خلق الله سبحانه الناس ليعرفوه ويعبدوه، قياما بحق ربوبيته، وألوهيته،
كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (سورة الذاريات: 56).
لهذا جعل الإسلام التعبد لله تعالى، هو أول ما يطالب به المسلم، وكانت
أركان الإسلام، ومبانيه العظام، تتمثل في عبادات لله تعالى، هي - بعد الشهادتين -
إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام.
وقد نَوَّع الإسلام في عباداته التي شرعها:
فمنها: العبادة التي
يؤديها المسلم بجهده البدني كالصلاة والصيام، وتُسمى: العبادة البدنية.
ومنها: ما يؤديه بذلاً من
ماله لله، كالزكاة والصدقات، وتُسمى: العبادة المالية.
ومنها: ما يجمع بينهما، كالحج والعمرة.
كما أن منها: ما يتمثل في الفعل،
كالصلاة والزكاة والحج.
ومنها: ما يتمثل في الترك
والكف، وهو الصيام.
على أن هذا الكف والترك ليس أمرًا سلبيًا، فإن الذي جعله عبادة هو أن
المسلم يقوم بذلك بإرادته واختياره، قاصدًا التقرب إلى الله تعالى، فهو بهذا عمل
بدني، ونفسي إيجابي، له ثقله في ميزان الحق.
معنى الصيام الشرعي
* الصوم
الشرعي: إمساك وامتناع إرادي عن الطعام والشراب، ومباشرة النساء
وما في حكمها، خلال يوم كامل: أي من تَبَيُّن الفجر إلى غروب الشمس، بنية الامتثال
والتقرب إلى الله تبارك وتعالى.
- والدليل على أن
الصيام الشرعي هو الإمساك عن الشهوتين كما ذكرنا، قوله تعالى في بيان أحكام الصيام
في سورة البقرة: (أُحلَّ لكم ليلة الصيام
الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم
فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى
يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) (البقرة :187).
هذا الصوم الإسلامي هو أفضل
أنواع الصيام، الذي عرفها البشر، فبعض أصحاب الأديان
يصومون عن كل ذي روح فقط، ويأكلون ما لذَّ وطاب من ألوان الطعام والشراب، كما لا
يصومون عن شهوة الفرج.
وبعضهم يصوم صيامًا يمتد أيامًا، فيجهد البدن، ويشق على النفس، ولا
يقدر عليه إلا الخاصَّة، أما الصيام الواجب في الإسلام فهو لكل المسلمين المكلفين،
خاصتهم وعامتهم.
متى فرض الصيام؟
ولم يشرع في مكة إلا الصلوات الخمس، لِمَا لها من أهمية خاصة، وكان
ذلك في ليلة الإسراء، في السنة العاشرة من البعثة على الأشهر.
وبعد ذلك بخمس سنوات أو
أكثر فرض الصيام، أي في السنة الثانية من الهجرة وهي السنة التي فرض فيها الجهاد
- يقول ابن القيم في (الزاد): (لما كان فطم النفوس عن مألوفاتها، وشهواتها، من أشق الأمور وأصعبها
تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة،
وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج) (زاد المعاد -30/2 طـ. مؤسسة الرسالة،
بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط).
فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وقد
صام تسعة رمضانات (زاد المعاد (30/2) طـ.
على من يجب صيام رمضان
والذي لا خلاف فيه: أنه يجب وجوبًا فوريًا على المسلم
البالغ، العاقل المقيم، الصحيح، إذا لم تكن فيه الصفة المانعة من الصوم، وهي الحيض
والنفاس للنساء.
- فلا يطالب غير
المسلم في الدنيا بصوم رمضان، لأنه لا
يطالب بالفرع من لم يؤمن بالأصل، إنما يدعى إلى الإسلام أولا، فإن شرح الله صدره
له، طولب بأركانه وفرائضه بعد ذلك
·
ومن كان جنونه متقطعًا، فهو مكلف في المدة التي يعود إليه فيها عقله فقط.
وألحق بعض الفقهاء به من يعتريه إغماء أو غيبوبة مرضية، يفقد فيها
وعيه مدة تقصر أو تطول، فهو خلال غيبوبته غير مكلف بصلاة ولا صيام.
- فإذا أفاق بعد أيام من إغمائه وغيبوبته، فليس عليه أن يقضي تلك الأيام الماضية، لأنه كان فيها غير أهل
للتكليف.
* وبعضهم رأى أن عليه قضاء ما فاته أثناء
الإغماء، أو الغيبوبة، معللاً ذلك بأن الإغماء مرض، وهو مغط للعقل غير رافع
للتكليف، ولا تطول مدته، ولا تثبت الولاية على صاحبه، ويدخل على الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام (انظر: المبدع من شرح المقنع من كتب الحنابلة -3 / 18
ورأيي أن هذا مسلَّم في الإغماء القصير
الذي يستغرق يوما أو يومين، أو نحو ذلك، أما الغيبوبة الطويلة التي عرفها الناس في
عصرنا، والتي قد تمتد إلى شهر أو أشهر أو سنين ! وخصوصًا مع أجهزة الإنعاش
الصناعي، فهذه أشبه بحالة الجنون، الرافع للتكليف في حالة وجوده، وتكليف مغيَّب
الوعي هنا بالقضاء فيه حرج عليه، وما جعل الله في الدين من حرج.[1]
ما يجب على للصائم
ضرورة النية
النية في الصيام وفي كل عبادة فريضة لا بد منها، ولا
يهمنا أن تكون ركنا عند بعض الفقهاء، أو شرطًا عند بعضهم، فهذا خلاف علمي أو نظري
لا يترتب عليه عمل، ما دام الجميع متفقين علي فرضيتها.
-
فقد يمسك بعض الناس عن الطعام والشراب من
الفجر إلى المغرب، ولما هو أكثر، ولكن بقصد الرياضة ونقص الوزن وما شابه ذلك.
-
وقد يمسك آخرون احتجاجًا علي أمر معين،
وتهديدًا بالقتل البطيء للنفس كما يفعل ذلك كثيرًا المضربون عن الطعام في السجون
والمعتقلات، وغيرها.
