
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا
حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
(18)[1]
القرآن
يضرب الأمثال :
- ولا يكون (المثل) إلا فيما فيه غرابة ثم استعير للصفة أو الحال أو
القصة إذا كان لها شان عجيب وفيها غرابة ، وعلى هذا المعنى يحمل المثل في هذه الآية
، وإنما تضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفي وتقريب المعقول من المحسوس ، وعرض الغائب
في صورة الشاهد ، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس
.[2]
في
ذكر المنافقين من اليهود الذين كانوا ينتظرون رسالة محمد فلما جاءت كفروا بها :
يقول
الحقّ جلّ جلاله: مثل هؤلاء المنافقين من اليهود { كَمَثَلِ } رجل في ظلمة ، تائه في
الطريق ، فاستوقد ناراً ليبصر طريق القصد { فَلَمَّا } اشتغلت و {أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ}
فأبصر الطريق ، وظهرت له معالم التحقيق ، أطفأ الله تلك النار وأذهب نورها ، ولم يبق
إلا جمرها وحرّها . كذلك اليهود كانوا في ظلمة الكفر والمعاصي ينتظرون ظهور نور النبيّ
صلى الله عليه وسلم ويطلبونه ، فلما قدم عليهم ، وأشرقت أنواره بين أيديهم كفروا به
، فأذهب الله عنهم نوره ،{وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ}. الكفر والشك والنفاق.[3]
فالحق
سبحانه وتعالى، يريد أن يعطينا صورة.. عما في داخل قلوب هؤلاء :
فالحق سبحانه وتعالى.. يريد أن يعطينا صورة.. عما في داخل قلوب المنافقين..
من اضطراب وذبذبة وتردد في استقبال منهج الله.. وفي الوقت نفسه ما يجري في القلوب غيب
عنا.. وأراد الله أن يقرب هذا المعنى إلينا..
·
وجه التشبيه بهذا المستوقد أنه لما زال النور عنه تحير ، والتحير فيمن
كان في نور ثم زال عنه أشد من تحير سالك الطريق في ظلمة مستمرة.[4]
ونلاحظ
هنا دقة التعبير القرآني.. في قوله تعالى: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) ولم يقل ذهب
الله بضوئهم.. مع أنهم أوقدوا النار ليحصلوا على الضوء.. ما هو الفرق بين الضوء والنور؟..
إذا قرأنا قول الحق سبحانه وتعالى:{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ
نُوراً }[يونس: 5]
نجد أن الضوء أقوى من النور.. والضوء لا يأتي إلا من إشعاع ذاتي.. فالشمس ذاتية
الإضاءة.. ولكن القمر يستقبل الضوء ويعكس النور.. وقبل أن تشرق الشمس تجد في الكون
نورا.. ولكن الضوء يأتي بعد شروق الشمس.. فلو أن الحق تبارك وتعالى قال ذهب الله بضوئهم..
لكان المعنى أنه سبحانه ذهب بما يعكس النور.. ولكنه أبقى لهم النور.. ولكن قوله تعالى:
(ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) ... معناها أنه لم يبق لهم ضوءا ولا نورا.. فكأن قلوبهم
يملؤها الظلام...
مع كونهم استوقدوا النار للإضاءة لا لمجرد
الدفئ
·
لذلك قال { بِنُورِهِمْ } ولم يقل بنارهم ، لأن إيقاد النار يكون للإِضاءة وللإِحراق والمقصود من
إيقاد النار الواردة في المثل إنما هو الإِضاءة .[6]
·
وأورد الظلمات بصيغة الجمع للمبالغة في شدتها ، فكأنها لشدة كثافتها ظلمات بعضها
فوق بعض ، وأكد هذا بقوله { لاَّ يُبْصِرُونَ } أي : أن هذه الظلمات بالغة في الشدة
حتى أولئك المحاطين بها لا يتأتى لهم أن يبصروا
- الإشارة [7]:
مَثَلُ مَنْ كان في ظلمات الحجاب قد أحاطت به الشكوك والارتياب ، وهو يطلب من يأخذ
بيده ويهديه إلى طريق رشده ، فلما ظهرت أنوار العارفين ، وأحدقت به أسرار المقربين
، حتى أشرقت من نورهم أقطارُ البلاد ، وحَيِيَ
بهم جلّ العباد ، أنكرهم وبعد منهم ، فتصامم عن سماع وعظهم ، وتباكَمَ عن تصديقهم ،
وعَمِيَ عن شهود خصوصيتهم ، فلا رجوع له عن حظوظه وهواه ، ولا انزجار له عن العكوف
على متابعة دنياه ، مثله كمن كان في ظلمات الليل ضالاً عن الطريق ، فاستوقد ناراً لتظهر
له الطريق ، فلما اشتعلت وأضاءت ما حوله أذهب الله نورها ، وبقي جمرها وحرّها ، وهذه
سنة ماضية : لا ينتفع بالولي إلا مَن كان بعيداً منه .
- وفي الحديث
: «أزْهَدُ النَّاسِ في العَالِم جيرانُه» ، وقد مَثَّلُوا الولي بالنهر الجاري كلما
بَعُدَ جَرْيُه عَمَّ الانتفاعُ به ، ومثَّلوه أيضاً بالنخلة لا تُظِلُّ إلا عن بُعْد
. والله تعالى أعلم .
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
غاية
الحواس هو (الانتفاع بها) لا مجرد وجودها :
ولكنه تعالى بين
في موضع أخر أن معنى صممهم ، وبكمهم ، وعماهم ، هو عدم انتفاعهم بأسماعهم ، وقلوبهم
، وأبصارهم
-
وذلك في قوله جل وعلا : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً
فَمَآ أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ
إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ الله وَحَاقَ بِه مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
} [ الأحقاف : 26 ] .
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ
بِالْكَافِرِينَ (19).

ضرب
المثل لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بالمطر
* وقد ضرب الله
في هذه الآية مثلاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم بالمطر. لأن بالعلم
والهدى حياة الأرواح ، كما أن بالمطر حياة الأجسام .
- وأشار
إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جل وعلا : { والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي
خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [ الأعراف : 58 ] .
- وقد أوضح
صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه
، حيث قال صلى الله عليه وسلم: « إن مثل ما بعثني الله به من
الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضاً . فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأَ
والعشب الكثير ، وكانت منها أَجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها ،
وسقوا وزرعوا ، وأَصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً
. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به ، فعلم وعلَّم ، ومثل من لم
يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أَرسلت به».

