miércoles, 19 de diciembre de 2012

قبضة الاستبداد

0 comentarios
    كيف ينتفخ الاستبداد ويتغول ؟ ومن أي الجهات يستمد بقاءه وطول عمره ؟ وكيف يعطي لنفسه الشرعية في أن يمارس نشاطه البشع في سلب الحرية وتشويه العزة وتدمير معالم الحياة الكريمة والبقاء الأخلاقي ؟
لقد طالعنا التاريخ بنماذج كثيرة من الاستبداد يختلف ويتنوع آخذا شكل الحضارة والثقافة التي ينتمي إليها ،ولكنه في عمق فلسفته واحد ينمو ويزهو ويتقوى ويتفرعن متغذيا من وجبة واحدة  كثيرة الدسم . 

فعندما يتسلل أحدهم خلسة في الظلام ليختلس كرسي الحكم ويعمل في شعبه عمل أبليس مكرا وخديعة وتحريضا ،  ويجعل أهل قريته شيعا يضرب بعضَهم ببعض فهو مستبد
وعندما يجيء على ظهر ترسانة عسكرية يهشم عظام البشر ويفجر جمامجمهم ويدوس على كرامتهم ويمرغها في الوحل ، ويضرب على أرضهم باللعنة ويحفر على ظهر معارضيه خنادق مرعبة  بالسوط والساطور فهو مستبد
    عندما يبشر الحاكم بابنه من بعده، ويورثه البلاد والعباد ، ويختار للناس قصرا مصائرهم دون التفاتة للصغير منهم ولا للكبير معتبرا إياهم سفهاء الأفهمام وضعفاء الاحلام عاجزين تماما على أن يبدلوه بآخر خيرا منه زكاة وأقرب رحما، إن خشوا من الغلام ان يرهقهم طغيانا وكفرا ، فماذا يمكن أن نسميه ؟!!
قد يحكم المستبد باسم جينكيزخان أو باسم هيتلر أوحتى باسم الله ويرفع المصاحف فوق السيوف ، فهو واحد مختلف ألوانه . 
*****
  قديما تساءل أحد الفلاسفة الظرفاء : لماذا يمكن للمستبد أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد دون أن تطاله يد الرقابة ؟ وماهو إلا فرد واحد يمكن لأي أحد إن اختلى به أن يفرغ في رأسه رصاصة تشتت دماغه أو يغمز في أحشائه خنجرا يمزق أمعاءه فيريح منه البلاد والعباد!
اليوم بات الجميع يعرف أن الفرعون والقيصر و كسرى ويزيد بن معاوية والجماهيرية العظمى وحتى  إمارة المؤمنين  ليست مجموعة من أفراد بل بالأحرى  مؤسسات ونظام يتحالف ويتآلف ويلتوي  ويتشعب ، ضاربا في أعماق النفس والحياة العامة ، نظام معقد من أجهزة ومخابرات وضباط وأعوان وعساكر ، وأقلام وأفلام ولحى وعمائم ، وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب . 
ولقد كشفت الثورات العربية المعاصرة وأسقطت القناع عن جزء خطير من مخطط رهيب مهول يتحالف فيه رجل السياسة ورجل الفن ورجل الصحافة وفقيه الجامع ليبارك الرب العملية .
إذا كيف يمكن أن يحدث كل هذا الاستكبار والجبروت من طائفة لها الحق دائما في أن توقع الفصل الاخير من فصول الحياة الخاصة والعامة كي تصبح البقعة الجغرافية تحت قبضة الاستبداد سجنا كبيرا يسكنه شعب بئيس له كامل الحرية في ألا يقول شيئا وألا يفعل شيئا وحتى ألا يحلم بشيء قد يوقظ الإدارة العليا للسجن مفزوعة من كابوس مخيف ؟
يقول لنا المفكر الكبير جودت سعيد إنه لكي نقضي على الاستكبار لا بد أن نقضي على الاستضعاف أولا ، حيث ان الطحالب السامة والأعشاب المميتة لاتستمد قوتها ونشاطها إلا داخل البرك الآسنة والمستنقعات الراكدة ، وإذا رأيت السقور تحلق عاليا فاعلم أن تحتها جثثا متعفنة..
كذلك يتغول الاستبداد ويبني مجده التليد على أنقاض الجثث والرمم وأفكار الذل والهوان والتجهيل والتعتيم التي ترزح تحتها الشعوب المستضعفة إلى النخاع .
