الحب في الله نتيجة الإيمان عميق
:
- عند الإمام
أحمد من حديث البراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله".
- وفي حديث آخر : وهما حديثان قويان. "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله
فقد استكمل الإيمان". حديث أبي داود عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
الإيمان والتقوى في القلب منبعهما، والحب في الله
في القلب منبته. فتربية القلوب على محبة الله ورسوله والمؤمنين أول خيط في حبل الله
المتين. وقد جعلنا حب الله ورسوله وحب المؤمنين أهم شعب الإيمان المندمجة تحت الخصلة
الأولى: « الصحبة والجماعة».
هذا الحب غير مرتبط بالأشخاص فقط
وإنما بمن يحملون نفس المشروع والمبدئ عب العصور :
- إن حبل المودة والمحبة يريده الله ورسوله رباطا
ممتدا بين أجيال المومنين، موصولا من قلب لقلب إلى منبع النور. الآصرة النبوية تضم
إليها الأمة من قنوات الحب في الله، تخُصُّ بالوصية قنوات آل البيت وقنوات الصحابة،
وتنعَتُهما نَعْتا.
الحُبُّ
لله والحب في الله، رزق يرْزقه الله من يشاء:
·
الحُبُّ لله والحب في الله، رزق يرْزقه الله من
يشاء، لا يفيد في ذلك تفعل العبد إلا أن يدعوَ ربه.
- عن عبد الله بن يزيد الخطيمي الأنصاري رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك.
اللهم ما رزقتني مما أحبُّ فاجعله قوة لي فيما تحب. وما زَوَيْتَ عني مما أحِبُّ فاجعله
فراغا لي فيما تُحب". رواه الترمذي وحسنه.
- الجنة ممنوعة علينا ما لم نتحابَّ
في الله، وهو تحاب يلقيه الله على هذه الأمة المرحومة، على المؤمنين المتقين، يتذوقونه
وتحلو الحياة به وهي مرة. "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد!
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" كما روى ذلك الشيخان عن
النعمان بن بشير مرفوعا.
من رزق احبابا في الله فقد
فاز فوزا عظيما :
اهرُب من قرناء الغفلة، وارْتَمِ في أحضان قوم
صالحين، وابك على ربك ليرزقك محبتهم، عسى أن تنجوَ من وَرطة الانحشار في زمرة الهالكين.
فإن حب الصالحين يُثمر حب الله، وحب الله يثمر حب الصالحين ..
- قال
الغزالي: "إن حب الله إذا قوي أثمر حب كلِّ من يقوم
بحق عبادة الله في علم أو عمل، وأثمر حب كل من فيه صفة مرْضية عند الله من خُلُق حسن
أو تأدب بآداب الشرع"[2].
لا سير بدون محبة كما أنه لا نبت بدون إخصاب :
أوصى الرب العليم الحكيم
حبيبه صلى الله عليه وسلم أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي مع
الذين يريدون وجهه. وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم، لا ليكتسب هو من رفقتهم وخُلتهم
إيمانا. كيف وهُو نجيُّ الرحمان، ومصدر أنوار الوحي، وجليس الملائكة! لكن أوصاه لتسمع
فلانة وتتفقه وتطمئن إلى أن صحبة جماعة حية بحياة الحب في الله شرط من شرائط
السير إلى الله، والقرب من الله.
· من كان رأس مالها سوء
الظن بالله وبعباد الله فحَبَّتها ما انفتقت لأن الأرضَ قاحلة، قاسية قسوة الصخر. قلب
قفر، قلب قبر.
والحب في الله ناظمة من
النواظم التي لا يقوم كيان إلا بها :
هي ثلاث نواظم : الحب في الله، والتناصح والتشاور في الله والطاعة
لله ولرسوله ولأولي الأمر. ثلاث نواظم لا تقوم إحداها مقام الأخرى، ولا يقوى
جسم اسلامي على جهاد اسلامي إلا بها.
- فالمحبة في الله في نظرنا لحم الجسد ودمه. وهو بها
وحدها جسم رخو لا يقوم لجهاد.
- والهيكل العظمي هو التناصح والتشاور
لما فيهما من صلابة في الحق تشبه صلابة العظم في الجسم. والتناصح والتشاور بلا محبة
تغطي العيب، وتتجاوز عن الهفوة، فقعقعة آراء، وأنانيات، وتأجيج خلاف.
- ثم لا يكون الجسد حيا إلا برئيس يقوده، وأجهزة تنفذ أوامر الرئيس، فالرئيس
في جسد اللحم والدم والعظم العقل الآمر، والرئيس في جسم الجماعة المؤمنة العضوية الأمير
ومعه سلم الإمارة بمثابة أجهزة الجسد.
جسم لا يسوده الوئام لا
يتطيع أن عديم الفاعلية لأنه مزعزع من الداخل :
جسم الجماعة إذا لم يكن بسوده الوئام الكامل، والوحدة الوجدانية العقدية
والتحاب في الله عز وجل، لا يستطيع أن يؤثر في مجتماعتنا الفتنوية الفاسدة التي يسطر
عليها الحقد الطبقي، والخلاف الحزبي، والنعرات القومية.