ضرب الله تعالى في هذه الآية المثل لما يعتري الكفار والمنافقين
من الشبه والشكوك في القرآن ، بظلمات المطر المضروب مثلاً للقرآن ، وبين بعض المواضع
التي هي كالظلمة عليهم ، لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر.
- لقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن
يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ
عَلَى الذين هَدَى الله } [ البقرة : 143 ] . لأن نسخ القبلة يظن بسببه ضعاف اليقين
أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ليس على يقين من أمره حيث يستقبل يوماً جهة ، ويوماً
آخر جهة أخرى كما قال تعالى : { سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس مَا وَلاَّهُمْ
عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا } [ البقرة : 143] .
- وكقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً
لِّلنَّاسِ والشجرة الملعونة فِي القرآن } [ الإسراء : 60 ] لأن ما رآه
ليلة الإسراء والمعراج من الغرائب والعجائب كان سبباً لاعتقاد الكفار أنه صلى الله
عليه وسلم كاذب
* لأن النَّبي صلى
الله عليه وسلم لما قرأ { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم } [ الصافات
: 64 ] قالوا : ظهر كذبه . لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار
.
- وكقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ
كَفَرُواْ } [ المدثر : 31 ] . لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ قوله تعالى : {عَلَيْهَا
تِسْعَةَ عَشَرَ} [ المدثر: 30] . قال بعض رجال قريش : هذا عدد قليل فنحن قادرون على قتلهم
، واحتلال الجنة بالقوة . لقلة القائمين على النار التي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم
أنا سندخلها .
والله تعالى إنما يفعل ذلك اختباراً
وابتلاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك كله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً

ضرب الله المثل بالرعد لما في القرآن
من الزواجر التي تقرع الآذان وتزعج القلوب .
- كقوله أخر كقوله : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ
صَاعِقَةً } [ فصلت :
13 ]
- وكقوله : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً
فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ } [ النساء : 47 ] الآية
- وكقوله : { إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ
يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [ سبأ : 46 ] .
- وقد ثبت
في صحيح البخاري في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور
. فلما بلغ هذه الآية { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون } [ الطور : 35 ] - إلى قوله - { المسيطرون } [ الطور : 37 ] كاد قلبي أن يطير .
إلى غير ذلك من قوارع القرآن وزواجره ، التي خوفت
المنافقين حتى قال الله تعالى فيهم : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ
هُمُ العدو } [ المنافقون : 4 ] ، والآية التي نحن بصددها ، وإن كانت في المنافقين ، فالعبرة
بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب .

ضرب تعالى المثل بالبرق لما في القرآن من نور الأدلة القاطعة
والبراهين الساطعة . وقد صرح بأن القرآن نور
يكشف الله به ظلمات الجهل والشك والشرك .
كما تكشف بالنور الحسي ظلمات
الدجى
- كقوله : { وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً
مُّبِيناً } [ النساء
: 174 ]
- وقوله : { ولكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي
بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } [ الشورى : 52 ]
- وقوله
: { واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ } [ الأعراف : 157 ] .

أنهم
يفعلونه خوفا من الموت.
لأن الرعد والبرق يصاحبهما الصواعق
أحيانا، ولذلك فإنهم من مبالغتهم في الخوف يحس كل واحد منهم أن صاعقة ستقتله.. فكأنهم
يستقبلون نعمة الله سبحانه وتعالى بغير حقيقتها.. هم لا يرون النعمة الحقيقية في أن
هذا المطر يأتي لهم بعوامل استمرار الحياة. ولكنهم يأخذون الظاهر في البرق والرعد.
أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن البرق الذي هو وقتي وزمنه
قليل. هو الذي يسترعي انتباههم. ولو آمنوا لأضاء نور الإيمان والإسلام طريقهم. ولكن
قلوبهم مملوءة بظلمات الكفر فلا يرون طريق النور..

* قال بعض العلماء
: محيط بالكافرين : أي مهلكهم .
- ويشهد
لهذا القول قوله تعالى : { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] أي : تهلكوا عن آخركم ... لأن الهالك لا يهلك حتى يحاط به من جميع الجوانب
، ولم يبق له منفذ للسلامة ينفذ منه . وكذلك المغلوب . ومنه قول الشاعر :
أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا ... بما قد رأوا
مالوا جميعاً إلى السلم
·
ومنه أيضاً بمعنى الهلاك .
- قوله تعالى : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [ الكهف : 42 ] الآية .
- وقوله تعالى
: { وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } [ يونس : 22 ] الآية .
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا
فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ
وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)

أي : يكاد نور القرآن
لشدة ضوئه يعمي بصائرهم ، كما أن البرق الخاطف الشديد النور يكاد يخطف بصر ناظره ،
ولا سيما إذا كان البصر ضعيفاً . لأن البصر كلما كان أضعف كان النور أشد إذهاباً له
.
- وبصائر الكفار والمنافقين في غاية الضعف . فشدة
ضوء النور تزيدها عمى .
- وقد صرح تعالى بهذا العمى في قوله : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ
الحق كَمَنْ هُوَ أعمى } [ الرعد : 19 ]
-
وقوله : { وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير
} [ فاطر : 19 ] .....

المنافقون يميلون مع أهوائهم
:
ضرب الله في هذه
الآية المثل للمنافقين بأصحاب هذا المطر إذا أضاء لهم مشوا في ضوئه وإذا أظلم وقفوا
، كما أن المنافقين ، إذا كان القرآن موافقاً لهواهم ورغبتهم عملوا به ، كمناكحتهم
للمسلمين وإرثهم لهم ، والقسم لهم من غنائم المسلمين ، وعصمتهم به من القتل مع كفرهم
في الباطن ، وإذا كان غير موافق لهواهم ، كبذل الأنفس والأموال في الجهاد في سبيل الله
المأمور به فيه وقفوا وتأخروا .
- وقد
أشار تعالى إلى هذا بقوله : { وَإِذَا
دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ
وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } [النور : 48-49] .
يعبدون الله على حرف
وقال بعض العلماء : { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } أي : إذا
أنعم الله عليهم بالمال والعافية قالوا : هذا الدين حق ، ما أصابنا منذ تمسكنا به إلا
الخير ، { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } أي : وإن أصابهم فقر أو مرض أو ولدت
لهم البنات دون الذكور . قالوا : ما أصابنا هذا إلا من شؤم هذا الدين وارتدوا عنه
.
- وهذا الوجه يدل له قوله تعالى : { وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ
خَيْرٌ اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ خَسِرَ الدنيا والآخرة
ذلك هُوَ الخسران المبين } [ الحج : 11 ] .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ
رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)

الآية خطاب للعالمين :
أن الله سبحانه
وتعالى حينما يقول " يا أيها الناس " إنما يخاطب كل الناس، فإذا أراد الحق
سبحانه وتعالى مخاطبة المؤمنين قال: " يا أيها الذين آمنوا " أي يا أيها
الذين آمنتم بالله إلها، ودخلتم معه في عقد إيماني.

