martes, 16 de septiembre de 2014

الرفق بالحيوان في الإسلام

0 comentarios
 فقد كانت الإنسانية حتى العصر الحديث لا ترى أن للحيوان نصيباً من الرفق، أو حظاً من الرحمة. ولا تزال بعض الأمم المعاصرة تتلهى بقتل الحيوان في أعيادها ومجال أفراحها ورياضتها. وهنا تبرز حضارتنا في مبادئها وواقعها بثوب من الرحمة والشعور الإنساني المرهف لم تلبسه حضارة من قبلها، ولا أمة من بعدها حتى اليوم. ذلك هو الرفق بالحيوان والرحمة به، رحمة تلفت النظر وتدعو إلى العجب والدهشة، وإليكم بعض الأحاديث عن هذا.

·       أول ما تعلنه مبادئ حضارتنا في مجال الرفق بالحيوان، أن تقرر أن عالم الحيوان كعالم الإنسان له خصائصه وطبائعه وشعوره: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (1). فله حق الرفق والرحمة كحق الإنسان (الراحمون يرحمهم الرحمن) .[2]
  - بل إن الرحمة بالحيوان قد تُدخِل صاحبها الجنة: (بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله تعالى له فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال: في كل ذات كبدٍ رطبة) [3]

كما أن القسوة على الحيوان تدخل النار (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض). [4]

وتمضي الشريعة في تشريع الرحمة بالحيوان، فتحرم المكث طويلاً على ظهره وهو واقف فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي) [5]

 وتحرم إجاعته وتعريضه للضعف والهزال. فقد مرّ عليه السلام ببعير قد لصق ظهره ببطنه فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة) ..[6]

 كما تحرم إرهاقه بالعمل فوق ما يتحمل. دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بستاناً لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح دموعه، ثم قال: من صاحب هذا الجمل؟ فقال صاحبه: أنا يا رسول الله، فقال له عليه الصلاة والسلام: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه) [7](أي تتعبه بكثرة استعماله).

كما تحرم التلهي به في الصيد (من قتل عصفوراً عبثاً، عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة)[8].

واتخاذه هدفاً لتعليم الإصابة، فقد (لعن رسول الله من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً) [9](أي هدفاً)

 وتنهى عن التحريش بين الحيوانات ووسمها في وجوهها بالكي والنار (أي كيها لتعلم من بين الحيوانات الأخرى) فقد مرّ الرسول على حمار قد وسم في وجهه، فقال: لعن الله الذي وسمه[10].

أما إذا كان الحيوان مما يؤكل، فإن الرحمة به أن تُحدّ الشفرة، ويسقي الماء ويراح بعد الذبح قبل السلخ: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحّد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)[11].

بل إن إضجاع الحيوان للذبح قبل إحداد الشفرة قسوة لا تجوز، أضجع رجل شاة للذبح وهو يحد شفرته، فقال له عليه السلام: (أتريد أن تميتها موتتان؟ هلاّ أحددت شرفتك قبل أن تضجعها) [12]
                                                   
واسمعوا ما أروع هذه الرحمة بالحيوان وأبلغ دلالتها على روح حضارتنا. قال عبد الله بن مسعود: (كنا  مع رسول الله في سفر، فرأينا حمّرة (طير يشبه العصفور) معها فرخان لها، فأخذناهما فجاءت الحمّرة تعرّش (ترفرف بجناحيها)، فلما جاء رسول الله قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد أحرقناها فقال: من أحرق هذه؟ قلنا: نحن، قال إنه لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلى رب النار).[13]

وعلى ضوء هذه التعاليم يقرر الفقهاء المسلمون من أحكام الرحمة بالحيوان ما لا يخطر بالبال. فهم يقررون أن النفقة على الحيوان واجبة على مالكه، فإن امتنع أجبر على بيعه أو الإنفاق عليه، أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه، أو ذبحه إذا كان مما يؤكل.

·       هذه هي مبادئ الرفق بالحيوان في حضارتنا وتشريعنا. فكيف كان الواقع التطبيقي لها؟

بينما رسول الله في بعض سفره، إذ سمع امرأة من الأنصار تلعن ناقة لها وهي تركبها، فأنكر ذلك عليها وقال: (خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة)، وأخذت الناقة وتركت تمشي في الناس لا يعرض لها أحد .[14]

  -مرّ عمر برجل يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له: ويلك قدها إلى الموت قوداً جميلاً".

أما عناية الدولة فليس أدلّ على ذلك من أن خلفاءها كانوا يذيعون البلاغات العامة على الشعب يوصونهم فيها بالرفق بالحيوان ومنع الأذى عنه والإضرار به.