-
وقد يمسك بعض الناس تشاغلاً أو استغراقًا في
عمل يأخذ عليه فكره، وينسيه أكله وشربه.
وكل هؤلاء ليسوا صائمين الصيام
الشرعي، لأنهم لم ينووا ولم يقصدوا بإمساكهم وجوعهم وحرمانهم وجه الله تعالى،
وابتغاء مثوبته. ولا يقبل الله عبادة إلا بنية.
التلفظ بالنية
والنية محلها القلب، لأنها عقد
القلب على الفعل.
والتلفظ باللسان ليس مطلوبًا، ولم يأت في نصوص الشرع ما يدل علي طلب التلفظ بها، لا في الصوم، ولا في الصلاة،
ولا في الزكاة، إلا ما جاء في شأن الحج والعمرة.
- ومن دلائل نيته قيامه للسحور،
وتهيئته له وإن لم يقم، وإعداده ما يلزم لفطور الغد، وترتيبه أعماله ومواعيده على
وفق ظروف الصيام.
·
إنما الذي يحتاج إليها هو من كان له عذر يبيح له الفطر، كالمريض والمسافر فيصوم حينًا، ويفطر حينًا، فإذا صام
يحتاج إلى تجديد النية، ليتميز يوم صومه عن يوم فطره.
متى يجب إنشاء نية الصيام
ومن اللازم هنا: تحديد الوقت الذي يجب فيه
إنشاء نية الصيام.
1. جمهور الفقهاء على أن الواجب
هو تبييت النية من الليل، أي إيقاعها في جزء
من الليل قبل طلوع الفجر.
-
واستدلوا بحديث ابن عمر عن حفصة مرفوعًا: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" رواه أحمد
وأصحاب السنن.
2. وذهب الإمام مالك إلى أن نية الصيام في أول ليلة من رمضان كافية للشهر
كله، ومغنية عن تجديد نية لكل ليلة، باعتبار صوم رمضان عملاً واحدًا،
وعبادة واحدة، وإن كانت موزعة على الأيام، كالحج تكفيه نية في أوله، وإن كانت
أفعاله موزعة على عدد من الأيام، وهو مذهب إسحاق ورواية عن أحمد.
والظاهر: أن صوم كل يوم عبادة مستقلة، مسقطة لفرض وقتها، بخلاف الحج فإنه كله
عمل واحد، ولا يتم إلا بفعل ما اعتبره الشرع من المناسك، والإخلال بواحد من أركانه
يستلزم عدم إجزائه.
ومهما
يكن من الاختلاف في أمر النية، فالمؤكد أنها في صيام رمضان مركوزة في ضمير كل مسلم
حريص على صيام شهره، وأداء فرض ربه، ولا مشكلة في ذلك على الإطلاق.
تبييت النية على الفرض ،
وأما النفل فأجازوه في النهار إلى ما قبل الزوال.
- وحجتهم
ما رواه مسلم عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على بعض أزواجه،
فيقول: "هل من غداء؟" فإن قالوا: لا، قال: "فإني صائم"
(رواه مسلم -باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال).
- وكذلك
ما جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم حين فرض صوم عاشوراء أمر رجلاً من أسلم يؤذن في الناس في النهار: "ألا كل من أكل
فليمسك، ومن لم يأكل فليصم" (رواه البخاري -باب صيام يوم عاشوراء، ومسلم
-باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه).
تعجيل الإفطار
يستحب للصائم تعجيل الإفطار،
فقد رغب في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله وفعله.
- ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" (متفق عليه).
·
وإنما أحب التعجيل لما فيه من التيسير على الناس، وكره
التأخير لما فيه من شبهة التنطع والغلو في الدين، والتشبه بأهل الأديان الأخرى
الذين كانوا يغلون في دينهم.
- فعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر، لأن
اليهود والنصارى يؤخرون" (رواه أبو داود في الصوم وغيره.
ومعنى التعجيل: أنه بمجرد غياب قرص الشمس من الأفق يفطر.
- وفي الحديث
الصحيح: "إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا،
وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم" (متفق عليه)
ويكفيه في ذلك أن يغلب على ظنه غروبها، فالظن الغالب يكفي
في هذه الأمور، كما في القبلة وغيرها..
·
وكان من سنته العملية عليه الصلاة والسلام:
- ما رواه أنس خادمه: أنه كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات،
فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء (رواه أحمد -164/3، وأبو داود -2356، والترمذي -696).
- ويقول أيضًا: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى صلاة المغرب
حتى يفطر، ولو على شربة من ماء (رواه أبو يعلي وقال الهيثمي في (المجمع): رجاله رجال
الصحيح ..
السحور وتأخيره
ومما سنَّه النبي صلى الله عليه وسلم للصائم أن يتسحر، وأن يؤخر
السحور.
- ولذا قال: "تسحروا فإن في السحور بركة" (متفق عليه
وفيه تمييز كذلك لصيام المسلمين عن غيرهم، ..
- وفي الصحيح: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر" (مسلم .
·
والأصل في السحور أن يكون طعامًا يؤكل، ولو شيئًا من التمر، وإلا
فأدنى ما يكفي شربة من ماء.
روى أبو سعيد اخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "السحور كله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء،
فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين" (قال
المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد، وإسناده قوي.
أصحاب الأعذار
المسافر والصيام
ومن الرخص التي شرعها الإسلام للمسافر: رخصة الفطر في الصيام، وهي
ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع.
ففي القرآن: قال الله تعالى:
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله
بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
وجاءت السنة فأكدت
هذا الحكم قولاً وعملاً وتقريرًا.
- ففي
الصحيحين: عن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: " إن
شئت فصم، وإن شئت فأفطر" (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -684).
- وفي
رواية لمسلم: أنه قال: يا رسول الله، أجد مني قوة على الصوم في السفر فهل علي
جناح؟ فقال: " هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها
فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" (الحديث -1121 عن صحيح مسلم- كتاب
الصوم). وهو قوي الدلالة على فضيلة الفطر
[2]- وعن أبي
الدرداء: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، في يوم حار، حتى يضع الرجل يده على رأسه
من شدة الحر، وما فينا صائم، إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم، وابن رواحة
(متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -685).
