sábado, 27 de septiembre de 2014

تفْسِيرُ أول خمس آيات من سُورَةِ الْبَقَرَةِ

0 comentarios
البقرة نزلت بالمدينة:
والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف وهي من أوائل ما نزل بها، لكن قوله تعالى فيه وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ الْآيَةَ يقال إنها آخر ما نزل من القرآن ، وكذلك آيات الربا من آخر ما نزل.
                      مَا وَرَدَ فِي فَضْلِهَا :

   -عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا تَجْعَلُوا بيوتكم قبورا فإن البيت الذي تقرأ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ» مُسْلِمٍ

   -عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الشيطان يفرّ من البيت يُسْمَعُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. صححه الألباني

  -وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَاسْتَقْرَأَ كل واحد منهم مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ: مَا مَعَكَ يَا فلان؟ فقال: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ. فَقَالَ: أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: وَاللَّهِ مَا منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا أني خشيت أن لا أَقُومَ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تعلموا القرآن فاقرأوه وأقرئوه فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَمَثَلَ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وهو في جوفه كمثل جراب وكىء عَلَى مِسْكٍ» رواه التِّرْمِذِيِّ وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وصححه الشيخ أحمد شاكر في التفسير

   -وعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ- وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ- إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا- فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا أَخَذَهُ رَفْعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ» قال: قد أشفقت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجْتُ حَتَّى لَا أَرَاهَا قَالَ «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟» قَالَ لَا قَالَ «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ» رواه البخاري

   -وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ شَافِعٌ لِأَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ أَهْلِهِمَا» يوم القيامة ثُمَّ قَالَ «اقْرَءُوا الْبَقَرَةَ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وتركها حسرة ولا يستطيعها الْبَطَلَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
الم 1
هذا وقد اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وأقوى الأقوال في هذه المسألة قولان :

الأول : هِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَرَدُّوا عِلْمَهَا إِلَى اللَّهِ وَلَمْ يُفَسِّرُوهَا

الثاني : ذُكِرَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا بَيَانًا لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ هَذَا مَعَ أنه مركب مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي يَتَخَاطَبُونَ بِهَا، وَلِهَذَا كُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا الِانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ وَبَيَانُ إِعْجَازِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ ..

    وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سُورَةً وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى الم. ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [الْبَقَرَةِ: 1- 2]
الم. اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ [آلِ عِمْرَانَ: 1- 3]
o       المص. كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الْأَعْرَافِ: 1- 2]
o       الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [إِبْرَاهِيمَ: 1]
o       الم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السَّجْدَةِ: 1- 2]
o       حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [فُصِّلَتْ: 1- 2]
o       حم. عسق. كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الشُّورَى: 1- 3]

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 - الظلال : إنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف , وهي في متناول المخاطبين به من العرب . ولكنه – مع هذا – هو ذلك الكتاب المعجز , الذي لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله .

  -  والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعا . وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس .. أن هذه التربة الأرضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات . فإذا أخذ الناس هذه الذرات فقصارى ما يصوغونه منها لبنة أو آجرة , أو آنية أو اسطوانة , أو هيكل أو جهاز . كائنا في دقته ما يكون . . ولكن الله المبدع يجعل من تلك الذرات حياة . حياة نابضة خافقة . تنطوي على ذلك السر الإلهي المعجز . . سر الحياة . . ذلك السر الذي لا يستطيعه بشر , ولا يعرف سره بشر . . وهكذا القرآن . . حروف وكلمات يصوغ منها البشر كلاما وأوزانا , ويجعل منها الله قرآنا وفرقانا , والفرق بين صنع البشر وصنع الله من هذه الحروف والكلمات , هو الفرق ما بين الجسد الخامد والروح النابض . . هو الفرق ما بين صورة الحياة وحقيقة الحياة !

