إن المساجد بيوت الله جل وعلا، وهي خير
بقاع الأرض، وأحب البلاد إلى الله تعالى، أضافها إلى نفسه تشريفاً لها، تعلقت بها قلوب
المحبين لله عز وجل، لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لاظهار ذكره فيها،
فأين يذهب المحبون عن بيوت مولاهم؟! قلوب المحبين ببيوت محبوبهم متعلقة، وأقدام العابدين
إلى بيون معبودهم مترددة،
- وذلك في قوله تعالى : فِي بُيُوتٍ
أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن
فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. [النور:36-38].
من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا مثله في الجنة..
- وفي الحديث الآخر بيان بأن الله تعالى لا يضيع أجر
من أحسن عملًا قليلًا كان أو كثيرًا مما يتصل بعمارة المساجد بما يصونها ويريح
المصلين ويحفظ كرامتها من إنارة وفرش؛
- قال - صـلى الله عليه وسلم -: (من بنى مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله
له بيتا في الجنة)
وقال في تنظيفها: (عرضت علي أعمال أمتي فوجدت محاسنها ومساوئها، ووجدت من محاسنها
القذاة يخرجها الرجل من المسجد، ووجدت من مساوئها النخاعة في المسجد لا تدفن).
وحك - صـلى الله عليه وسلم - النخاعة من
المسجد وذر عليها الزعفران.
وكانت امرأة تخدم
المسجد، * وكانت امرأة تنظف المسجد في عهد الرسول عليه
الصلاة والسلام فلما ماتت لم يعلم بها دفنت،
فلما جاء خبرها الرسول - صـلى الله عليه وسلم - قال: (دلوني على قبرها، فدلوه فصلى
عليها، ثم قال: إن هذه القبور ملئت نورا بصلاتي عليها ))
رسائل
المسجد
المسجد
بيت الأتقياء :
- وقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ
إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
· فيه رجال يحبون أن يتطهروا
- عن أبي
الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((المسجد بيت كل
تقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى
رضوان الله إلى الجنة)[1]
المسجد يطهِّر المجتمعَ من الفحْشاء
والمنكر؛ فالذي يتعلَّق قلبُه بالمسجد يتغلغلُ الإيمان في قلبِه، فيحب الله
ورسولَه والعمل الصالحَ، ويحبه الله ورسولُه، ويكره الكفرَ والفسوق والعِصْيان؛﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾[العنكبوت: 45].
-
يقول محمد إقبال وهو يتفجع على المسلمين وقد زار قرطبة ، ووقف أمام الجامع ولم يجد المسلمين,
وجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله، وجد العاهرات وهن في محراب المسجد؛
فبكى، وجلس عند الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة
- قال إقبال :
منائركم علت في كل حي ومسجدكم من العباد خالي
وجلجلة الأذان بكل أرض ولكن أين صوت من بلال
وجلجلة الأذان بكل أرض ولكن أين صوت من بلال
- وفي مقالة له نثرية يقول: أتيت إلى العرب فوجدتهم يتقاتلون، وأتيت إلى الأتراك
فوجدتهم يصبغون بالبويات أطراف الزجاج.
- أي: أصبحوا نجارين وخشابين وأتيت إلى الهنود
وهم يبحثون على الخبز في الأسواق، ولكن ما وجدت من الأصناف من يحمل لا إله إلا الله
للعالم، فكل مشغول بخبزه وسيارته ووظيفته، لكن ما وجد محمد إقبال جيلاً يحمل لا إله
إلا الله.
عمار المسجد هم ضيوف الله تعالى وجيرانه :
- وقال
سعيد بن المسيب : من جلس في المسجد
فإنما يجالس ربه.
- في الحديث: {إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين
جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمّار المساجد}.
وفي رواية قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من رجل كان توطن المساجد، فشغله أمر أو
علة، ثم عاد إلى ما كان، إلا يتبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا
قدم.[2]
لذلك
كان السلف يعمرون المساجد :
- قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين
سنة، وكان من أحسن الناس صلاة.
- كان زياد مولى ابن عباس - أحد العباد الصالحين - يلازم مسجد المدينة فسمعوه يوماً يعاتب نفسه
ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد!! تريدين أن تبصري دار فلان
ودار فلان.
- قال
سعيد بن المسيب: ( ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد ).
- قال
ربيعة بن يزيد: ( ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد
إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً
- قال يحيى بن معين: ( لم يفت الزوال في المسجد
يحيى بن سعيد أربعين سنة ).
- وسمع عامر بن عبدالله بن الزبير المؤذن وهو
يجود لنفسه فقال : خذوا بيدي
فقيل : إنك عليل . قال : أسمع داعي الله فلا أجيبه . فأخذوا بيده فدخل مع الإمام
في المغرب فركع ركعة ثم مات ..
******
- ويقول صلى الله عليه وسلم مبيناً فضل من تعلق قلبه بالمسجد، ذكر السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم
لا ظل إلا ظله ذكر أحدهم بقوله "ورجل قلبه معلق بالمساجد" .
نعم معلق بالمسجد يحن إليه متى ما جاء الوقت
فإذاً في القلب نداء للمسجد، لا يمنعهم إلا مرض يعجزهم وإلا فالقلب متعلق بالمسجد ينتظر
الوقت ليأتي طاعة لله وقربة يتقرب بها إلى الله.
