هذا
الحديث من جوامع الكلم التي اوتيها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو نصيحة غالية
ودعوة صريحة للأمة ،أفرادا وجماعات أن يتملكوا أسباب ا لقوة التي يحبها الله
ورسوله ، القوة في كل شيء مادية ومعنوية ،وفي جميع معانيها المحبوبة لكل
إنسان .
أولا :
المؤمن القوي :
- هل القوة المقصودة حسية أو معنوية ؟
. القوة في هذا الحديث هي القوة الحسية هذا
هو الظاهر, والضعف هو الضعف الحسي، ولكن يدخل قد في ذلك القوة المعنوية، والضعف
المعنوي.
·
القوة الحسية :
فالمؤمن القوي: يعم ما إذا كان بدنه قويا
وجسمه قويا؛ فإنه أقوى في النكاية بالأعداء، إذا كان في القتال كان أجرأ من
الضعيف؛ بحيث أنه يجدل الأبطال ويقتل الرجال، ويهزم الأعداء ويدرك الهاربين
ونحوهم، فتكون قوته البدنية سببا في انتصار المسلمين.
ومع
ذلك فإن هذا من الله, الله تعالى هو الذي خلق الخلق، فجعل هذا قويا وهذا ضعيفا،
هذا هزيلا وهذا سمينا، وإن كان لذلك أسباب يعني قوة التغذية، وكذلك من الأسباب
أيضا المرونة التمرن على الحمل وعلى السير، وعلى تنمية الأعضاء وتقويتها، يكون لها
سبب بإذن الله في قوة البدن؛ بخلاف الذي يرضى بالخمول ودائما، وهو جالس لا يمرن
بدنه، ولا يحمل ولا يمشي فإن بنيته تكون ضعيفة، وجسمه يكون ضعيفا. فهذا على أحد
الأقوال أن المراد القوة الحسية؛ قوة الجسم ومناعته وضعف الإنسان وضعف بدنه،
فالمؤمن القوي هو الذي يقدر على حمل الأشياء الثقيلة، وعلى المشي المتواصل، وما
أشبه ذلك مما لا يقدر عليه المؤمن الضعيف.
·
ولكن المقصود بالاتفاق هو قوة القلب والإيمان
لا قوة العضلات : فها هو رجل
قصير القامة ضعيف الجسم - بحسب أصل خلقته ¬ - فهذا لا يقال فيه إن من كان طويل
القامة قوي البدن هو خير منه عند الله..
- ولذلك ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله
عليه وسلم – أنه قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). وهذا
الحديث هو شارحٌ للحديث المتقدم، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – بيَّن أن الله
جل وعلا، إنما ينظر إلى القلب والعمل، وهذا هو المراد في قوة المؤمن التي يحبها
الله جل وعلا.
·
القوة المعنوية :
- والقول الصحيح : أن القوة هاهنا قوة معنوية وأن المراد قوة القلب، وهو أن يكون المؤمن قويا قلبه؛ ...
فالمؤمن القوي الذي يجرأ على إنكار المنكرات وعلى إظهار الخير وعلى إظهار الأمر بالمعروف
ويتجرأ على أن يقول الحق ولو على نفسه ويقول الحق ولو كان مرا ..
- ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بعض
أصحابه يقول أبو ذر أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقول الحق وإن كان مرا وأمرني أن لا أخاف
في الله لومة لائم ...
القوة هي
بأن يفصح بالحق ويظهره ويدل عليه ... يقول للمسيء قد أسأت، ويقول للمحسن قد أحسنت،
ويفضل أهل الخير ويرفع من مكانتهم، إذا كان قادرا ولو كان دونهم في المنزلة، ولو
كانوا أدون الناس، ويحقر أهل الشر ويقلل من شأنهم ويحتقرهم، ولا يرفع بهم رأسا،
ولو كانوا رؤساء، ولو كانوا فصحاء، ولو كانوا ما كانوا هذا حقا هو المؤمن القوي.
·
والقوة هي التعبير عن الأخلاق العالية والمبادئ السامية :
- فالصبر
قوة والرحمة قوة لأنها لا تكون إلا من ذوي النفوس الكبيرة.
-
والعدل قوة لأن العادل لا يخشى بأس المتكبرين ولا يرجو نفعا من المظلومين
..