هذا الوئام يأتي من لين المؤمنين بعضهم لبعض وتراحمهم.
- قال
الله تعالى يصفهم : «محمد رسول الله والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (1)».
ومن التحاب في الله
واللين للمؤمنين يبدأ التأليف.
- قال الله تعالى يخاطب رسوله المصطفى : «فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ القلب لا
نفضوا من حولك».
ومن التحاب في الله واللين للمؤمنين تتألف عناصر
القوة الجهادية، وعناصر الدفع في وجه العدو.
- قال تعالى :
«أشداء على الكفار رحماء بينهم». ما قدروا على تلك الشدة إلا بوجود هذه الرحمة.
- وقال عز وجل من قائل : «يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله
بقوم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون
لومة لائم»..
الغفلة
عن الله هي التي تورث القسوة والفجوة :
- وإن شر ما يفرق جماعات المسلمين غفلتهم عن الله
حتى ينسوه فينسيهم أنفسهم، فتقسوا القلوب من ترك ذكر الله. وتتمثل هذه القسوة في تباغض
المسلمين فلا جماعة ولا إيمان.
وافتعال
الخلاف كذلك والشقاق يورث القلب قسوة والايمان تراجعا : (التيسير في العلاقة)
كلما أشجر بين المؤمنين خلاف، ونشب نزاع، وهبت
رياح الهوى، وماجت مظلمات بحر الأنانية، فليعلم المؤمنون أن ايمانهم نقص بمقدار ما
ابتعدوا عن الأخوة واللين بينهم ...
- وليرجعوا
دستور الوفاق والوئام في قول الله عز وجل كما حكى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «حققت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين
في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في،
المتحابون في على منابر من نور، يغبطهم بمكانهم النبيئون والصديقون والشهداء»..
لذلك
فالمحبة تقتضي التجاوز والعفو :
- قال الله تعالى يأمر رسوله ويأمرنا بعد أن ذكر منته
عليه : «فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر»(2).
عند الانتقال من الناظمة الأخوية إلى الناظمة
الشورية لا بد من إلحاح أخير على تغليب المحبة وتسبيقها. اعف عنهم حتى يأنسوا
بعطفك، واستغفر لهم حتى يعلموا أنك تحمل همهم أمام الله، ثم بعد ذلك شاورهم لتكون شواركم
تفاهما أخويا لا جدلا ويعفو ويستغفر، وفي الحاجة لمن ينصح ويشير.
الخلاف
في الرأي بين الأحباب وارد لا يفسد للود قضية (واقعية العلاقات).
قبل
أن نصل إلى ضرورة الزام المرء بالطاعة، نفحص أسباب الوحشة أو الجفوة بين المؤمنين.
فإن كان الخلاف على الرأي لا يتعدى مجال الرأي، ولا يتأثر بانفعالات فأمره هين، نلتمس
الإجماع أو شبهه، أو ترجيح الأمير، وقد انتهى الأمر. أما إن كان الخلاف غضبيا فننظر
في الدستور الإلهي دستور الرحمة التي تغشى المؤمنين حين يحبهم الله بتحابهم وتواصلهم
وتناصحهم وتزاورهم وتباذلهم وشوقهم إلى الله عز وجل يجلسهم على منابر من نور مغبوط
عليها.
- نسأل المتنازعين الغضبيين : هل تزاورتم ؟ هل
تباذلتم ؟ هل تناصحتم ؟ هل تجالستم ؟ ويحكم هل تحاببتم حتى يحبكم الله ؟ ويحكم هل ذكرتم
الله، هل تذكرونه فيذكركم ويرحمكم أم نسيتموه فأنساكم ووكلكم لخلافكم وانفعالكم ؟!
الحب حقوق وواجبات لا ادعاءات :
لا تحسب أن الحب في الله المقبول عند الله، الذي يتقرب به إلى الله استراحة
وتبادُل وُدّي للعواطف في مجالس الرخاوة والبطالة، بل لِلْحُبِّ في الله مُقتضيات وواجبات
أدناها إماطة الأذى عن طريق من تحبهم في الله، وأعلاها مواجهة المُبْغَضين في الله
في صف الأحباب في الله حتى الاستشهاد.
وتَستَظْهر النفوس حبَّ بعضنا بعضا مما يلي القلب، ومما يلي جانب المواساة
والتعاون الفعلي، والبذل والعطاء، والخدمة والرعاية، والتعاون على البر والتقوى، والتواصل
والتزاور والتجالس والتراص في صف الجهاد، والانتداب للمشاركة في أعمال البناء الجماعي
تربية وتنظيما وزحفا، وحملا لأعباء الدعوة والدولة، وتبليغا لرسالة الرحمة والمحبة
للعالمين.
أحبب حبيبك هونا ما :
واستُحِب أيضا أن يقتصد بَعضنا
في حب بعض لكيلا تحجبنا ألفة بعضنا بعضا عن حب الله ورسوله. يكون حب الله في صميم صميم
قلوبنا، ويغشى حبُّ رسول الله تلك الشِّغاف...
0 comentarios:
Publicar un comentario