والفراش:
الوطاء، والمعنى: أنهم يفترشونها ويستقرون عليها، وما ليس منها بفراش كالجبال
والبحار فهو من مصالح ما يفرش لأن الجبال للأرض كالأوتاد، كما قال تعالى:(وَالْجِبَالَ أَوْتَادً)[8]
صلاحية الأرض للحياة دون
غيرها :
والأرض هي المكان
الذي يعيش في الناس ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه خلق الأرض أو أوجدها. إذن فهي آية ربوبية
لا تحتاج لكي نتنبه إليها إلى جهد عقلي. لأنها بديهات محسومة لله سبحانه وتعالى. وقوله
تعالى: " فراشا " توحي بأنه أعد الأرض إعداداً مريحاً للبشر. كما تفرش على
الأرض شيئا، تجلس عليه أو تنام عليه، فيكون فراشا يريحك.[9]
- كقوله
تعالى : (والأرض وضعها للأنام)
- كقوله تعالى : (والأرض وضعها للأنام * فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام *
والحب ذو العصف والريحان * فبأي آلاء ربّكما تكذّبان (سورة الرحمن، الآيات: 10 ـ 13.
وفكرة أن حياة
قد تنمو في كواكب أخرى غير الأرض قديمة
الأزل، ولكنها في البداية كانت في إطار الفلسفة بقدر ما كانت في إطار العلم المادي.[a] وبعد ذلك، شهدت نهاية القرن الواحد والعشرون فتحين في هذا
المجال، فقد قدمت البيانات الصادرة من عمليات رصد الكواكب والأقمار الأخرى في
النظام الشمسي والاستكشافات التي تقوم بها المركبات الفضائية الآلية (المسبار) في هذا الصدد، قدمت معلومات في
غاية الأهمية بالنسبة لتحديد معايير قابلية السكن، كما سمحت أيضًا بعقد مقارنات في
فيزياء الأرض بين كوكب الأرض وأجرام أخرى.[10]
وعلماء الفلك
اكتشفوا ما يزيد على 1700 كوكب خارج المجموعة الشمسية , والكثير منها حار جداً أو
بارد جداً مما يجعلها غير صالحة للحياة , لكنهم وجدوا أيضاً بعض الكواكب التي من
الممكن ان تكون أكثر صلاحية للحياة من غيرها .
في عام 2012 قام العلماء بنشر قائمة بأهم 5
كواكب خارج المجموعة الشّمسيّة التي من المحتمل أن تكون صالحة للحياة

- ويقول
الطاهر ابن عاشور ـ رحمه الله: والمراد بالسماء هنا إطلاقها العرفي عند العرب، وهو
ما يبدو للناظر كالقبة الزرقاء وهو كرة الهواء المحيط بالأرض[11]
*
السماء للأرض كالسقف للبيت، ولهذا قال ـ الله ـ تعالى ( وَجَعَلْنـَا
السَّمَآءَ سَقْفًا مَحْفـُوظً) ، وكل ما علا فأظل قيل له سماء ...
* والبناء يفيد المتانة والتماسك.
أي أن السماء ـ وهي فوقك ـ لا نرى شيئا يحملها حتى لا تسقط عليك. إنها سقف متماسك متين..
- ويؤكد الحق هذا المعنى بقوله تعالى:{ وَيُمْسِكُ
السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [الحج: 65]
- وفي آية أخرى يقول:{ وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ
سَقْفاً مَّحْفُوظاً }[الأنبياء: 32]
والهدف من هذه الآيات كلها. أن نطمئن ونحن
نعيش على الأرض أن السماء لن تتساقط علينا لأن الله يحفظها.[12]
إشارات إعجازية عن السماء:
الأية
تتحدث عن نشأة الغلاف السطحي لكوكب الأرض والغلاف الجوي الواقي والحامي
-
يحمي الغلاف الجوي سطح الكرة الأرضية من تساقط بقايا الشهب والنيازك من
الفضاء الخارجي، حيث ينتج عن احتكاك هذه البقايا الكونية بالغلاف الجوي احتراقها
قبيل وصولها إلى سطح الأرض.
-
وفي الغلاف الجوي أيضا تهب الرياح والعواصف، وتتكون السحب وتسقط الأمطار، وتتكون
تبعا لذلك الموارد المائية على سطح الأرض.
-
كما أن بعض غازات الهواء (الأكسجين) يعتمد عليه كل من الإنسان والحيوان في
عمليات التنفس .
- وينظم الغلاف الجوي القوة الكاملة
للإشعاع الشمسي الساقط على الأرض، كما يمنع الفقدان الكلي للإشعاع الأرضي المرتد
من سطح الأرض إلى أعالي الغلاف الجوي .
- ومن ثم ينظم الغلاف الجوي درجات الحرارة، بحيث
تصبح مناسبة تماماً لحياة الإنسان، وإذا ما تخيلنا عدم وجود الغلاف الجوي حول
الأرض لارتفعت درجة حرارة سطح الأرض إلى نحو 220 ف، أثناء النهار، وانخفضت هذه
الحرارة إلى أقل من 300 تحت الصفر أثناء الليل، ويصبح المدى الحراري اليومي كبيراً
جداً كمثل ذلك الذي يتمثل فوق بعض كواكب المجموعة الشمسية، وتحت هذه الظروف
الأخيرة تنعدم الحياة البشرية على سطح الأرض .
·
وقد اتضح بأن معظم كواكب المجموعة الشمسية ليس لها
غلاف جوي[13]
من مجرد
فضاء إلى بناء
في البداية
ظن العلماء أن الكون في معظمه فراغ، فأطلقوا عليه اسم (فضاء)، وبقي هذا المصطلح
صحيحاً حتى وقت قريب، ولكن في أواخر القرن العشرين، اكتشف العلماء شيئاً جديداً
أسموه (البناء الكوني)، حيث تبين لهم يقيناً أن الكون عبارة عن بناء محكم لا وجود
للفراغ فيه أبداً، فبدأوا باستخدام كلمة (بناء)، ولو تأملنا كتاب الله تعالى وجدنا
أنه استخدم هذه الكلمة قبل علماء الغرب بقرون طويلة
ولأن الذين آمنوا يعرفون هذا فإنهم يحبون الله حبا شديداً، والذين كفروا
رغم كل ما يدعون فإنهم ساعة العسرة يلجأون إلى الله سبحانه وتعالى باعتباره وحده
الملجأ والملاذ.
- واقرأ قوله تبارك وتعالى:{ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا
لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ
كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىا ضُرٍّ مَّسَّهُ }[يونس: 12]
* لماذا لم يستدع الأنداد؟ لأن الإنسان لا يغش نفسه أبداً في ساعة الخطر،
ولأن هؤلاء يعرفون بعقولهم أنه لا يمكن أن يوجد لله أنداد. ولكنه يتخذهم لأغراض
دنيوية. فإذا جاء الخطر. يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى. لأنه يعلم يقينا أنه وحده
الذي يكشف الضر، فحلاق الصحة الذي يعالج الناس دجلا. إذا مرض ابنه أسرع به إلى
الطبيب لأنه يغش الناس. ولكنه لا يمكن أن يغش نفسه.
- ولقد كان الأصمعي واقفاً عند
الكعبة، فسمع إعرابياً يدعو ويقول: " يا رب أنت تعلم أني عاصيك وكان من حقك علي ألا أدعوك وأنا عاص.
ولكني أعلم أنه لا إله إلا أنت فلمن أذهب. " فقال الأصمعي: يا هذا إن الله
يغفر لك لحسن مسألتك ".
- كما قال الشاعر :
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد
علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم
أشار في هذه الآية إلى براهين وجود الله تعالى :
- أولها: أنه استدل على التوحيد بأنفسهم، وإليه
الإشارة بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ}.
- ثانيها: بأحوال آبائهم وأجداهم، وإليه الإشارة
بقوله: {وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}.
- ثالثها: بأحوال أهل الأرض، وإليه الإشارة بقوله:
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً}
- رابعها: بأحوال أهل السماء، وإليه الإشارة بقوله:
{وَالسَّمَاء بِنَاء}.
- خامسها: بالأحوال الحادثة المتعلقة بالسماء
والأرض، وإليه الإشارة بقوله: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ
مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ}. فإن
السماء كالأب، والأرض كالأم، تنزل قطة من صلب السماء إلى رحم الأرض، فيتولد منها
أنواع النبات.
·
ولما ذكر تعالى هذه الدلائل الخمسة رتب
المطلوب عليها فقال:

