
- قال الذهبي في التذكرة : عبد الله بن المبارك بن واضح الحافظ
العلامة شيخ الإسلام فخر المجاهدين قدوة الزاهدين أبو
عبد الرحمن الحنظلي مولاهم المروزي التركي الأب الخوارزمي الام التاجر
السفار صاحب التصانيف النافعة والرحلات الشاسعة: ولد
سنة ثماني عشرة ومائة أو بعدها بعام وأفنى عمره في الأسفار حاجًا ومجاهدًا
وتاجرًا، سمع سليمان التيمي وعاصم الأحول وحميد الطويل والربيع بن أنس وهشام بن
عروة والجريري وإسماعيل بن أبي خالد وخالد الحذاء وبريد بن عبد الله بن أبي بردة
وأممًا سواهم حتى كتب عمن هو أصغر منه دوّن العلم في الأبواب والفقه وفي الغزو
والزهد والرقائق وغير ذلك.
حدث عنه خلق لا يحصون من
أهل الأقاليم فإنه من صباه ما فتر عن السفر... وبالإجازة
بيني وبينه ستة أنفس والله إني لأحبه في الله وأرجوا الخير بحبه لما أمنحه
الله من التقوى والعبادة والإخلاص والجهاد وسعة العلم والإتقان والمواساة والفتوة
والصفات الحميدة.
-عن الحسن قال: كانت أم ابن المبارك تركية، وكان الشبه لهم بيناً فيه وكان ربما خلع قميصه فلا
أرى على صدره أو جسده كثير شعر.
-
وقال بشر بن
أبي الأزهر: قال ابن المبارك ذاكرني عبد الله
بن إدريس السن فقال: ابن كم أنت فقال:
إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك ولكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم قال: فقال لي: قد ابتليت بلبس السواد. قلت: إني كنت أصغر من ذلك، وكان
أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد الصغار والكبار.[3] وكان أبو مسلم في بداية الدولة العباسية قد ألزم الرعية كباراً
وصغاراً بلبس السواد، وكان ذلك شعارهم إلى آخر أيامهم.
- وعن
زواج أبيه بأمه تقول الروايات أن أباه كان يعمل لدى
قاض اسمه نوح بن مريم وكان رئيسا أيضا وكانت له بنت ذات جمال خطبها جماعة من الأعيان
والأكابر، فذهب يوما إلى البستان فطلب من غلامه شيئا من العنب فأتى بعنب حامض فقال
له: هات عنبا حلوا فأتى بحامض فقال القاضي: ويحك ما تعرف الحلو من الحامض. فقال: بلى
ولكنك أمرتني بحفظها وما أمرتني بالأكل منها ومن لا يأكل لا يعرف فتعجب القاضي من كلامه
وقال: حفظ الله عليك أمانتك.
وزوج منه ابنته فولدت عبد الله بن المبارك المشهور بالعلم والورع
- وكان يحج سنة ويغزو في سنة أخرى
- وأكثر الترحال والتطواف إلى الغاية في طلب العلم والجهاد والحج والتجارة.
·
نشأة عبد الله بن المبارك :
لقد نشأ عبد الله يبن المبارك في بيت تقوى وورع
...
- وكانت نشأته أيضاً بمرو[1]
هذا البلد الذي اشتهر عنه العلم، فتربى عبد الله ابن المبارك على يد أبويه التقوى والورع
وأخذ العلم عن علماء بلدته كما أنه لم يكتف بذلك بل رحل في طلب العلم فكان له في ذلك
شأن كبير.
نهمه
في طلب العلم وشغفه به :
-كان أول شيخ لقيه
في طلب العلم، وعمره 20 سنة هو الربيع بن أنس الخراساني[2]، تحيّل ودخل إليه إلى السجن، فسمع منه نحواً من أربعين حديثاً، ثم ارتحل في
سنة 141 إحدى وأربعين ومائة، وأخذ عن بقايا التابعين، وأكثر من الترحال والتطواف.
- نعيم بن حماد سمعت عبد الله يقول قال لي أبي إني لئن وجدت كتبك حرقتها, فقلت: وما علي؟ هي في صدري.
- وعن
علي بن الحسن بن شقيق قمت مع ابن المبارك ليلة باردة ليخرج من المسجد فذاكرني عند الباب بحديث وذاكرته فما زال
يذاكرني حتى جاء المؤذن فأذن للفجر.
- عن
عثمان بن سعيد قال سمعت نعيم بن حماد يقول كان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته ، فقيل له : ألا تستوحش ؟ فقال : كيف أستوحش
وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟!