العجز عن الإدراك إدراك

  -  الشعراوي  :  وإذا أراد انسان منا أن يعرف معنى هذه الحروف فلا نأخذها على قدر بشريتنا. . ولكن نأخذها على قدر مراد الله فيها. . وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة. فكل منا يملك مِفْتاحاً من مفاتيح الفهم كل على قدر علمه. .
ونحن لا يجب أن نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف. فحياة البشر تقتضي منا في بعض الأحيان أن نضع كلمات لا معنى لها بالنسبة لغيرنا. . وإذن كانت تمثل أشياء ضرورية بالنسبة لنا. تماما ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش لا معنى لها إذا سمعتها. ولكن بالنسبة لمن وضعها يكون ثمنها الحياة أو الموت. . فخذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها. . وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها. فالله سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده.

وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف. فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم. . ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها. لأن كلام الله صفة من صفاته. . وصفة فيها كمال بلا نهاية.

إن عدم فهم الانسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها. .

فالريفي مثلا ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئا. فلماذا لا يكون الله تبارك وتعالى قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من اسرارها ويتنزل الله بها علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها.
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)

ذَلِكَ الكتاب، أي هَذَا الْكِتَابُ

الفرق بين الكتاب والقران :

وكلمة (قرآن) معناها أنه يُقرأ، وكلمة (كتاب) معناها أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يُدوّن في السطور، ويبقى محفوظاً إلى يوم القيامة

لماذا قال الكتاب ولم يقل القران:

 والقول بأنه الكتاب، تمييز له عن كل كتب الدنيا، وتمييز له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك، فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل احكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته ودليل على وحدانية الخالق، فمنذ فجر التاريخ، نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج السماء، ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت موقوتة، في زمانها ومكانها، تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه قوم مُحَّددين.

o       وَالرَّيْبُ:  الشَّكُّ. أي لَا شَكَّ فِيهِ .

فالإِعجاز الموجود في القرآن الكريم هو في الأسلوب وفي حقائق القرآن وفي الآيات وفيما رُوِىَ لنا من قصص الأنبياء السابقين، وفيما صحح من التوراة والانجيل، وفيما أتى به من علم لم تكن تعلمه البشرية ولازالت حتى الآن لا تعلمه، كل ذلك يجعل القرآن لا ريب فيه، لأنه لو اجتمعت الإنس والجن ما استطاعوا أن يأتوا بآية واحدة من آيات القرآن، ولذلك كلما تأملنا في القرآن وفي أسلوبه، وجدنا أنه بحق لا ريب فيه، لأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بآية، فما بالك بالقرآن.

فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب، وفوق مدارك البشر، يوضح آيات الكون، وآيات المنهج، وله في كل عصر معجزات.
 -  ومن أين يكون ريب أو شك ; ودلالة الصدق واليقين كامنة في هذا المطلع , ظاهرة في عجزهم عن صياغة مثله , من مثل هذه الأحرف المتداولة بينهم , المعروفة لهم من لغتهم ?


لماذا خصت الهداية للمتقين ( هداية اعانة ودلالة )

وَخُصَّتِ الْهِدَايَةُ لِلْمُتَّقِينَ كَمَا قَالَ

o       قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فُصِّلَتْ: 44]
o       وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الْإِسْرَاءِ: 82]
 إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اختصاص المؤمنين بالنفع بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ هُدًى وَلَكِنْ لا يناله إلا الأبرار
o       كما قال تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يُونُسَ: 57]

فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب . هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدي دوره هناك . هي التي تهيء لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى وأن يستجيب .
                 
لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم . بقلب خالص . ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى ويتوقى , ويحذر أن يكون على ضلالة , أو أن تستهويه ضلالة . . وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره , ويسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقيا , خائفا , حساسا , مهيأ للتلقي . . 

                                                  والمتقون هم :

-  وعَنِ ابن عباس لِلْمُتَّقِينَ قال: الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ فِي التصديق بما جاء به.

-  وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ البصري: قوله تعالى لِلْمُتَّقِينَ قَالَ: اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَدَّوْا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ.

