sábado, 5 de octubre de 2013

سورة التكاثر

0 comentarios

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)

 - أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت بمكة سورة { ألهاكم التكاثر } .

فضلها :
- السيوطي في الدر المنثور: - أخرج الحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟ قالوا : ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية؟ قال : أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر؟ » .

 - وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : « قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قارىء عليكم سورة { ألهاكم التكاثر } فمن بكى فقد دخل الجنة ، فقرأها فمنا من بكى ومنا من لم يبك ، فقال الذين لم يبكوا : قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نقدر عليه . فقال : إني قارئها عليكم الثانية فمن بكى فله الجنة ، ومن لم يقدر أن يبكي فليتباك » .

المعنى الاجمالي :
- الظلال : أيها السادرون المخمورون . أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون . أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه . أيها التاركون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر . . استيقظوا وانظروا ..
   إنها سورة تعبر بذاتها عن ذاتها . وتلقي في الحس ما تلقي بمعناها وإيقاعها . وتدع القلب مثقلاً مشغولاً بهم الآخرة عن سفساف الحياة الدنيا وصغائر اهتماماتها التي يهش لها الفارغون!
إنها تصور الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل ... وتنتهي ومضة الحياة وتنطوي صفحتها الصغيرة . .
{ ألهاكم التكاثُر }:
   -  بن عجيبة : شغلكم التغالب في الكثرة والتفاخر بها .
 - رُوي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا ، وتعادُّوا بالسادة والأشراف ، فقال كُلُّ فريق منهم : نحن أكثر منكم سيداً ، وأعز عزيزاً ، وأعظم نفراً ، فكثرهم بنو عبد مناف ، فقالت بنو سهم : إنَّ البغي في الجاهلية أهلكنا ، فعادّونا بالأحياء والأموات ، ففعلوا ، وقالوا : قبر فلان ، وهذا قبر فلان ، فكثرهم بنو سهم .
        * والمعنى : أنكم تكاثرتم بالأحياء { حتى زُرتم المقابر } أي : إذا استوعبتم عددكم صرتم إلى الأموات ، فعبّر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة القبور تهكُّماً بهم .
قال عبد الله بن الشخِّير : قرأ النبيًّ صلى الله عليه وسلم { ألهاكم التكاثر } فقال : « يقول ابن آدم : ما لي ، وليس له من ماله إلا ثلاث ، ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو تَصَدَّق فأبقى » وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس .
   -  حقي : اللهو ما يغشل الانسان عما يعنيه ويهمه.
فيمن تختصه به الآيات :
-  » قال الإمامُ : ولم يقل : ألهاكم التكاثر عن كذا ، بل تركه مطلقاً؛ ليدخل تحته جميع ما يحتمله اللفظ ، فهو أبلغ؛ لأنه يذهب فيه الوهم كُلَّ مذهب..

- وعن عمرو بن دينار : حلف أن هذه السورة نزلت في التجار .

- وروى ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لَوْ أنَّ لابْنِ آدَمَ وادِساً مِنْ ذَهَبٍ ، لأحَبَّ أنْ يكُونَ لَهُ وادِيانِ ، ولنْ يَمْلأ فَاهُ إلاَّ التُّرابُ ، ويتُوبُ اللهُ على مَنْ تَابَ » ، رواه البخاري .


-  وذكر الحافظ ابن عساكر، في ترجمة الأحنف بن قيس  - واسمه الضحاك -  أنه رأى في يد رجل درهما فقال: لمن هذا الدرهم؟ فقال الرجل: لي. فقال: إنما هو لك إذا أنفقته في أجر أو ابتغاء شكر. ثم أنشد الأحنف متمثلا قول الشاعر:

أنتَ للمال إذا أمسكتَه      فإذا أنفقتَه فالمالُ لَكْ  

النهم والجشع في الأمم المعاصرة :

 - إنَّ الأفراد والجماعات في العالم المعاصر تسعى راغبة لتكثير الدخل، ورفع مستوى المعيشة، ولا يعنيها أن تجعل من ذلك وسيلة لحياة أزكى!
 -  وتسارع إلى تبرئة الدين من حبِّ الفقر، وخصومة الجسم، فالغنى سرُّ العافية، والجسم القوي نعم العون على أداء الواجب والنهوض بالأعباء، وإنما نتساءل: هل يتعامل الناس مع أجسامهم على أسلوب معقول يحترم الحقائق وحدها؟