- عن إسماعيل بن علي بن إسماعيل قال: بلغني عن ابن المبارك أنه حضر عند حماد بن زيد مسلماً عليه فقال أصحاب
الحديث لحماد بن زيد : يا أبا إسماعيل تسأل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا ، فقال : يا
أبا عبد الرحمن تحدثهم فإنهم قد سألونى ، قال : سبحان الله ! يا أبا إسماعيل أحدث
وأنت حاضر؟! فقال : أقسمت لتفعلن ... قال : فقال ابن المبارك : خذوا ، حدثنا أبو
إسماعيل حماد بن زيد فما حدث بحرف إلا عن حماد بن زيد.
ثناء العلماء عليه :
- قال ابن مهدى: الأئمة أربعة: مالك والثوري وحماد بن زيد وابن المبارك
- قال
أحمد بن حنبل لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم
منه
- وعن شعيب بن حرب قال ما لقي ابن
المبارك مثل نفسه.
- وقال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين.
- وقال ابن معين: كان ثقة متثبتًا وكانت كتبه التي حدث بها نحوًا من عشرين ألف حديث.
- قال يحيى بن آدم: كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك أيست
منه.
- قال الحسن بن عيسى بن ماسرجس: اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك فقالوا: عدو خصال ابن المبارك
فقالوا: جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والزهد والشجاعة والشعر والفصاحة
وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والفروسية وترك الكلام فيما لا يعنيه والإنصاف
وقلة الخلاف على أصحابه.
- عن
حاتم الجوهري قال: حدثنا أسود بن سالم قال: كان ابن المبارك إماماً يقتدى به ، كان من أثبت الناس في السنة ،
إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام.
- قال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء على قبوله وجلالته وإمامته وعدله.
-
عن إبراهيم بن موسى يقول: كنت عند يحيى بن معين، فجاءه رجل، فقال: من أثبت في معمر؟ ابن المبارك أو عبد الرزاق ؟ وكان يحيى متكئا
فجلس، وقال: كان ابن المبارك خيرا من عبد الرزاق ومن أهل قريته، [ كان ] عبد الله
سيدا من سادات المسملين
مكانته بين المسلمين :
- عن
شعيب بن شعبة المصيصي قال: قدم هارون الرشيد
أمير المؤمنين الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك وتقطعت النعال وارتفعت
الغبرة فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب فلما رأت الناس قالت :
ما هذا ؟ قالوا : عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك ،
فقالت : هذا والله الملك ، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان.
خشيته وعبادته :
- عن
عثمان بن سعيد الدارمي قال: سمعت نعيم بن حماد
يقول: كان ابن المبارك إذا قرا كتاب (الرقاق) يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة
من البكاء ، لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء إلا دفعه.
- قال إسماعيل بن عياش : ما على وجه الأرض
مثل عبد الله بن المبارك ولا أعلم أن الله
خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك، ولقد حدثني أصحابي
أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهرَ صائم.
- عن سويد بن سعيد قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منه شربة ، ثم استقبل الكعبة ثم
قال : اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : ماء زمزم لما شرب له وهذا أشربه لعطش القيامة ثم شربه.
- عن الحسن بن عرفة يقول: قال لي ابن
المبارك: استعرت قلماً بأرض الشام فذهب عليَّ أن أرده إلى صاحبه فلما قدمت
مرو ونظرت فإذا هو معي فرجعت --- إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه.
- وعن ابن المبارك قال: إذا عرف
الرجل قدر نفسه، يصير عند نفسه أذل من كلب.
- عن ابن المبارك قال: من استخف بالعلماء، ذهبت آخرته، ومن استخف بالامراء، ذهبت دنياه، ومن
استخف بالاخوان، ذهبت مروءته.
- وقيل: إن ابن المبارك مر براهب عند مقبرة ومزبلة، فقال: يا راهب، عندك كنز
الرجال، وكنز الاموال، وفيهما معتبر.
- وكان مُستجاب الدعوة، قال الخطيب في كتابه تاريخ بغداد: إن ابن المبارك
مرّ برجل أعمى، فقال له: أسألك أن تدعو لي أن يرد الله عليّ بصري، فدعا له، فردّ الله
عليه بصره، والراوي ينظر.
وأصحاب
الدعوة المستجابة في سجل رجال الإسلام العارفين كثيرون، ولعلهم طبقوا حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله أن يكون مستجاب الدعوة، فقال له رسول الله:
«أطِبْ مطعمك تكُن مستجاب الدعوة».
كرمه رضي الله عنه :
كان ذا تجارة ومال وسفر وإنفاق
- فعن علي بن الفضيل قال: سمعت أبي وهو
يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد
والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام كيف ذا؟!
فقال ابن المبارك: يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون به وجهي وأكرم به عرضي وأستعين
به على طاعة ربي ، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به ، فقال له الفضيل:
يا ابن المبارك ما أحسن ذا ، إن تم ذا.
- قال للفضيل بن عياض: لولاك وأصحابك ما اتجرت، وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف
درهم.
