lunes, 17 de diciembre de 2012

الجنيد بن محمد بن الجنيد

1 comentarios


            الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا تغيره سنة ولا يوم، وكل باقٍ يفنى وله وحده الدوم، ومن أجله الصلاة ولحقه الصوم، يغضب على قوم ويرضى عن قوم، اشترى من المؤمنين أنفسهم فانعقد البيع بلا سوم، أورد الأحباب مشرع الهدى من غير بحث منهم ولا حوم، وغمسهم في بحر التكاليف ومن منه تعلموا العوم، كما بلغ أهل الكهف أقصى الأمل ومنتهى الروم، فناموا على سدة السيادة والملائكة تقلب القوم، فلما استيقظوا (قالَ قائِل مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لبِثنا يَوماً أو بَعضَ يَوم).
ومنهم المربي بفنون العلم المؤيد بعيون الحلم المنور بخالص الإيقان وثابت الإيمان العالم بمودع الكتاب والعامل بحلم الخطاب الموافق فيه للبيان والصواب أبو القاسم الجنيد بن محمد الجنيد كان كلامه بالنصوص مربوطا وبيانه بالأدلة مبسوطا فاق أشكاله بالبيان الشافي واعتناقه للمنهج الكافي ولزومه للعمل الوافي أبو القاسم الخزاز القواريري كان أبوه يبيع الزجاج وكان هو خزازا وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد
تعريفه
إنه الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي القواريري الخزاز، أبو القاسم،ولد سنة نيف وعشرين ومائتين سيِّدٌ من سادات الصوفية وعلَمٌ من أعلامهم، يعود مسقط رأسه إلى نهاوند، أما مولده ومنشأه ووفاته فببغداد، صحِب جماعة من المشايخ، واشتهر بصحبة خاله السّري السقطي، والحارث المحاسبي، درَس الفقه على أبي ثور أحد تلامذة الإمام الشافعي.
بداية أمره :
العلم والحال والسلوك  )شيخه سري السقطي(:
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والشيوخ الذين يقتدى بهم يدلون عليه (أي على الله عز وجل)، ويرشدون إليه، بمنزلة الأئمة في الصلاة (...) وبمنزلة الدليل الذي للحاج، يدلهم على البيت وهو وهم جميعا يحجون إلى البيت" الفتاوي ج 11 ص 499.

حصّل الجنيد العلم الضروري الذي لا يحصل إلا بالنقل وهو علم الفقه والحديث على أبي ثور، وكان يُفتي بحضرته وهو ابن عشرين سنة، ولم يكد يبلغ الثلاثين من عمره حتى رأى السري السقطي أنه أصبح مُؤهّلاً للجلوس والتدريس وإدارة حلقات العلم بالمساجد، غير أنه تحشّم ولم يجد نفسه أهلا لذلك، حتى رأى ليلة في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ليلة جمعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: تكلّم على الناس، فانتبه من نومه وأتى باب السري السقطي قبل أن يصبح...، فقال له السري: لم تُصدِّقنا حتى قيل لك...، وكان أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسما، فقعد الجنيد في غدٍ للناس بالجامع  ف وأنتشر في الناس أني قعدت أتكلم، فوقف علي غلام نصراني متنكر وقال: "أيها الشيخ! ما معنى قوله : (أتقوا فراسة المؤمن. فإنه ينظر بنور الله) فأطرقت، ثم رفعت رأسي فقلت: "أسلم! فقد حان وقت إسلامك!" فأسلم".. [وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان]
 - "وكانت مجالسه هي جامعة بغداد الكبرى، كان عُشّاق الأدب يحضرون مجالسه ليتزودوا بالمُضِيء من القول، والمُشرِق من البيان، ويحُف به الفقهاء ينشدون لديه القول الفصل والحكم المبين، ويحيط به الفلاسفة ليتفقهوا دقائق الحكمة وأسرار النفوس والأكوان، ويلوذ به المتكلمون ليأخذوا عنه طرائق البحث وفنون الحديث، ويتبعه رجال التصوف، فهو النبع الذي يتدفق رحيقه من عرش الإيمان".
-  وقال عن نفسه  : ما أخرج الله إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا ، إلا وقد جعل لي فيه حظا.
·        اجتماع العلم والحال :
-  قال الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير أبي القاسم الجنيد ولا أكثرهم كان يكون له علم كثير ولا يكون له حال وآخر كان يكون له حال كثير وعلم يسير والجنيد كانت له حال خطيرة وعلم غزير فإذا رأيت حاله رجحته على علمه وإذا رأيت علمه رجحته على حاله .

 -  وعن أبي محمد المرتعش قال قال الجنيد كنت بين يدي سرى السقطي ألعب وأنا إبن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي يا غلام ما الشكر فقلت ألا تعصي الله بنعمه فقال لي أخشى أن يكون حظك من الله لسانك قال الجنيد فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي .

بناء الطريقة على الكتاب والسنة :
-  وعن حامد بن إبراهيم قال قال الجنيد بن محمد الطريق إلى الله مسدود على خلق الله عز و جل إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه و سلم والتابعين لسنته كما قال الله عز و جل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

-  أبا محمد الجريري يقول سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله فقال الجنيد إن هذا قول قوم تكلموا بأسقاط الأعمال وهذه عندي عظيمة والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها وإنه لأوكد في معرفتي وأقوى في حالي.