" أندادا " جمع نِدّ، والند هو النظير أو الشبيه.
- ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي تعرفون هذا جيداً بعقولكم لأن طبيعة العقل ترفض
هذا تماماً.
أشار في هذه الآية إلى ثلاثة
براهين من براهين البعث بعد الموت
* البرهان الأول : خلق الناس أولاً المشار إليه بقوله : { اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ }
لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على
الإيجاد الثاني ، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة
-
كقوله : { وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } [ الروم : 27 ]
-
وقوله : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [ الأنبياء : 104 ] ،
-
وكقوله : { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الإسراء
: 51 ]
-
وكقوله : { ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } [ الحج : 5 ]
-
وكقوله : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى } [ الواقعة : 62 ] الآية .
ولذا ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول ،
كما في قوله: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } [ يس :
* البرهان الثاني : خلق السموات والأرض المشار إليه بقوله : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً والسماء بِنَآءً } .
لأنهما من أعظم
المخلوقات ، ومن قدر على خلق الأعظم ، فهو على غيره قادر من باب أحرى . وأوضح الله
تعالى هذا البرهان في آيات كثيرة..
-
كقوله تعالى : { لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس
} [ غافر : 57 ] ،
-
وقوله : { أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ
مِثْلَهُم بلى وَهُوَ الخلاق العليم } [ يس : 81 ]
-
وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ
يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى بلى } [ الأحقاف : 33 ] ،
-
وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض قَادِرٌ
على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ }
* البرهان الثالث : إحياء الأرض بعد موتها . فإنه من أعظم الأدلة على البعث بعد الموت ،
كما أشار له هنا بقوله : { وَأَنزَلَ
مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ } .
-
كقوله : { وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت
وَرَبَتْ إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
} [ فصلت : 39 ]
-
وقوله : { وَأَحْيَيْنَا
بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الخروج } [ ق : 11 ]
-
وقوله : { وَيُحْيِي
الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } [ الروم : 19 ]
-
وقوله تعالى : { حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ
مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات كذلك نُخْرِجُ
الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 57 ] ، إلى غير
ذلك من الآيات .
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (23)

