الحمد لله الذي بتحميده يستفتح كل كتاب وبذكره يصدر
كل خطاب وبحمده يتنعم أهل النعيم في دار الثواب وباسمه يتسلى الأشقياء وإن أرخى دونهم
الحجاب وضرب بينهم وبين السعداء بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب
ونتوب إليه توبة من يوقن أنه رب الأرباب ومسبب الأسباب ونرجوه رجاء من يعلم أنه الملك
الرحيم الغفور التواب ونمزج الخوف برجائنا مزج من لا يرتاب أنه مع كونه غافر الذنب
وقابل التوب شديد العقاب
ونصلى على
نبيه محمد صلى الله عليه و سلم وعلى آله وصحبه صلاة تنقذنا من هول المطلع يوم العرض
والحساب وتمهد لنا عند الله زلفى وحسن مآب
كانت تنزل الأبلة. وكانت عجيبة حسنة الصوت طيبة
النغمة تعظ الناس. يقرأ لهم ويحضرها الزهاد والعباد والمتقربة وأرباب القلوب
والمجاهدات. وكانت هي من المجتهدات الخائفات الباكيات والمبكيات.
قصة توبتها :
كانت مشهورة بالتهتك والرقص والبغاء ، وما كان مجلس فساد يقام إلاّ وفيه
شعوانة .. كانت ذات يوم تسير هي وجواريها في أحد الأزقّة وصادف ان مرّت عند باب
أحد الزهاد في ذلك العصر ، وتناهى إلى سمعها هناك صوت بكاء
وعويل من داخل الدار .
ارسلت احدى جواريها لتأتيها بخبر ما يجري ، وأمرتها ان تعود اليها سريعاً.. وقالت مع نفسها : ان في البصرة عزاءً ونحن لاندري.. ودخلت الجارية الدار ولم تعد، فأرسلت وراءها بجارية أخرى ، ولكن الثانية لم تعد هي الأخرى .. وارسلت من بعدهما سائر الجواري، ولم تعد اليها أية واحدة منهن. غضبت وقالت : ما الخبر ؟.. ارسلت جميع الجواري ، ولم تعد واحدة منهن .. لا بد وان هنالك سر في هذه الدار ، وما هذا العزاء بعزاء اموات ، بل عزاء الاحياء ، هذا عزاء المذنبين ، العاصين ، المجرمين ، واصحاب الصحائف السود .. ثم قررت ان تدخل الدار بنفسها لتطلع على حقيقة الامر .
دخلت الدار فوجدت رجلاً صالحاً على المنبر وناساً كثيرين حول المنبر يبكون ، كان الواعظ يفسّر لهم الآية الكريمة: { واذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيّظاً وزفيراً }. سورة الفرقان: 12.. وانهم اذا ألقوا فيها تربط اعناقهم بسلاسل من حديد :
{ واذا ألقوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً} .سورة الفرقان: 13.. فيناديهم مالك : ويحكم !.. سرعان ما تعالت اصواتكم ، لازلتم في البداية ، وهل رأيتم حرّها ؟.. ان وراءكم عذاباً وآلاماً اكثر ، فكيف ستفعلون ؟... فكان ذلك سببا لأنابتها ...
ارسلت احدى جواريها لتأتيها بخبر ما يجري ، وأمرتها ان تعود اليها سريعاً.. وقالت مع نفسها : ان في البصرة عزاءً ونحن لاندري.. ودخلت الجارية الدار ولم تعد، فأرسلت وراءها بجارية أخرى ، ولكن الثانية لم تعد هي الأخرى .. وارسلت من بعدهما سائر الجواري، ولم تعد اليها أية واحدة منهن. غضبت وقالت : ما الخبر ؟.. ارسلت جميع الجواري ، ولم تعد واحدة منهن .. لا بد وان هنالك سر في هذه الدار ، وما هذا العزاء بعزاء اموات ، بل عزاء الاحياء ، هذا عزاء المذنبين ، العاصين ، المجرمين ، واصحاب الصحائف السود .. ثم قررت ان تدخل الدار بنفسها لتطلع على حقيقة الامر .
دخلت الدار فوجدت رجلاً صالحاً على المنبر وناساً كثيرين حول المنبر يبكون ، كان الواعظ يفسّر لهم الآية الكريمة: { واذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيّظاً وزفيراً }. سورة الفرقان: 12.. وانهم اذا ألقوا فيها تربط اعناقهم بسلاسل من حديد :
{ واذا ألقوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً} .سورة الفرقان: 13.. فيناديهم مالك : ويحكم !.. سرعان ما تعالت اصواتكم ، لازلتم في البداية ، وهل رأيتم حرّها ؟.. ان وراءكم عذاباً وآلاماً اكثر ، فكيف ستفعلون ؟... فكان ذلك سببا لأنابتها ...