   - يقول علماء التغذية: إنَّ للطعام وظيفتين، الأولى: إمداد الجسم بالحرارة التي تعينه على الحركة، والتقلُّب على ظهر الأرض، والأخرى: تجديد ما يستهلك من خلاياه، وإقداره على النموِّ في مراحل الطفولة والشباب.
حسناً، هل نأكل لسدِّ هاتين الحاجتين وحسب، إنَّ أولئك العلماء يقولون: يحتاج الجسم إلى مقدار كذا وكذا من (السُّعر الحراري) كي يعيش، والواقع أنَّه إذا كان المطلوب مائة سُعر، فإنَّ الآكل لا يتناول أقل من 300 سعر، وقد يبلغ الألف!!
الطعام وقود، لابدَّ منه للآلة البشرية ...

·        والفرق بين الآلات المصنوعة والإنسان الحي واضح. فخزان السيارة مصنوع من الصلب؛ ليسع مقداراً معيناً من النفط يستحيل أن يزيد عليه، أما المعدة فمصنوعة من نسيج قابل للامتداد والانتفاخ يسع أضعاف ما يحتاج المرء إليه.
وخزان السيارة يمدُّها بالوقود إلى آخر قطرة فيه إلى أن يجيء مدد آخر.
أمَّا المعدة فهي تسدُّ الحاجة ثم يتحوَّل الزائد إلى شحوم تبطن الجوف، وتُضاعف الوزن، وذاك ما تعجِز السيارة عنه، إنَّها لا تقدر على أخذ (فائض)، ولو افترضنا فإنها لا تقدر على تحويله إلى لدائن تضاف إلى الهيكل النحيف، فيكبر، أو إلى الإطارات الأربعة فتسمن!!
الإنسان كائن عجيب، يتطلَّع أبداً إلى أكثر مما يكفي
الإنسان كائن عجيب، يتطلَّع أبداً إلى أكثر مما يكفي، وقد يقاتل من أجل هذه الزيادة الضارة، ولا يرى حرجاً أن تكون بدانة في جسمه، فذاك عنده أفضل من أن تكون نماء في جسد طفل فقير، أو وقوداً في جسد عامل يجب أن يتحرك ويعرق!!
الإنسان كائن عجيب، يتطلَّع أبداً إلى أكثر مما يكفي

إن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يعرف ما يضرُّه، ويقبل عليه برغبة... إنها الرغبة القاتلة!!
على أن النفس التي تشتهي ما يؤذى يمكن أن تتأدَّب، وتقف عند حدود معقولة، كما قال الشاعر قديماً:

والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها    وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقنعُ

هذه الاية تعريض بالانسان الذي نسي مهمته

- النابلسي : كأن الله سبحانه وتعالى أرسل هذا الإنسان إلى الدنيا لمهمة عظمى، هذا الإنسان نسي المهمة واشتغل بالتافه، اشتغل بجمع الدرهم والدينار

هل التكاثر في غير أمور الدنيا مذموم :
- بن عجيبة : وهو التكاثر بما يشغل عن الله ، فلا يشمل التكاثر في العلوم والمعارف والطاعات والأخلاق ، فإنَّ ذلك مطلوب؛ لأنَّ بذلك تُنال السعادة في الدارين ...
 - قرينة ذلك قوله تعالى : { ألهاكم } فإنه خاص بما يُلهي عن ذكر الله والاستعداد للآخرة ، حتى أنه لو تناول الدنيا على ذكر الله لم تُذمّ وليست بلهو حينئذ ، ولذلك جاء : « الدنيا ملعونةٌ ملعون ما فيها إلاّ ذكر الله وما والاه 

{ حتى زُرتم المقابرَ } :

والصحيح أن المراد بقوله: { زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أي: صرتم إليها ودفنتم فيها.
    - كما جاء في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده، فقال: "لا بأس، طهور إن شاء الله". فقال: قلت: طَهُور؟! بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور! قال: "فَنَعَم إذًا".
معنى الافتخار والاعتداد حتى بالمقابر :

   - بن عجيبة : ....المعنى المذموم المباهاة والافتخار ، كما يصنع الناس في ملازمتها وتعليتها بالحجارة والرخام ، وتلوينها شرفاً وبنيان النواويس عليها . ه .

