sábado, 29 de noviembre de 2014

البحر عبد الله بن عباس

0 comentarios
عبد الله بن عباس اسمه وشرف نسبه
حبر الأمة ، وفقيه العصر ، وإمام التفسير أبو العباس عبد الله ، عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي المكي الأمير - رضي الله عنه

·       لقد أمسك هذا الإمام النبيل والصحابي الجليل المجد من أطرافه؛

 فقد نال شرف الصحبة، وكفى بها من منزلة عَليَّة، ومكانة سَنِيَّة، لا يصل إليها أحدٌ إلى يوم الدين بعد موت سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.

  -  كما حاز منزلة القرابة؛ فهو ابن عم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن آل بيته الأطهار.
  -  كما ظفر بمجد العلم؛ فهو حبر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبحر علمها الزخَّار.
  -  كما فاز بمجد التقى والورع؛ فقد كان قوَّام الليل صوَّام النهار، متضرعاً بكَّاءً من خشية الله الواحد القهار.



 * ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل بن عشر ..
*  انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح ، وقد أسلم قبل ذلك ، فإنه صح عنه أنه قالكنت أنا وأمي من المستضعفين ؛ أنا من الولدان ، وأمي من النساء . [ 
نشأته :
ذلك أنه لما وضعته أمه حملته إلى ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم، فحنَّكهُ بِريقه، فكان أول ما دخل جوفه رِيقُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المبارك الطاهر، ودخلت معه التقوى والحكمة..

ونشأ رضي الله عنه في بيوت النبوة، بين أكناف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخالته أم المؤمنين ميمونة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة العين لأختها، فكان يُعِدُّ له ماء وضوئه إذا هم أن يتوضأ، ويصلي معه إذا وقف للصلاة من الليل، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يردفه خلفه إذا عزم على السفر والتنقل، حتى غدا له كظله يسير معه أنَّى سار، ويدور في فلكه كيفما دار.
أخذه للعلم :
دعاء النبي له بالعلم مع بدو معالم البديهة عنده والنبوغ :
  -  عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله ، قال : بت في بيت خالتي ميمونة ، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا ، فقال : من وضع هذا ؟ قالوا : عبد الله . فقال : اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين . [
  عن ابن عمر ؛ أن عمر دعا ابن عباس ، فقربه . وكان يقول : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاك يوما ، فمسح رأسك ، وتفل في فيك ، وقال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
  -  عن ابن عباس ، قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل ، فجعلني حذاءه ، فلما انصرف ، قلت : وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله ؟ فدعا الله أن يزيدني فهما وعلما
-  عن ابن بريدة ، عن ابن عباس : انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل ، فقال له جبريل : إنه كائن هذا حبر الأمة ، فاستوص به خيرا . 
منشأه في بيت النبوة و تربية النبي صلى الله عليه وسلم له
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليًّا، ثم التفت فقال: «يا غلام». قلت: لبيك يا رسول الله. قال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر؛ فإن في الصبر على ما تكرهه خيرًا كثيرًا، واعلم أن مع الصبر النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر».
اجتهاده في الطلب والتحصيل :
   صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوا من ثلاثين شهرا ، وحدث عنه بجملة صالحة
   *  وأخذ عن عمر ، وعلي ، ومعاذ ، ووالده ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي سفيان صخر بن حرب ، وأبي ذر ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وخلق . 

    * وقرأ على أبي ، وزيد . 
 -  يقول عن نفسه: "ان كنت لأسأل عن الأمر الواحد، ثلاثين من أصحاب رسول الله". ويعطينا صورة لحرصه على إدراكه الحقيقة والمعرفة فيقول:" لما قبض رسول الله قلت لفتى من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله، فإنهم اليوم كثير. فقال: يا عجبا لك يا بن عباس!! أترى الناس يفتقرون إليك، وفيهم من أصحاب رسول الله من ترى؟؟ فترك ذلك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله. فان كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة، فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، حتى ينتهي من مقيله، ويخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟؟ هلا أرسلت اليّ فآتيك؟ فأقول لا، أنت أحق بأن أسعى إليك، فأسأله عن الحديث وأتعلم منه".

