
أسلم رضي الله عنه
بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا.
مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه
وسلم:
غيابه عن غزوة بدر :
- عن
أنس قال:عمي أنس بن النضر سميت به لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكبر علي فقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه أما والله لئن
أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع قال
فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام القابل
فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو أين؟ قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل
حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية فقالت: عمتي الربيع بنت
النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه.
- سبب عدم مشاركته في بدر :
ما كان تخلفه عن
خور أو نفاق, وإنما كان الظن ألا قتال, وأن الخروج إنما هو لنيل العير , ولم يلزم
الرسول صلى الله عليه وسلم جميع أصحابه بالمسير.
- في
البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر،
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }.
بلاءه في غزوة أحد ونتيجة صدقه :
- لما
جال المسلمون يوم أحد جولاتهم، وأُشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل استمر أنس
بن النضر يقاتل فرأى عمر ومعه رهط فقال: ما يقعدكم ؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم جال بسيفه
حتى قتل.
كيف
تمت الاشاعة حول قتل رسل الله (ص) وكيف تم الأمر بعدها :
وكان مصعب بن عمير يذب عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى قتل دونه ثم قام زياد بن السكن فقاتل بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى قتل وخلصت الحرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقذف
بالحجارة حتى وقع بشفتيه وأصيبت رباعيته وكلمت شفته وأدمي ساقه.
فقال سفيان بن عيينة لقد أصيب مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم نحو ثلاثين رجلا كلهم جثوا بين يدي رسول الله أو قال يتقدم بين
يديه ثم يقول وجهي لوجهك الوقاء ونفسي لنفسك الفداء وعليك سلام الله غير مودع .
فرجع الذي قتل مصعب بن
عمير فظن أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للمشركين قتلت محمدا فصرخ
صارخ ألا إن محمدا قد قتل...
ويقال كان ذلك إبليس لعنه الله فولى المسلمون
هاربين متحيرين وجاء إبليس لعنه الله ونادى في المدينة ألا إن محمدا قد قتل وأخذت
النسوة في البكاء في البيوت
- قال كعب بن مالك
فأول من كنت عرفت من المسلمين عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت عينية من
تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأشار إلي بأن أسكت وقال أنس بن مالك قد شج وجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسح الدم ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم ويقال إن
أصحابه لما اجتمعوا قالوا يا رسول الله لو دعوت الله على هؤلاء الذين صنعوا بك
فقال صلى الله عليه وسلم لم أبعث طعانا ولا لعانا ولكن بعثت داعيا ورحمة اللهم اهد
قومي فإنهم لا يعلمون[1]
- وقاتل سعد بن أبي وقاص بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يناوله النبال ويقول
له: «إرم يا سعد، فداك أبي وأمّي» «9» .
- كما قاتل بين يديه أبو
طلحة الأنصاري الذي كان من أمهر الرماة، وهو الذي قال عنه النبي صلّى الله
عليه وسلّم: «لصوت أبي طلحة في الجيش أشدّ على المشركين من فئة»..[2].
واستبسل الأنصار واستشهدوا واحدا بعد الآخر «7» ، ثم قاتل عنه طلحة بن
عبيد الله حتى أثخن وأصيب بسهم شلّت يمينه .
·
تزعزع الناس حين جاء خبر الوفاة :
فقال بعض المسلمين: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، وبعض الصحابة جلسوا والقوا بأيديهم
وقال أناس من أهل النفاق: إن كان محمد
قد قتل فالحقوا بدينكم الأول.
فانحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم النبي على الفرار فقالوا: يا نبي
الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا الخبر بأنك قد قتلت فرعبت قلوبنا فولينا
مدبرين، فأنزل الله تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ[3]
- وَمَرَّ بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ
بِأَنْصَارِيٍّ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ أَشْعَرْتَ
أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَّغَ،
قَاتِلُوا عَلَى دِينِكُمْ[4]
* أما أولئك النفر الذين فرّوا لا يلوون على شيء
رغم دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم بالصمود والثبات
فقد نزل فيهم قوله تعالى: إِذْ
تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ
فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما
أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «4» .
* وقد نص القرآن الكريم على أن الله تعالى قد عفا
عن تلك الفئة التي فرت
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ
إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ
عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ «6» .