وقد ذهب بعض الصحابة والتابعين إلى وجوب
الإفطار في السفر، وأن من صام لا
يجزئه الصيام، وعليه القضاء، وهو مذهب الظاهرية، واستدلوا بظاهر قوله
تعالى: (فعدة من أيام أخر) فدل على أن قضاء أيام أخر واجب عليه لا محالة،
* والجمهور تأولوه بأن المراد: فأفطر فعليه عدة من أيام أخر. والسنة القولية والعملية
والتقريرية تدل عليه، وفيما ذكرناه من الأحاديث ما يكفي
واستدلوا أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم في
شأن بعض الصحابة الذين صاموا في السفر: " أولئك العصاة ".
* وأجاب الجمهور بأنه إنما نسبهم إلى العصيان لأنه عزم عليهم وشدد
فخالفوا. و بأنه قال ذلك في حق من شق عليه الصوم
السفر
بالوسائل لا يسقط الرخص الشرعية
والسفر بالقطارات والسفن البخارية، والطائرات
ونحوها من الوسائل المريحة في عصرنا لا يسقط الرخصة التي جاء بها الشرع، فهي صدقة
تصدق الله بها علينا فلا يليق بنا أن نرفضها.
وقد تفلسف بعض الناس، البعيدين عن الفقه،
وزعموا أن السفر الآن، غير السفر في الماضي، فلم يعد سيرًا على الأقدام، ولا
ركوبًا للجمال، ولا قطعًا للفيافي، فلا مبرر للرخص المرتبة على هذا النوع من
السفر.
ونسي هؤلاء أن الأحكام الثابتة - وخصوصًا في
أمور العبادات- لا تبطل بالرأي المجرد.
·
وقد ربطت نصوص الشرع رخصة الإفطار- كغيرها- بأمر ظاهر
منضبط، وهو السفر ولم تربطه بالمشقة، لأنها غير ظاهرة ولا منضبطة.
·
وللسفر في عصرنا متاعب أخرى- عصبية ونفسية- يعرفها الذين
يعانون الأسفار، فليست المشقة البدنية هي كل شيء.
مسافة
السفر ومتى يفطر المسافر؟
اختلف الفقهاء في مقدار السفر الذي يوجب
الرخص للمسلم المسافر، ومنها: الفطر في الصيام، ومتى يفطر: من مجاوزة عمران البلد،
أم من منزل المسافر نفسه؟ وهل يفطر وإن كان قد نوى الصيام وسافر بعد الفجر؟.
·
والمشهور في فقه المذاهب الآن أن مسافة السفر نحو (80، أو 90) كيلو مترًا. وأنه لا
يفطر حتى يجاوز مساكن البلدة.
* ولكن ابن القيم يقول في (زاد
المعاد): (ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير
المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد، ولا صح عنه في ذلك شيء، وقد أفطر دحية بن
خليفة الكلبي في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن صام: قد رغبوا عن هدى محمد صلى الله
عليه وسلم (أخرجه أبو داود -2413، وفي سنده منصور بن
سعيد الكلبي راويه عن دحية وهو مجهول).
اعتبار مجاوزة البيوت
وكان الصحابة حين ينشئون السفر، يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت،
ويخبرون أن ذلك سنته وهديه صلى الله عليه وسلم،
- كما قال عبيد بن جبر: ركبت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سفينة من الفسطاط في رمضان، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة. قال: اقترب. قلت:
ألست ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة :أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ رواه أبو
داود وأحمد
- وقال محمد بن كعب: أتيت أنس بن مالك في رمضان
وهو يريد سفرًا، وقد رحلت له راحلته وقد لبس ثياب السفر،
فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة، ثم ركب (أخرجه الترمذي-799 و 800 في الصوم: والدارقطني -2 / 187....)
وإذا سافر في أثناء يوم، فهل
يجوز له الفطر؟
·
على قولين مشهورين للعلماء، هما روايتان عن أحمد.
- أظهرهما: أنه يجوز ذلك، كما ثبت في السنن أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج
من يومه، ويذكر أن ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
* وأما اليوم الثاني: فيفطر فيه بلا ريب، وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة
والأمة.
وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم، ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء، لكن عليه القضاء
سواء أمسك أو لم يمسك.
من عادته السفر
ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر الجلاب الذي
يجلب الطعام، وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب، وغيرهم،
وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين، ونحوهم.. وكذلك الملاح الذي له مكان في
البر يسكنه.
فأما من كان معه في السفينة امرأته، وجميع مصالحه، ولا يزال مسافرًا
فهذا لا يقصر ولا يفطر... (فتاوى شيخ الإسلام
ابن تيمية -25 / 211 - 213).ا.هـ.
أيهما أفضل للمسافر: الصوم
أم الفطر؟
- وقد اختلف الجمهور: أي الأمرين أفضل للمسافر: الصوم أم الفطر؟.
1. فمنهم من قال: الصوم أفضل، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي، وهذا لمن قوي عليه ولم يشق
عليه.
أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يصوم في السفر، ولا يأخذ لنفسه إلا
بما هو الأفضل، ولأن المرء قد يتغافل عن قضائه، فيدركه الأجل ولم تبرأ ذمته
2. وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: الفطر أفضل، عملاً بالرخصة، والله يحب أن تؤتى رخصه، ولقوله في بعض
الروايات: " عليكم برخصة الله التي رخص لكم" وفي قصة حمزة الأسلمي:
"من أفطر فهو حسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" وبين التعبيرين فرق.
3. وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة: أفضلهما أيسرهما عليه.
4. وقال بعض العلماء: هو مخير بين الصوم والفطر، وهما في حقه سواء.
أما أفضلية الصوم فتترجح لمن يخاف على نفسه التشاغل عن القضاء، أو الكسل
عنه، فالأحوط له أن يصوم، عملاً بالعزيمة، بالنسبة للمسافر المستريح الذي لا يجد
عنتًا ولا مشقة في سفره، ككثير من السفر بالطائرة اليوم، التي لا تصادفها متاعب.
ذلك بالنسبة للمقيم في بلد أثناء السفر،
وإن اعتبر مسافرًا، ما لم يكن قائما بأعمال تجهده.