لذلك لا يزال الاستبداد يخطط بدون هوادة، ويبرمج من غير ملل ويتفنن في تغييب الحس وسد منافذ الوعي والإدراك ، فيعمي ويصم ويخرس حتى لا يبصر الناس شيئا ولا يسمعون ولا يتكلمون ولا يعقلون وحينها يصيرون كالانعام بل هم أضل سبيلا ، وهل رأيت يوما قطيعا يحتج على جلد ظهره بالسياط أو يجادل في كونه غير راض عن طريقة العيش المهينة التي يقدمها له  صاحبه ، أو ثار يوما على الجزار لماذا يذبحه بدون ذنب معروف ؟!
     أول ما يسعى المستبد لالتهامه بشراهة هو الوعي الجماعي للأمة وحينها فقط يمدد رجليه  لكي يبيض ويفرخ.
فيرسل له في حياة الناس خيوطا من الوعي المزيف والوهم المضلل ويحيط نفسه بهالة من الأساطير والخرافات ، تتشكل فيما بعض في ضمير العامة أوثانا سياسية كما كان يقول الشيخ الغزالي رحمه الله ، تمجَّد وتقدَّس وتقدم لها القرابين كل عام ، فينصب لنفسه تمثالا في ساحة من ساحات المدينة و آلافا من الصور مختارة بعناية ومئات من الكاميرات تحيط به من كل جانب تخلد خطاه المؤيدة بدعوة خطباء المنابر بنصرة مولانا المعظم ، وعلى شاكلة يغوث ويعوق ونسرا ما عبدوهم إلا لكونهم كانوا صالحين والمستبد كذلك ليس هناك أحرص منه على مصلحة الأمة وصلاح الأمة فلا بد أن يخلد ذكرُه ويبقى أثره إلى يوم الدين رضي الله عنه !!!
ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ، ولو كانت البيعة لابن عم إبليس ! والقرآن يقول ذلك والاحاديث شاهدة ، وكذلك ومذهب ابن أبي معيط وابن زياد  ألم يكونوا من السلف الصالح ؟! هذا ما قاله مفتي الديار ومفتي لجنة البحوث والافتاء والمجلس العلمي الاعلى وعليه إجماع الأمة سلفا وخلفا، ومن أراد غير هذا فهو إما من الخوارج أو من الخارج وفي كلتى الحالتين زنديق خائن يريد أن يفتن الأمة !
إن الوعي إذا سافر بعيدا استوطن مكانه الجهلُ  وهو الموت المحقق.
والجهل قبل الموت موت لأهله     وأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرؤ لم يحي بالعمل ميت      وليس لها حتى النشور نشور
والذين يعرفون هم الذين يسألون، ويسألون دائما لكي يعرفوا ماذا يحدث حولهم،  وكما قال المفكر المسلم "علي عزت بيزوفيتش" إن الذي يسأل هو فقط من يستحق الإجابة ومن ثم المعرفة وبعدها الحياة "والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ".
والناس لا بد لها أن تفكر يوما وأن تتساءل ، لذلك يساعد المستبد شعبه في أن يفكر في كل شيء سوى شيء له قيمة تذكر، فيملأ فراغهم بالعنتريات والعنجهيات ودواوين الغزل والحماسة والخمريات والأحمال المثقلة من أغاني الأصفهاني واغاني أم كلثوم ويا أيها الراقدون تحت التراب، وإني أغرق !
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون من شعراء وخطباء وشركات ودعايات وإعلانات وموازين ...
وعندما يأتي شهر يقظة الوعي الجماعي ، وتضرب الأرض مع الناس موعدا ليطهروها من الفساد يضاعف لهم المستبد جرعة زائدة من منتوجه المسموم ليذر الناس في سكرتهم يعمهون .      
          ثم ماذا بعد:  ليتحدَّثِ الناس عن القائد العظيم والزعيم المفدى وحامي الملة وخادم الأمة وإن كان من طراز كسرى والقيصر وفرعون الذي تجبر وادعى أنه الاله الاكبر !