المسجد
مكان للسكينة والرحمة
- وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي
قال: {وما اجتمع قوم
في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم
الرحمة، وحملتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده}.
المساجد
مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة، ومأوى ومستقَر للأجساد العابدة، وموطن
طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها
بيوت الله في الأرض، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه، ولا
يلازمها عبدٌ صالح إلا رفع الله شأنه، وطهَّر قلبَه، وغلب أعداءه.
من مواضع
السجود فيها خرج العابدون، ومن مدارسها نبغ العلماء العاملون، ومن جوانبها خرجت
ثورات الأمة على كل ظالم جبار مفتون.
المسجد مكان تسود فيه روح
المحبة والإخاء:
يلتقي المصلُّون في المسجد، فتتصافح أيديهم وتتلاصق أبدانُهم وتتآلف
قلوبُهم، فتشيع بينهم الأُلْفةُ والمحبَّة، وتذوب جميعُ الفوارق مَهْمَا كانت؛
كَبُرَتْ أم صَغُرَتْ.
في المسجد تسود روح التعاون
والتضامن :
في المسجد يتفقَّد المسلمُ إخوانَه وجيرانَه، فهذا فقيرٌ يحتاج إلى
مساعدة، وذاك مصابٌ تُسلِّيه بمؤانسة، وثالثٌ مريضٌ تخفِّف آلامَه وأحزانَه، ورابعٌ
يتيمٌ تمسحُ على رأْسه وتحنو عليه، وبذلك يتحقق التكافلُ في رحاب المسجد.
ما خص
الله تعال به زوار المسجد من الخير والفضائل
1- الفوز بنزل في الجنة:
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { من غدا إلى المسجد أو راح،
أعدّ الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح } [رواه البخاري ومسلم].
2 - تكفير الخطايا:
فكل خطوة تخطوها
يمحو الله لك بها الخطايا ويرفع لك بها الدرجات
- فقد أخبر بذلك رسول الله فقال: { إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن
- فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء،
فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء،
حتى يخرج نقياً من الذنوب} . [رواه مسلم].
- والله سبحانه يجعل خطواتك كفارة لذنبوك لتنال
بمغفرتها رجاءك وتكون من الفائزين. وهذا رسول الله يحث على التعبد بخطوات المسجد.
فيقول: { ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع
به الدرجات؟ } قالوا: بلى يا رسول الله، قال: { إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى
الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط } [رواه مسلم].
- فعن النبي قال: { من تطهّر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله،
ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة } [رواه مسلم].
3 - اكتساب الحسنات:
- فعن عقبة
بن عامر الجهني عن النبي قال: { من خرج من بيته إلى المسجد كتب له الملكان بكل
خطوة يخطوها عشر حسنات.. والقاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت ويكتب من المصلين
حتى يرجع إلى بيته }.
- وعن أبي هريرة
عن النبي قال: { الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة
صدقة } [رواه البخاري ومسلم].
4 - بشرى المشائين إلى المساجد:
- فعن بريدة
عن النبي قال: { بشّروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور
التام يوم القيامة } [رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح].
وهذه البشرى مناسبة لجنس عمل الماشي إلى
المسجد في الظلمة.. فإنه لما اخترق بذهابه الى بيت الله حجب الظلام.. ليصلي الفجر مع
الإمام عوضه الله بنور كامل تام يوم يجمع الأنام!
فضل الصلاة في المسجد
- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تحدث عن فئة ضالة من الناس، عندما زعموا أن الصلاة في بيوتهم وفي مساكنهم
أفضل من المساجد، قال: أولئك خلعوا ربقة الإسلام والعياذ بالله، إذن فالتسوية بين البيت
والمسجد لا يقوله مؤمن يؤمن بالله حق الإيمان ويخاف الله ويرجوه، فإن المسلم الذي يرضى
بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً رسولاً يعلم أن أداء الفرائض في المساجد من
الأخلاق الحميدة والآمال الصالحة التي رتب الله عليها الثواب ووعد المحافظين عليها
بأجزل العطاء وأعظمه.
- وتذكر أن المسجد هو سوق رابح لاكتساب الآخرة. فالخطوات
إليه حسنات.. والمكوث فيه رحمات.. وانتظار الصلاة فيه صلاة.
ثواب انتظار الصلاة في المسجد:
- فعني
أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: { لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه،
لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة } [متفق عليه].
- كما أخبر
بذلك رسول الله فقال: { الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي
صلى فيه، ما لم يحدث. تقول اللهم اغفر له، اللهم ارحمه }.
-
قال معاذ بن جبل: من
رأى أن من في المسجد ليس في الصلاة إلا من كان قائماً فإنه لم يفقه.
وهذا رسول الله يؤخر صلاة العشاء الى نصف الليل ترغيباً في أجر
انتظار الصلاة.
- فعن أنس
رضي الله عنه، أن رسول الله أخّر ليلة صلاة
العشاء الى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه بعدما
صلى فقال: { صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة من انتظرتموها } [رواه البخاري].
- قال ابن رجب: ( وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأنه
فيه مجاهدة النفس، وكفاً لها عن أهوائها فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء
الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن
النزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف
لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد ).
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله
عنهما - قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مسرعًا قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال: ((أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابًا
من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة، وهم
ينتظرون أخرى[3]
0 comentarios:
Publicar un comentario