وأيضًا السفر المختلف فيه، كأن يكون سفرًا دون المسافة التي قدرها
الجمهور، وقدرت بنحو (90 كيلو مترا)، فمن سافر لأقل من ذلك، يحسن به ألا يفطر..
ومثله في الغالب لا يطلق عليه اسم (مسافر). ومثل ذلك الذي حرفته
السفر، أو تقتضي السفر باستمرار، كالطيار، ومضيف الطائرة، وربان الباخرة (السفينة)
وملاحيها، وسائق سيارة الأجرة، (التاكسي) فهؤلاء وإن جاز لهم الفطر، بوصفهم
مسافرين، يفضل لهم أن يصوموا إذا لم يشق عليهم، فربما لا يتيسر لهم أن يصوموا.
هناك
اعتبارات ترجح أفضلية الفطر للمسافر، منها:
1 - أن يكون في الصوم مشقة شديدة، وذلك مثل الذي
يسافر عن طريق البر في الصيف ويتعرض للفح الهجير، وكذلك المسافر الذي يركب الطائرة مسافرًا
من الشرق إلى الغرب، فيطول عليه اليوم كثيرًا جدًا لاختلاف التوقيت وطول اليوم
هناك.
-
وفي هذا جاء الحديث الصحيح الذي رواه جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر،
فرأى زحامًا، ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: " ما هذا ؟ فقالوا: صائم! فقال:
" ليس من البر الصوم في السفر" (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -681).
2 - أن يكون المسافر في جماعة تحتاج إلى خدمات ومساعدات بدنية واجتماعية، يعوق الصوم كليًا أو جزئيًا عن القيام بها، فيستأثر بها المفطرون،
ويحرم من مثوبتها الصائمون.
- وروى
الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمنا الصائم، ومنا المفطر، فنزلنا منزلاً
في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء (يعني الذي يستظل بكسائه) ومنا من يتقي الشمس
بيده، قال: فسقط الصُوَّم، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية (أي نصبوا الخيام) وسقوا
الركاب.
* وفي رواية: وأما الذين صاموا فلم يعملوا
شيئًا، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب، وامتهنوا وعالجوا، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: " ذهب المفطرون اليوم بالأجر" (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -683).
3 - أن يكون في الإفطار تعليم للسنة، وتعريف بالرخصة، كأن ينتشر بين بعض الناس: أن الفطر في السفر لا يجوز، أو لا يليق
بأهل الدين، وينكرون على من أفطر في السفر، فيكون الإفطار حينئذ أفضل
4 - أن يكون في رفقة أخذوا بالرخصة جميعًا،
وأفطروا، ويسوءهم أن ينفرد بالصيام دونهم، فلا يحسن به أن يصوم وحده، لما في ذلك من
الشذوذ عن الجماعة من ناحية، ولما في ذلك من خشية دخول الرياء على نفس الصائم، أو
اتهامه به من ناحية أخرى.
ويتأكد ذلك إذا كانوا مشتركين في النفقة، ومن
عادتهم أن يتناولوا وجباتهم مجتمعين، ويشق عليهم انفراد بعضهم بالأكل فطورًا
وسحورًا.
6 - أن يكون المسافر في حالة جهاد ومواجهة ساخنة
مع العدو، وقد حمي الوطيس والتهبت المعركة، والفطر
أقوى للمجاهدين، وأعون لهم، على ملاقاة العدو، ومصابرته، حتى يقضي الله أمرًا كان
مفعولا، بل قد يتعين الفطر هنا إذا كان الصوم يضعف المجاهدين، أو يقلل من قدرتهم
- روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى مكة ونحن صيام قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم". وكانت رخصة فمنا من صام
ومنا من أفطر. ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: " إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى
لكم فأفطروا " وكانت عزمة، فأفطرنا، ثم رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعد ذلك في السفر (صحيح مسلم في الصوم -789/2، الحديث -1120).
هل يجوز الفطر في الجهاد من غير سفر؟
عرض لذلك المحقق ابن القيم في (الهدي النبوي)، وذكر في ذلك قولين
للعلماء.
أصحهما دليلاً: أن لهم ذلك، وهو
اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق
حكم إفطار المريض وما الواجب
عليه
أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض، لقوله تعالى:
(...ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر) (البقرة: 185)
ولكن ما المرض المبيح للفطر
إنه المرض الذي يزيده الصوم،
أو يؤخر الشفاء على صاحبه، أو يجعله يتجشم مشقة شديدة، بحيث لا يستطيع أن يقوم
بعمله الذي يتعيش منه ويرتزق منه، فمثل هذا المرض هو الذي يبيح الفطر..
- قيل للإمام أحمد: متى يفطر المريض ؟ قال: إذا لم يستطع . قيل له: مثل الحمى ؟ قال: وأي
مرض أشد من الحمى ؟
وذلك، أن الأمراض تختلف، فمنها مالا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس وجرح
الأصبع والدمل الصغير وما شابههما، ومنها ما يكون الصوم علاجًا له، كمعظم أمراض
البطن، من التخمة، والإسهال، وغيرها فلا يجوز الفطر لهذه الأمراض، لأن الصوم لا
يضر صاحبها بل ينفعه، ولكن المبيح للفطر ما يخاف منه الضرر .
· والسليم الذي يخشى المرض بالصيام، يباح له الفطر أيضًا كالمريض الذي
يخاف زيادة المرض بالصيام . وذلك كله يعرف بأحد أمرين : إما بالتجربة الشخصية،
وإما بإخبار طبيب مسلم موثوق به، في فنه وطبه، وموثوق به في دينه وأمانته
هل يجوز للمريض أن يتصدق بدل
الأيام التي أفطرها وهو مريض ؟
- المرض
نوعان: مرض مؤقت يرجى الشفاء منه وهذا لا
يجوز فيه فدية ولا صدقة، بل لابد من قضائه.
- أما المرض المزمن فحكم صاحبه كحكم الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا كان المرض لا يرجى أن يزول عنه .