- والتواضع والحلم قوة، فالحليم لا يستفزه تطاول
الناس لأنه أكبر من ذلك.
وكل هذه القوى كانت متمثلة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أشجع الناس
وأكرم الناس وأحلم الناس وأعدل الناس.
·
ومن القوة البعد عن سفاسف الأمور وتوافهها :
البعد عن الحسد والحقد والصراع من أجل الجاه
والمناصب، فالإنسان المعطاء قوي لأنه لا يعتمد في قوته على المال أو الجاه،
إنه يملك أشياء لا يستطيع أحد أن يأخذها منه، يملك الصدق والصبر والشجاعة
والشهامة.
·
و القوة عندما يكون المسلم في دائرة التأثير على
الآخرين يمتلك الخارطة الصحيحة والبوصلة التي تدل
على الطريق المستقيم.
إذا فالله تعالى : يحب الأقوياء، ولا يحب الضعفاء الأذلاء ...
يُحب للمؤمن أن يكون قويا عزيزا ... عزيز النفس، مرفوع الرأس، مُحافظا على كرامته،
قويا في عزيمته، قويا في إرادته، لا يتردَّد تردُّد الضعفاء، ولا يتخاذل تخاذل
الجبناء ... إذا أراد شيئا من الخير عمل على تنفيذه، لا يُغريه وعده، ولا يُثنيه
وعيده، لا يقعد به شُحٌّ هالع، ولا جُبن ضالع.
- فالمؤمن
القوي ...القوي في شخصيته، القوي في إرادته، القوي في تفكيره، القوي في بدنه، كل
أنواع القُوة مطلوبة من المسلم؛ لأن الإسلام هو دين القُوة، دين الجهاد، دين
العزَّة والكرامة، فهو يُريد لأبنائه أن يكونوا أقوياء ...
لذلك
شبه النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام المؤمن بالنخلة والنحلة :
- فعن مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا يَسْقُطُ
وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ"، فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ شَجَرَةُ كَذَا هِيَ
شَجَرَةُ كَذَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ
فَاسْتَحْيَيْتُ ،فَقَالَ: " هِيَ النَّخْلَةُ "
فالنخلة نافعة بثمارها، وأوراقها، وظلها،
وجذعها، وخوصها، وكرانيفها، وليفها، وكروبها، وعذوقها، وأنويتها، وقطميرها،
وجمارها، وجمالها في حياتها وبعد موتها.
* والمؤمن أينما وقع نفع، وهو نافع: بعلمه، وأخلاقه، وماله، وجهده، وحديثه، وفضل زاده، وفضل ظهره، وفعله، وقوته، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وتعاونه على البر والتقوى، وتراحمه، وترابطه، وتآزره مع المجتمع.
* والمؤمن أينما وقع نفع، وهو نافع: بعلمه، وأخلاقه، وماله، وجهده، وحديثه، وفضل زاده، وفضل ظهره، وفعله، وقوته، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وتعاونه على البر والتقوى، وتراحمه، وترابطه، وتآزره مع المجتمع.
-
وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا
وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد) .ْ صححه الشيخ أحمد
شاكر والشيخ الألباني .
ولكن
المؤمن من دون قوة مادية معرفية .... ضعيف، مستضعف
المؤمن القوي
متفوق في علمه في دراسته في رياضة جسمه ...
إذا كنت قوياً، قوي في المال، قوي في الجاه،
قوي في العلم، قوي في المكانة الاجتماعية تستطيع حينها أن تنتزع إعجاب الناس قبل أن تحدثهم عن دينهم.
- إن
كنت صانع، فلن تقدر تؤثر بالآخرين إلا إذا تفوقت في عملك.
- المال قوة، تعطف على أرامل، تعطي أيتام، تقدم للجمعيات مساعدات، والجمعيات تقدم للفقراء، صار عندك قوة، المال قوة..
- المال قوة، تعطف على أرامل، تعطي أيتام، تقدم للجمعيات مساعدات، والجمعيات تقدم للفقراء، صار عندك قوة، المال قوة..
- الشهادات
العليا قوة .
ولكن
القوة هنا جاءت مقترنة بالإيمان !!
