jueves, 17 de septiembre de 2015

سورة البقرة 2

0 comentarios
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)

ربط الآية بما قبلها :
    - بعد ان تحدث الحق سبحانه وتعالى عن المؤمنين وصفاتهم. . وجزائهم في الآخرة وما ينتظرهم من خير كبير. . اراد ان يعطينا تبارك وتعالى الصورة المقابلة وهم الكافرون والمنافقون .

حول الكفر ومعناه ودرجاته ؟
·       الكفر هو الستر :  
   والكفر معناه الستر. . ومعنى كَفَرَ (أي) سَتَرَ. . وكفر بالله أي ستر وجود الله جل جلاله. . والذي يستر لابد ان يستر موجودا، لأن الستر طارئ على الوجود. .
·       والاصل في الكون هو الايمان بالله
والاصل في الكون هو الايمان بالله. . وجاء الكفار يحاولون ستر وجود الله. فكأن الأصل هو الايمان ثم طرأت الغفلة على الناس فستروا وجود الله سبحانه وتعالى.

{إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}

فلماذا يطلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الإيمان منهم وقد ختم الله على قلوبهم؟!


هذا يبينه الحديث حول أقسام الكفر وأنواعه :


1.   كفر الإلحاد والجحود
     - فهناك كفر الإلحاد والجحود، الذي لا يؤمن صاحبه بأن للكون ربا، ولا أن له ملائكة أو كتبا أو رسلا مبشرين ومنذرين، ولا أن هناك آخرة يجزى الناس فيها بما عملوا، خيرا أو شرا .
       فهؤلاء لا يعترفون بألوهية ولا نبوة ولا رسالة ولا جزاء أخروي، بل هم كما قال القرآن عن أسلاف لهم يقولون: (إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين).
   -   أو كما عبر بعضهم: إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، ولا شيء بعد ذلك.
وهذا هو كفر الماديين في كل عصر، وعليه قام الفكر الشيوعي، الذي انهارت قلاعه، والذي كان يقرر دستور دولته الأم: أن لا إله، والحياة مادة.
·        فالدين عند هؤلاء خرافة، والألوهية أسطورة...
 وقد اشتهر عندهم ما قاله بعض الفلاسفة الماديين المنكرين : ليس صوابا أن الله خلق الإنسان، بل الصواب أن الإنسان هو الذي خلق الله!
هؤلاء اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة. . فهم مستفيدون من الكفر لأنه جعلهم سادة ولانهم متميزون عن غيرهم بالباطل.
2. كفر الشرك
ودون هذا الكفر  كفر الجحود المطلق  كفر الشرك، مثل شرك عرب الجاهلية،
    - فقد كانوا يؤمنون بوجود الإله، وبخالقيته للسموات والأرض والناس، وبتدبيره لأمر الرزق والحياة والموت، ولكنهم  مع هذا النوع من الإقرار الذي سمى "توحيد الربوية "  أشركوا بالله فيما سمى "توحيد الإلهية"، وعبدوا معه  أو من دونه  آلهة أخرى، في الأرض أو في السماء.
    - وفي هذا يقول القرآن : (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم).
    - ويقول (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله).
3.   كفر أهل الكتاب

ودون هذا الكفر : كفر أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكفرهم من جهة تكذيبهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله بالرسالة الخاتمة، وأنزل عليه الكتاب الخالد، مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل من جهة، ومصححا لها من جهة أخرى،
   - وفي هذا قال الله تعالى : (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق).
4.   كفر الردة :