ويعرف ذلك بالتجربة أو بإخبار
الأطباء فعليه الفدية :إطعام مسكين . وعند بعض الأئمة - كأبي حنيفة - يجوز
له أن يدفع القيمة نقودًا إلى من يرى من الضعفاء والفقراء والمحتاجين.
إفطار
الكبير والحامل والمرضع
يجوز للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ويشق عليه
مشقة شديدة، ومثله المرأة العجوز طبعًا، يجوز لهما أن يفطرا في رمضان، ومثلهما كل
مريض لا يرجى شفاؤه من مرضه.
- وقال ابن عباس رضي الله عنهما: " رخص للشيخ الكبير أن
يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه " (رواه الدارقطني والحاكم
وصححاه)،
- وروى
البخاري عنه قريبًا من هذا: أن في الشيخ الكبير ونحوه نزل قوله تعالى: (وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له) (البقرة: 184)
* أي
من زاد عن طعام المسكين فهو أفضل وأبقى له عند الله .
إذا
كانت الحامل والمرضع تخافان على أنفسهما
فأكثر العلماء على أن لهما الفطر
وعليهما القضاء فحسب .. وهما في هذه الحالة بمنزلة المريض.
هل
يصح للمرأة الحامل أن تفطر في رمضان إذا خافت على جنينها أن يموت ؟
نعم .. لها أن تفطر .. بل إذا
تأكد هذا الخوف أو قرره لها طبيب مسلم ثقة في طبه ودينه، يجب عليها أن تفطر حتى لا
يموت الطفل،
- وقد قال تعالى :(لا تقتلوا أولادكم) (الأنعام:
151، والإسراء: 31) وهذه نفس محترمة، لا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يفرط فيها ويؤدي
بها إلى الموت . والله تعالى لم يعنت عباده أبدًا،
- وقد
جاء عن ابن عباس أيضًا أن الحامل والمرضع ممن جاء فيهم (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
مسكين).
هل عليها القضاء أم عليها
الإطعام
1. فابن عمر وابن عباس يجيزان لها الإطعام ..
2. وأكثر العلماء على أن عليها القضاء،
3. والبعض جعل عليها القضاء والإطعام،
وقد يبدو لي[4]
أن الإطعام وحده جائز دون القضاء، بالنسبة
لامرأة يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فهي في سنة حامل،
وفي سنة مرضع، وفي السنة التي بعدها حامل .. وهكذا .. يتوالى عليها الحمل
والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فإذا كلفناها قضاء كل الأيام التي أفطرتها
للحمل أو للإرضاع معناها أنه يجب عليها أن تصوم عدة سنوات متصلة بعد ذلك، وفي هذا
عسر، والله لا يريد بعباده العسر.
من غلبه الجوع والعطش وخاف
الهلاك
ومن أصحاب الأعذار من يجب عليه الفطر
وجوبًا، ولا يكون مجرد رخصة.
- قال العلماء: من غلبه الجوع والعطش فخاف الهلاك لزمه الفطر، وإن كان صحيحًا
مقيمًا، لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (النساء: 29)،
وقوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة: 195). وقوله: (وما جعل عليكم في
الدين من حرج) (الحج: 78).
o
ويلزم القضاء كالمريض (انظر: المجموع
للنووي -6 / 258).
قضاء رمضان
ومن كان عليه صيام أيام من رمضان، أفطر فيه بعذر، كالمريض والمسافر
والحائض، والنفساء، ومن شق عليه الصوم، مشقة شديدة، فأفطر، والحامل والمرضع، عند
من يرى عليهما القضاء، فينبغي له أن يبادر بقضاء ما فاته بعدد الأيام التي أفطر
فيها، تبرئة لذمته، ومسارعة إلى أداء الواجب، واستباقًا للخيرات.
هل يشترط التتابع :
·
يجوز أن يكون قضاء رمضان متتابعًا وهو أفضل، مسارعة إلى إسقاط الفرض،
وخروجًا من الخلاف (فقد أوجبه بعض العلماء لأن القضاء يحكى الأداء، وهو متتابع)
وأن يقضيه مفرقًا، وهو قول جمهور السلف والخلف، وعليه ثبتت الدلائل، لأن
التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه فيه، فأما بعد انقضاء رمضان، فالمراد صيام
عدة ما أفطر،
- ولهذا
قال تعالى: (فعدة من أيام أخر) ولم يشترط فيها تتابعا.. بل قال بعدها:
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ومن أفطر في قضاء رمضان متعمدًا
·
ومن أفطر في قضاء رمضان متعمدًا ولو بالجماع فلا كفارة عليه، وإنما
عليه يوم مكان يوم، وذلك لأن الأداء متعين بزمان له حرمة خاصة، فالفطر انتهاك له،
بخلاف القضاء، فالأيام متساوية بالنسبة إليه.
من أتى عليه رمضان آخر، ولم
يقض ما عليه
ومن أتى عليه رمضان آخر، ولم يقض ما عليه من رمضان الفائت، فإن كان
ذلك بعذر فلا شيء عليه بالإجماع، لأنه معذور في تأخيره.
·
وإن كان تأخيره للقضاء بغير عذر، فقد جاء عن عدد من الصحابة: أن
عليه عن كل يوم إطعام مسكين، كفارة عن تأخيره.
وأخذ بذلك مالك والثوري والشافعي وأحمد
وغيرهم (المغني مع الشرح الكبير -81/2).
وهناك رأي آخر: أن لا شيء عليه غير القضاء وهو رأي النخعي وأبو حنيفة وأصحابه، ورجحه
صاحب (الروضة الندية) لأنه لم يثبت في ذلك شيء، صح رفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، وغاية ما فيه آثار عن جماعة من الصحابة من أقوالهم، وهي ليست حجة على أحد،
ولا تعبد الله بها أحدًا من عباده، والبراءة الأصلية، مستصحبة فلا ينقل عنها إلا
ناقل صحيح (الروضة الندية لصديق حسن خان -232/1).
وأرى
الأخذ بما جاء عن الصحابة على سبيل الاستحباب، لا الوجوب، فهو نوع من جبر التقصير
بالصدقة، وهو أمر مندوب إليه. أما الوجوب فيحتاج إلى نص من المعصوم ولم يوجد.