- فالمال
بدون إيمان دمار وطغيان
- والعلم بدون إيمان
غرور وحب ظهور وانتكاس للمفاهيم
- والقوة
الجسمية بدون إيمان حيوانية جانحة ودوابية هائمة
- والشهادات
والمناصب والكفاءات بدون إيمان استغلال واحتقار وتكبر وازراء لخلق الله
ثانيا : المؤمن الضعيف
ثانيا : المؤمن الضعيف
إن هذا الضعف ضعف في المعنى، وأنه وإن كان
مؤمنا، لكن لما كان إيمانه ضعيفا، كان أقل حالة وأقل نفعا من المؤمن القوي.
· قد يكون المؤمن الضعيف قويا في بدنه ولكنه ضعيف
القلب؛ بحيث إنه لا يكون معه جرأة على إنكار المنكر يخاف من الناس، إذا رأى المنكر
استحيا أن يقول هذا منكر، مع أنه يعرفه يعرف بأنه منكر وبأنه محرم، ولكن يستحي من
الناس، يقول: هؤلاء أعلم مني، وهؤلاء أكبر وأثرى وأغنى وأقدم، فكيف أتجرأ عليهم،
أستحي أن أتكلم أمامهم لأني فقير وحقير وضعيف...
·
وقد يكون هذا المؤمن الضعيف قوي في علمه ومعارفه ، ولكنه قصر على نفسه ..
·
وقد يكون قويا في عبادته .. يصوم النهار، ويقوم الليل، ولكن لما لم يظهر
أثره في عباد الله، لم يكن فيه خير للناس.
-
وورد في الحديث: أفضل الناس أنفعهم للناس يعني الذي ينفع الناس في دينهم، وفي
دنياهم؛
هذا حقا هو الذي يكون نفعه عاما يستفاد منه.
لا شك أن هذا حقا هو الذي يقيم حدود الله تعالى، وهو الذي يؤثر في البلاد وفي
العباد فيفيد ويستفاد منه، بخلاف من اقتصر على نفسه، ولو كان دائما عاكفا في
المسجد، ولو كان دائما يقرأ ويذكر الله ويصلي ويصوم، ولكن لا ينفع الناس بشيء فنفعه، ولو كان فيه صلاح، لكن لا يستفاد منه، فالمؤمن القوى خير من
المؤمن الضعيف، وأحب إلى الله تعالى.
·
و قد يكون المؤمن الضعيف قويا على الاكتساب يكتسب؛ الأموال ويجمعها ويثري
وتكثر تجارته وتكثر أمواله، ومع ذلك لا ينتفع بها فلا ينفقها في وجوه الخير، ولا
يصل منها أمرا أمر الله تعالى به أن يوصل... فمثل هؤلاء لا خير فيهم...
فإذا كان المؤمن
قوي القلب وقوي البدن، واستعمل قوته فيما يحبه الله، وفيما يرضي الله تعالى، فإنه
يستفاد منه ويكون خيرا للبلاد وخيرا للعباد، ويكون أحب إلى الله من المؤمن الضعيف
الذي نفعه قاصر
وفي كل
خير :
نعم ;
ان الله سبحانه وتعالى لايحب للمؤمنين أن يكونوا
في الجانب الضعيف ، ولا أن يكونوا من المتقاعسين الذين يضعفون عن مجابهة التحديات
أو يجبنون عن مقاومة الأعداء .
هكذا جاءت الكلمات معرّفة عامة ( المؤمن
القوي ) ولكن تسلية للمؤمن الذي لايملك الشخصية القوية ولا الشكيمة والإعتزاز فإنه
لم يستثن من الخيرية ( وفي كل خير ) وذلك حسب ماعنده من جوانب ايجابية ولوأنها
قليلة أوضعيفة ، وحتى لا يقع في أجواء الخيبة والخسران ، وهذا من العدل والإنصاف .
- أي في كل من المؤمن الضعيف،
والمؤمن القوي في كل منهم خير؛ وذلك لأن فيهم الإيمان إذا كان الإيمان في قلوبهم
فإن الإيمان فيه خير..
* خير الضعيف لنفسه؛ حيث أنه يعبد الله، ويتقيه ويصلي ويصوم، ويتورع عن
المحرمات ويصل الرحم، وينفق على نفسه وينفق على ولده، ويحج ويتصدق إذا قدر، ويصلي
ويركع ويسجد، ويذكر الله في كل حالاته، ففيه منفعة ...
