إسمه ونسبه :
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري، وكنيته أبو عبدالرحمن.
إسلامه :
أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه
أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-.
وقدم من المدينة الى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة
الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم-
الشيء الكثير من الأحاديث النبوية.
ملازمته للنبي صلى الله
عليه وسلم وتربيته له :
لزم معاذ
بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة.
·
فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله
وأعلمهم بشرعه.
وهو أحد الستة
الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { يا
مُعاذ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة: اللهم أعِنّي على ذِكْرك
وشكرك وحُسْن عبادتك }.
- ولقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله: { كيف أصبحت يا معاذ ؟}.
قال: { أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله }.
قال النبي: { إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك ؟}.
قال معاذ: { ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي، ولا أمْسَيت مساء
إلا ظننت أني لا أُصْبح، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها، وكأني أنظر
الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون، وأهل
النار في النار يُعَذّبون }.
فقال له الرسول: { عرفتَ فالزم}.
شهادة النبي فيه:
- وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { استقرئـوا القرآن من أربعـة: من ابن مسعـود، وسالم مولى أبي حذيفـة،
وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل }.
- وقوله - صلى الله عليه وسلم-: { وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل}.
- عن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شاباً جميلاً سمحاً من خير شباب قومه لا يُسأل شيئاً
إلا أعطاه، حتى أدّان دَيناً أغلق ماله. فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يكلم غُرماءه أن يضعوا له شيئاً ففعل فلم يضعوا له شيئاً. فدعاه النبي صلى الله
عليه وسلم فلم يبرح حتى باع ماله فقسمه بين غرمائه، فقام معاذ لا مال له1.
قال الشيخ رحمه الله: كان غرماؤه من اليهود فلهذا لم يضعوا له شيئاً.
بعثه إلى اليمن :
وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل
ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة.
- فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم-: { بما تحكم يا معاذ ؟}.
قال معاذ: { بكتاب الله }.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { فان لم تجد ؟}.
قال معاذ: { بسنة رسول الله }.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { فان لم تجد ؟}.
قال معاذ: { أجتهد رأي ولا آلو }.
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله
لما يرضي رسول الله }.
وعن عاصم بن حميد، عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت
راحلته. فلما فرغ قال: " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك
تمر بمسجدي هذا وقبري". فبكى معاذ خشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: " إن أولى الناس بي المتقون من كانوا
وحيث كانوا" .[2]
مكانته العلمية ومجالسه :
- ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال: { إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً، ولقد كنّـا نُشَبِّـه
معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام }.
* وعن الشعبي قال: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي
قال: قال ابن مسعود: إن معاذ بن جبل كان
أمّة قانتاً لله حنيفاً. فقيل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً
لِلَّهِ حَنِيفاً} [النحل: 120] . فقال: ما نسيتُ، هل تدري ما الأمّة، وما القانت؟
فقلت. الله أعلم فقال، الأمّة، الذي يعلم الخير والقانت: المطيع لله عز وجل
وللرسول. وكان معاذ بن جبل يعلّم الناس الخير، وكان مطيعاً لله عز وجل ورسوله[3]
- دخل { عائذ الله بن عبد الله } المسجد يوما مع أصحاب
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا
ويقول: { فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء، وهو أشَبُّ القوم سِنّا،
فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه،
ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه: { من أنت يا عبد الله ؟}.
قال: { أنا معاذ بن جبل }.
- ويقول أبو مسلم الخولاني : {دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت
لا يتكلم، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه، فقلت لجليس لي: من
هذا ؟}. قال: معاذ بن جبل: { فوقع في نفسي
حُبُّه }.
- عن أبي بحرية قال: دخلت
مسجد حمص فإذا أنا بفتى حوله الناس جعدٍ قططٍ، فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور
ولؤلؤ فقلت: من هذا؟ قالوا: معاذ بن جبل.
- كما قال شهر بن حَوْشَب : { كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ
بن جبل، نظروا إليه هيبة له }.
- قال
له يوما أحد المسلمين: { علّمني }. فسأله معاذ: { وهل أنت مطيعي إذا
علمتك ؟}. قال الرجل: { إني على طاعتك لحريص }. فقال له معاذ: { صُمْ وأفْطِر،
وصَلِّ ونَمْ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما، وإياك ودَعْوَة المظلوم
}.
من
كلامه رضي الله عنه :
- قوله: { تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا
}.