من مات وعليه صيام
·
إذا مات المريض أو المسافر، وهما على حالهما من المرض
والسفر، لم يلزمهما القضاء، لعدم إدراكهما عدة من أيام أخر.
·
وإن صح المريض، وأقام المسافر، ثم ماتا، لزمهما القضاء
بقدر الصحة والإقامة لإدراكهما العدة بهذا المقدار.
ومعنى اللزوم هنا أنه أصبح في
ذمته، وتبرأ ذمته بأحد أمرين:
1- إما بصيام وليه عنه، لحديث عائشة في الصحيحين مرفوعا: "من مات وعليه
صيام، صام عنه وليه" (متفق
عليه.)
- ويؤيد ذلك ما رواه الشيخان، عن ابن عباس: جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه
عنها؟ قال: "نعم فدين الله أحق أن يقضى" (اللؤلؤ والمرجان -705).
·
ومن المعلوم أن الإنسان ليس مُطالبًا بقضاء دين غيره إلا
من باب البر والصلة، لأن الأصل براءة الذمم، وأن المكلف غير ملزم بأداء ما يثبت في
ذمة غيره.
فالصحيح جواز الصيام عن الميت
لا وجوبه، وبه تبرأ ذمة الميت.
2- وإما بالإطعام عنه، أي بإخراج طعام مسكين من تركته
وجوبًا، عن كل يوم فاته لأنه دَيْن لله، تعلق بتركته، ودَيْن
الله أحق أن يقضى.
-
واشترط بعض الفقهاء أن يكون قد أوصى بذلك، وإلا لم يخرج
من تركته شيء لأنها حق الورثة.
* والصحيح أن حق الورثة من بعد وصية يوصي بها
أو دَيْن وهذا دَيْن، لأنه حق المساكين في ماله،
والله أعلم.
بين الفدية والكفارة :
-
الفدية هي المذكورة في قول الله
تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
ومقدار الفدية بالنسبة للمريض الذي لا يصوم ولا أمل
له في الشفاء. وبالنسبة للعجزة ومن يقاس عليهم، ومن لم يقض دين رمضان السابق
مفرطا، فالمطلوب من هؤلاء جميعا إخراج مد من غالب قوت أهل البلد عن كل يوم.
- لما رواه الدارقطني
بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل
يوم مدا مدا".
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام
(ص111) :
فيجب على المريض المستمر مرضه، وعلى الكبير من ذكر وأنثى إذا
عجزوا عن الصوم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، سواء إطعاماً بتمليك بأن يدفع إلى
الفقراء هذا الإطعام، أو كان الإطعام بالدعوة يدعو مساكين بعدد أيام الشهر فيعشيهم
كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل حين كبر صار يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشيهم
فيكون ذلك بدلاً عن صوم الشهر" اهـ .
- وأما الكفارة فهي التي ورد ذكرها في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال:
وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن
تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال:
ثم جلس، فأوتي النبي صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ[5]
فيه تمر، فقال صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا، قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل
بيت أحوج منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب
فأطعمه أهلك» (رواه البخاري ومسلم.
·
والكفارة خاصة عند جمهور
أهل العلم بمن جامع زوجته في نهار رمضان متعمداً فقط.
-
وقال بعض أهل العلم: تجب الكفارة في حق من تعمد انتهاك حرمة
صوم رمضان سواء كان ذلك بأكل أو شرب أو جماع، وقول الجمهور أرجح.
·
والكفارة واجبة عند جمهور العلماء على الترتيب فيبدأ بالعتق أولاً ونظراً لعدم وجود رقيق في عصرنا الحاضر فيبدأ
بصوم ستين يوماً متتابعةً لا يصح قطعها إلا بعذر شرعي، فإن كان عاجزاً عن الصيام فإنه يطعم ستين
مسكيناً.
ما يُفطر الصائم وما
لا يُفطره
توسع كثير من الفقهاء فيما
يفطِّر الصائم توسعًا كبيرًا..
1. فذكر الأحناف، حوالي سبعة وخمسين مُفَطِّرًا،
2. وذكر الشافعية أيضًا أشياء كثيرة،
3. وتفنن المتأخرون في المُفطرات تفننا غريبًا، قعَّدوا له
قواعد، ثم بنوا عليها فروعًا لا تحصر. والقواعد نفسها غير مسلمة؛ لأنه لم يقم
عليها دليل محكم من القرآن والسنة.
- فقد قالوا: إن إيصال عين - وإن قلت كسمسمة، أو لم تؤكل كحصاة - من
منفذ مفتوح إلى جوف الصائم يفطِّره.
* ثم فسروا الجوف
بأنه: ما يسمى جوفًا، وإن لم يكن فيه قوة تحليل الغذاء، أو
الدواء، كحلق، ودماغ، وباطن أذن، وبطن وإحليل، ومثانة وهي مجمع البول..
. فلو كان برأسه مأمومة (إصابة بالدماغ) فوضع
عليها دواء، فوصل خريطة الدماغ أفطر
. ولو
وضع على جائفة (جرح بالجوف) دواء فوصل جوفه أفطر، وإن لم يصل باطن الأمعاء.
. وذكروا هنا أن
استعمال الحقنة (الشرجية كما تسمى الآن) يُفطِّر، سواء وصل الدواء إلى الداخل أم
لا؟ لأن مجرد وضع الحقنة مُفطِّر.
. وكذلك لو أدخل إلى باطن أذنه عمودًا يُفطر.
ومما قاله المتأخرون وسجلوه في
كتبهم، وتناقله المهتمون بفقه الجزئيات والفروع المذهبية:.
(وينبغي الاحتراز حالة الاستنجاء، لأنه متى أدخل طرف
إصبعه دبره أفطر ولو أدنى شيء من رأس الأنملة، بل لو خرج منه غائط، ولم ينفصل، ثم
ضم دبره، فدخل منه شيء إلى داخله يفطر... إلخ. ومثله فرج الأنثى.
. ولو
طعن بسكين فوصل السكين جوفه أفطر!.