لم يصرح هنا باسم هذا العبد الكريم ، صلوات الله وسلامه عليه
، وصرح باسمه في موضع آخر
وهو قوله : { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ } [ محمد : 2 ] صلوات الله
وسلامه عليه .
و الخطاب هنا لكل كافر ومنافق غير مؤمن، لأن الذين آمنوا بالله ورسوله
ليس في قلوبهم ريب، بل هم يؤمنون بأن القرآن موحى به من الله، مبلغ إلي محمد صلى الله
عليه وسلم بالوحي المنزل من السماء.
والريب: هو الشك. وقوله تعالى: "إن كنتم في ريب" أي إن كنتم في شك. من أين يأتي هذا الشك والمعجزة تحيط بالقرآن وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟ ما هي مبررات الشك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب ولم يعرف بالبلاغة والشعر بين قومه حتى يستطيع أن يأتي من عنده بهذا الكلام المعجز الذي لم يستطع فطاحل شعراء العرب الذين تمرسوا في البلاغة واللغة أن يأتوا بآية من مثله.
والريب: هو الشك. وقوله تعالى: "إن كنتم في ريب" أي إن كنتم في شك. من أين يأتي هذا الشك والمعجزة تحيط بالقرآن وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟ ما هي مبررات الشك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب ولم يعرف بالبلاغة والشعر بين قومه حتى يستطيع أن يأتي من عنده بهذا الكلام المعجز الذي لم يستطع فطاحل شعراء العرب الذين تمرسوا في البلاغة واللغة أن يأتوا بآية من مثله.
وهؤلاء المرتابون لم يجدوا حجة يواجهون بها القرآن، فقالوا ساحر، وهل
للمسحور إرادة مع الساحر؟ إذا كان ساحرا فلماذا لم يسحركم أنتم؟ وقالوا مجنون.
والمجنون يتصرف بلا منطق .. يضحك بلا سبب. ويبكي بلا سبب. ويضرب الناس بلا سبب.
ولذلك رد الحق سبحانه عليهم بقوله تعالى.
والتحدي هنا عجيب , والجزم بعدم
إمكانه أعجب , ولو كان في الطاقة تكذيبه ما توانوا عنه لحظة . وما من شك أن تقرير
القرآن الكريم أنهم لن يفعلوا , وتحقق هذا كما قرره هو بذاته معجزة لا سبيل إلى
المماراة فيها . ولقد كان المجال أمامهم مفتوحا , فلو أنهم جاءوا بما ينقض هذا
التقرير القاطع لأنهارت حجية القرآن ولكن هذا لم يقع ولن يقع كذلك فالخطاب للناس
جميعا , ولو أنه كان في مواجهة جيل من أجيال الناس ...[15]
والحق سبحانه وتعالى تدرج في
التحدي مع الكافرين.
فطلب منهم أن يأتوا بمثل
القرآن، ثم طلب عشر سور من مثله. ثم تدرج في التحدي فطلب سورة واحدة. والنزل في
التحدي من القرآن كله إلي عشر سور. إلي سورة واحدة.
وكلمة بمثل معناها: أن الحق سبحانه وتعالى يطلب المثيل ولا يطلب نص القرآن وهذا إمعان
وزيادة في إظهار عجز القوم الذين لا يؤمنون بالله ويشككون في القرآن.
فلسفة
التحدي ومعناها :
- وموضوع التحدي ليس بالإتيان بمثل هذا القرآن كله فحسب بل وصل التحدي
إلى الإتيان بمثل آية واحدة فقط كما ورد في موضع آخر من القرآن .
قد يأتي أي إنسان ويصيغ
جملة عربية براقة ، ويقول وبكل بساطة : (هذه آية ألفتها أنا من عندي) ، ! !
! أيضا وبكل بساطة نرد عليه ونقول : (وأين إن شاء الله سيكون موقع الآية
داخل المنظومة القرآنية المذهلة ، فإن أي كلمة أو حتى حرف واحد يضاف إلى القرآن
أو يحذف ، ستنهار هذه المنظومة برمتها ولا وجود إطلاقا لأي دخيل ولو كان
حرفا واحدا
القرآن الكريم منظومة عددية رقمية مترابطة ، في سوره وآياته وكلماته
وحروفه. هذا من الجانب العددي، أما من الجانب اللغوي البلاغي فلا تكفي كل صفحات
هذا الموقع لشرحها ، وأذكر أنني قمت بمشاهدة ومتابعة محاضرة للشيخ الجليل محمد
متولي الشعراوي ، كان الكلام كله يدور حول حرف واحد في القرآن .
والأسباب الأخرى من الناحية المنطقية ، أنه حتى هذه
اللحظة لم يستطع أحد أن يؤلف كتابا مثل القرآن ، وهذا دليل منطقي على استحالة
الإتيان بمثل هذا القرآن .
إن معجزة الأرقام في القرآن الكريم
موضوع مذهل حقاً ،وقد بدأ بعض العلماء المسلمين بدراستها عن طريق أحدث الآلات
الإحصائية والحواسيب الكترونية ما أمكن دراسةوإنجاز هذا الإعجاز الرياضي الحسابي
المذهل.
فهذا الإعجاز مؤسس على أرقام
،والأرقام تتكلم عن نفسها، فلا مجال هنا للمناقشة، ولا مجال لرفضها، وهي تثبت
إثباتاً لا ريب فيه أن القرآن الكريم هو {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ
فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود:
لا شك أنه من عند الله تعالى ،وأنه
وصلنا سالماً من أي تحريف أو زيادة أو نقص . فنقص حرف واحد أو كلمة واحدة أو
زيادتها، يخل بهذا الإحكام الرائع للنظام الحسابي له.
وقد شاء الله تعالى أن تبقى معجزة
الأرقام سراً حتى اكتشاف الحواسيب الإلكترونية.
وهذه بعض من هذه الإحصائيات العددية
لكلمات القرآن الكريم.
فهناك
كلمات متقابلة تتكرر بشكل متساوٍ في القرآن الكريم منها على سبيل المثال:
الحياة
تكررت 145مرة ....... الموت تكررت 145مرة
الصالحات
تكررت 167 مرة ....... السيئات تكررت 167مرة
الدنيا
تكررت 115مرة .......الآخرة تكررت 115مرة
الملائكة
تكررت 88 مرة .......الشيطان تكررت 88 مرة
المحبة
تكررت 83 مرة ....... الطاعة تكررت 83 مرة
الهدى
تكررت 79 مرة .......الرحمة تكررت 79 مرة
الشدة
تكررت 102 مرة .......الصبر تكررت 102 مرة
السلام
تكررت 50 مرة .......الطيبات تكررت 50 مرة
تكررت
كلمة الجهر 16مرة ...... العلانية تكررت 16مرة
إبليس
تكررت 11 مرة ...... الاستعاذة بالله تكررت 11مرة
تكررت جهنم ومشتقاتها 77مرة ....... الجنة
ومشتقاتها تكررت 77مرة
·
قد وردت كلمة البر 12 مرة وبضمنها كلمة يبسا
( بمعنى البر ) بينما بلغ تكرار كلمة البحر 32 مرة (وفي ذلك إشارة إلى أن
هذا التكرار هو بنسبة البر إلى البحر على سطح الأرض الذي هو بنسبة 12 / 32 ).
·
والدنيا ولفظها يتكون من ستة حروف خلقت في ستة مراحل والإنسان وحروفه سبعة خلق في سبع مراحل.
( وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإنسان مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين ) ( سورة المؤمنون 12ـ 14)
·
من عجائب العدد سبعة في القرآن أن كلمة الإنسان تتكون من سبعة حروف وخلق على سبع مراحل يتساوى معه
في عدد الحروف ألفاظ القرآن ..و الفرقان ...و الإنجيل ..و التوراة .. فكل منها
يتكون من سبعة حروف .وأيضاً صحف موسى، فيه سبعة حروف .و أبو الأنبياء إبراهيم ..
يتكون أيضاً من سبع حروف .. فهل هذه إشارة عددية ومتوازنة حسابية إلى أن هذه
الرسالات والكتب إنما نزلت للإنسان . . لمختلف مراحله ..وشتى أحواله ..وعلى
النقيض، نجد الشيطان ..و يتكون لفظه من سبعة حروف .. فهل ذلك تأكيد لعداوته
للإنسان في كل مرة ...ومختلف حالاته ..و أنه يحاول أن يصده تماماً عن الهداية التي
أنزلها الله للإنسان كاملة وشاملة .
و جعل لجهنم سبعة أبواب قال تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
{43} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ {44}
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {45} ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ
{46} ( سورة الحجر : 43، 45)
·
سورة البقرة عدد آياتها 286 آية . ولو أردنا معرفة الآية التي
تقع في وسط السورة لكانت بالطبع الآية 143
ولا عجب من ذلك. لكن إذا قرأنا هذه الآية لوجدناها (وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة:143)
لماذا ليس في القرآن ريب :
والحق ان القرآن لاريب فيه لسبب واحد هو لانه ثبت
للعقل بالادلة العقلية القطعية انه كلام الله وليس كلام بشر..وبما ان الله هو
الخالق المطلق القدرات ..الذي يقول للشيئ كن فيكون اي يوجد الاشياء من العدم اذا
فمن المستحيل ان يوجد في كلامه / الكتاب او القرآن اي عجز او نقص او خلل او سهو او
نسيان ..الخ ما يعتري اي كتاب اخر .
اي ثبت ان القرآن معجز ونقول ان اعجاز القرآن في
اسلوبه ..وهذا الاعجاز في في الاسلوب،هو الدليل على انه من عند الله،فعند البحث
العقلي في القرآن نجد أن القرآن كلام عربي وبالتالي فإن كاتبه لا يعدو أن يكون أحد
ثلاثة:- العرب ، أو محمد أو الله .
1. من العرب:- أما كون القرآن من العرب فباطل ولا يقبل به العقل، وذلك أن القرآن تحدى العرب في عبارات قارعة محرجة ملؤها الاستفزاز
ولا يقال إنه من المحتمل ، أن يكون العرب قد جاؤوا بما يشبه
القرآن ولكن المسلمين لتعصبهم لدينهم ولأنهم صاروا أصحاب القوة والمنعة بعد أن
أعزهم الإسلام بالدولة الإسلامية ، مزقوا أو أتلفوا ما جاء به العرب مما يشبه
القرآن ، لا يقال ذلك لما يلي:-
- إن هذا احتمال ، والبحث العقلي الصحيح لا ينصب على الاحتمالات أو الافتراضات، بل ينصب على وقائع محسوسة.
- لقد حصلت فعلاً بعض المحاولات ، وقد وصلنا جزء منها ،
- إن هذا احتمال ، والبحث العقلي الصحيح لا ينصب على الاحتمالات أو الافتراضات، بل ينصب على وقائع محسوسة.
- لقد حصلت فعلاً بعض المحاولات ، وقد وصلنا جزء منها ،
مثل
محاولة مسيلمة الكذاب، حيث قال معارضاً سورة العاديات" والطاحنات طحنا والعاجنات عجنـا ، والثاردات
ثردا، واللاقمات سمنا ".
- وقال معارضاً سورة
الفيل
" الفيل وما أدراك ما الفيل ، له ذنب وبيل ، وخرطوم طويل" .
فإذا كانت هذه المحاولات على سخفها وتفاهتها ، قد
وصلتنا ، فإن وصول غيرها – لو كان موجوداً- كان لا بد أن يصل من باب أولى، وهذه
ليست المحاولات الوحيدة التي سمعنا عنها بل نقلت إلينا روايات عن محاولات أخرى
أجهضها أصحابها قبل الإعلان عنها ، بعد أن استحوا من إعلانها، ومنهم على سبيل
المثال ابن المقفع وأبو العلاء المعري والمتنبي، وهذا يدلل بوضوح على أنه لم يكتب
شيء يستحق الذكر، ولو حصل لوصلنا، ومن هذا يتضح أن العرب لم يأتوا بشيء يشبه القرآن
، وبالتالي فهو ليس من العرب.
2. كون القرآن من محمد : هذا القول باطل أيضاً وذلك لما يلي:-
- إن القرآن كلام عربي جاء بأسلوب جديد لم يسبق للعرب أن عرفوه أو سمعوا بمثله، أي أن إحساسهم لم يقع على واقعه من قبل... ولما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - واحداً من العرب أي لم يسبق لحسه أن وقع على مثل القرآن.
* ولو كان
القرآن من تأليف محمد - صلى الله عليه وسلم - لوجب أن ينطبق على محمد المؤلف أو
الكاتب ، وعلى القرآن الكتاب، ما ينطبق على كل مؤلف وكتاب لأن محمد - صلى الله
عليه وسلم - بشر ، وذلك يظهر فيما يلي:
أ- إن أي كاتب يبدأ رحلة التأليف ضعيفاً في أسلوبه ولغته ومعانيه ، فهل كانت بداية القرآن أول نزوله أضعف من نهايته ؟؟
ب- إن أي كاتب ، مهما كان مبدعاً ، يبدع في جانب
من الجوانب أكثر الجوانب الأخرى أي يرتقي إلى القمة في بعض المجالات ، ويكون أقل
من ذلك في مجالات أخرى، فهل كان القرآن ضعيفاً في أي جانب من الجوانب؟؟.
ج- إن من البديهيات المعروفة للجميع ، أن أسلوب
الإنسان في كتابته يحمل علامات معينة تجعله مميزاً لصاحبه، تماماً كبصمة الإنسان، لأن
أسلوب المؤلف جزء منه ، ولا يخفى مهما حاول أن يغير في أسلوبه ، لأن من المستحيل
على الكاتب أن يكتب بأسلوبين متناقضين أو مختلفين تماماً ، فهل هذه الخاصية تنطبق
على علاقة الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم - وأسلوبه بالقرآن وأسلوبه؟؟
ما ورد من تحديد ما في القرآن من العلوم والمعارف[16]
- وقال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم، وما بقي من فهمها أكثر.
- وقال آخرون: القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم، ومئتي علم، ثم يتضاعف ذلك أربعاً.
- وفي الإحياء للغزالي: ومَنْ زعم أنه
لا معنى للقرآن إلا ما ترجمه ظاهر التفسير فهو مخبر عن حد نفسه، وهو مصيب في
الإخبار عن نفسه، مخطئ في الحكم برد كافة الخلق إلى درجته، التي هي حده ومَحَطُّه،
بل الأخبار والآثار تدل على أن في معاني القرآن متسعاً لأرباب الفهم. ففيه رموز وإشارات،
ومعانٍ وعبارات، وتلويح ودلالات، يختص بدركها أهل الفهم من ذوي العنايات.