 - وقال في التصوف : "التصوف هو تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بالعلوم الحقيقية، واستعمال ما هو أولى على الأبدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله على الحقيقة، وإتباع الرسول في الشريعة".
-  وقال الجنيد رحمه الله لابن شريح: "طريقنا أقرب إلى الحق من طريقكم، فطالَبَهُ بالبرهان، فقال الجنيد لرجل: ارم حجرا في حلقة الفقراء، ففعل فصاحوا كلهم: الله، ثم قالألقه في حلقة الفقهاء فألقاه، فقالوا: حرام عليك أزعجتنا، فقبل رأسه واعتذر وقال: لا يرتقي في الدرجات من لم يحكم بينه وبين الله أول البداية، وهي الفروض الواجبة، ثم الأوراد الزاكية، ومطايا الفضل، وعزائم الأمر، فمن أحكمها منّ الله عليه بما بعدها".[4]
-  وزاره الجريري فوجده يصلي فأطال، فلامه فقال: طريق عرفنا به ربنا لا نقتصر على بعضها، فالنفس ما حملتها، والصلاة صلة، والسجود قربة، ومن ترك طريق القرب أوشأن يسلك طريق البعد".
شهادة العلماء فيه :
-  وشهد له ابن الأثير بالإمامة، قال: "... وكان إمام الدنيا في زمانه...".

-  وقال الشيخ أبو جعفر الحداد: "لو كان العقل رجلا لكان الجنيد".

-  ووصفه الإمام ابن تيمية بأنه إمام من أئمة الهدى، قال: "... ولهذا كان الجنيد -رضي الله عنه- سيّد الطائفة إمام هدى...".
مجاهدته لنفسه وسلوكه
-  وعن أبي الحسن المجلسي قال قيل للجنيد ممن استفدت هذا العلم قال من جلوسي بين يدي الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة وأومى إلى درجة في داره.

-  وعن جعفر بن القاسم قال سمعت الجنيد يقول كان يعارضني في بعض أوقاتي أن أجعل نفسي كيوسف وأكون أنا كيعقوب فأحزن على ما فقدت من نفسي كما حزن يعقوب على فقد يوسف فمكثت مدة أعمل على حسب ذلك .
كراماته:
 -  وعن خير قال كنت يوما جالسا في بيتي فخطر لي خاطر أن أبا القاسم جنيدا بالباب أخرج إليه فنفيت ذلك عن قلبي وقلت وسوسة فوقع لي خاطر ثان يقتضي مني الخروج إن جنيدا على الباب فأخرج إليه فنفيت ذلك عن سري فوقع لي خاطر ثالث فعلمت أنه حق وليس بوسوسة ففتحت الباب فإذا أنا بالجنيد قائم فسلم علي وقال يا خير ألا خرجت مع الخاطر الأول .

 -  وعن أبي عمرو بن علوان قال خرجت يوما إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت حتى يدفن الميت في جملة الناس فوقعت عيني على إمرأة مسفرة من غير تعمد فألححت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله تعالى وعدت إلى منزلي فقالت لي عجوز يا سيدي مالي أرى وجهك أسود فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود فرجعت إلى سري أنظر من أين دهيت فذكرت النظرة فانفردت في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين يوما فخطر في قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال لي أدخل يا أبا عمرو تذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد..

كلامه:
 -  أحمد بن عبد الحميد السامري قال سمعت الجنيد بن محمد يقول معاشر الفقراء إنما عرفتم بالله وتكرمون له فإذا خلوتم به فأنظروا كيف تكونون معه.

 -  وعن أبي الطيب بن الفرحان قال سمعت الجنيد يقول علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه.

 -  وعن محمد بن نصير في كتابه قال قال الجنيد لو أقبل صادق على الله ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله

 وقال : "يا ابن آدم دينك دينك، نعوذ بالله من النار فإنها نار لا تنطفئ, وعذاب لا ينفد أبداً، ونفس لا تموت، يا ابنَ آدم إنك موقوف بين يدي الله ربك ومرتهن  لعملك فخذ مم في يديكَ لما بين يديك، عند الموت يأتيك الخبر، إنك مسئول ولا تجد جوابا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظاً لنفسك محاسباً لها وإلا فلا تلومن إلا نفسك".

وفاته:
-  إسمعيل بن نجيد يقول ودخل أبو العباس بن عطاء على الجنيد وهو في النزع فسلم عليه فلم يرد عليه ثم رد عليه بعد ساعة وقال اعذرني فإني كنت في وردي ثم حول وجهه إلى القبلة وكبر ومات رحمه الله.

-  وقال أبو محمد الحريري كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة وهو يقرأ القرآن فقلت يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال يا أبا محمد ما رأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي

-  وعنه قال حضرت عند الجنيد قبل وفاته بساعتين فلم يزل باكيا وساجدا فقلت له يا أبا القاسم قد بلغ بك ما أرى من الجهد فقال يا أبا محمد أحوج ما كنت إليه هذه الساعة فلم يزل باكيا وساجدا حتى فارق الدنيا.

  ** وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن بالشونيزيه، بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند خاله سري السقطي. وصلى عليه جمع كثير من الناس قدر عددهم بالآلاف.

1 comentarios:

Aburanda dijo...

قدس الله سره

Publicar un comentario