دخل أنس ليقاتل في المعركة وهي في أسوئ مراحلها :
- لقد أقبل أنس بن النضر
للاشتراك فى معركة أحد، فأدرك القتال فى أسوأ مراحله، المسلمون يصعدون فى الجبل
فارين، والمشركون يتبعونهم قاتلين منتصرين. وماذا يصنع أنس وحده والحالة هذه؟ إنه
لن يغير من هذه المأساة، ولكنه أبى إلا أن يتصدى لقتال الكفار، وأن يقذف بنفسه فى
غمرات الموت وهو يصيح: إنى أشم ريح الجنة من وراء أحد!.. وتلاشى جسد الشهيد بين
سيوف الأعداء...
- وكان الصحابة يرون هذه
الآية نزلت فيه: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا
الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [5]
- مواقف مشابهة في الصدق من
الرعيل الأول :
- يذكرني هذا الموقف من أنس, بموقف ذلك الأعرابي
الذي آمن بالرسول وتبعه, فلما أُعطي نصيبه من الغنيمة بعد إحدى المعارك, قال للرسول صلى
الله عليه وسلم : ما هذا؟ قال : " نصيبك من الغنيمة " قال : ما تبعتك
على هذا وإنما تبعتك على أن أقاتل في سبيل الله فيصيبني سهم هاهنا (وأشار إلى
حلقه) فأموت فأدخل الجنة, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن تصدق الله
يصدقك ". وفي المعركة التالية, جئ به وقد أُصيب بسهم في المكان الذي أشار
إليه , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أهو هو؟ " قالوا : نعم قال :
" صدق الله فصدقه الله ".
- عن جابر بن
عبد الله قال : كان معاذ يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم يرجع فيصلي بأصحابه ، فرجع ذات يوم فصلى بهم ، وصلى خلفه فتى من قومه ، فلما طال على الفتى
صلى وخرج ، فأخذ بخطام بعيره ، وانطلقوا ، فلما صلى معاذ ذكر ذلك
له ، فقال : إن هذا لنفاق ، لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره معاذ بالذي
صنع الفتى ، فقال الفتى : يا رسول الله ، يطيل المكث عندك ، ثم يرجع فيطول علينا ،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" أفتان أنت يا معاذ ؟ " ، وقال للفتى : [ ص: 787 ] " كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت ؟ " قال : أقرأ بفاتحة الكتاب ،
وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ، وإني لا أدري ، ما دندنتك ودندنة معاذ فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني ومعاذحول هاتين أو نحو ذي " قال : قال الفتى : ولكن سيعلم معاذ إذا قدم
القوم وقد خبروا أن العدو قد دنوا قال : فقدموا قال : فاستشهد الفتى ، فقال النبي
- صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك لمعاذ : " ما فعل خصمي وخصمك ؟ " قال : يا رسول الله ، صدق الله ، وكذبت ،
استشهد " . صحيح بن خزيمة
لقد كان الرعيل الأول
صادقين في إيمانهم وفي أقوالهم, يصدرون عن عقيدة قوية وعزيمة ماضية, ولو ذهبنا
نتتبع هذا الصنف من الذين يقولون ويفعلون, لرأينا المئات بل الآلاف من النماذج
الرائعة,
إننا بحاجة إلى هذا الصنف
الكريم من المؤمنين الذين تصدق أقوالهم معتقداتهم, وتصدّق الأعمال القول والعقيدة.
يعلمون أنهم إذ ينتسبون إلى الإسلام بقلوبهم , ومشاعرهم, وأحاسيسهم, وسلوكهم,
وآمالهم, وآلامهم.
كيف
وجد ريح الجنة ؟
-روى الطبراني عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من قتل قتيلا من اهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها
ليوجد من مسيرة مائة عام .
- وعند الترمذي عن ابي هريرة
رضي الله عنه يرفعه وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين
-ورواه البخاري وقال
ليوجد م من مسيرة اربعين عاما
·
وريح الجنة نوعان:
1. ريح يوجد في الدنيا تشمه الارواح احيانا لا
تدركه العبارة
2. وريح تدرك بحاسة الشم للأبدان كما تشم روائح
الازهار وغيرها وهذا يشترك اهل الجنة في ادراكه في الآخرة من قرب وبعد واما في
الدنيا فقد يدركه من شاء الله من انبيائه ورسله وهذا الذي وجده انس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم وان يكون من
الاول.