   - ومن المقرر لدى علماء المسلمين : أن شر أنواع الكفر هو : الردة، وهو : أن يخرج المرء من الإسلام بعد أن هداه الله إليه.
    * فالكفر بعد الإسلام أشد من الكفر الأصلي، وهو ما لا يزال أعداء الإسلام يسعون إليه بكل ما يستطيعون،
   - قال تعالى : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )، ثم بين جزاء من يستجيب لهؤلاء المضلين ويتخلى عن دينه ليتبع أهواءهم،
   - فقال : (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون).
والردة تعتبر في هذه الحالة خيانة للإسلام ولأمته، لما فيها من تبديل الولاء والانتحاء.
والاتجاه من أمة إلى أمة، فهو أشبه بالخيانة للوطن، إذا بدل ولاءه لوطن آخر، وقوم آخرين، فأعطى مودته ونصرته لهم، بدل وطنه وقومه.
5.      ما يطلف عليه كفرا وليس بذلك (الكفر الأصغر)

والكفر الأصغر هو المعاصي مهما يكن مقدارها في الدين.
**وذلك مثل تارك الصلاة كسلا،** لا جحودا لها ولا استهزاء بها، فهذا عند جمهور علماء الأمة عاص أو فاسق لاكافر، وإن أطلق عليه في بعض الأحاديث لفظة الكفر.
   - كما في حديث : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة".
    * قال ابن قدامة : وهذا قول أكثر الفقهاء، قول أبى حنيفة ومالك والشافعي واستدل بالأحاديث المتفق عليها، التي تحرم على النار من قال : لا إله إلا الله، والتي تخرج من النار من قالها، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة (حبة قمح )، كما استدل بآثار الصحابة، وبإجماع المسلمين قائلا : "فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها.
      قال: ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام .
   -  وأما الأحاديث المتقدمة (يعني التي ظاهرها كفر تارك الصلاة )، فهي على سبيل التغليظ، والتشبيه به بالكفار، لا على الحقيقة،
 -  كقوله عليه السلام :  «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» .
-  وَقَوْلُهُ: «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» .
-  وَقَوْلُهُ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» .
وقوَالَ: «وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْكَوَاكِبِ. فَهُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ، مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ» .
-  وَقَوْلُهُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» .
وَقَوْلِهِ: «شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» .
                       وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ التَّشْدِيدُ فِي الْوَعِيدِ، وَهُوَ أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

أهل الفترة وحكمهم :[1]

للعلماء في عاقبة هؤلاء ومصيرهم أقوال ثلاثة هي:

1 - من مات ولم تبلغه الدعوة مات ناجيًا.            
واستدلوا بعموم الآيات التالية :

- قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رسولا} [الإسراء: 15].
ووجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه لا يعذب أحدًا قبل بعثة الرسل، وأهل الفترة لم يبعث إليهم رسول، فدل على أنهم لا يعذَّبون وأنهم في الجنة.

- قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].

- قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 8 - 9].

2 - من مات ولم تبلغه الدعوة فهو في النار.
قال به المعتزلة ،  وجماعة من الحنفية الماتوريدية ،  -قالوا بأنهم مكلفون وإن لم يرسَل إليهم رسول، وعليهم أن يستدلوا بعقولهم، فما استحسنه العقل فهو حسن، وما قبحه العقل فهو قبيح. وإن الله سبحانه يعذب في النار من لم يؤمن وإن لم يرسَل إليه رسول لقيام الحجة عليه بالعقل، وهذا يدل على أن هناك ثوابًا وعقابًا قبل بلوغ الدعوة وبعثة الرسل.
واستدلو بعموم الآيات التالية :

- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران: 91].

- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].

أحاديث تدل على أن أهل الفترة لا يُعذرون وإن لم يأتهم نذير، ومن هذه الأحاديث:

      أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استأذنتُ ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي" (1).

     ب- وحديث أنس أن رجلًا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. فلما قفى دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار" (2).

3 - من مات ولم تبلغه الدعوة فإنه يمتحن بنار في عرصات يوم القيامة . 