*
وقد تكون هذه الأفعال سببا في اهتداء خلق كثير، وتكون أيضًا سببا في اقتدائهم به،
إذا رأوه يتعبد اقتدوا به، وعلموا أنه على خير فيتعبدون كما يتعبد، ففي كل من
المؤمن القوى والمؤمن الضعيف فيهم خير، وهو الإيمان والعمل الصالح.
N
احرص على ما ينفعك
الحرص:
هو بذل الجهد في تحصيل ما هو نافع, الإنسان إذا حرص على النافع بذل جهده وبذل
وسعه, والنافع يصدق على النافع في الدين، والنافع الدنيا
لا شك أن مما ينفعك الأعمال الصالحة؛ يعني الأعمال البدنية والأعمال القولية والمالية احرص عليها؛ فاحرص على العبادة احرص على أداء الواجبات، واحرص على ترك المحرمات، واحرص على أداء حقوق الله عليك؛ فتؤدي الصلوات كما أمرت، وتصوم كما أمرت، وتتصدق وتحج وتنفع نفسك، وتقدم لآخرتك عملا ينفعك وتستفيد منه، هذا كله مما أقدرك الله تعالى عليه، فإذا حرصت عليه كان في ذلك فائدة وخير كبير.
* كذلك أيضا احرص على ما ينفعك من تحصيل الفوائد العلمية، احرص على تعلم العلم النافع، احرص على تعلم ما ينفعك في آخرتك؛ تعلم كتاب الله ومعانيه وتعلم السنة النبوية وتعلم الكيفية التي إذا سلكتها نجحت في دنياك، ونجحت في آخرتك....
N
واستعن بالله
ثم الإنسان لا يستبد بنفسه ولا يعتمد على قوته، بل يستعين بالله؛ ولذلك قال الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لما أمرنا بأن نعبده أمرنا أن نستعينه؛ أي نستعينك على عبادتك ونستعينك على كل ما نحتاج إليه؛ فلذلك قال في هذا الحديث احرص على ما ينفعك واستعن بالله وذلك لأن الإنسان خلق ضعيفا، يقول تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا فلا قوة له إلا بإمداد من الله, لا قوة له إلا أن يمده الله تعالى بقوته، وأن يعطيه ما يستعينه به, لا قوة له إلا إذا أعانه الله على أمور دينه، وعلى أمور دنياه.
فأنت تقول بلسان الحال: إنني ضعيف إلا أن يعينني الله ، إن الله تعالى هو الذي يوفقني، وهو الذي يساعدني، وهو الذي يمدني، وهو الذي يقويني على ما أعمله من أعمال دينية أو دنيوية، وتقول أيضا بلسان المقال:، يا رب أعني على أمور ديني حتى أتعفف، وحتى أكتسب مالا حلالا، يا رب أعني على ما أقوم به من كل شيء...
فالذين يستبدون بآرائهم، ويدعون أنهم أهل
ذكاء وأهل فطنة، وأهل معرفة وخبرة وتجربة في الأمور، وأنهم لا يحتاجون إلى أن
يعينهم الله ، مثل هؤلاء إذا لم يفتقروا إلى ربهم، ولم يظهروا الحاجة إليه أنه
يسلبهم ما أعطاهم أحوج ما كانوا إليه، فإن كل ما في يد العبد فإنه ملك الله،
وعطاؤه ومنه فهو الذي ييسر للعباد ما أعطاهم وما خولهم، وإذا شاء سلبهم ما أعطاهم،
فكم من إنسان أمسى وهو غني فأصبح فقيرا....
لا تستعن بالمخلوقين أحياء
وأمواتا استعانة الذليل، ولكن ضع يدك في يد الله، كما علَّم النبي صلى الله عليه
وسلم، ابن عباس، وقال له: "يا غلام، ألا أعلمك كلمات؟". ثم قال له:
"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت
على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك
بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" .