معناه أن الله سبحانه وتعالى زيادة في التحدي يطالبهم بأن يأتوا هم
بالشهداء ويعرضوا عليهم الآية ليحكم هؤلاء الشهود إذا كان ما جاءوا به مثل القرآن
أم لا. أليس هذا إظهار منتهى القوة لله سبحانه وتعالى لأنه لم يشترط شهداء من
الملائكة ولا شهداء من الذين اشتهر عنهم الصدق. وأنهم يشهدون بالحق. بل ترك الحق
سبحانه لهم أن يأتوا بالشهداء وهؤلاء الشهداء لن يستطيعوا أن يشهدوا أن كلام هؤلاء
المشككين يماثل سورة من القرآن.
إن كنت صادقين :
شهداء متحيزين لهم.
وأطلقها سبحانه وتعالى على كل أجناس الأرض فقال: "من دون الله إن كنتم صادقين.
" صاحب الحق في الإجابة هو الخبير، ولن نستشهد هنا
بخبير مسلم كي لا نتهم بالتحيز بل سنستشهد بخبير كافر اشتهر بالبلاغة والإطلاع
وكان أعلم قريش باللغة والشعر والرجز ... إلخ ، ذلك هو الوليد بن المغيرة الذي قال
عن القرآن وهو في بداية نزوله – بعد أن سمعه من محمد- صلى الله عليه وسلم - ...
ووالله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق ،
وأنه ليعلوا ولا يعلى عليه " رواه البيهقي في دلائل النبوة .