-  وعنه قال : { كنتُ أكرمُ الأكابرَ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، وأسألهم عن مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما نزل من القرآن في ذلك، وكنتُ لا آتي أحداً منهم إلا سُرَّ بإتياني لقُربي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أسأل إبيّ بن كعب يوماً عمّا نزل من القرآن بالمدينة، فقال: { نزل سبعٌ وعشرون سورة، وسائرها بمكة }.

- ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عبّاس بركابه فقال: { لا تفْعل يا ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- }. قال: { هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا }. فقال له زيد: { أرني يديك }. فأخرج يديه فقبّلهما وقال: { هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- }.

- وكان ابن عبّاس يأتي أبا رافع، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: { ما صنع النبي- -صلى الله عليه وسلم- يوم كذا وكذا ؟}.رومع ابن عبّاس ألواحٌ يكتب ما يقول.
  -سئل ابن عباس يوما: " أنّى أصبت هذا العلم"؟ فأجاب: " بلسان سؤول.. وقلب عقول".. فبلسانه المتسائل دوما، وبعقله الفاحص أبدا، ثم بتواضعه ودماثة خلقه، صار ابن عباس حبر هذه الأمة...
·       وقال : "خذ الحكمة ممن سمعت؛ فإن الرجل يتكلم بالحكمة وليس بحكيم، فتكون كالرمية خرجت من غير رامٍ".
ثمرة علمه
مجالسه وغزارة علمه : لقب بالبحر إذ أنه لم يتعود أن يسكت عن أمر سُئل عنه

    - قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباس رضي الله عنه قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب ونائل، وما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يومًا ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا التأويل، ويومًا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب، ولا رأيت عالمًا قَطُّ جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلاً قط سأله إلا وجد عنده علمًا.
    - وعن أبي صالح قال: لقد رأيت من ابن عباس رضي الله عنه مجلسًا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها به الفخر؛ لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا يذهب.
  -    وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام والعربية والأنساب والشعر.
  -    وقال عطاء: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس يأتونه لأيام العرب ووقائعهم، وناس يأتونه للفقه والعلم، فما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما يشاؤون.
*  وكان آية في الحفظ، أنشده ابن أبي ربيعة قصيدته التي مطلعها: «أمن آل نعم أنت غاد فمبكر» فحفظها في مرة واحدة، وهي ثمانون بيتا
   *وكان إذا سمع النوادب سد أذنيه بأصابعه، مخافة أن يحفظ أقوالهن.
* له في الصحيحين وغيرهما 1660 حديثا.

o      فهمه للقرآن :
-  قال ابن عمر:  ابن عباس أعلم الناس بما أنزل على محمد.
 -  كما قال عنه الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إن ابن عباسٍ كان من القرآن بمنزل).

 -  قال مجاهد:   كنت إذا رأيت ابن عباس يفسر القرآن أبصرت على وجهه نورا.
 -  وقال شقيق: { خطب ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة البقرة، فجعل يقرؤها ويفسّر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلامَ رجلٍ مثله، لو سَمِعَتْهُ فارس والروم لأسلمتْ }.

  *  وينسب إليه كتاب في «تفسير القرآن - ط» جمعه بعض أهل العلم من مرويات المفسرين عنه في كل آية فجاء تفسيرا حسنا.
o      مع الفاروق عمر :
  - وكان عمر إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال له: أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله ولا يدعو لذلك أحدا سواه. وكان يلقبه بفتى الكهول. ..
 *  يصفه سعد بن أبي وقاص بهذه الكلمات: " ...ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وحوله أهل بدر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس، ولا يجاوز عمر قوله".
     -   و كان أناسٌ من المهاجرين قد وجدوا على عمرفي إدنائه ابن عبّاس دونَهم، وكان يسأله، فقال عمر: { أمَا إنّي سأريكم اليومَ منه ما تعرفون فضله }.

     * فسألهم عن هذه السورة.(( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً )) [النصر:1-2].
     قال بعضهم: { أمرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمدوه ويستغفروه }. فقال عمر: { يا ابن عبّاس، ألا تكلّم ؟}. قال: { أعلمه متى يموتُ، قال إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ،  والفتح فتح مكة ورأيتَ النّاسَ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً،  فهي آيتُكَ من الموت فسَبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرهُ إنّهُ كانَ تَوّاباً }.