وهو أن أهل الفترة يُمتحنون في عرصات القيامة بنار يأمرهم الله سبحانه وتعالى بدخولها، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها فقد عصى الله تعالى، فيدخله الله فيها. وهذا القول قال به السلف وجمهور الأئمة

استدل هؤلاء الأئمة على ما ذهبوا إليه بما يلي:

     1- الحديث الذي أورده أحمد  في مسنده عن الأسود بن سريع ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة. فأما الأصم فيقول: رَبِّ، قد جاء الإِسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: رب، قد جاء الإِسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإِسلام وما أعقل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني كتاب ولا رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا" .
من لم تبلغه الدعوة في عصرنا  :[2]


إن الذى لم تبلغه الدعوة فى عصرنا هذا أمثال سكان الكهوف والأدغال والجزر النائية الذين لا يعرفون وسائل الاتصال بالعالم من حولهم ، وهم قلة فى هذا الزمان الذى كثرت فيه وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها ، وكثرت الرحلات وتنافس الاستعمار فى استغلال مناطق الأرض .
ومن سمع بأن هناك رسولا جاء بدين اسمه الإسلام وجب عليه أن يبحث عنه إن استطاع ، فإن لم يسمع أو سمع ولم يستطع البحث كان معذورا ، كما قال العلماء .
   وقد اشترط العلماء فى لزوم الدعوة لمن بلغتهم أن تبلغهم صحيحة غير مشوهة ، فإذا وصلت مشوهة كانوا معذورين فى عدم الإيمان بها ...

 وقد نص على ذلك الإمام الغزالى فى كتابه "فيصل التفرقة" فبعد أن ذكر أن أكثر النصارى من الروم والترك فى زمانه ناجون لعدم بلوغ الدعوة إليهم ، قال : بل أقول : حتى الذين بلغتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مشوهة فعلمهم أهلوهم منذ الصبا أن كذابا مدلسا اسمه محمد ادعى النبوة كذبا فهؤلاء عندى كالصنف الأول ، أى ناجون ، وأما سائر الأمم الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بالتواتر ظهوره وصفاته ومعجزاته الخارقة، وعلى رأسها القرآن ، وأعرضوا عنه ولم ينظروا فيما جاء فيه فهم كفار. اهـ ملخصا .
وعلى هذا نقول : إن من لم تبلغه الدعوة أصلا، أو بلغته مشوهة أو بلغته صحيحة ولم يقصر فى البحث والتحرى فهو معذور ، أى يرجى له عدم الخلود فى النار .

خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
                                                                        
معنى الختم على القلوب:
والختم على القلوب. . معناه أنه لا يدخلها إدراك جديد ولا يخرج منها إدراك قديم... ومهما رأت العين أو سمعت الأذن. . فلا فائدة من ذلك لأن هذه القلوب مختومة بخاتم الله بعد أن اختار أصحابها الكفر وأصروا عليه...

الحديث عن منافذ الإدراك

 - وقد قدم الله القلب على السمع والبصر في تلك الآية لأنه يريد أن يعلمنا منافذ الإدراك. .

  - وفي القرآن الكريم يقول الحق تبارك وتعالى: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]

وهكذا يعلمنا الله أن منافذ العلم في الإنسان هي السمع والأبصار والأفئدة. .

ولكن في الآية الكريمة التي نحن بصددها قدم الله القلوب على السمع والأبصار. . أن الله يعلم أنهم اختاروا الكفر. . وكان هذا الاختيار قبل أن يختم الله على قلوبهم.

والحق سبحانه وتعالى يقول: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} [الحج: 46]

الغشاوة :

لأن الغشاوة التفت حول القلوب الكافرة، فجعلت العيون عاجزة عن تأمل آيات الله. . والسمع غير قادر على التلقي من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.

ولهم عذاب عظيم :
العذاب الأليم هو الذي يسبب ألما شديدا. . والعذاب المهين هو الذي يأتي لأولئك الذين رفعهم الله في الدنيا. . وأحيانا تكون الإهانة أشد إيلاما للنفس من ألم العذاب نفسه. . أولئك الذين كانوا أئمة الكفر في الدنيا. . يأتي بهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة أمام من اتبعوهم فيهينهم. .