-  وسَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ التَّقْوَى فَقَالَ لَهُ: أَمَا سَلَكْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: شَمَّرْتُ وَاجْتَهَدْتُ ، قَالَ: فَذَلِكَ التَّقْوَى.

             -   وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ فَقَالَ:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ... وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كماش فوق أرض ... الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ... إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى

و هُمُ الَّذِينَ نَعَتَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ الآية والتي بعدها .

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)

معنى الايمان

o       يُؤْمِنُونَ: يُصَدِّقُونَ ، والْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى التَّصْدِيقِ الْمَحْضِ

-  كَمَا قَالَ تَعَالَى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التَّوْبَةِ: 61]
-  وَكَمَا قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ " وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ "يُوسُفَ:17

وَالْإِيمَانُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِلْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَتَصْدِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْفِعْلِوهو قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ .

o       ومنهم من فسره بالخشية

-   كقوله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [الْمُلْكِ: 12]
-  وَقَوْلِهِ: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق: 33]

الغبب المقصود هاهنا : 
معن الغبب

الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس. فالأشياء المحسة التي نراها ونلمسها لا يختلف فيها أحد... ولذلك يقال ليس مع العين أين. . لأن ما تراه لا تريد عليه دليلا. .
و هناك الحواس الظاهرة. . وهناك ادراكات في النفس. . وهي حواس لا يعلمها إلا خالقها. . هناك ادراكات لا يعلم عنها الانسان شيئا، وهي ادراكات كثيرة ومتعددة.

o      أمثلة :
     - عندما تشعر بالجوع. . بأي حاسة أدركت أنك جوعان؟ . . ليس بالحواس الظاهرة. . وكذلك عندما تظمأ. . ما هي الحاسة التي أدركت بها أنك محتاج الى الماء. . وعندما تكون نائما. . أي حاسة تلك التي توقظك من النوم. . لا أحد يعرف. .. لذلك يخطئ من يقول إن ما لا يدرك بالحواس البشرية الظاهرة هو غيب. . لأن هناك ملكات وادراكات متعددة تعمل بغير علم منا.

والغيب بلا مقدمات ولا قوانين تؤدي اليه.

    وهل عندما تعلن الأرصاد الجوية أن غدا يوم مطير شديد الرياح. . أتكون قد عَلِمَتْ غيبا؟ . . لا. . لأنها أخذت المقدمات ووصلت بها الى نتائج وهذا ليس غيباً. .

والعلماء الذين يكتشفون أسرار الكون. . أيقال إنهم أطلعوا على الغيب؟ . . لا. . لأن هؤلاء العلماء اكتشفوا موجوداً له مقدمات فوصلوا الى هذه النتائج فهو ليس غيبا.

   واذا جاء أحد من الدجالين وقال لك ان ما سرق منك عند فلان. . أيكون قد علم الغيب؟ . . لا. . لأنه يشترط في الغيب ألا يكون معلوما لمثلك. . وما سرق منك معلوم لمثلك. . فالسارق والذي بيعت له المسروقات يعرفان من الذي سرق، وما الذي حدث. . والشرطة تستطيع بالمقدمات والبصمات والبحث أن تصل الى السارق ومن اشترى المسروقات.

Ø    خلاصة القول: هو الشيء الذي ليس له مقدمات ولا يمكن أن يصل اليه علم خَلْقٍ من خلق الله حتى الملائكة. .

واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى حينما عَلَّمَ آدم الأسماء كلها وعرضهم على الملائكة قال جل جلاله: {وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ العليم الحكيم قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31 - 33]

إذن فالغيب هو ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. . واقرأ قول الحق جل جلاله: {عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} [الجن: 26 - 27]

وهكذا فإن الرسل لا يعلمون الغيب. . ولكن الله سبحانه وتعالى يعلمهم بما يشاء من الغيب ويكون هذا معجزة لهم ولمن اتبعوهم.

   - فمعنى قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ : يؤمنون بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَلِقَائِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ، فَهَذَا غَيْبٌ كُلُّهُ.