- عن سلمة بن سليمان قال جاء رجل
إلى عبد الله بن المبارك فسأله أن يقضى ديناً عليه فكتب له إلى وكيل له فلما ورد عليه الكتاب قال له الوكيل: كم
الدين الذي سألت فيه عبد الله أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمئة درهم فكتب إلى عبد الله:
إن هذا الرجل سألك ان تقضى عنه سبعمئة درهم وكتبت له سبعة آلاف درهم وقد فنيت
الغلات فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضاً قد فني
فأَجِزْ له ما سبق به قلمي.
- عن
محمد بن عيسى قال: كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس وكان ينزل الرقة في خان ، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع
منه الحديث ، قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب وكان مستعجلاً فخرج
في النفير فلما قفل من غزوته ورجع [إلى] الرقه سأل عن الشاب قال: فقالوا: إنه
محبوس لدين ركبه ، فقال عبد الله: وكم مبلغ دينه؟ فقالوا: عشرة آلاف درهم ، فلم
يزل يستقصي حتى دُلَّ على صاحب المال فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم
وحلَّفه أن لا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً ، وقال: إذا أصبحت فأَخرج الرجل من
الحبس ، وأدلج عبد الله ، فاخرج الفتى من الحبس ، وقيل له : عبد الله بن المبارك
كان هاهنا وكان يذكرك وقد خرج ، فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من
الرقة ، فقال يا فتى أين كنت ؟! لم أرك في الخان ! قال : نعم يا أبا عبد الرحمن ،
كنت محبوساً بدين ، قال : فكيف كان سبب خلاصك ؟ قال : جاء رجل فقضى ديني ولم أعلم
له حتى أخرجت من الحبس ؛ فقال له عبد الله : يا فتى احمد الله على ما وفق لك من
قضاء دينك ، فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله.
- عن حبان بن موسى قال: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان ولا يفعل في أهل
بلده قال : إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق طلبوا الحديث فأحسنوا الطلب للحديث ،
بحاجة الناس إليهم احتاجوا ، فان تركناهم ضاع علمهم ، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.
- و كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج، اجتمع
إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك،
فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري
لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب
الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى
الله عليه وسلم، فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها
؟ فيقول: كذا وكذا، ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما
أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول: كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من
مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان
بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق، ففتحه
ودفع إلى كل رجل منهم صرته، عليها اسمه.
-
روى الحاكم: خرج ابن المبارك من
بغداد، يريد المصيصة[3]، فصحبه
الصوفية، فقال لهم: أنتم لكم أنفس تحتشمون أن ينفق عليكم، يا غلام هات الطست،
فألقى عليه منديلا، ثم قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، فجعل الرجل يلقي
عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين، فأنفق عليهم إلى المصيصة، ثم قال: هذه بلاد
نفير.فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارا، فيقول: يا أبا عبدالرحمن، إنما
أعطيت عشرين درهما، فيقول: وما تنكر أن يبارك الله للغازي في نفقته .
- وكان عبدالله بن المبارك يحج عامًا ويغزو في سبيل الله عامًا، وفي
العام الذي أراد فيه الحج.. خرج ليلة ليودع
أصحابه قبل سفره، فوجد امرأة في الظلام تنحني على كومة من القمامة تفتش فيها حتى
وجدت دجاجة ميته فأخذتها وانطلقت لتطهوها وتطعمها صغارها، فتعجب ابن المبارك ونادى
عليها وقال لها: ماذ تفعلين يا أمة الله؟ وذكرها بالآية (إِنَّمَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ
لِغَيْرِ اللّهِ).
فقالت له: يا عبد الله – اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون،
فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.. فقالت المرأة له: أما وقد
أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنَّك:
إن الله قد أحل لنا الميتة، وأنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات ولا يوجد
من يكفلنا، وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوبًا رحيمة فخرجت ألتمس عشاء لبناتي
اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الميتة .. أفمجادلني أنت فيها؟،
وهنا بكى عبدالله ابن المبارك، وقال لها: خذي هذه الأمانة وأعطاها المال كله الذي
كان ينوي به الحج وعاد إلى بيته ولازمه طوال فترة الحج.
وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج، ثم عادوا، وذهبوا لزيارته في
بيته ليشكروه على إعانته لهم طوال فترة الحج، فقالوا له: رحمك الله يا ابن المبارك
ما جلسنا مجلسًا إلا أعطيتنا مما أعطاك الله من العلم، ولا رأينا خيرًا منك في
تعبدك لربك في الحج هذا العام.