هذه الحجارة قال كثير من العلماء : إنها حجارة من كبريت .
وقال بعضهم : إنها الأصنام التي كانوا يعبدونها . وهذا القول يبينه ويشهد له قوله
تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] الآية . . .

فائدة عقدية :
وفي قوله: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ونحوها
من الآيات... فيها أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار، لأنه قال:
أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها، لم تكن معدة للكافرين
وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة.
هل الجنة والنار مخلوقتان :
وإلى القول بأنهما مخلوقتان ذهب جمهور
الأمة، وذهب طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أنهما لم تُخلقا بعد، وبه قال منذر بن
سعيد البلوطي...
- واحتجوا بقول امرأة فرعون
{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ}، وبما جاء في الأحاديث الصحيحة:
من عمل كذا غرس له في الجنة كذا. قالوا: لو كانت الجنة مخلوقة لم يكن للدعاء في
استئناف الغرس والبناء فائدة.
وأجيب: بأنه لا مانع من أن يحدث الله في الجنة أشياء ينعم
بها على عباده شيئاً بعد شيء، وحالاً بعد حال، فيحدث فيها ما شاء من البنيان
والغرس، كما أن الأرض مخلوقة ثم يحدث الله تعالى فيها ما يشاء من بنيان وغيره.
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن
ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ
مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 25
الحديث عن البشارة :
وأما البشارة فهي أول خبر
سارٍّ يرد على الإنسان، وعبارة بعضهم: هي الخبر الصدق السار الذي ليس عند المخبر
علمه، ولهذا قال الفقهاء: لو قال لعبيدة: أيكم يبشرني بقدوم فلان فهو حر.
وسميت
بشارة لأنها تؤثر في بشرة الإنسان، ويظهر في بشرة الوجه أثرُ السرور...
فإن كانت البشارة خيراً أثرت المسرة والانبساط، وإن
كانت شراً أثرت الغم والانقباض. والأغلب في عرف الاستعمال أن تكون البشارة بالخير،
والنذارة بالشر...
- ومنه قوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} إلا أن يكون استعمالها في ذلك من باب التهكم بالمخاطب، وقوله
: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فمن العكس في الكلام الذي يقصد به
الاستهزاء الزائد في غيط المستهزأ به وتألمه واعتمامه.
هنا الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو
لكل مَنْ يتأتَّى خِطابُه، فهو مأمورٌ بالبشارة، إن كان الرسول - صلى الله عليه
وسلم - فكل مَنْ خلفه في العلم والدعوة، فإنه يمكن أن يقول هذه البشارة، وهي
الإخبار بما يسر، وهنا المبشَّر هم المؤمنون الذين آمنوا وعملوا الصالحات،
والمبشَّر به جنات تجري من تحتها الأنهار، والمبشِّر هو الرسول - صلى الله عليه
وسلم - والآمِر بالتبشير هو الله تعالى.
الإيمان مع العمل الصالح :
· أن البشرى
بالجنة لا تكون إلا لمَنْ آمن وعمل صالحًا، فمجرد العقيدة لا تكفي للبشارة بالجنة،
بل لابد من إيمانٍ وعمل؛ ولهذا يربط الله تعالى دائمًا الإيمان بالعمل الصالح.
- ولذلك قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية: إنَّ مجرد تصديق القلب واللسان مع البغض والاستكبار
لا يكون إيماناً باتفاق المسلمين حتى يقترن بالتصديق عمل، وأصل العمل عمل القلب،
وهو الحب والتعظيم المنافي للبغض والاستكبار انتهى.