- كان معاذا -رضي الله عنه- دائب
الدعوة الى العلم والى ذكر الله، فقد كان يقول: { احذروا زيْغ الحكيم، واعرفوا الحق بالحق، فإن للحق نوراً }.
وعن محمد بن سيرين قال: أتى
رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه، فقال. إني موصيك بأمرين أن
حفظّهما حفظت، إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر،
فآثر من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاماً فتزول به معك أينما
زلت.[4]
وعن أشعث بن سليم قال: سمعت رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل قال:
ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة
النساء إذا تسورن الذهب، ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير
مالا يجد.[5]
عبادته و خشيته لله تعالى :
-
يقول الأسود بن هلال: { كُنّا
نمشي مع مُعاذ، فقال لنا: اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة }.
-عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مُعَاذًا
وَهُوَ يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَنْجَى لِابْنِ آدَمَ
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، قَالُوا: وَلَا السَّيْفُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: وَلَا أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَنْقَطِعَ "[6]
-قَالَ مُعَاذٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِذَا صَلَّيْتَ صَلَاةً فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ؛ لَا
تَظُنُّ أَنَّكَ تَعُودُ إِلَيْهَا أَبَدًا، وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ
الْمُؤْمِنَ يَمُوتُ بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ: حَسَنَةٍ قَدَّمَهَا، وَحَسَنَةٍ
أَخَّرَهَا "[7]
- عن ثور بن يزيد قال قال:
كان معاذ بن جبل إذا تهجَّد من الليل قال: اللهم قد نامَت
العُيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم، اللهم طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف،
اللهم اجعل لي عندك هُدىً ترده إليّ يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.[8]
-عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قَدِمَ مُعَاذٌ أَرْضَنَا قَالَ:
وَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ فَجُمِعَ مِنْ هَذَا
الصَّخْرِ وَالْخَشَبِ، فَنَبْنِي لَكَ مَسْجِدًا، قَالَ:
إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُكَلَّفَ حَمْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ظَهْرِي
"[9]
·
بين زوجتيه :
عن يحيى بن سعيد قال: كانت
تحت معاذ بن جبل امرأتان فاذا كان عند احداهما لم يشرب في بيت الأخرى الماء.[10]
طهارت ذمته في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
-
مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ
أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله، ولم ينتظر عمر بل
نهض مسرعا الى معاذ وأخبره، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة، ولئن كان
قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه، وتركه عمر وانصرف،
وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول:
{ لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء، أخشى على نفسي الغرق، حتى جئت فخلصتني
يا عمر }.
وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر: {
لا آخذ منك شيئاً }.
فنظر عمر الى معاذ وقال له: { الآن حَلَّ وطاب }.
فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا،
لو علم أنه أخذه بغير حق.
مكانته عند عمر في خلافته
·
لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه:
{ لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر }.
- وفي
خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول: { يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى
من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم}.
فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
فلما مات أمير الشام { أبو عبيدة } استخلفه أمير المؤمنين على الشام، ولم
يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا، وكان عمر بن الخطاب يقول:
{ لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي: لماذا استخلفته ؟.
لقلت: سمعت نبيك يقول: إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين
أيديهم }.
- كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام.
وعاد الى زوجـه بحلسه {ما يوضع على ظهر الدابة} الذي خرج به فقاـلت له
امرأته: { أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟}.
فقال معاذ: { لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي }.
فقالت امرأته: { لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي
بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك }.
وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر.
فأرسل الى معاذ وسأله: {أنا أرسلت معك رقيبا}.
فقال: { يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا وقصدت بالرقيب الله
عزوجل }.
فأعطاه عمر شيئا وقال: { أرضها به}.
- عن مالك الداري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرَّة فقال للغلام اذهب بها إلى عبيدة
بن الجراح ثم تَلَّه ساعةً في البيت حتى تنظر ما يصنع.[11]
فذهب الغلام، قال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك.
قال: وصله الله ورحمه. ثم قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه
الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها.
فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل فقال:
اذهب بها إلى معاذ بن جبل، وتلّه في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع. فذهب بها إليه قال:
يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك فقال: رحمه الله ووصله. تعالي يا
جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأته فقالت:
ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران، فدحا بهما إليها فرجع
الغلام إلى عمر فأخبره بذلك فقال: إنهم إخوةٌ بعضهم من بعض.[12]
طاعون عمواس[13]
- روى البخاري وابن ماجه وأحمد عن
عوف بن مالك قال: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي
قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة..ِ مَوْتِي
ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ
الْغَنَمِ[14] ثُمَّ
اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ
سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ
ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ
فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَة،ً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ
أَلْفًا.