فتعجب ابن المبارك من قولهم، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق
البلد، ولكنه لايريد أن يفصح عن سره، ونام ليلته وهو يتعجب مما حدث، وفي المنام
يرى رجلا يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا؟
أنا محمد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في
الآخرة جزاك الله عن أمتي خيرًا .. يا عبد الله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما
أكرمت أم اليتامى .. وسترك كما سترت اليتامى، إن الله – سبحانه وتعالى – خلق ملكاً
على صورتك .. كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج .. وإن الله تعالى كتب لكل حاج
ثواب حجة وكتب لك أنت ثواب سبعين حجة.
·
جهاده :
- وعن عبد الله بن سنان
قال: كنت مع ابن المبارك والمعتمر بن سليمان بطرسوس فصاح الناس النفير
فخرج ابن المبارك والناس فلما اصطف المسلمون والعدو خرج رومي وطلب المبرازة فخرج إليه
رجل فشد العلج على المسلم فقتله حتى قتل ستة من المسلمين وجعل يتبختر بين الصفين يطلب
المبارزة ولا يخرج إليه أحد. قال: فالتفت إلي ابن المبارك وقال: يا فلان إن حدث بن
الموت فافعل كذا وكذا. وحرك دابته وبرز للعلج فعالج معه ساعة فقتل العلج وطلب المبارزة
فبرز إليه علج آخر فقتله حتى قتل ستة علوج وطلب البراز. قال: فكأنهم كاعوا عنه فضرب
دابته وطرد بين الصفين وغاب. فلم نشعر بشيء إذ أنا بابن المبارك في الموضع الذي كان.
فقال لي: يا أبا عبد الله لأن حدثت بهذا أحدا وأنا حي وذكر كلمة.
- حكي عنه رحمه الله عليه
أنه قال: خرجت للغزو مرة فلما تراءت الفئتان خرج من صف الترك فارس يدعو إلى البراز
فخرجت إليه فإذا قد دخل وقت الصلاة قلت له: تنح عني حتى أصلي ثم أفرغ لك فتنحى فصليت
ركعتين وذهبت إليه فقال لي: تنح عني حتى أصلي أنا أيضا فتنحيت عنه فجعل يصلي إلى الشمس
فلما خر ساجدا هممت أن اغدر به فإذا قائلا يقول:"وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا"
فتركت الغدر فلما فرغ من صلاته قال لي لما تحركت؟ قلت: أردت الغدر بك قال: فلم تركته؟
قلت لأني أمرت بتركه. قال الذي أمرك بترك الغدر أمرني بالإيمان وآمن والتحق بصف المسلمين.
فقد دعته أخلاقه ألا يغدر بأعدائه فكانت بركة أخلاقه أن انضم عدوه إلى الإسلام بعد
أن كان من المحاربين له.
·
وفاته
- ولما احتضر ابن المبارك، جعل رجل
يلقنه، قل: لا إله إلا الله، فأكثر عليه، فقال
له: لست تحسن، وأخاف أن تؤذي مسلما بعدي.
إذا لقنتني، فقلت: لا إله
إلا الله، ثم لم أحدث كلاما بعدها، فدعني، فإذا أحدثت كلاما، فلقني حتى تكون آخر
كلامي.
- لما
مات ابن المبارك بلغني أن هارون أمير المؤمنين قال : مات سيد العلماء.
توفي عبد الله بن المبارك سنة 181هـ عن ثلاث وستين سنة.
·
من كلماته :
- وقال حبيب الجلاب: سألت
ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟
قال: غريزة عقل
قلت: فإن لم يكن قال:
حسن أدب
قلت: فإن لم يكن قال:
أخ شفيق يستشيره
قلت: فإن لم يكن قال:
صمت طويل
قلت: فإن لم يكن قال:
موت عاجل.
- قال عبد الله: إذا غلبت محاسن الرجال على مساوئه لم تذكر المساويء وإذا غلبت المساويء
على المحاسن لم تذكر المحاسن.
- وقال في رسالة بعث بها إلى الفضيل بن عياض:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
*** لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخطب خده بدموعه *** فنحورنا بدمائنا
تتخضب
وغبار خيل الله في أنف امرء *** ودخان نار جهنم
لا يذهب
هذا كتاب الله يحكم
بيننا *** ليس الشهيد كغيره لا يكذب
[2] الربيع بن أنس البكري إسمه الربيع بن أنس
البكري ، ويقال الحنفي ، البصري ثم الخراساني كنيته وقيل:البكري , ويقال : الحنفي
, البصري الخراساني يعتبر الربيع بن أنس البكري من الطبقة الخامسة من طبقات رواة الحديث
النبوي التي تضم صغار التابعين ورتبته عند أهل الحديث وعلماء الجرح والتعديل وفي كتب
علم التراجم يعتبر صدوق له أوهام ، ورمى بالتشيع ,وعند الإمام شمس الدين الذهبي قال
أبو حاتم : صدوق [1] ,مات في خلافة أبي جعفر المنصور عام 140 هـ أو قبلها, في سجن مرو
حبس فيها ثلاثين سنة. [2]
0 comentarios:
Publicar un comentario