جاءت
ذات يوم إلى الحمام لتغتسل ونظرت إلى بدنها ، فوجدت نفسها قد صارت ضعيفة وقد لصق جلدها بالعظم فتحسرت وقالت :آه يا شعوانة هكذا صار حالك في
الدنيا !.. ولا اعلم ماذا سيكون شأنك غداً في الآخرة ؟!..
فجأة سمعت صوتاً ينادي: يا شعوانة !.. لا تبعدي عنا والزمي بابنا لنرى ما سيكون عليه شأنك غداً في الآخرة .. فكبر شأنها شيئاً فشيئاً حتّى غدت من الاولياء ، وصاروا يعقدون مجلساً تتحدث هي فيه وتهطل دموعها.
فجأة سمعت صوتاً ينادي: يا شعوانة !.. لا تبعدي عنا والزمي بابنا لنرى ما سيكون عليه شأنك غداً في الآخرة .. فكبر شأنها شيئاً فشيئاً حتّى غدت من الاولياء ، وصاروا يعقدون مجلساً تتحدث هي فيه وتهطل دموعها.
يقول
مالك بن ضيغم: قال لي أبي يوماً: انطلق مع منبوذ حتى تأتي هذه المرأة الصالحة فتنظر إليها - يعني
شعوانة - فانطلقت أنا وأبو همام - منبوذ - إلى البلة, ثم غدونا عليها فدخلنا فسلم
عليها منبوذ وقال: هذا ابن أخيك ضيغم, فرحبت به وقالت: مرحباً بابن من لم نره ونحن
نحبه, أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى أبيك وما يمنعني من إتيانه إلا أني أخاف
أن اشغله عن خدمة سيده, وخدمة سيده أولى به من محادثة شعوانة. ثم قالت: ومن
شعوانة؟ وما شعوانة؟ أمة سوداء عامية.
فقلت لها: أوصني, قالت: أوصيك بتقوى الله فإنه يقول: (إن
الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون). فقال منبوذ: أول أمس رأيت راعياً يصلي
والذئب يحرس له غنمه, فلما فرغ من صلاته سألته: متى اصطلح الذئب مع الغنم؟
قال الراعي: لما اصطلح رب الغنم مع رب الذئب. قالت شعوانة:
صدق الراعي, فهتف أبو همام: ماذا فعل الفأر في بيتك؟ وكانت شعوانة تشتكي كثرة
الفئران في بيتها, فسألت أبا همام: ماذا تعني بسؤالك هذا؟ فقال منبوذ: اشتكت
شعوانة كثرة الفئران في بيتها.
فقلت: اقتني هرة, فقالت شعوانة: أخشى أن يسمع
الفأر صوت الهرة فيهرب إلى دور الجيران فأكون قد أحببت لهم ما لا أحبه لنفسي وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »احب لأخيك ما تحب لنفسك).
فقلت لها: أيهما افضل الورع أم الصوم والصلاة؟
قالت شعوانة: مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة.
قال منبوذ: ما الفرق بين ورع العوام وورع الخواص؟ قالت
شعوانة: عن ورع العوام ترك الشبهات وأما ورع الخواص فهو صحة اليقين وكمال التعلق
برب العالمين وعدم الركون إلى غيره.
قلت: من أين لك هذا؟ قالت شعوانة: رأى أحد
الصالحين نفسه في المنام وله جناحان يطير بهما من شجرة إلى شجرة فقيل له: بما نلت
هذا: قال: بالورع.
ثم أخذت شعوانة في البكاء فلم تزل تبكي حتى خرجنا
من عندها وتركناها.
كانت شعوانة وزوجها إذا جاء الموسم انطلقا إلى مكة. يقول إبراهيم بن عبد
الملك: قدمت شعوانة وزوجها مكة فجعلا يطوفان فإذا أكل أو أعيا جلس وجلست خلفه
فيقول هو في جلوسه: أنا عطشان من حبك لا أروى, وتقول هي بالفارسية: أنبت لكل داء
دواء في الجبال, ودواء المحبين في الجبال لم ينبت.
ولقيت شعوانة في الحجر رجلاً من العباد كست وجهه
صفرة المرض فسألته: كيف تجدك؟ قال الرجل: ذنوب كثيرة ونفس ضعيفة وحسنات قليلة وسفرة
طويلة وغاية مهولة. فقال زوج شعوانة: ما معك من الزاد لما ذكرت؟ قال الرجل: معي
الامل في السيد الكريم.. ثم قال: اللهم لا تقطع بمؤملك في تلك الغمرات وارحمه في
تلك الحيرة والحسرات إذا انخلعت القلوب من غصص الندامات.