    - أما العذاب العظيم فإنه منسوب إلى قدرة الله سبحانه وتعالى. . لأنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة. . أما بقدرات الله جل جلاله تكون القوة بلا حدود. . لأن كل فعل يتناسب مع فاعله. . وقدرة الله سبحانه وتعالى عظيمة في كل فعل. . وبما أن العذاب من الله جل جلاله فإنه يكون عذابا عظيما.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)

ظاهرة النفاق وكيف تنشأ :
النفاق : هو ذلك الأمر الذي يحدث مع كل التجارب بعد انتصارها وعبورها من مرحلة النضال إلي تسلم الإرادة. ولذلك نزلت جميع أيــات النفاق في المدينه ذلك انه في مكه لم يكن هناك مجال للنفاق ،حيث كان للإنتماء الي فئه المؤمنين ثمن باهظ لاتتحمله الطبيعه الإنتهازيه للمنافقين . أحمد خيري العمري

معاناة النبي عليه الصلاة والسلام مع المنافقين في المدينة :

الناس في الحياة الدنيا على ثلاثة أحوال: إما مؤمن، وإما كافر، وإما منافق.

   جاء للمنافقين فعرف صفاتهم في ثلاث عشرة آية متتابعة، لماذا. .؟ لخطورتهم على الدين، فالذي يهدم الدين هو المنافق، أما الكافر فنحن نتقيه ونحذره، لأنه يعلن كفره.

المنافق يمكن ان تتوقع منه أي شيء :

إذا كنت في دولة النفاق —– فاعدل بساق ومل بساق
و لا تحقق و لا تدقق ——- وانسب شاما إلى عراق
و لا تخاصم و لا تصادق —– و قابل الكل بالعناق
فأي شئ كأي شئ —— بلا اختلاف و لا اتفاق.


الآيات تبين صفات المنافقين :

يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر

   هذه أول صفات المنافقين في القرآن الكريم، يعلنون الإيمان وفي قلوبهم الكفر، ولذلك فإن إيمانهم كله تظاهر، إذا ذهبوا للصلاة لا تكتب لهم، لأنهم يتظاهرون بها، ولا يؤدونها عن إيمان، وإذا أدوا الزكاة، فإنها تكون عليهم حسرة، لأنهم ينفقونها وهم لها كارهون، لأنها في زعمهم نقص من مالهم. لا يأخذون عليها ثوابا

إن المنافق، يتظاهر أمامك بالإيمان، ولكنه يبطن الشر والكفر، وقد تحسبه مؤمنا، فتطلعه على أسرارك، فيتخذها سلاحا لطعن الدين. .

يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

يظنون أنفسهم اذكياء بخداعهم

  وتأتي الصفة الثانية من صفات المنافقين، وهي صفة تدل على غفلتهم وحمق تفكيرهم، فإنهم يحسبون أنهم بنفاقهم يخدعون الله سبحانه وتعالى ...

·        النفاق هو الذي يجعل الناس سعداء. أما الحقيقة فتجعلهم يشعرون بالحزن - إليف شافاق

وهل يستطيع بشر أن يخدع رب العالمين؟
إن الله عليم بكل شيء، عليم بما نخفي وما نعلن، عليم بالسر وما هو أخفى من السر..
وهم في خداعهم يحسبون أيضا أنهم يخدعون الذين آمنوا، بأنهم يقولون أمامهم غير ما يبطنون، ولكن هذا الخداع شقاء عليهم، لأنهم يعيشون في خوف مستمر، وهم دائما في قلق أو خوف من أن يكشفهم المؤمنون، أو يستمعوا إليهم في مجالسهم الخاصة، وهم يتحدثون بالكفر ويسخرون من الإيمان، ولذلك إذا تحدثوا لابد أن يتأكدوا أولا من أن أحدا من المؤمنين لا يسمعهم .