والمراد هنا: دار النعيم التي أعدَّها الله للمتَّقين، والأنهار التي تجري من تحتها؛ أي: من أسفلها وتحت القصور والأشجار.
وهي أربعة أصناف، ذكرها الله بقوله
: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ
لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ
وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ
وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً
حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
[محمد: 15.
فقال القرطبي: قيل: الجنان سبع: دار الجلال ودار السلام ودار
الخلد وجنة عدن وجنة المأوى وجنة نعيم وجنة الفردوس.
* وزاد بعضهم: عليين، ففي حديث البراء بن عازب يرفعه: أن عليين تحت
العرش.
الماء الجاري من النعمة العظمى
ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى، وأن الجنان والرياض
وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر ولا تبهج الأنفس ولا تجلب الأريحية
والنشاط حتى يجري فيها الماء، وإلا كان الأنس الأعظم فائتاً، والسرور الأوفر
مفقوداً، وكانت كتماثيل لا أرواح فيها، وصور لا حياة لها، لما جاء الله بذكر
الجنات إلا مشفوعاً بذكر الأنهار الجارية من تحتها، مسوقين على قران واحد كالشيئين
لابد لأحدهما من صاحبه، ولما قدمه على سائر نعوتها.[17]

لأنه
يشبهه في اللون والحجم، ولكنَّهم إذا طَعِمُوهُ تَبَيَّنَ لهم أنه غيره، وهذا من
تمام لذَّة الآكِلين إذا أُتُوا بالطعام أو بالثمر مُتشابِهًا، ولكنه يختلف في
الذَّوْق؛ حيث صار هذا من تمام اللذَّة، وكمال النِّعمة.
وأثمار الجنة وأشجارها
كثيرة لا يحيط بها إلا خالقها
قال ابن عباس رضي الله تعالى
عنه في قوله تعالى: {فِيهِمَا مِن
كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}: ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى
الحنظل.
ما جاء في وصف الجنة هو صورة تقريبية فقط
·
أنَّ في الجنة أنهارًا وثمارًا، ولكنها تختلف عمَّا
في الدنيا اختلافًا عظيمًا، لا يمكن أن يدركه الإنسان بحسِّه في الدنيا؛ كما قال
تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله: أعددت لعبادِيَ الصالحين: ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر؛ فاقرؤوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ [18]
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله: أعددت لعبادِيَ الصالحين: ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر؛ فاقرؤوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ [18]
وهي ألوان من
النعيم يستوقف النظر منها - إلى جانب الأزواج المطهرة - تلك الثمار المتشابهة ,
التي يخيل إليهم أنهم رزقوها من قبل - أما ثمار الدنيا التي تشبهها بالاسم أو
الشكل , وأما ثمار الجنة التي رزقوها من قبل - فربما كان في هذا التشابه الظاهري
والتنوع الداخلي مزية المفاجأة في كل مرة... وهي ترسم جوا من الدعابة الحلوة ,
والرضى السابغ , والتفكه الجميل , بتقديم المفاجأة بعد المفاجأة , وفي كل مرة
ينكشف التشابه الظاهري عن شيء جديد !”[19]

- قال مجاهد: "مُطَهَّرَة من الحيْض،
والغائط، والبوْل، والنُّخام، والبِزاق، والمَني، والوَلَد.
- عن أنس - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَرَوْحَةٌ في سبيل الله أو غدوةٌ - خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولَقابَ قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد – يعني: سوطه – خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من أهل الجنة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض، لأَضَاءَتْ ما بَيْنَهُما، ولَملأتْهُ رِيحًا، ولَنَصِيفُها على رأْسِها خيرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها.[20]
- وعن زَيْد بن أرقم - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( والذي نفس محمد بيده، إِنَّ الرجل من أهل الجنة ليُعْطَى قوَّة مائة رجلٍ في الأكل، والشُّرب، والجِماع، والشَّهوة. )[21]
- عن أنس - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَرَوْحَةٌ في سبيل الله أو غدوةٌ - خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولَقابَ قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد – يعني: سوطه – خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من أهل الجنة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض، لأَضَاءَتْ ما بَيْنَهُما، ولَملأتْهُ رِيحًا، ولَنَصِيفُها على رأْسِها خيرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها.[20]
- وعن زَيْد بن أرقم - رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( والذي نفس محمد بيده، إِنَّ الرجل من أهل الجنة ليُعْطَى قوَّة مائة رجلٍ في الأكل، والشُّرب، والجِماع، والشَّهوة. )[21]

هو تمام السعادة؛ فإنهم مع هذا النعيم
في مقامٍ أمينٍ من الموت والانقطاع، فهو نعيمٌ سَرمَدِيٌّ أَبَدِيٌّ.
- عن عطية ، عن أبي سعيد ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يؤتى بالموت يوم القيامة كهيأة كبش أملح ، فيوقف بين أهل الجنة ، وأهل النار ، ثم يقال : يا أهل الجنة هذا الموت ، فيذبح ، وهم ينظرون إليه ، فلو أن أحدا مات فرحا مات أهل الجنة ، ولو أن أحدا مات حزنا مات أهل النار رواه عبد الله بن المبارك
- عن عطية ، عن أبي سعيد ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يؤتى بالموت يوم القيامة كهيأة كبش أملح ، فيوقف بين أهل الجنة ، وأهل النار ، ثم يقال : يا أهل الجنة هذا الموت ، فيذبح ، وهم ينظرون إليه ، فلو أن أحدا مات فرحا مات أهل الجنة ، ولو أن أحدا مات حزنا مات أهل النار رواه عبد الله بن المبارك
- عن ابن
عباس ، في قوله : إن المتقين في مقام أمين (1) ، يريد في
خلود دائم ، ونعيم ليس فيه شخوص قد أمنوا العذاب ، ورضوا بالثواب ، واطمأنت بهم
الدار ، في جوار الرحمن ، تبارك وتعالى يدعون فيها بكل فاكهة آمنين (2) يريد :
أمنوا من الموت ، والأسقام ، والأوجاع ، والأمراض ، والتخم ، لا يذوقون فيها طعم
الموت.
- عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا وإن لكم أن تعيشوا أبدا
ولا تموتوا أبدا وإن لكم أن تتنعموا فلا تبأسوا أبدا وإن لكم أن تشبوا ولا تهرموا
أبدا. قال الطبراني لم يروه عن الثوري إلا عبد الرزاق.
[8] http://www.eajaz.org/index.php/component/content/article/66-Issue-VIII/546-Earth-and-the-sky-a-canopy
[13] http://www.eajaz.org/index.php/component/content/article/66-Issue-VIII/546-Earth-and-the-sky-a-canopy
[16] الكلمَاتُ البَيِّنَاتُ في
قَولهِ تَعَالى: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ} مرعي بن يوسف بن أبى بكر بن أحمد الكرمى المقدسي الحنبلى
(المتوفى: 1033هـ)
0 comentarios:
Publicar un comentario