ومما سمعته في دروس المشايخ
وأنا صغير، وقرأته في كتب الشافعية وأنا كبير: لو أصبح وفي فمه خيط متصل بجوفه،
كأن أكل بالليل كنافة، وبقي منها خيط بفمه، تعارض عليه الصوم والصلاة، لبطلان
الصوم بابتلاعه، لأنه أكل عمدًا، ونزعه استقاءة! وبطلان الصلاة ببقائه لاتصاله
بنجاسة الباطن!.
الحدود العاماة للمفطرات :
ففي القرآن قال تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم
الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)(البقرة:
187).
فهذه هي الأشياء الثلاثة المحددة، التي منع منها الصائمون، من تبين
الفجر إلى دخول الليل، وذلك بغروب الشمس. كما بينه الحديث.
- وأكدت
ذلك السنة بما جاء في الحديث القدسي:
"كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي،
ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي" (رواه ابن خزيمة في صحيحه برقم -1897 عن أبي هريرة، وإسناده صحيح).
- قال ابن قدامة: (ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل
والشرب فما عداهما يبقى على أصل الإباحة).
مفطرات الصوم أنواع :
- المفطر الأول : الأكل
والشرب . وهو مفطر بالإجماع للآية السابقة .
- المفطر الثاني : ما كان في معنى الأكل والشرب ، وهو ثلاثة أشياء :
أولاً : القطرة في الأنف ، التي يعلم أنها تصل إلى الحلق ،
- وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " أخرجه مسلم
من حديث لقيط رضي الله عنه. فالحديث يفهم
أنه لو دخل الماء من الأنف إلى الجوف فقد أفطر .
ثانياً : مما يدخل في معنى الأكل والشرب : المحاليل المغذية التي تصل إلى المعدة من طريق الفم ، أو الأنف . و كذا الإبر المغذية ؛ فإنها تقوم مقام الأكل والشرب فتأخذ حكمها ، ولذلك فإن المريض يبقى على المغذي أياماً دون أكل أو شرب ، و لا يشعر بجوع أو عطش .
ثالثاً : مما يدخل
في معنى الأكل والشرب : حَقن الدم في المريض ؛ لأن الدم هو غاية الأكل والشرب فكان
بمعناه .
- المفطر الثالث : الجماع ، وهو مفطر بالإجماع .
- المفطر الرابع : إنزال المني باختياره بمباشرة ، أو استمناء ، ونحو ذلك ؛ لأنه من الشهوة التي أمر الصائم أن يدعها.
- كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدع شهوته ، وأكله ، وشربه من أجلي " متفق
عليه .
ومعلوم أن من فعل ذل ذلك عامداً مختاراً ، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها . أما الاحتلام فليس مفطراً بالإجماع .
ومعلوم أن من فعل ذل ذلك عامداً مختاراً ، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها . أما الاحتلام فليس مفطراً بالإجماع .
- المفطر الخامس : التقيؤ عمداً ، وهو مفطر بالإجماع .
- أما من غلبه القيء فلا شيء عليه . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض " أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح..
ونقل ابن
بطال عن ابن عباس وابن مسعود عدم الإفطار بالقيء، مطلقًا ذرعه أو تعمده.
وعلَّق
البخاري عن ابن عباس وعكرمة قالا: الصوم مما دخل، وليس مما خرج.
وإيراد
البخاري لهذه الآثار يدل على أن مذهبه عدم الفطر بالقيء مطلقًا.
وأما حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر. فلا يدل على أن القيء مفطر بذاته، بل كما يقال: مرض فأفطر، أو أصابه
جهد ومشقة فأفطر، أي أفطر بأن أكل أو شرب. هكذا فسره الطحاوي رحمه الله.
-المفطر السادس : خروج دم
الحيض والنفاس ، وهو مفطر بالإجماع .
فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من النهار فقد أفطرت ، أو كانت حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر لم ينعقد صومها ، و تكون مفطرة ذلك اليوم .
-ومن الأدلة على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من النهار فقد أفطرت ، أو كانت حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر لم ينعقد صومها ، و تكون مفطرة ذلك اليوم .
-ومن الأدلة على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
ثانياً : أمور ليست من
المفطرات . وهي :
أولاً : خروج
الدم من الإنسان ، غير دم الحيض والنفاس ؛ كالتبرع بالدم ، أو إخراجه للتحليل ، أو
خروجِه بسبب رعاف أو جرح ، أو بالاستحاضة ، وغيرِ ذلك .
لأن الأصل في الأشياء أنها غير مفطرة ، إلا إذا دل الدليل على كونها مفطرة ، ولا دليل .
لأن الأصل في الأشياء أنها غير مفطرة ، إلا إذا دل الدليل على كونها مفطرة ، ولا دليل .
هل الحجامة تفطر الصائم؟
فأما
الحجامة - وهي أخذ الدم من الجسم بطريق المص، وكان العرب يتداوون بها - فقد ذهب
إلى التفطير بها:
1.
أحمد وإسحاق وبعض فقهاء الحديث، وهو مروي عن بعض الصحابة والتابعين. وقد قالوا :يفطر الحاجم
والمحجوم.
- وحجتهم: حديث ثوبان مرفوعًا: "أفطر الحاجم والمحجوم" (قال
النووي: رواه أبو داود وابن ماجة بأسانيد صحيحة
2.
وجمهور الفقهاء: على أن الحجامة لا تفطر، لا الحاجم ولا المحجوم.
- وحجتهم: حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه
وسلم، احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم (رواه
البخاري في صحيحه، كما في المجموع -35/6).
- وسُئل أنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم. وفي رواية: على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف (رواه
البخاري، المصدر السابق).
والظاهر
من هذه النقول: أن حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" إن أخذ بظاهره، قد نسخ،
بدليل حديث ابن عباس في احتجامه عليه الصلاة والسلام، وهو متأخر، لأنه كان في حجة
الوداع وأحاديث الترخيص في الحجامة تدل علي أنها متأخرة، كما في حديث أنس وغيره،
وغالب ما يستعمل الترخيص بعد المنع.
