأخر
* فصاح
بأعلى صوته : عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج
على الناس شاهرا سيفه ثم ذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم, بوضع الأناة مكان الانقلاب،
فيعود إلى منطق الإقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا
شركاء بالرزق ، إلى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول صلى الله عليه
وسلم في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه : أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول
وهو بين ظهرانيهم ويجيب عنهم، نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن وشهدتم مع الرسول المشاهد،
ويعود بالسؤال : أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية
(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 34 يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ
لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)
فيقول معاوية : لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب فيصيح أبو ذر لا بل أنزلت لنا ولهم
) ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه : إن أبا ذر
قد أفسد الناس بالشام فيكتب عثمان إلى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود إلى المدينة
، ويقول للخليفة بعد حوار طويل : لاحاجة لي في دنياكم وطلب الإذن بالخروج إلى
( الربذة )
فأبو ذر لا يريد الدنيا بل لا يتمنى الإمارة
لأصحاب رسول الله ليظلوا روادا للهدى
-
لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه
يريد ضمه فقال له أبو ذر : لست أخاك ، إنما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا ...
-
كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا فأزاحه عنه وقال : إليك عني ، ألست الذي وليت الإمارة ، فتطاولت في البنيان واتخذت
لك ماشية وزرعا وعرضت عليه إمارة العراق فقال : لا والله لن تميلوا علي بدنياكم أبدا .
اقتدائه بالرسول صلى الله عليه وسلم
·
وما خرج أبو ذر مجلسا إلا فروا منه خوفا على مصالحهم :
- ويروي
الأحنف بن قيس قال : كنت جالسا في مسجد المدينةفأقبل رجل لا تراه [ ص: 185 ] حلقة إلا فروا منه حتى انتهى إلى
الحلقة التي كنت فيها ، فثبت وفروا ، فقلت : من أنت ؟ فقال : أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ما يفر الناس
منك ؟ فقال : إني أنهاهم عن الكنوز ، فقلت : إن أعطياتنا قد بلغت وارتفعت فتخاف
علينا منها ؟ قال : أما اليوم فلا ، ولكنها يوشك أن تكون أثمان دينكم فدعوهم
وإياها .
·
موقفi من الثورات :
* أتى أبا ذر وفدٌ من الكوفة وهو
في الرَّبَذَة، يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد عثمان بن عفان
، فزجرهم بكلمات حاسمة
قائلاً: "والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أو جبل لسمعت وأطعت
وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي، ولو سيَّرني ما بين الأفق إلى الأفق، لسمعت
وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت وأطعت وصبرت
واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي".
وهكذا أدرك ما تنطوي عليه الفتنة
المسلحة من وبال وخطر؛ فتحاشاها.
v
وفاة أبي ذر الغفاري :
في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي
فيسألها : فيم البكاء والموت حق فتجيبه بأنها تبكي : لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك
كفنا فيبتسم ويطمئنها ويقول لها : لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده
عصابة من المؤمنين , وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق
منهم غيري ، وهاأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين
، فاني والله ما كذبت ولا كذبت وفاضت روحه إلى الله وصدق فهذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى
رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أن يرى وجه أبي ذر
حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول صدق رسول الله تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وبدأ يقص
على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك.
·
تُوفِّي أبو ذر الغفاري
بالرَّبَذَة سنة 32هـ/ 652م.
0 comentarios:
Publicar un comentario