N
ولا تعجز
العجز يراد به الكسل والتثاقل في الأمور؛ يعني إظهار الخمول وإظهار التعاجز وإظهار الكسل؛ فإن هذا من أسباب الحرمان
·
قد يكون العجز ماديا :
فالعجز الحسي هو أن يعطيه الله تعالى نشاطا
وقوة ومناعة وجسما قويا، ولكن لا يكون معه همة في الاكتساب ولا في استعمال هذه
القوة، فلا يتكسب ولا يحترف ولا يحرث ولا يغرس ولا يتجر ولا يتعاطى صنعة، بل وكذلك
أيضا يحمله هذا العجز على أن يتعاجز حتى عن الطاعة، فلا يصوم ولا يصلي ولا يتهجد
في الليل ولا يقرأ ولا يذكر، كل ذلك من باب الكسل ومن باب التثاقل، ثم هذا لا شك
أنه من الحرمان المحروم هو الذي يحرمه الله تعالى من قوته.
·
قد يكون العجز معنويا :
وهو التعاجز عن إظهار الحق، وإظهار دين الله
وعن الغيرة على حرمات الله، العجز عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العجز عن
الدعوة إلى الله، إذا أمر بأن يأمر وأن ينهى أظهر العجز، وقال: إنه ليس معي قدرة،
وليس معي قوة وليس معي شجاعة على أن أتكلم، ولا على أن أفصح بكذا وكذا، لا شك أن
هذا كله من الحرمان. فالحاصل أن هذا الحديث فيه الحث على القوة المعنوية؛ التي
هي الغيرة على حدود الله تعالى وعلى حرماته.
·
من أين يأتي العجز
وأما العجز فإنه يأتي من عدم الاستعانة بالله
، وربما يظن الإنسان أنه أخذ بالأسباب وكفى، فيكله الله إلى نفسه وإلى ضعفه ، ولكن
الحزم والعزم أن يعمل المسلم ويستعن بالله ،ويأتي العجز من التركيز على عيوب
الآخرين ، ومن الإحساس بالتعاسة والفشل واتهام الظروف الخارجية وكأنها هي المسؤولة
عن الوضع الذي يعيشه هؤلاء التعساء.
-
يأتي العجز عندما يعيش الناس بلا معايير أخلاقية أو مطالب أو رؤية ، ولكنهم يسعون
للقوة من خلال التصاقهم بالآخرين.
- يأتي العجز من الأنانية وعدم التعاون مع
أهل الخير، ومن عدم الاعتراف بالخطأ والقيام بتصحيحه والتعلم منه بل يستمرالإنسان
في خلق الأعذار والتغطية على الخطأ الأول مما يضاعف الفشل والخيبة.
- يأتي العجز من التحسر عما فات والوقوع في
دائرة الهم والحزن. ومن العيش في أجواء اللوم: لو أنني فعلت كذا لكان كذا ، أو
أجواء التمني الفارغ . فالنبي يوسف عليه السلام لم يغرق في رثاء نفسه أو يركز على
مساوئ إخوته ، ولكن دعا إلى الله في السجن وكان ايجابيا مع رؤيا الملك ثم مكن الله
له وصار الرجل الأول في مصر.
الأبواب مشرعة لكل صاحب طاقة أو موهبة فلا
يستصغر الإنسان نفسه, ولكن ليستعن بالله إن إعجابنا بقوة الآلة يكبر يوما بعد يوم
، ولكن القوة الحقيقية ليست في الآلة بل في الإنسان.
ولا تقف موقف العاجزين، الذين يحيلون كل أمر على المقادير ... ربنا أراد كذا
... ربنا قدَّر كذا ... ولا يفعل ما في وُسعه
-
رأى النبي صلى الله عليه وسلم، رجلين يختصمان ويتصارعان، فغلب أحدهما
الآخر، فقال المغلوب: حسبي الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم، مُنكرا
عليه: "إن
الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكَيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم
الوكيل"[5]، لا
تقل حسبي الله قولة العاجز، ولكن قُلها عندما تنفد أمامك الحِيل، وتُستنفذ كل
الوسائل.
- قال
الشاعر الفيلسوف المسلم الدكتور محمد إقبال: (المؤمن الضعيف هو الذي
يحتجُّ بقضاء الله وقدره، أما المؤمن القوي فهو يعتقد أن قضاء الله الذي لا يُرد،
وقدره الذي لا يُدفع ... يعتقد أنه هو قدر الله) [6].