* والقاعدة: أنه إذا وجد حديثان متعارضان ، ولم يمكن الجمع بينهما ،لم يجز إعمال قواعد الترجيح بين الأدلة المتعارضة إلا إذا جهل التاريخ ، وهنا قد علمنا المتقدم من المتأخر فيكون المتأخر ناسخاً للمتقدم ، كيف وحديثا أنس وأبي سعيد صريحان في نسخ الفطر بالحجامة .
·
وعلى هذا يعرف حكم أخذ الدم من الجسم في الصيام، فعلى رأي الجمهور: لا يُفطر، ولكن قد يكره من أجل الضعف، أي إذا كان يضعف المأخوذ منه.
* وعلى رأي أحمد: إذا قيس على الحجامة يُفطر، وإذا وقف عند النص لم يُفطر.
مضمضة والاستنشاق للصائم
المضمضة والاستنشاق في الوضوء، إما سنتان من سننه كما هو
مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي
كل ما على المسلم في حالة الصيام ألا يبالغ فيهما . كما
يبالغ في حالة الإفطار
- فقد جاء في الحديث: " إذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائمًا "
(أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة والبيهقي)
على أن المضمضة لغير الوضوء أيضًا لا يؤثر على صحة الصيام
. ما لم يصل الماء إلى الجوف . والله أعلم.
وقال عطاء: إن استنثر فدخل
الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك (ذكر في (الفتح) هذا الأثر موصولاً عن عبد الرزاق
عن ابن جريج: قلت لعطاء: إنسان يستنثر فدخل الماء في حلقه! قال: لا بأس بذلك. قال:
وقاله عمر عن قتادة). - أي لم يملك دفع الماء - فإن ملك دفعه فلم يفعل حتى دخل
حلقه أفطر.
·
وقال الحسن: لا بأس بالمضمضة
والتبرد للصائم.
·
وقال: إن دخل حلقه الذباب
فلا شيء عليه (فتح الباري -155/4).
الإفطار مما يتغذى به :
- وقال
الإمام ابن قدامة: (أجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب
بما يتغذى به. فأما ما لا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحمل به،
·
وقال الحسن بن صالح: لا
يفطر بما ليس بطعام ولا شراب
نوازل معاصة غير مفطرة :
أولاً : الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات :[6]
1. قطرة العين ، أو قطرة الأذن ، أو غسول الأذن ، أو قطرة الأنف ، أو بخاخ الأنف ، إذا اجتنب ما نفذ إلى الحلق .
2. الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية ، وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
3. ما يدخل المهبل من تحاميل ، أو غسول ، أو منظار .
4. إدخال المنظار ، أو اللولب ، ونحوهما إلى الرحم .
5. ما يدخل الإحليل ؛ أي مجرى البول الظاهر للذكر و الأنثى ، أو منظار ، أو دواء ، أو محلول لغسل المثانة .
6. حفر السن ، أو قلع الضرس ، أو تنظيف الأسنان ، أو السواك وفرشاة الأسنان ، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق
7. المضمضة ، والغرغرة ، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
8. غاز الأكسجين .
9. غازات التخدير ، ما لم يعط المريضُ سوائلَ مغذية .
10. ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات ، والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكميائية .
11. إدخال (أنبوب دقيق ) في الشرايين لتصويرِ ، أو علاجِ أوعية القلب ، أ, غيره من الأعضاء .
12. إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء ، أو إجراء عملية جراحية عليها .
13. أخذ عينات من الكبد ، أو غيره من الأعضاء ، مالم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل .
14. دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي .
جامعة الكلام وخلاصته :
الإمام الظاهري أبو محمد بن حزم، لم يجد في
ظواهر نصوص الشرع ما يؤيد التوسع الذي ذهب إليه جمع من الفقهاء، فقال في
(المُحلى):.
ولا ينقض الصوم حجامة، ولا احتلام.. ولا قيء غالب، ولا قلس خارج من
الحلق ما لم يتعمد رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه، ولا دم خارج من الأسنان
أو الجوف، ما لم يتعمد بلعه، ولا حقنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل أو
في أنف ولا استنشاق وإن بلغ الحلق، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد ولا كحل - أو
إن بلغ إلى الحلق نهارًا أو ليلاً - بعقاقير أو بغيرها، ولا غبار طحن، أو غربلة
دقيق، أو حناء، أو غير ذلك أو عطر، أو حنظل، أو أي شئ كان، ولا ذباب دخل الحلق
بغلبة، ولا من رفع رأسه فوقع في حلقه نقطة ماء بغير تعمد لذلك منه، ولا مضغ زفت أو
مصطكي أو علك، ولا سواك برطب أو يابس، ومضغ طعام أو ذوقه، ما لم يتعمد بلعه، ولا
مداواة جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك، ولا طعام وجد بين الأسنان:
أي وقت من النهار وجد، إذا رمي، ولا دخول حمام، ولا تغطيس في ماء، ولا دهن شارب)
(المحلى لابن حزم -300/6،301).
قال أبو محمد: (إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل، والشرب والجماع وتعمد
القيء والمعاصي، وما علمنا أكلا، ولا شربًا، يكون على دبر، أو إحليل أو أذن أو
عين، أو أنف، أو من جرح في البطن، أو الرأس!!...
-
وقال بن تيمية في الفتاوي الكبرى :
وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها الرسول صلى
الله عليه وسلم بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقل الأمة ذلك: فمعلوم أن الكحل ونحوه
مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر
لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره. فلما لم يبين ذلك علم أنه
من جنس الطيب والبخور والدهن، والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد
أجسامًا، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى
بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادّهانه،
وكذلك اكتحاله.
من أفطر ناسياً أو مخطئاً .
ومثال الخطأ : من ظن أن الفجر لم يطلع فأكل وهو طالع ، أو ظن أن الشمس
قد غربت فأكل وهي لم تغرب . فصومه صحيح و لا شيء عليه ، على القول الراجح من أقوال
العلماء .
والدليل على ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : " أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ، ثم طلعت الشمس " أخرجه البخاري .
ودليل الناسي حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه .
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه
حقيقةُ الصيام : أنه لم ينقل أنهم
قضوا ذلك اليوم ، ولو أمروا بقضائه لنقل إلينا كما نقل فطرهم .
0 comentarios:
Publicar un comentario