الايمان بالغيب انتقال من مرتبة البهيمية الى درجة ارقى :

 - والإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان , فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه , إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدد الذي تدركه الحواس

كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض ; فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته ; ويتلقى أصداءه وإيحاءاته في أطوائهوأعماقه , ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود , وأن وراء الكون ظاهره وخافيه , حقيقة أكبر من الكون , هي التي صدر عنها , واستمد من وجودها وجوده . . حقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار ولا تحيط بها العقول .

الايمان بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام ولم نره :
-   وعَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: قلت لأبي جمعة [رجل من الصحابة] :حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا جيّدا: تغذينا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا؟ أَسْلَمْنَا معك وجاهدنا معك ؟ قال «نعم قوم يكونون مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» صححه الألباني
                              
-  وعَنْ صَالِحِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جُمُعَةَ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فيه ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة رضي الله عنه فَلَمَّا انْصَرَفَ خَرَجْنَا نُشَيِّعُهُ، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ قَالَ: إِنَّ لَكُمْ جَائِزَةً وَحَقًّا، أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: هَاتِ رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ منّا أجرا؟ آمنا بالله وَاتَّبَعْنَاكَ، قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَأْتِيكُمْ بِالْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ بَلْ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِكُمْ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا مَرَّتَيْنِ» جود إسناده الألباني

وجود الشيء مختلف تماما عن ادراك
ولابد أن نعرف أن وجود الشيء مختلف تماما عن ادراك هذا الشيء. . فأنت لك روح في جسدك تهبك الحياة. . أرأيتها؟ . . أسمعتها؟ . . أذقتها؟ . . أشممتها؟ . . ألمستها؟ . . الجواب طبعا لا. . فبأي وسيلة من وسائل الادراك تدرك أن لك روحا في جسدك؟ بأثرها في إحياء الجسد. .

وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ :
 إِقَامَةُ الصَّلَاةِ إِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْخُشُوعِ والإقبال عليها فيها ، والْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا .

والصلاة هي إدامة ولاء العبودية للحق تبارك وتعالى وهي لا تسقط عن الانسان أبدا. . فالانسان يصلي وهو واقف، فإن لم يستطع يصلي وهو جالس. فإن لم يستطع، فيصلي وهو راقد. . ولا تسقط الصلاة عن الانسان من ساعة التكليف إلى ساعة الوفاة كل يوم خمس مرات. .

 -  فيتجهون بالعبادة لله وحده , ويرتفعون بهذا عن عبادة العباد , وعبادة الأشياء . يتجهون إلى القوة المطلقة بغير حدود ويحنون جباههم لله لا للعبيد ; والقلب الذي يسجد لله حقا , ويتصل به على مدار الليل والنهار , يستشعر أنه موصول السبب بواجب الوجود , ويجد لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض وحاجات الأرض , ويحس أنه أقوى من المخاليق لأنه موصول بخالق المخاليق . . وهذا كله مصدر قوة للضمير , كما أنه مصدر تحرج وتقوى , وعامل هام من عوامل تربية الشخصية , وجعلها ربانية التصور , ربانية الشعور , ربانية السلوك .

وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ:

o       زَكَاةُ أَمْوَالِهِمْ.

  -  وكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ حَقُّ اللَّهِ وَعِبَادَتُهُ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالِابْتِهَالِ إِلَيْهِ وَدُعَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ .

فهم يعترفون ابتداء بأن المال الذي في أيديهم هو من رزق الله لهم , لا من خلق أنفسهم ; ومن هذا الاعتراف بنعمة الرزق ينبثق البر بضعاف الخلق , والتضامن بين عيال الخالق , والشعور بالآصرة الإنسانية , وبالأخوة البشرية . . وقيمة هذا كله تتجلى في تطهير النفس من الشح , وتزكيتها بالبر . وقيمتها أنها ترد الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن , وأنها تؤمن العاجز والضعيف والقاصر , وتشعرهم أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس , لا بين أظفار ومخالب ونيوب !