- قال أحد قُوَّاد الفُرس لأحد المسلمين يوما:
من أنتم؟ فقال له: نحن قدر الله، ابتلاكم الله بنا، فلو كنتم في سحابة
لهبطتم إلينا أو لصعدنا إليكم. نحن قدر الله، هكذا يعتقد المؤمن
N
"ولا تقل: لو أنِّي فعلتُ كذا لكان كذا،
ولكن قُل: قدَّر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان"
لا تعش مُتحسِّرا بـ(لو) و(ليت) على ما
فات، فإن هذا لا يُجدي، وبعض الناس تنزل بهم النازلة من مصائب الدهر، فيظلُّ فيها
شهورا وأعواما يجترُّ آلامها، ويستعيد ذكرياتها القاتمة، مُتحسِّرًا تارة،
مُتمنيًا أخرى، شعاره: ليتني فعلتُ كذا، وليتني تركتُه، لو أني فعلتُ كذا لكان
كذا.
- وقديما قال الشاعر:
ليت شعري وأين مني
(ليتٌ) إن (ليتًا)
وإن (لوًّا) عناءُ
ولهذا ينصح الأطباء
النفسيون، والمُرشدون الاجتماعيون، ورجال التربية، ورجال العمل، أن ينسى الإنسان
آلام أمسه، فيعيش في واقع يومه، فإن الماضي بعد أن ولَّى لا يعود.
ما مضى فاتَ والمُؤمَّل
غيبٌ ولكَ الساعةُ التي أنت فيها
وصوَّر أحد المحاضرين
تصويرا بديعا لطلبته، حين سألهم: كم منكم مارس نشر الخشب؟ فقال كثير منهم: فعلنا.
ثم سألهم مرة أخرى: وكم منكم مارس نشر نشارة الخشب؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه.
وحينئذ قال المحاضر: بالطبع لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب وهي منشورة فعلا ...
وكذلك الحال في الماضي ...
فعندما ينتابك القلق لأمور حدثت في الماضي،
فاعلموا أنكم تمارسون نشر النشارة. هذا ما ينبغي أن يعرفه المسلم، فالضعف الإنساني
يغلُب على الكثيرين، فيجعلهم يطحنون المطحون ويبكون على أمس الذاهب، ويعضون على
أيديهم أسفًا على ما فات، ويقلبون أكفَّهم حسرة على ما مضى.
وأبعد الناس عن الاستسلام
لهذه المشاعر الأليمة، والأفكار الداجية هو المؤمن ... الذي قوي يقينه بربه، وآمن
بقضائه وقدره، فلا يُسلم نفسه فريسة للماضي وأحداثه، بل يعتقد أنه قضاء الله، وكان
لا بد أن ينفُذ، وما أصابه من قضاء الله لا يقابل بغير الرضا والتسليم.
- ثم
يقول ما قال الشاعر:
سبقتْ مقاديرُ الإلهِ
وحُكمِهِ فأرحْ
فؤادَك من (لعلَّ) ومن (لو)
إنه يُوقن أن قدر الله نافذ لا محالة، فلِمَ السخط؟ ولِمَ الضيق والتبرُّم؟
- والله تعالى يقول: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ
فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا
فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ} [الحديد:22،23]،
* المؤمن لا
يقفُ موقف هؤلاء المنافقين، ولا موقف إخوانهم من الكفار، الذين نهى القرآن عن
التشبُّه بهم، في تحسُّراتهم الأسيفة، وتمنياتهم الحزينة، حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا
ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا
وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ
يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران:156-158].
- إن شعار المؤمن دائما: "قدَّر الله وما شاء فعل"، الحمد لله على كل حال، وبهذا لا
يأس على ما فات، ولا يحيى في خضمٍّ أليم من الذكريات، وحسبه أن يتلو قول ربه
تعالى: {مَا أَصَابَ
مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ
قَلْبَهُ وَاللَّهُ.
- والنبي صلى الله
عليه وسلم، كان يدعو الله بقوة؛ حتى في دعائه، والدعاء
مظهر الخشوع والتذلُّل أمام الله سبحانه وتعالى، ولكنه كان يدعو بكل مظاهر
القوة... كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزَن، وأعوذ بك من
العجز والكسل، وأعوذ بك من الجُبن والبُخل، وأعوذ بك من ضَلَع الدين وغلبة
الرجال" ...
0 comentarios:
Publicar un comentario