  - أبو حيان في البحر المحيط : وابن عطية لم ير إلا قبور أهل الأندلس ، فكيف لو رأى ما تباهى به أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى ، والقرافة الصغرى ، وباب النصر وغير ذلك ، وما يضيع فيها من الأموال ، والتعجب من ذلك ، ولرأى ما لم يخطر ببال؟
·     وأما التباهي بالزيارة ، ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوف أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور.
زرت قبر سيدي فلان بكذا ، وقبر فلان بكذا ، والشيخ فلاناً بكذا ، والشيخ فلاناً بكذا؛ فيذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد ، وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلك القبور وأولئك المشايخ بحيث لو كتبت لجاءت أسفاراً ، وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه ، وقد سخر لهم الملوك وعوام الناس في تحسين الظن بهم وبذل أموالهم لهم.

-  وقال ابن عرفة : زيارة المقابر محدودة ، أي : كيوم في شهر ، مثلاً ..

   - وكان بعضهم يقول : إذا رأيتم الطالب في ابتداء أمره يستكثر من زيارة المقابر ، ومن مطالعة رسالة القشيري ، فاعلم أنه لا يفلح؛ لاشتغاله عن طلب العلم بما لا يُجدي شيئاً .

اباحة زيارة القبور وفوائد ذلك :
- ابن عادل في اللباب : واعلم أن زيارة القبور من أعظم الأدوية للقلب القاسي ، لأنها تذكر الموت ، والآخرة ، وذلك يحمل على قصر الأمل ، والزُّهد في الدنيا ، وترك الرغبة فيها .
-  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ ، فزُوْرُوهَا ، فإنَّها تُزْهِدُ في الدُّنيا ، وتذكرُ الآخِرةَ » .
§        وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوّارات القبور .
-  قال بعض أهل العلم : كان هذا قبل ترخيصه في زيارة القبور ، فلما رخص دخل في الرخصة الرجال والنساء .
-  وقال بعضهم : إنما كره زيارة القبور للنِّساء ، لقلّة صبرهن ، وكثرة جزعهن .
-  وقال بعضهم : زيارة القبور للرجال متفق عليه ، وأما النِّساء فمختلف فيه : أما الشوابّ فحرام عليهن الخروج ، وأما لقواعد فمباح لهن ذلك ، وجاز لجميعهن ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال بغير خلاف لعدم خشية الفتنة .

  - النابلسي : بعضهم استنبط من هذه السورة أن على الإنسان أن يزور القبور، أي إذا أتيح لك أن تشاهد نزع إنسان فافعل، إن أتيح لك أن تشاهد ميتاً يُغسل فافعل، إن أُتيح لك أن تشاهد ميتاً وُضع في قبره وكُشف عن وجهه فافعل، إن أتيح لك أن تزور المقبرة فافعل، هؤلاء الذين في القبور ألم يكونوا في الدنيا في بيوت، ولهم زوجات، ولهم أهل، ولهم محلات تجارية، ولهم أرباح، ولهم أصحاب، ولهم نزهات، أليسوا كذلك؟ أين هم الآن؟ النبي الكريم إذا زار البقيع يقول: سلام عليك دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.
فصل في آداب زيارة القبور

- ابن عادل في اللباب : ينبغي لمن زار القُبُور أن يتأدب بآدابها ، ويحضر قلبه في إتيانها ، ولا يكون حظّه منها إلا التّطواف فقط ، فإن هذه حالة يشاركه فيها البهائم ، بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى ، وإصلاح فساد قلبه ، ونفع الميت بما يتلوه عنده من القرآن ، والدعاء ، ويتجنب المشي على القبور ، والجلوس عليها ، ويسلم إذا دخل المقابر ، وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلم عليه أيضاً ، وأتاه من تلقاء وجهه؛ لأنه في زيارته كمخاطبته حياً ، ثم يعتبر بمن صار تحت التراب ، وانقطع عن الأهل والأحباب ، ويتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه أنه كيف انقطعت آمالهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ومحا التراب محاسن وجوههم ، وتفرقت في القبور أجزاؤهم ، وترمَّل من بعدهم نساؤهم ، وشمل ذل اليتم أولادهم ، وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم ، وأنَّ حاله كحالهم ، ومآله كمآلهم .