وقد اشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار من آثار الجنة وانموذجا منها
من الرائحة الطيبة واللذات المشتهاة والمناظر البهية الحسنة والنعيم والسرور وقرة
العين…
- وقد روى ابو نعيم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقل
الله عز و جل للجنة طيبي لأهلك فتزداد طيبا فذلك
البرد الذي يجده الناس في السحر والله اعلم [6]
·
حالة التجلي عند الصالحين لصفاء قلوبهم :
والصحابة والصالحون كانوا في حالة يقظتهم
كحالتنا في منامنا .
- مثل سيدنا عمر بن الخطاب عندما وقف على المنبر وقال: يا سارية! الجبل، فسمعه سارية وهو على
بعد مسيرة شهر منه.
- رأى
الامام على بن ابى طالب فى المنام انه اثناء ذهابه الى المسجد لصلاة الصبح مع النبى صلى الله عليه و سلم امرأة على باب
المسجد معها طبق به تمرات و قالت له اعط هذا للنبى صلى الله عليه و سلم فلما اعطاه
للنبى صلى الله عليه و سلم اعطاه الرسول صلى الله عيه و سلم تمرة فلما ذاق حلاوتها
قال زدنى يا رسول الله و هنا استيقظ الامام على و سمع أذآن الصبح فذهب الى الصلاة
و بعد الصلاة وجد على باب المسجد امرأة معها طبق به تمرات فقالت له اعط هذا لعمر
فلما اعطاه لعمر ناوله تمرة فلما ذاق حلاوتها قال زدنى يا عمر فقال له عمر لو زادك
النبى صلى الله عليه و سل لزدناك .[7]
- وكذا أنس بن مالك مر بالسوق فنظر إلى امرأة ثم
دخل على عثمان فقال له: أيدخل علي أحدكم
وفي عينيه آثار من الزنا؟ وهو لم يكن معه.
- ويقال: إن أحد الصالحين كان يصلي وراء أستاذه،
فقرأ الأستاذ: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا
وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا
وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى:49 - 50]، قال: فخطر ببالي أن معنى (يهب
لمن يشاء إناثاً) أي: لمن يشاء حسنات، (ويهب لمن يشاء الذكور) أي: ييسره للأعمال.
(أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً) أي: أعمالاً وحسنات.
(ويجعل من يشاء عقيماً) أي: لا أعمال ولا حسنات.
فعندما فرغت الصلاة نظر الإمام إلي وقال: يا أبا العباس ما أجمل
تفسيرك لكتاب الله في الصلاة.
فالمسألة بالنسبة للصالحين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الأرواح جنود مجندة، ما تقارب منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف).[8]
لو أقسم على الله لأبره :
- روى
البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه أن الربيع وهي ابنة النضر كسرت ثنية جارية فطلبوا
الأرش [9]وطلب العفو
فأبوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنية
الربيع يا رسول الله لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال: «يا أنس كتاب الله القصاص» فرضي القوم وعفوا فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» زاد الفزاري
عن حميد عن أنس: فرضي القوم وقبلوا الأرش.
الحديث عن من بر الله بقسمهم :
وكذلك ورد أن الصحابة
إذا كانوا في قتال يقولون للبراء بن مالك رضي الله عنه: أقسم على ربك أن ينصرنا،
فكان يقول: (يا رب! أقسم عليك أن تمنحنا أكتافهم) فينصرون، وفي آخر مرة طلبوا منه
ذلك وألحوا عليه فقال: (يا رب! أقسم عليك أن تمنحنا أكتافهم وتجعلني أول قتيل من
المسلمين) فنصروا وانهزم العدو، وصار هو أول قتيل قتل، فهذا ليس معناه أنه يتعدى
على الله ويدل عليه، وإنما كان يثق بربه ويسأله سؤالاً جازماً، وصورته صورة
الإقسام فقط، أما أن يقسم قسماً يريد من الله أن يفعل هذا الشيء للتأكيد فهذا لا
يجوز بحال من الأحوال؛ لأن الله جل وعلا هو الذي يتصرف بخلقه, وكل خلقه ملك له.
- وفي رواية من حديث أبي هريرة ولفظه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رُبَّ
أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ).