- قال ابن
حجرفي الفتح : "إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس
في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس" أهـ . وكان ذلك عام 18هـ وبلغ عدد
من مات فيه خمسة وعشرين ألفاً من المسلمين.
-
قال الواقدي: "توفي
في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة وعشرون ألفاً"، وقال غيره: "ثلاثون
ألفاً". من أبرز من ماتوا في الوباء أبو عبيدة بن الجراح و معاذ بن جبل ويزيد
بن أبي سفيان و سهيل بن عمرو وغيرهم من أشراف الصحابة وغيرهم. عُرفت هذه السنة بعام
الرمادة للخسارة البشرية العظيمة التي حدثت فيها.
ما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما، وطال مكثه، وفني
خلق كثير من الناس، حتى طمع العدو، وتخوفت قلوب المسلمين لذلك.
قلت: [15]ولهذا
قدم عمر بعد ذلك إلى الشام فقسم مواريث الذين ماتوا لما أشكل أمرها
على الأمراء، وطابت قلوب الناس بقدومه، وانقمعت الأعداء من كل جانب لمجيئه إلى الشام ولله الحمد والمنة.
وفاة معاذ بن جبل في الطاعون
- عَن عبد الله بْنِ رَافِعٍ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ أَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ الْجَرَّاحِ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسٍ اسْتَخْلَفَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَاشْتَدَّ الْوَجَعُ فَقَالَ
النَّاسُ لِمُعَاذٍ ادْعُ اللَّهَ يَرْفَعَ عَنَّا هَذَا الرِّجْزَ قَالَ إِنَّهُ
لَيْسَ بِرِجْزٍ وَلَكِنَّهُ دَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَشَهَادَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا اللَّهُ
مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبَعُ خِلالٍ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ
لَا يُدْرِكَهُ شَيْءٌ مِنْهُنَّ فَلا يُدْرِكَهُ قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ
يَأْتِي زَمَانٌ يَظْهَرُ فِيهِ الْبَاطِلُ وَيُصْبِحُ الرَّجُلُ عَلَى دِينٍ
وَيُمْسِي عَلَى آخَرٍ وَيَقُولُ الرَّجُلُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي عَلَى مَا أَنَا
لَا يَعِيشُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلا يَمُوتُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَيُعْطِي الرَّجُلُ
الْمَالَ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ الَّذِي يُسْخِطُ اللَّهَ
اللَّهُمَّ آتِ آلَ مُعَاذٍ نَصِيبَهُمُ الأَوْفَى مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ
فَطُعِنَ ابْنَاهُ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدَانَكُمَا قَالا يَا أَبَانَا {الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} قَالَ سَتَجِدَانِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ثُمَّ طُعِنَتِ امْرَأَتَاهُ فَهَلَكَتَا وَطُعِنَ
هُوَ فِي إِبْهَامِهِ فَجَعَلَ يَمَسَّهَا بِفِيهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّهَا
صَغِيرَةٌ فَبَارِكْ فِيهَا فَإِنَّكَ تُبَارِكُ فِي الصَّغِيرِ حَتَّى هَلَكَ..[16]
·
وَنُزِعَ نَزْعًا شَدِيدًا لَمْ يُنْزَعْهُ أَحَدٌ فَكَانَ كُلَّمَا أَفَاقَ مِنْ غَمْرَةٍ
فَتَحَ طَرْفَهُ ثُمَّ قَالَ رَبِّ اخْنُقْنِي خَنْقَكَ فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ
لَتَعْلَمُ أَنَّ قَلْبِي يُحِبُّكَ[17]
·
لما حضرته الوفاة قال: { مرحبا
بالموت مرحبا، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق }.
* ثم جعل ينظر الى السماء ويقول: { اللهم إني كنتُ أخافك، لكنني اليوم أرجوك،
اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار، وجري الأنهار،
ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر، اللهم فتقبل نفسي
بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة }.[18]
اتفق أهل التاريخ أن معاذاً رضي الله عنه
مات في طاعون عمواس يناحية الأردن من الشام سنة ثماني عشرة، واختلفوا في عمره على
قولين أحدهما ثمان وثلاثون سنة، والثاني ثلاث وثلاثون.[19]
وعن سعيد بن المسيب
قال رُفع عيسى بن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين، ومات معاذ وهو ابن ثلاث
وثلاثين سنة.[20]
0 comentarios:
Publicar un comentario