الاشارة في معنى الزيارة

- وسمع بعض الأعراب { حتى زرتم } فقال : بعث القوم للقيامة ، ورب الكعبة فإن الزائر منصرف لا مقيم.

كَلاَّ سوف تعلمون ثم كّلاَّ سوف تعلمون

كلمة {كلا} :
- بن عجيبة :  ثم زجر عن التكاثر فقال : { كَلاَّ } أي : ليس الأمر على ما أنتم عليه ، أو كما يتوهمه هؤلاء ، فهو رَدْع وتنيبه على أنَّ العاقل ينبغي ألاَّ يكون معظم همه مقصوراً على الدنيا ، فإنَّ عاقبة ذلك وخيمة ،

- النابلسي : كلا.. لم تخلقوا لهذا، لم أخلقكم لهذا، النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان طفلاً كان إذا دعي إلى اللهو يقول: لم أخلق لهذا، عرف مهمته، والطالب المجتهد إذا دُعي إلى سهرة تافهة، أو إلى نزهة رخيصة، أو إلى تمضية ساعات في الطريق، أو إلى تمضية يوم في مكان سخيف، إذا دُعي إلى هذا يرى مهمته الأساسية في تحصيل العلم وفي نيل الشهادات، لذلك يقول: لا...

-  { سوف تعلمون } سوء عاقبة ما أنتم عليه إذا عاينتم عاقبته ...

- النابلسي : الآن لا تعرفون لكنكم سوف تعرفون، ألا يحصل هذا مع الأب وابنه؟ يصر الابن على شيء يراه الأب خطأً، يقنعه دون جدوى، يزجره دون جدوى، يردعه دون جدوى، ينصحه دون جدوى، إذا ضاقت به الحيل واستيأس منه يقول هذا الأب: سوف ترى، الأيام وحدها تريك خطأك، وفعلاً بعد أن يقع الابن ويدفع الثمن غالياً ويندم ولات ساعة مندم، يقول لأبيه: صدقت لقد عرفت الحقيقة ولكن متى بعد فوات الأوان.

الرازي : وذكروا في التكرار وجوهاً أحدها :

1.  أولها : أنه للتأكيد ، وأنه وعيد بعد وعيد كما تقول : للمنصوح أقول لك ، ثم أقول لك لا تفعل.
2.  وثانيها : أن الأول عند الموت حيث يقال له : لا بشرى والثاني في سؤال القبر : من ربك؟
4. وثالثها : عن الضحاك سوف تعلمون ، أيها الكفار : ثم كلا سوف تعلمون أيها المؤمنون ، وكان يقرؤها كذلك ، فالأول وعيد والثاني وعد.
5. ورابعها : أن كل أحد يعلم قبح الظلم والكذب وحسن العدل والصدق لكن لا يعرف قدر آثارها ونتائجها ، ثم إنه تعالى يقول : سوف تعلم العلم المفضل لكن التفصيل يحتمل الزائد فمهما حصلت زيادة لذة ، ازداد علماً ، وكذا في جانب العقوبة فقسم ذلك على الأحواس ، فعند المعاينة يزداد ، ثم عند البعث ، ثم عند الحساب ، ثم عند دخول الجنة والنار ، فلذلك وقع التكرير...
{ كَلاَّ لو تعلمون عِلمَ اليقين }

- بن عجيبة : أي : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين ، كعلمكم ما تستيقنونه لفعلتم من الطاعات ما لا يوصف ، ولا يكتنه كنهة ، فحذف الجواب للتهويل .
- الرازي : ذكر فيها مسائل :
  1. أن اليقين ههنا هو الموت والبعث والقيامة ، وقد سمي الموت يقيناً في قوله : { واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين } [ الحجر : 99 ] ولأنهما إذا وقعا جاء اليقين ، وزال الشك فالمعنى لو تعلمون علم الموت وما يلقى الإنسان معه وبعده في القبر وفي الآخرة.. وقد يقول الإنسان : أنا أعلم علم كذا أي أتحققه ، وفلان يعلم علم الطب وعلم الحساب ، لأن العلوم أنواع فيصلح لذلك أن يقال : علمت علم كذا .