- قال أحد السلف: كنت في طريق الحجاز فعطش الناس في مفازة تبوك، فنفذ الماء ولم يوجد إلا عند
صاحب لي جمّال، فجعل يبيعه بالدنانير بأرفع الأثمان فجاء رجل كان موسوماً بالصلاح
عليه قطعة نطع يحمل ركوة، ومعه شيء من دقيق فتشفّع بي إلى الجمّال أن يبيعه الماء
بذلك الدقيق، فكلّمته فأبى عليّ ثم عاودته فأبى. قال: فبسط الرجل النطع ونثر عليه
الدقيق ثم رمق السماء بطرفه وقال: إلهي أنا عبدك وهذا
دقيقك ولا أملك غيره، وقد أبى أن يقبله. ثم ضرب بيده النطع وقال : وعزّتك وجلالك لا برحت حتى أشرب! فوالله ما تفرقنا حتى
نشأ السحاب وأمطر في الحين فشرب الماء ولم يبرح. فكان كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم: رُبَّ ذي طمرين لا يُؤبَهُ له مطروح بالأبواب لو أقسم على الله لأبَّره.
- قال الفضيل بن عياض رحمه الله وهو
يحدث عن (إبراهيم التميمي) إن إبراهيم قال: إن حبسني (يعني الحجاج) فهو أهون علي، ولكن أخاف أن يبتليني فلا أدري على ما
أكون عليه؟ (يعني من الفتنة) ، فحبسني، فدخلت على
اثنين في قيد واحد، في مكان ضيق لا يجد الرجل إلا موضع مجلسه، فيه يأكلون، وفيه
يتغوطون، وفيه يصلّون قال: فجيء برجل من أهل البحرين، فأدخل علينا، فلم يجد مكانا،
فجعلوا يتبرمون منه، فقال: اصبروا، فإنما هي الليلة، فلما كان الليل قام يصلي،
فقال: يا رب مننت علي بدينك، وعلمتني كتابك، ثم سلطت علي شر خلقك، يا رب الليلة
الليلة، لا أصبح فيه، فما أصبحنا حتى ضَرب بوّابُ السجن: أين البحراني؟ فقلنا: ما
دعا به الساعة إلا ليقتل، فخُلَّيَ سبيلُه، فجاء فقام على الباب، فسلم علينا،
وقال: أطيعوا الله لا يعصكم..
حكم القسم على الله :
لقد أقسم على ربه لقوة رجائه وحسن الظن بربه; فهذا جائز
فهو لقوة رجائه بالله وحسن ظنه
أقسم على الله أن لا تكسر ثنية الربيع; فألقى الله العفو في قلوب هؤلاء الذين صمموا
أمام الرسول صلى الله عليه وسلم على القصاص; فعفوا وأخذوا الأرش.
فصل: من الصالحين من غلب عليه الرفق ومنهم من غلب عليه
الخوف
· قد سمعنا بجماعة من
الصالحين عاملوا الله عز وجل على طريق السلامة والمحبة واللطف، فعاملهم كذلك؛ لأنهم لا يحتمل طبعهم غير ذلك،
- ففي الأوائل برخ العابد، خرج يستسقي، فقال
[مناجيًا الله] : ما هذا الذي لا نعرفه منك؟! اسقنا الساعة فسقوا.
- وفي
الصحابة أنس بن النضر،
يقول: والله، لا تكسر سن الربيع.
فجرى الأمر كما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو
أقسم على الله لأبره".
وهؤلاء قوم غلب عليهم ملاحظة
اللطف والرفق، فلطف بهم، وأجروا على ما اعتقدوا.
·
وهناك
أعلى من هؤلاء، يسألون فلا يجابون، وهم بالمنع راضون، ليس لأحدهم انبساط، بل قد
قيدهم الخوف، ونكس
رؤوسهم الحذر، ولم يروا ألسنتهم أهلًا للانبساط؛ فغاية آمالهم العفو..
فإن انبسط أحدهم بسؤال، فلم ير الإجابة، عاد على نفسه
بالتوبيخ، فقال: مثلك لا يجاب! وربما قال: لعل المصلحة في منعي. وهؤلاء الرجال حقًّا.2
·
والأبله الذي يرى له من
الحق أن يجاب؛ فإن لم يجب، تذمر في باطنه، كأنه يطلب أجرة عمله، وكأنه قد نفع الخالق بعبادته!
وإنما العبد حقًّا من يرضى ما يفعله الخالق، فإن سأل،
فأجيب، رأى ذلك فضلًا، وإن منع، رأى تصرف مالك في مملوك، فلم يجل في قلبه اعتراض
بحال.[10]
استشهد رضي الله عنه
وأرضاه في غزوة أحد، ووجد به بضع وثمانون مابين ضربة بسيف أو طعنة برمح
أو رمية بسهم ومثل به المشركون انتقاماً مما صنع بهم حتى لم يعرفه أحد إلا أخته الرُّبَيّع
عرفته ببنانه.
0 comentarios:
Publicar un comentario