 *  ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها، فقال بعضهم: { كُنّا نرى أنّها في العشر الأوسط، ثم بلغنا أنّها في العشر الأواخر }.
وقال بعضهم: { ليلة إحدى وعشرين }. وقال بعضهم: { ثلاث و عشريـن }. وقال بعضهم: { سبع وعشريـن.
فقال بعضهم لابـن عباس: { ألا تكلّم !}. قال: { الله أعلم }. قال: { قد نعلم أن الله أعلم، إنّما نسألك عن علمك }.
فقال ابن عبّاس: { الله وترٌ يُحِبُّ الوترَ، خلق من خلقِهِ سبع سموات فاستوى عليهنّ، وخلق الأرض سبعاً، وخلق عدّة الأيام سبعاً، وجعل طوافاً بالبيت سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وبين الصفا والمروة سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبعٍ }.
 قال عمر: { وكيف خلق الإنسان من سبعٍ، وجعل رزقه من سبعٍ ؟ فقد فهمت من هذا أمراً ما فهمتُهُ ؟}.

قال ابن عباس: { إن الله يقول: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ *  ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *  ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [المؤمنون:12-14].
 ثم قرأ: (( أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً )) * (( ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً )) * (( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً )) * (( وَعِنَباً وَقَضْباً )) * (( وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً )) * (( وَحَدَائِقَ غُلْباً )) * (( وَفَاكِهَةً وَأَبّاً )) [عبس:25-31]^، وأمّا السبعة فلبني آدم، والأبّ فما أنبتت الأرض للأنعام، وأمّا ليلة القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاثٍ وعشرين يمضينَ وسبعٍ بقين }.

* مع الخوارج :
- بعث الإمام علي رضي الله عنه ابن عباس رضي الله عنه ذات يوم إلى طائفة من الخوارج، فدار بينه وبينهم حوار طويل، ساق فيه الحجة بشكل يبهر الألباب؛ فقد سألهم ابن عباس رضي الله عنه: "ماذا تنقمون من علي؟"
قالوا: "نَنْقِم منه ثلاثًا:
أولاهُن أنه حكَّم الرجال في دين الله، والله يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} [الأنعام: 57].
والثانية: أنه قاتل ثم لم يأخذ من مقاتليه سَبْيًا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارًا فقد حلّت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حُرِّمَت عليه دماؤهم.
والثالثة: أنه رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين استجابةً لأعدائه، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين".
وأخذ ابن عباس رضي الله عنه يُفَنّد أهواءهم، فقال: "أمّا قولكم: إنه حَكّم الرجال في دين الله، فأي بأس؟! إن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم} [المائدة: 95]. فَنَبِّئوني بالله، أتحكيم الرجال في حَقْن دماء المسلمين أحق وأوْلى، أم تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم؟!
وأما قولكم: إنه قاتل فلم يسْبِ ولم يغنم، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سَبْيًا، ويأخذ أسلابها غنائم؟!
وأما قولكم: إنه رضي أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين حتى يتم التحكيم، فاسمعوا ما فعله رسول الله يوم الحديبية؛ إذ راح يُملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش، فقال للكاتب: اكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله». فقال مبعوث قريش: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صَدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك، فاكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فقال لهم الرسول: «والله إني لرسول الله وإن كَذَّبْتُم». ثم قال لكاتب الصحيفة: «اكتب ما يشاءون، اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله».
واستمر الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر، وما كاد ينتهي النقاش حتى نهض منهم عشرون ألفًا معلنين اقتناعهم، وخروجهم من خُصومة الإمام علي رضي الله عنه.
                                             أخلاقه ووقار العلم عليه :
كساه الله حلة الجمال مع وقار العلم :
-  عن  ابن جريج قال : كنا جلوسا مع عطاء في المسجد الحرام ، فتذاكرنا ابن عباس ؛ فقال عطاء : ما رأيت القمر ليلة أربع [ ص:337 ] عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس .

-
عن أبيه ، عن عكرمة ، قالكان ابن عباس إذا مر في الطريق ، قلن النساء على الحيطان : أمر المسك ، أم مر ابن عباس ؟ 

* ولم يكن ابن عباس يمتلك هذه الثروة الكبرى من العلم فحسب. بل كان يمتلك معها ثروة أكبر، من أخلاق العلم وأخلاق العلماء.
  -  فهو في جوده وسخائه إمام وعالم. انه ليفيض على الناس من ماله، بنفس السماح الذي يفيض به عليهم.
   ولقد كان معاصروه يتحدثون عنه فيقولون: "ما رأينا بيتا أكثر طعاما، ولا شرابا، ولا فاكهة، ولا علما من بيت ابن عباس".
-          وهو طاهر القلب، نقيّ النفس، لا يحمل لأحد ضغنا ولا غلا. وهوايته التي لا يشبع منها، هي تمنّيه الخير لكل من يعرف ومن لا يعرف من الناس.
  فيقول عن نفسه: "إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم.
  وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل، ويحكم بالقسط، فأفرح به وأدعو له. ومالي عنده قضيّة.
  وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به، ومالي بتلك الأرض سائمة."
-    وهو عابد قانت أوّأب، كثير البكاء كلما صلى، وكلما قرأ القرآن، فاذا بلغ في قراءته بعض آيات الزجر والوعيد، وذكر الموت، والبعث علا نشيجه ونحيبه.
 - من مواعظ هذا الصحابي الجليل، أنه كان يقول: (( يا صاحب الذنب, لا تأمن عاقبة ذنبك ، واعلم أن ما يتبع الذنب أعظمُ من الذنب نفسه، إن عدم استحيائك ممن على يمينك وعلى شمالك، وأنت تقترف الذنب لا يقلُّ عن الذنب، وإن ضحكَك عند الذنب، وأنت تدري، أو أنت لا تدري ما الله صانع بك أعظمُ من الذنب، وإن فرحَك بالذنب إذا ظفرت به أعظمُ من الذنب، وإن حزنَك على الذنب إن فاتك أعظمُ من الذنب, وإن خوفك من الريح إذا حركت سترك, وأنت ترتكب الذنب مع كونك لا تضطرب من نظر الله لك أعظم من الذنب, يا صاحب الذنب, استغفر لذنبك, ما كان بعد الذنب أعظم من الذنب نفسه))

* وكان ابن عباس أمير البصرة، وكان يغشى الناس في شهر رمضان، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلّم بكلام يروعهم ويقول: { مَلاكُ أمركم الدّين، ووصلتكم الوفاء، وزينتكم العلم، وسلامتكم الحِلمُ وطَوْلكم المعروف، إن الله كلّفكم الوسع، اتقوا الله ما استطعتم }.

- و قال جُندُب لابن عباس: { أوصني بوصية، قال: أوصيك بتوحيد الله، والعمل له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإن كل خير أنتَ آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول، وإلى الله مرفوع، يا جُندُب إنّك لن تزداد من يومك إلا قرباً، فصلّ صلاة مودّع، وأصبح في الدنيا كأنّك غريب مسافر، فإنّك من أهل القبور، وابكِ على ذنبك، وتُبْ من خطيئتك، ولتكن الدنيا أهون عليك من شِسْعِ نَعْلَيك، وكأنّ قد فارقتها، وصرت إلى عدل الله، ولن تنتفع بما خلّفت، ولن ينفعك إلا عملك }.

-   وهو إلى جانب هذا شجاع، أمين، حصيف..
في كل خلاف لم تكن تجد ابن عباس الا حاملا راية السلم، والتفاهم واللين، صحيح أنه خاض المعركة مع الامام عليّ ضد معاوية. ولكنه فعل ذلك لأن المعركة في بدايتها كانت تمثل ردعا لازما لحركة انشقاق رهيبة، تهدد وحدة الدين ووحدة المسلمين.

     وعنه رضي الله عنه قال: إذا أتيت سلطانًا مهيبًا تخاف أن يسطو بك، فقل: الله أكبر، الله أكبر من خلقه جميعًا، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السموات السبع أن تقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس، إلهي كن لي جارًا من شرهم، جل ثناؤك، وعز جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك. ثلاث مرات.
وفاته
مات عبد الله بن العباس رضي الله عنه بالطائف سنة ثمانٍ وستين، وهو ابن إحدى وثمانين سنة. وقد كف بصره.
 - وقال فيه محمد بن الحنفية: (اليومَ مات ربانيُّ هذه الأمة).

o      وبينما كانوا يوارونه في التراب إذ سمعوا صوتاً يقول: ((يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)) [الفجر].

0 comentarios:

Publicar un comentario