  2. الآية تهديد عظيم للعلماء ، فإنها دلّت على أنه لو حصل اليقين بما في التكاثر من الآفة لتركوا التكاثر والتفاخر ، وهذا يقتضي أنَّ مَن لا يترك التكاثر والتفاخر لا يكون اليقين حاصلاً له ، فالويل للعالم الذي لا يكون عاملاً ، ثم الويل له . ه .
إذا بلغ الإنسان علم اليقين عرف كل شيء  :
- النابسي : لو بلغ يقين الإنسان درجة علم اليقين لرأى أن كل معصية جحيماً، وكل مخالفة ناراً محرقةً.

  -  هذا الذي يأكل أموال اليتامى إنما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى جحيماً، لا يعلم ذلك الآن، لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم...
  -  هذا الذي لا يصلي لو يعلم علم اليقين لرأى الجحيم. هذا الذي ينظر إلى الحرام ولا يبالي لو يعلم علم اليقين لرأى الجحيم فهي المشكلة علم اليقين
إن بلغت علم اليقين عرفت كل شيء.
 -  هذا الذي يقرب النار من البنزين، قبل أن ينفجر البنزين الذي يراقبه من بعد ويعرف أن هذا بنزين، وهذا نار، يتوقع توقعاً حتمياً جازماً أن حريقاً سينشب، علم قوانين ..
 - سائق سيارة في منحدر شديد، اكتشف فجأةً أن المكبح قد انقطع وفي نهاية هذا المنحدر منعطف خطير حاد، يعلم علم اليقين أنه انتهى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، تقول له زوجه: لمَ تتشهد، ماذا حصل؟ يقول لها: المكبح قد انقطع، تقول له: لكن لا بأس علينا، هو علم النتيجة الحتمية التي لا بد منها، فهذه المشكلة، مشكلة معرفة ...
بين الكافر والمؤمن مشكلة معرفة

{ لَتَرَوُنَّ الجحيمَ  ثم لَتَرَوُنَّها عينَ اليقين } :
جواب قسم محذوف ، أكّد به الوعيد وشدّد به التهديد ...

 - الرازي : ذكر فيها مسائل :

- أن أولهما الرؤية من البعيد : { إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً } [ الفرقان : 12 ] وقوله : { وَبُرّزَتِ الجحيم لِمَن يرى } [ النازعات : 36 ] والرؤية الثانية إذا صاروا إلى شفير النار ..
- وثانيها : أن الرؤية الأولى عند الورود والثانية عند الدخول فيها ، قيل : هذا التفسير ليس بحسن لأنه قال : { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ } والسؤال يكون قبل الدخول ...
- وثالثها : الرؤية الأولى للوعد والثانية المشاهدة ..
- ورابعها : أن يكون المراد لترون الجحيم غير مرة فيكون ذكر الرؤية مرتين عبارة عن تتابع الرؤية واتصالها لأنهم مخلدون في الجحيم فكأنه قيل لهم : على جهة الوعيد ، لئن كنتم اليوم شاكين فيها غير مصدقين بها فسترونها رؤية دائمة متصلة فتزول عنكم الشكوك...
الفرق بين علم اليقين وعين اليقين :
- إذا الإنسان رأى دخاناً خلف الجدار، يستنبط بالفكر السليم أنه لا دخان بلا نار، وأن هذا الدخان وراءه نار، هذا علم اليقين، هذا علم الاستدلال ..

-  من منا لا يصدق أن في البناء خطوطاً داخليةً للكهرباء، هو لا يرى إلا مروحة تدور، وثريا متألقة  هذا هو الاستدلال الفكري، هذا هو علم اليقين.

 
- إذا رأيت آثار عجلة سيارة على طريق ترابي، بالمئة مليون سارت على هذا الطريق سيارة، وقد تعرفها أنها شاحنة من عرض الآثار....