وفي جميع الأحوال فالمستبد مجتهد له أجر وهو حائز على درجة الاجتهاد المطلق وله الكلمة الفيصل دائما في الدين والسياسة والاجتماع وإن غير التاريخ وقلب الخلافة ملكا عضودا فهو مجتهد له أجر، وبهذا فالسفاح أبو العباس عليه الرضوان، حتى ولو أتى ببقية بني أمية وألقى جثثهم بين الزقاق تنهشها الكلاب ، وأمراء اليوم طراز جديد من الحكام متلونون بلون الحداثة والعصر وموضة الزمان، ولو كان تحتهم شعب كامل يكتوي بنار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى !
*******
      جاء الإسلام أول أمره ليحارب الجاهلية ، ولم تكن الجاهلية فقط مجموعة من حجارة نقشت ببراعة وفن ، ولكنَّ ذاكرةَ عرب قحطان وعدنان هي بقايا أفكار متعفنة وأمزجة متقلبة لا تحكمها ملة ولا توجهها شريعة سوى مآثر داحس والغبراء ، وكان الإله هبل المعظم واللات والعزى والزاني إساف والزانية نائلة، سخافات أسطورية تسكنها أرواح القهر والجبروت الاستبدادي الذي كان يرزح تحته العبيد ويصْلون ويلاته ، وجاءت دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإنقاذ ما تبقى من وعي الشعوب المقهورة ، وقريش حاربته بدون هوادة لإنه كان الخصم المباشر الذي يهدد مصالحها المنتعشة وبطونها المنتفشة ..ولم تدم نشوة الظَّفر بالوعي الجماعي إلا أربعين عاما حتى  تم بعدها تشييع جنازة المرحومة "خلافة" لترجع حليمة إلى عادتها القديمة ..وصار المسلمون بعدها لا يختلفون كثيرا عن حكم هولاكو أو تيمورلانك ، وعندما تُستباح دماء الشعوب وتُسرق مقدَّراتها لتمتلئ قصور المعتصم والمعتضد والقائم بأمر الله والقذافي ومبارك ... بالقِين والجواري والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فهناك فقط مهزلة العقل البشري كما يسميها "علي الوردي" رحمه الله .
      يحدثنا التاريخ بأن أهل البيت حاولوا كثيرا أن يسترجعوا ما ضاع للأمة من ضمير وما خُوِّنوه من كرامة ولكنهم فشلوا في الأخير ، ويعزو "الكواكبي" صاحب "طلائع الاستبداد" هذا الفشل إلى كونهم لم يكونوا يتوصلون سريعا بما يدور حولهم من أحداث وما يحاك ضدهم من مكائد وما يدبر لهم بليل ، والسبب في رأي الكواكبي أن وسائل نقل المعلومة لم تكن متوفرة ، ووسائل النقل كانت سادجة وجد متخلفة .
      واليوم هاجر الناس وسائل الدجل والملل الرسمية وساحوا في  صحراء "التويتر" و "الفيسبوك" ولم يعد أحد يثق في بريد السلطان ولا كاتب السلطان ولا حتى في فقيه السلطان ، وتجاوز الوعي حدود الثقافة والمذهب والتيارات. وهناك انقشعت الغشاوة ، وانقلب السحر على الساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ، ولهذا كان موسى مُصرا أن يرسل معه بني إسرائيل ويخرجهم من دائرة الصنم السياسي الفرعوني الذي كان يكبل عقولهم كما تكبل الأفعى فريستها إذا أرادت ان تنقض عليها فلا تستطيع حراكا .
وعندما عاد الوعي لم تعد تجدي الكذبة المنمقة ولا الحيلة المزوقة ولا فتوحات الحجاج ولا امرأة المعتصم ولا مقهى أركانة و لا الدعابة السخيفة في شهر ماي التي ضحك بها الاستبداد على الآلاف من الأبرياء  ، ولن يستطيع المستبد أن ينصل سيفه في الظلام ليقطع اطراف ابن المقفع أو يصلب الحلاج أو يلقي بابن تيمية في جب مساحته مترين ولا أن يرمي برشيد نيني وراء قضبان غليظة دون وعي بحقيقة ما يحدث وكيف يحدث ومَن وراء ما يحدث . 

0 comentarios:

Publicar un comentario