   والإنفاق يشمل الزكاة والصدقة , وسائر ما ينفق في وجوه البر . وقد شرع الإنفاق قبل أن تشرع الزكاة , لأنه الأصل الشامل الذي تخصصه نصوص الزكاة ولا تستوعبه .

تستوعب جميع حركة الحياة.

وحين نتكلم عن الرزق يظن كثير من الناس أن الرزق هو المال. . نقول له لا. . الرزق هو ما ينتفع به فالقوة رزق، والعلم رزق، والحكمة رزق، والتواضع رزق. . وكل ما فيه حركة للحياة رزق. . فإن لم يكن عندك مال لتنفق منه فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال. . وتتصدق بها على العاجز والمريض. . وان كان عندك حلم. . فإنك تنفقه بأن تقي الأحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك. . وان كان عندك علم انفقه لتعلم الجاهل. . وهكذا نرى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} تستوعب جميع حركة الحياة.

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)

أَيْ يُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ.

وهي الصفة اللائقة بالأمة المسلمة , وارثة العقائد السماوية , ووارثة النبوات منذ فجر البشرية , والحفيظة على تراث العقيدة وتراث النبوة , وحادية موكب الإيمان في الأرض إلى آخر الزمان . وقيمة هذه الصفة هي الشعور بوحدة البشرية , ووحدة دينها , ووحدة رسلها , ووحدة معبودها . . قيمتها هي تنقية الروح من التعصب الذميم ضد الديانات والمؤمنين بالديانات ما داموا على الطريق الصحيح . . قيمتها هي الاطمئنان إلى رعاية الله للبشرية على تطاول أجيالها وأحقابها . هذه الرعاية البادية في توالي الرسل والرسالات بدين واحد وهدى واحد .

وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ:
 أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْآخِرَةُ لِأَنَّهَا بَعْدَ الدنيا.

وهذه خاتمة السمات . الخاتمة التي تربط الدنيا بالآخرة , والمبدأ بالمصير , والعمل بالجزاء ; والتي تشعر الإنسان أنه ليس لقى مهملا , وأنه لم يخلق عبثا , ولن يترك سدى ; وأن العدالة المطلقة في انتظاره , ليطمئن قلبه , وتستقر بلابله , ويفيء إلى العمل الصالح , وإلى عدل الله روحمته في نهاية المطاف .

واليقين بالآخرة هو مفرق الطريق بين من يعيش بين جدران الحس المغلقة , ومن يعيش في الوجود المديد الرحيب . بين من يشعر أن حياته على الأرض هي كل ما له في هذا الوجود , ومن يشعر أن حياته على الأرض ابتلاء يمهد للجزاء , وأن الحياة الحقيقية إنما هي هنالك , وراء هذا الحيز الصغير المحدود .


أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

أُولئِكَ أَيْ الْمُتَّصِفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَالْإِيمَانِ بِمَا أنزل إِلَى الرَّسُولِ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْإِيقَانِ بالدار الآخرة، وهو مستلزم الاستعداد لها من الأعمال الصالحة وترك المحرمات عَلى هُدىً أي على نُورٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَيْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا.

وكذلك اهتدوا وكذلك أفلحوا . والطريق للهدى والفلاح هو هذا الطريق المرسوم .

·       خاتمة :


إن السمة الأولى للمتقين هي الوحدة الشعورية الإيجابية الفعالة . الوحدة التي تجمع في نفوسهم بين الإيمان بالغيب , والقيام بالفرائض , والإيمان بالرسل كافة , واليقين بعد ذلك بالآخرة . . هذا التكامل الذي تمتاز به العقيدة الإسلامية , وتمتاز به النفس المؤمنة بهذه العقيدة , والجدير بأن تكون عليه العقيدة الأخيرة التي جاءت ليلتقي عليها الناس جميعا , ولتهيمن على البشرية جميعا , وليعيش الناس في ظلالها بمشاعرهم وبمنهج حياتهم حياة متكاملة , شاملة للشعور والعمل , والإيمان والنظام .

0 comentarios:

Publicar un comentario