   -فقد أذاع عمر بن العزيز في إحدى رسائله إلى الولاة أن ينهوا الناس عن ركض الفرس في غير حق.
 - وكتب إلى صاحب السكك (وهي وظيفة تشبه مصلحة السير) أن لا يسمحوا لأحد بإلجام دابته بلجام ثقيل أو أن ينخسها بمقرعة في أسفلها حديدة.

وكان من وظيفة المحتسب (وهي وظيفة تشبه في بعض صلاحياتها وظيفة الشرطي في عصرنا الحاضر) أن يمنع الناس من تحميل الدواب فوق ما تطيق، أو تعذيبها وضربها أثناء السير، فمن رآه يفعل ذلك أدّبه وعاقبه.
وأما المؤسسات الاجتماعية فقد كان للحيوان منها نصيب كبير. وحسبنا أن نجد في ثبت الأوقاف القديمة أوقافاً خاصة لتطبيب الحيوانات المريضة، وأوقافاً لرعي الحيوانات المُسنة العاجزة.

·       وهذا كله يدلك على روح الشعب الذي بلغ من الرفق بالحيوان إلى هذا الحد، وهو ما لا تجد له مثيلاً. ولعل أصدق مثال عن روح الشعب في ظل حضارتنا:

أن ترى صحابياً جليلاً كأبي الدرداء يكون له بعير فيقول له عند الموت: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك.

وأن صحابياً كعدي بن حاتم كان يفتّ الخبز للنمل ويقول: إنهن جارات لنا ولهن علينا حق.

وأن إماماً كبيراً كأبي إسحاق الشيرازي كان يمشى في طريق ومعه بعض أصحابه، فعرض له كلب فزجره صاحبه فنهاه الشيخ وقال له: أما علمت أن الطريق مشترك بيننا وبينه؟

ولا نستطيع أن نقدر هذه الظاهرة البارزة في حضارتنا وموقفها الإنساني الكريم مع الحيوان، إلا إذا علمنا كيف كان يعامل الحيوان في العصور القديمة والوسطى، وكيف كان موقف الأمم منه من جناياته وتعذيبه.

وأول ما يلفت النظر في ذلك أنك لا تجد في تعاليم تلك الشعوب ما يحمل على الرفق بالحيوان ووجوب الرحمة به. ومن ثم فلا تجد له حقوقاً على صاحبه من نفقة ورعاية.

ويلفت النظر بعد ذلك أخذ الحيوان بجنايته إذا جنى أو جنى صاحبه، ومعاملته في المسؤولية كمعاملة الإنسان العاقل المفكر! وهذا أغرب ما تضمنه تاريخ العصور القديمة والوسطى حتى القرن التاسع عشر. فقد كان الحيوان يحاكم فيها كما يحاكم الإنسان. ويحكم عليه بالسجن والتشريد والموت كما يحكم على الإنسان الجاني تماماً!

 وبعد فهذا هو موقف حضارتنا من الحيوان وموقف غيرنا من الأمم منه. ومنها يتضح أن حضارتنا امتازت بأمرين لا مثيل لهما عند الأمم القديمة وبعض الأمم الحديثة اليوم.
  أولهما- إقامة مؤسسات اجتماعية للعناية بالحيوان وتطبيبه وتأمين معيشته عند العجز والمرض والشيخوخة.
   ثانيهما- أن حضارتنا خلت من محاكمة الحيوان لأنها نادت برفع المسؤولية الجنائية عنه قبل ثلاثة عشر قرناً من مناداة الحضارة الحديثة بذلك.
    ثالثا: كما أن حضارتنا خلت من مظاهر القسوة والتحريش بين الحيوانات، وهي التي كانت معترفاً بها رسمياً لدى اليونان والرومان، ولا تزال معترفاً بها في إسبانيا حيث تقام الحفلات الكبرى لمصارعة الثيران، وهي بلا شك وحشية من بقايا وحشية الغربيين القدماء وفي العصور الوسطى .. وقد تنزهت عنها حضارتنا.



[1] جله من : مقتطفات من كتاب من روائع حضارتنا مصطفى بن حسني السباعي (المتوفى: 1384هـ)
[2]   رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم.
 [3]  أخرجه البخاري ومسلم ومالك وأحمد وأبو داود.
[4]  أخرجه البخاري ومسلم.       
[5] رواه أحمد والحاكم.
[6] رواه أبو داود وابن خزيمة.
[7] رواه أحمد وأبو داود.
[8]  رواه النسائي وابن حبان.
[9] رواه البخاري ومسلم.
[10] رواه الطبراني.
[11] رواه مسلم وأبو داود، ومالك والترمذي.
[12] رواه الطبراني والحاكم.
[13] أخرجه أبو داود.
[14] رواه مسلم.

0 comentarios:

Publicar un comentario