 - لو عثرنا على هيكل عظمي فقط نعرف أنه امرأة أو رجل،: من حجم الحوض ومن حجم الجمجمة، أي كل حياتنا على الاستدلال قائمة، العلوم كلها استدلالية...
علم اليقين وعين اليقين :
أما عين اليقين هو أن تنظر مباشرة مما كان مجرد علم نظري يتحول الى علم واقعي :
 - مهندس رأى شرخاً عرضياً في البناء، فقال: هذا البناء خطر لا بد من أن يقع، هذا علم اليقين، بعد أن وقع عين اليقين.

{ ثم لتُسألُن يومئذٍ عن النعيم }

- بن عجيبة :  أي : عن النعيم الذي ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه ، فإنَّ الخطاب مخصوص بمَن عكفت همته على استيفاء اللذات ، ولم يعش إلاَّ ليأكل الطَيّب ، ويلبس الطَيّب ، وقطع أوقاته في اللهو والطرب ، لا يعبأ بالعلم والعمل ، ولا يحمل نفسه على مشاق الطاعة ، فأمّا مَن تمتّع بنعمة الله تعالى ، وتقوّى بها على طاعته ، قائماً بالشكر ، فهو من ذلك بمعزلٍ بعيد .
ذكر بعض ما ورد من النعم :
-  وفي الحديث : « يقول الله تبارك وتعالى : ثلاث من النعم لا اسأل عبدي عن شكرهن ، وأسأله عما سواه : بيت يكنُّه وما يُقيم به صلبه من الطعام ، وما يُواري به عورَته من اللباس »

-  وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال : صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } [ الاسراء : 36 ] .

- وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود في الآية قال النعيم : الأمن والصحة .

- وأخرج عبد بن حميد عن حمران بن أبان عن رجل من أهل الكتاب قال : ما الله معط عبداً فوق ثلاث إلا سائله عنهم يوم القيامة : قدر ما يقيم به صلبه من الخبز ، وما يكنه من الظل وما يواري به عورته من الناس .

 - وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لما نزلت هذه الآية { لتسألن يومئذ عن النعيم } قال الصحابة : وفي أي نعيم نحن يا رسول الله؟ وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير فأوحى الله إلى نبيه أن قل لهم : أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم .

 - وأما الذي يروى عن ابن عمر أنه الماء البارد فمعناه هذا من جملته ، ولعله إنما خصه بالذكر لأنه أهون موجود وأعز مفقود ،
       - ومنه قول ابن السماك للرشيد : أرأيت لو احتجت إلى شربة ماء في فلاة أكنت تبذل فيه نصف الملك؟ فلا تغتر بملك كانت الشربة الواحدة من الماء قيمته مرتين؛
 أو لأن أهل النار يطلبون الماء أشد من طلبهم لغيره ، قال تعالى : { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء } [ الأعراف : 5 ] أو لأن السورة نزلت في المترفين ، وهم المختصون بالماء البارد والظل

- وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال : ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا : الجوع يا رسول الله . قال : والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، فقوموا ، فقاما معه فأتى رجلاً من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحباً وأهلاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين فلان؟ قالت : انطلق يستعذب لنا الماء إذ جاء الأنصاري فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، فقال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني ، فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال : كلوا من هذا ، وأخذ المدية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والحلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا . فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : » والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة « » .

ذكر معنى مختلف - أن النعيم هو رسول الله -:
  -  ويروى أيضاً عن جابر الجعفي قال : دخلت على الباقر فقال : ما تقول أرباب التأويل في قوله : { ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم } ؟ فقلت : يقولون الظل والماء البارد فقال : لو أنك أدخلت بيتك أحداً وأقعدته في ظل وأسقيته ماء بارداً أتمن عليه؟ فقلت : لا ، قال : فالله أكرم من أن يطعم عبده ويسقيه ثم يسأله عنه ، فقلت : ما تأويله؟ قال : النعيم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أنعم الله به على هذا العالم فاستنقذهم به من الضلالة ، أما سمعت قوله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً } [ آل عمران : 164 ] ..

النعمة لا تعرف من ذاتها ولكن من فقدانها والشيئ إذا عز ازدادت قيمته :

0 comentarios:

Publicar un comentario