وجعل يشهق وينشد حتى مات.
ولما جن الليل دخلت شعوانة وزوجها الطواف فإذا
بجارية تطوف وتقول:
أبى الحب أن يخفى وكم كتمته فأصبح
عندي وقد أناخ وأطنبا
إذا
اشتد شوقي هام قلبي بذكره وان رمت
قرباً من حبيب تقربا
ويبدو فافنى ثم أحيا به له ويسعدني حتى ألذ وأطربا
فقالت لها شهوانة: يا جارية: أما تتقين الله تعالى؟ في مثل هذا
المكان تتكلمين بمثل هذا الكلام؟ فالتفتت إليها وقالت: يا شعوانة:
لولا التقى لم ترني أهجر طيب
الوسن
إن التقى شرَّدني كما ترى عن
وطني
أفر من وجدي به فحبسه هيمني
ثم تساءلت: يا شعوانة: تطوفين بالبيت أم برب البيت؟ قالت
شعوانة: أطوف بالبيت. فرجعت الجارية رأسها إلى السماء وقالت:
سبحانك ما أعظم مشيئتك في خلقك, خلق كالأحجار
يطوفون بالأحجار.
يقول الفضيل بن عياض: قدمت شعوانة فأتيتها فشكوت إليها وسألت أن تدعو
بدعاء. فقالت: يا فضيل: أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك؟ فشهق الفضيل
وخر مغشياً عليه.
عبد الرحمن محمد بن الحسين قال كانت كردوية تخدم شعوانة
فقيل لها ما الذي أصابك من بركات خدمة شعوانة قالت ما أحببت الدنيا منذ خدمتها ولااهتممت
لرزقي ولا عظم في عيني أحد من أرباب الدنيا لطمع لي فيه وما استصغرت أحدا من المسلمين
قط
معاذ بن الفضل أبو عون قال بكت شعوانة حتى خفنا عليها
العمى فقلنا لها في ذلك فقالت أعمى والله في الدنيا من البكاء احب إلي من أن أعمى في
الآخرة من النار
مالك بن ضيغم قال كان رجل من أهل الأبلة يأتي أبي كثيرا
فيذكر له شعوانة وكثرة بكائها فقال له أبي يوما صف لي بكاءها
فقال يا أبا مالك أصف لك هي والله تبكي الليل والنهار لا تكاد تفتر قال ليس
عن هذا أسألك كيف تبتدئ بالبكاء قال نعم يا أبا مالك تسمع الشيء من الذكر فترى الدموع
تنحدر من جفونها كالقطر فبكى أبي وقال ما أرى الخوف إلا قد أحرق قلبها كله ثم قال كان
يقال إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب حتى إذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين
ان يبكي إلا بكى والقليل من التذكرة يحزنه .
يحيى بن بسطام قال كنت اشهد مجلس شعوانة كثيرا فكنت أرى ما تصنع بنفسها
فقلت لصاحب لي يقال له عمران بن مسلم لو اتيناها إذا خلت قال فانطلقنا انا وهو إلى
الأبلة فاستأذنا عليها فأذنت لنا فإذا منزل رث الهيئة اثر الجدب عليه بين فقال لها
صاحبي لو رفقت بنفسك فقصرت عن هذا البكاء شيئا كان أقوى لك على ما تريدين قال فبكت
ثم قالت والله لوددت اني ابكي حتى تنفد دموعي ثم ابكي الدماء حتى لا تبقى في جسدي جارحة
فيها قطرة من دم وأنى لي البكاء قال فلم تزل تردد حتى انقلبت حدقتاها ثم مالت ساقطة
مغشيا عليها فقمنا فخرجنا وتركناها على تلك الحال.
روح بن سلمة قال قال لي مضر ما رأيت احدا اقوى على كثرة
البكاء من شعوانة ولا سمعت صوتا قط أحرق لقلوب الخائفين من صوتها إذا هي نشجت ثم نادت
يا موتى وبني الموتى وإخوة الموتى
وكانت تقول من لم يستطع البكاء فليرحم الباكين، فإن الباكي إنما يبكي
لمعرفته بنفسه وما جنى عليها وما هو سائر إليه، وكانت تبكي
وتقول: إلهي إنك لتعلم أن العطشان من حبك لا يروى أبداً...
عن الحارث بن المغيرة قال كانت شعوانة تنوح بهذين البيتين
يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل
حثيثا يروي اصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
0 comentarios:
Publicar un comentario