   والحقيقة أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم. فالله سبحانه وتعالى، يعلم نفاقهم، والمؤمنون قد يعلمون هذا النفاق، فإن لم يعلموه، فإن الله يخبرهم به،

   - واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30]

  - ألم يأت المنافقون إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ليشهدوا أنه رسول الله ففضحهم الله أمام رسوله وأنزل قوله تعالى: {إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)

    فالله سبحانه وتعالى، شبه ما في قلوب المنافقين بأنه مرض، والمرض أولا يورث السقم، فكأن قلوبهم لا تملك الصحة الإيمانية التي تحيي القلب فتجعله قويا شابا، ولكنها قلوب مريضة، لماذا كانت مريضة؟ لقد أتعبها النفاق وأتعبها التنافر مع كل ما حولها، وأحست أنها تعيش حياة ملؤها الكذب، فاضطراب القلب، جعله مريضا، ولا يمكن أن يشفى إلا بإذن الله، وعلاجه هو الإيمان الحقيقي الصادق، ذلك الذي يعطيه الشفاء، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَاراً} [الإسراء: 82]

وقد خلق الله في الإنسان ملكات متعددة، ولكن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه، لابد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة.

   *  فالمؤمن ملكاته منسجمة، لأنه اعتقد بقلبه في الإيمان ونطق لسانه بما يعتقد، فلا تناقض بين ملكاته أبداً. .
   *  والكافر قد يقال إنه يعيش في سلام مع نفسه، فقد رفض الإيمان وأنكره بقلبه ولسانه وينطق بذلك..

   ولكن الذي فقد السلام مع ملكاته هو المنافق، أنه فقد السلام مع مجتمعه وفقد السلام مع نفسه، فهو يقول بلسانه، ما لا يعتقد قلبه، يظهر غير ما يبطن، ويقول غير ما يعتقد، ويخشى أن يكشفه الناس، فيعيش في خوف عميق، وهو يعتقد أن ذلك شيء مؤقت سينتهي.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)

الفساد في الأرض هو أن تعمد إلي الصالح فتفسده، وأقل ما يطلب منك في الدنيا، أن تدع الصالح لصلاحه، ولا تتدخل فيه لتفسده، فإن شئت أن ترتقي إيمانيا، تأت للصالح، وتزد من صلاحه، فإن جئت للصالح وأفسدته فقد أفسدت فسادين..
 وإذا لفت المؤمنون نظرهم إلى أنهم يفسدون في الأرض، وطلبوا منهم أن يمتنعوا عن الإفساد، ادعوا أنهم لا يفسدون ولكنهم يصلحون، وأي صلاح في عدم اتباع منهج الله والخروج عليه بأي حجة من الحجج؟

أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)

وهكذا يعطينا الله سبحانه وتعالى حكمه عليهم بأنهم كما أنهم يخدعون أنفسهم ولا يشعرون ويحسبون أنهم يخدعون الله سبحانه وتعالى والمؤمنين. كذلك فإنهم يفسدون في الأرض ويدعون أنهم مصلحون، ولكنهم في الحقيقة مفسدون لماذا؟ . . لأن في قلوبهم كفراً وعداء لمنهج الله، فلو قاموا بأي عمل يكون ظاهره الإصلاح، فحقيقته هي الإفساد، تماماً كما ينطقون بألسنتهم بما ليس في قلوبهم.

النفاق الاعتقادي والعملي :

أن النفاق الذي تكاثرت الآيات وتظافرت على ذمّه، وبيّنت كفر أصحابه واستحقاقهم أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار، كما قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} (النساء:145)، إنما هو النفاق الذي يُعدّ من الكفر الأكبر، وليس من قبيل: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وغيرها من أمارات النفاق الأصغر أو –العملي- كما يُعبّر عنه بعض العلماء؛ ولذلك قيل إن النفاق : " نوعان: أكبر، وأصغر؛ فالأكبر: يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل، وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخٌ من ذلك كلّه، مكذب به".



[1]  الكتاب: أهل الفترة ومن في حكمهم المؤلف: موفق أحمد شكري
[2]   فتاوى دار الإفتاء المصرية                  

0 comentarios:

Publicar un comentario